سُورِيَا أو سُورِيَة[24][25][26] أو (رسمياً: الجُمهُورِيّةُ العَرَبِيّةُ السُّورِيَّةُ كما صار اسمها منذ 1961)،[ا] هي دولة عربية تعد جمهوريةمركزية، مؤلفة من 14 محافظة، عاصمتها وأكبر مدنها هي دمشق.[27] تقع ضمن منطقة الشرق الأوسط في غربي آسيا؛ يحدها شمالاً تركيا، وشرقًا العراق، وجنوبًا الأردن، وغربًا فلسطين، ولبنان، والبحر الأبيض المتوسط،[28][29] بمساحة 185180 كم مربع، وتضاريس وغطاء نباتي وحيواني متنوّع، ومناخ متراوح بين متوسطي، وشبه جاف. تصنف سوريا جنبًا إلى جنب مع العراق بوصفها أقدم مواقع مهد الحضارة البشرية،[30] واشتقت اسمها حسب أوفر النظريات الأكاديمية من آشور؛ بكل الأحوال منطقة سوريا التاريخية مختلفة عن الدولة السورية الحديثة من ناحية الامتداد والمساحة، وتشير الأولى إلى بلاد الشام، أو الهلال الخصيب.
وجدت آثار بشرية في سوريا تعود لآلاف السنين، ومدينة دمشق تعتبر أقدم مدينة في العالم، وتحوي البلاد العديد من المستوطنات البشرية الممتدة منذ العصر الحجري، ازدهرت البلاد في العصور القديمة لخصوبة تربتها، وبوصفها طريقًا للقوافل التجارية أو الجيوش، وقامت فيها إمبراطوريات متعاقبة قوية اشتملت أغلبها على الهلال الخصيب برمته، وبرزت منذ القرن الحادي عشر قبل الميلاد الحضارة الآرامية التي استمرت هوية البلاد الحضارية الأساسية حتى استعراب غالبيتها مع حلول القرن الحادي عشر بعد الميلاد. في المرحلة الأنتيكية، كانت البلاد جزءًا من الإمبراطورية السلوقية - وبشكل ملحوظ لقّب الملوك السلوقيون أنفسهم ملك سوريا - ثم الإمبراطورية الرومانيةفالبيزنطية؛ وخلال القرون الوسطى بعد فتح الشام، كانت البلاد حاضرة الدولة الأموية - أكبر دولة إسلامية في التاريخ من حيث المساحة - وقامت خلال مرحلة الدولة العباسية عدد من الإمارات والدول ذات التأثير، تلى دوالها قيام سوريا العثمانية التي استمرت حتى الحرب العالمية الأولى. بعد الحرب أعلن استقلال سوريا في 8 مارس 1920 من قبل المؤتمر السوري العام، إلا أن فرنسا رفضت الاعتراف بالمؤتمر، وأصدرت في سبتمبر 1920 مراسيم التقسيم، لاحقًا وبشكل تدريجي حتى 1936 أعيد اتحاد خمسة كيانات ضمن الجمهورية السورية، التي نالت استقلالها التام عام 1946، لتنتهي فترة الديمقراطية البرلمانية القصيرة، والتي تخللتها أزمات عديدة، عام 1963 بقيام نظام الحزب الواحد، الاشتراكي. اندلعت عام 2011 الأزمة السورية، التي أدت لدمار واسع في البلاد، ووصفت بكونها أكبر كوارثها في العصر الحديث.
الشعب السوري، من الشعوب النامية، والمتنوع عرقيًا ولغويًا ودينيًا، ويشكل عرب - مستعربي سورياالسنّة الغالبية بنحو 63% من مجموع الشعب؛ وهناك العديد من السمات الثقافية للشعب ككل. أبرز المدن والتي يفوق عدد سكانها مليوني نسمة، حلب، ودمشق؛ يبلغ عدد السكان حاليًا 22.5 مليون نسمة، وتنشط الهجرة منذ القرن التاسع عشر وهناك جاليات ضخمة من السوريين في الخارج. تعتبر سوريا من الدول النامية، ذات اقتصاد ضعيف، ومستوى دخل تحت المتوسط، وفساد واسع الانتشار، كان الاقتصاد اشتراكيًا ولم يبدأ بالإصلاح والتخلي التدريجي عنه بشكل فعلي إلا بعد عام 2000؛ في الأساس يعتمد الاقتصاد على الزراعة، والسياحة، والخدمات، مع ثروات باطنية، بعضها غير مستثمر بعد.
الكتابة الرسمية العُروبية هي سُورِيَة[24][25][26] أو سُورِيَّة[26] وتُكتب أيضًا سُورِيَا حسب قاعدة رسم الأسماء الأعجمية، وكذلك الأسماء الفوق الثلاثية المسبوقة بياء بألف طويلة. دُعيت البلاد باسم سوريا في العهد السلوقي في القرن الثالث قبل الميلاد، وفي الأدب الإغريقي فإن هيرودتوهوميروس سمَّيا البلاد سوريا. وفي الأدبيات العربية القديمة هذا الاسم - سوريا - أول من تناوله أبو محمد الهمداني في بعض مواضع كتابه.[31][32]
التفسيرات المقدمة لمعنى الاسم متعددة أبرزها:
أنها سميت نسبة إلى الإمبراطورية الآشورية التي أسست حضارة وثقافة واسعة في الهلال الخصيب، مع إبدال حرف الشين بالسين، وهو أمر مألوف في اللغات السامية. كان ثيودور نولدكه أول من اقترح وجود علاقة بين الاسمين. وتلقى هذه الفرضية انتشاراً واسعاً بين الباحثين، خصوصًا إثر اكتشاف نقوش مكتوبة باللغتين اللويةوالفينيقية في قيليقية حيث تشير الفينيقية إلى لفظة آشور بينما تذكر اللوية سوريا في نفس المقطع.[33]
أنها سميت نسبة إلى صور الواقعة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، وقد عرفها الإغريق بهذا الاسم نتيجة العلاقات التجارية المزدهرة بين الطرفين.
أما ما سمَّى به العرب البلاد فهو الشام، ولا يزال هذا المصطلح يُستخدم للإشارة إلى بلاد الشام كما يستخدم في اللهجات المحكية في سوريا للإشارة إلى مدينة دمشق، وقد تعددت النظريات حول أصل تسمية شام أيضًا أبرزها:
أن الشام منسوبة إلى سام بن نوح، كما نسبت لغة البلاد القديمة وهي الآرامية إلى ابنه آرام، مع إبدال حرف السين بالشين وهو أمر مألوف في اللغات السامية.
أن الشام في العربية تعني اليسار (الجهة)، فانطلاقًا من الموقع الجغرافي للحجاز سُمِّيت اليمن نسبةً إلى اليمين والشام نسبةً إلى الشَّمال أي اليسار.
الآثار البشرية في المنطقة التي تشكل اليوم سوريا تعود لحوالي 750,000 عام قبل الميلاد، منها أنواع أسترالوبيثكس، ونياندرتال،[34]والإنسان العاقل منذ حوالي 150,000 عام.[35] الاستقرار في الأرض، والعمل في الزراعة يعود لنحو 12,000 عام قبل الميلاد، وتأسيس مستوطنات بشرية عديدة - 700 مستوطنة من العصر الحجري،[36] بعضها لا يزال مستمر حتى اليوم، كمناطق مأهولة مثل دمشق وحلب - يجعل البلاد جنبًا إلى جنب مع العراق أبرز مناطق مهد الحضارة البشرية.[30] التعقيد الحضاري انعكس منذ الألف الثالث قبل الميلاد، بقيام ممالك مزدهرة، مثل يمحاض، ومملكة ماري على نهر الفرات، والتي امتدت حتى حلب، وكلاهما ضمن الحضارة الأمورية،[37][38][39]ومملكة إيبلا مضمن محافظة إدلب الحالية،[40]ومملكة أوغاريت على الساحل،[41] إلى جانب ممالك أقل أهمية مثل مملكة كانا. في أواسط الألف الثالث قبل الميلاد، ظهرت الإمبراطوريات الكبرى في الهلال الخصيب على أساس اللامركزية الإدارية،[42] بدءًا من سرجون الأكادي، وبرزت في سوريا الحضارة الكنعانية بعد سقوط الإمبراطورية الأكادية في القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد،[43] ثم ظهرت في القرن الثامن عشر ثاني موحدي الهلال حمورابي ضمن الإمبراطورية البابلية التي انهارت في القرن السادس عشر. تعرف القرون اللاحقة وحتى القرن الحادي عشر «بالقرون المظلمة»، وتوالى فيها على حكم سوريا إمبراطورية هندوأوروبية منها كاشية، وحثية، أو حتى مصرية قديمة. ومع اضمحلال هذه الإمبراطوريات، برزت الحضارة الآرامية من القرن الحادي عشر قبل الميلاد بشكل المدن - الدول مثل مملكة بخياني، وآرام دمشق وغيرهما.[44] وفي القرن التاسع قبل الميلاد، ظهر ثالث موحدي الهلال الخصيب شلمنصر الثالث في الإمبراطورية الآشورية، وتمكن خليفته نبوخذنصر من المحافظة على وحدة البلاد ضمن الإمبراطورية الكلدان حتى 531 قبل الميلاد حين غدت سوريا وحتى الفتح السلوقي مزربانية فارسية.[45] في جميع تلك المرحل، تطورت أنواع مختلفة من الآداب، والقيم الاجتماعية، والفنون، والتجارة مع آسيا الصغرى، وأرمينيا، ومصر، وفارس، وبحريًا عبر المتوسط؛[46] والعمارة، والعلوم خصوصًا الهندسة والفلك.[47] الحضارة الآرامية بوجه خاص، استمرت ما بعد سقوط الممالك الدول الآرامية، بشكل الهوية الحضارية واللغة الخاصة بسوريا مع تمايز فينيقي في الساحل.إغلاق </ref> مفقود لوسم <ref>
فتح الإسكندر المقدونيالهلال الخصيب عام 333 قبل الميلاد، وتفككت إمبراطوريته بعد وفاته، فكان الهلال الخصيب من نصيب سلوقس الأول الذي سمّى نفسه «ملك سوريا»، وعلى نهجه سار خلفاؤه؛ متخذين من أنطاكية التي بناها سلوقس مركزًا لحكمهم، وقد ظلّت أنطاكية عاصمة البلاد حتى نقلها إلى دمشق زمن الفتح.[48][49][50][51] ترك السلوقيون، آثارًا عمرانيّة بارزة، وشيدوا 34 مدينة، واعتنوا بالتجارة، كما انتشرت الثقافة الهيلينية في البلاد، لاسيّما في المدن والمراكز التجاريّة. كدّرت تلك الحقبة بسلسلة الحروب السورية التي قامت بين السلوقيين حكام سوريا والبطالمة حكام مصر، والتي انتهت عام 198 قبل الميلاد بضم سوريا الجنوبية إلى المملكة مبعدًا النفوذ المصري عنها؛ وكان قبلاً قد وسّع من أملاكه شرقًا حتى حدود أفغانستان.[52]
في القرن الأول قبل الميلاد، ضعف السلوقيون وتفككت أوصال دولتهم، وتمكّن ديكران ملك أرمينيا من احتلال أجزاء من البلاد عام 69 قبل الميلاد، وبعدها بفترة وجيزة، فتح الرومان سوريا عام 64 قبل الميلاد تحت قيادة قيادة بومبيوس الكبير، ودعيت المنطقة «ولاية سوريا الرومانية»، والتي قسّمت في وقت لاحق إلى ولايات أصغر حجمًا منها الولاية العربية ومركزها بصرى وسوريا السعيدة ومركزها أفاميا. تفاعل السوريون مع الفتح الروماني، واستطاعت العائلة السيفيرية المنحدرة من مدينة حمص أن تخرج خمسة أباطرة لروما خلال سيطرتها على العرش بين عامي 192 و236 وإلى جانب فيليب العربي بين 244 و249.[53][54][55] ويذكر في هذا الإطار أيضًا مملكة حمصوالإمبراطورية التدمرية التي تمتعت بحكم ذاتي ثم ثارت على روما وحازت نفوذًا سياسيًا واقتصاديًا واسعًا خلال عهد الملك أذينة ثم زوجته زنوبيا قبل أن يدمرها الرومان عام 272.[56] ترافقت هذه الأحداث التاريخية مع انتشار المسيحية في البلاد منذ قرنها الأول، كما تدلّ التنقيبات والحفريات الأثريّة، والتي تركت آثارًا على اللغة والأدب والفلسفة، وقد أقرّ مجمع نيقية اعتبار أسقف أنطاكية من متقدمي العالم المسيحي.[57][58][59][60]
فتحت أغلب المدن السورية سلمًا عام 636 أيام خلافة عمر بن الخطاب وتحت قيادة أبو عبيدة بن الجراح.[67][68][69] بعد فترة وجيزة من الفتح، كانت سوريا إحدى معاقل الحرب الأهلية الأولى في الإسلام، والتي انتهت عام 661 بتأسيس الدولة الأموية وانتقال عاصمة الخلافة إلى دمشق. استمرّ الأمويون بحكم سوريا 132 عامًا، ازدهرت خلالها البلاد وانتعش اقتصادها وحركتها الفكرية كما تدلل كتابات المؤرخين والآثار المعمارية الباقية.[70][71][72] أما الثورة العباسية عام 749 كانت وبالاً على البلاد لاسيّما دمشق بوصفها عاصمة الدولة السابقة، وفي المقابل برز اهتمام الخلفاء العباسيين خلال أوج قوة الدولة بوادي الفرات والمنطقة الشرقية على وجه الخصوص،[73][74][75] كما استقرّ بها عدد من الخلفاء والقوّاد والأمراء طلبًا للراحة و«حسن المنظر».[76] توالى على سوريا خلال ضعف الدولة العباسية العديد من السلالات الحاكمة التي أسست دولاً شبه مستقلة في كنف الدولة العباسية، ازدهرت البلاد في عهد بعضها كالحمدانيين، ولعلّ أهمها على الإطلاق كانت الدولة السلجوقية التي تمكنت من إعادة البلاد إلى طاعة الخليفة العباسي بعد أن دخلت في طاعة الخلافة الفاطمية ردحًا من الزمن.[77] مع ضعف السلاجقة، تفككت الدولة إلى إمارات مستقلة، في مختلف المدن والمناطق التي سرعان ما تطاحنت في حروب أهلية، مع إهمال الاقتصاد وتكاثر الكوارث الطبيعية، ذلك لم يمنع البلاد من كونها موئلاً للشعراء، والفلاسفة، والفقهاء، والرحالة، والهجرات. أواخر القرن الحادي عشر تمكنت الحملة الصليبية الأولى من تأسيس ممالك لها في الساحل السوري، وقامت الحملة الصليبية الثانية بحصار دمشق، إلا أنها فشلت في دخولها.[78] وتمكن بعد ذلك، الزنكيون من توحيد شمال البلاد، ثم استطاع صلاح الدين الأيوبي الذي ور ثهم، من توحيد مصر والشام في سلطنة واحدة واستعادة القدس، إلا أن معاركه مع إمارتي أنطاكيةوطرابلس اقتصرت على الكر والفر، ليترك للمماليك الذين خلفوا الأيوبيين استكمال السيطرة على الشام بطرد الصليبيين من أنطاكية عام 1268 وطرابلس عام 1285؛[79][80] غير أن دمشق وحلب في الفترة ذاتها قد أحرقتا ودمرتها بنتيجة الغزوات المغولية بقيادة هولاكو، الذين تمكّن المماليك من طردهم بعد معركة عين جالوت، وتلاها بقرن دمارهما مع مدن أخرى لمرة ثانية نتيجة غزوات تيمورلنك عامي 1400-1401، وعمومًا فإن العهد المملوكي تمثل بالإهمال، وانتشار المجاعات والأوبئة، وانهيار الاقتصاد، وكثرة الانقلابات العسكرية، وثورات نواب المماليك في المدن السورية،[81] وانتشار الأمية، حتى انخفض عدد السكان إلى الثلث أيام حكمهم الذي دام نحوًا من ثلاثة قرون؛[82][83] يستثنى من ذلك مدينة دمشق، التي أحاطها المماليك بعناية خاصة واعتبروها «عاصمة ثانية» بعد القاهرة.[84]
امتدت فترة الحكم العثماني على سوريا سحابة أربعة قرون منذ أن سحق السلطان سليم الأول جيش المماليك في معركة مرج دابق شمال حلب يوم 24 أغسطس 1516، ومنها ملك مدن البلاد سلمًا وعلى رأسها دمشق في 26 سبتمبر 1516،[86][87] وحتى انسحاب العثمانيين منها في أعقاب الثورة العربية الكبرىوالحرب العالمية الأولى في أكتوبر 1918. في بداية عهدهم، أبقى العثمانيون بلاد الشام ضمن تقسيم إداري واحد، وحتى مع تتالي تعقيد التقسيم الإداري ظلّت الإيالات والولايات تشمل مناطق جغرافيّة هي اليوم بمعظمها تتبع مختلف دول بلاد الشام، أي سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، إضافة إلى قسم ضمته تركيا على دفعتين،[88]الزور خلال العهد العثماني- رامي وليد ضللي، صحيفة الفرات، 19 يناير 2011. [وصلة مكسورة]نسخة محفوظة 14 أغسطس 2011 على موقع واي باك مشين.</ref> وقد دعيت الولايات الثلاث والمتصرفيات الثلاث في القرن التاسع عشر «الولايات العثمانية السورية».[89]
عرفت دمشق وحلب خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر ازدهارًا اقتصاديًا وسكانيًا، وساهم في ذلك كون قوافل الحج تجتمع في دمشق لتنطلق إلى الحجاز،[90] وأغلب قوافل التجارة البرية نحو الخليج وفارس والعراق تمر من حلب؛[91] استمر الوضع الاقتصادي خلال عهد ولاة آل العظم في القرن الثامن عشر جيدًا، لكن عهد الفوضى والحروب بين الولاة ساد في ذلك الحين، فضلاً عن النزعات الاستقلالية أمثال ظاهر العمروأحمد باشا الجزاروفخر الدين المعني الثاني؛ ولقرون عديدة لاسيّما في الريف فإن إرهاق الشعب بالضرائب، وهجمات البدو، وانعدام الأمن، وجور أغلب الإقطاع المحليّ، وانتشار الأمية كان أبرز سمات العهد العثماني.[92][93] في عام 1831 دخلت البلاد في حكم محمد علي باشا، وكان حكمه فيها حكمًا إصلاحيًا من نواحي الإدارة والاقتصاد والتعليم، إلا أن سياسة التجنيد الإجباري التي انتهجها أدت إلى تململ السوريين من حكمه، وقيام ثورات شعبية متتالية ضده بين عامي 1833 و1837، وقد استطاع السلطان عبد المجيد الأول بدعم عسكري من روسيا القيصريةوبريطانياوالنمسا استعادة سوريا عام 1840.[94][95]
خلال المرحلة الأخيرة من الحكم العثماني منذ 1840 وحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 ازدهرت البلاد ونمت طاقاتها الاقتصادية بسرعة وعرفت ازدهارًا ثقافيًا وسياسيًا في المدن الكبرى وبعض المدن المتوسطة مثل حمص، مشكلة بذلك أحد أجنحة النهضة العربية، وكان تأسيس المطابع، ودور النشر، والمجلات، والصحف، والمدراس الوطنية والأجنبية، والجامعات، والجمعيات الوطنية السياسية والعلمية أحد أبرز وجوهها؛[96][97] بكل الأحوال، فقد انحصرت مرحلة النهضة بالمدن الكبرى أو المتوسطة ولم تصل إلى الريف الذي ظلّ بأغلبه مهملاً ومسيطرًا عليه من قبل الإقطاع. ورغم زوال الحكم العثماني، لا تزال آثاره المعمارية قائمة في المدن الكبرى خاصة ممثلة بالقصور والحمامات والمساجد والخانات والأسواق، كما أن عددًا من العادات والمفردات اللغوية والمأكولات التركية أصبحت جزءًا من تراث وثقافة الشعب السوري.
بالانقلاب 1963 قامت فرق بعثية في الجيش بالانقلاب على الحكم في 8 مارس، وهو ما أدى إلى إلغاء الدستور، وحل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، ونفي غالب الطبقة السياسية إلى خارج البلاد، فضلاً عن إعلان حال الطوارئ. السنوات اللاحقة تميزت بالصراع داخل أجنحة البعث المختلفة، ما أدى إلى انقلابين آخرين الأول هو انقلاب 1966 والثاني هو الحركة التصحيحية عام 1970 والتي أوصلت وزير الدفاع حافظ الأسد إلى السلطة، وتخلل الانقلابين خسارة الجولان خلال حرب 1967، وقد أفضت حرب 1973 إلى استعادة أجزاءٍ منه أهمها القنيطرة.[116] عام 1973 أقرّ دستور جديد للبلاد، كرّس نظام الحزب الواحد باعتبار البعث «قائدًا للدولة والمجتمع»، وفي عام 1975 تدخلت سوريا عسكريًا في لبنان خلال الحرب الأهلية اللبنانية واستمرت بالتواجد حتى 2005. عام 1979 اندلعت انتفاضة بقيادة الإخوان المسلمين تطورت إلى مواجهات عسكرية انتهت عام 1982 بما يعرف بمجزة حماة الكبرى؛ كما عانت البلاد في أزمة اقتصادية وكساد في الأسواق بين 1985 - 1990. عام 1991، شاركت سوريا في مؤتمر مدريد الذي قبلت به بالسلام مع إسرائيل مقابل إعادة الجولان، كذلك أخذت تتجه تدريجيًا نحو التخلّي عن المبادئ الاشتراكية باتجاه السوق المفتوحة، لاسيّما بعد تولي بشار الأسد لرئاسة الجمهورية عام 2000، خلفًا لوالده بتعديل دستوري. بكل الأحوال، باستثناء المرحلة القصيرة المعروفة باسم «ربيع دمشق» فعلى مستوى الحريات السياسية والإعلامية ونشاط الأحزاب والمجتمع المدني وحقوق الإنسان وتسلّط أجهزة الأمن، فلم تطرأ تغييرات تذكر على نظام الحزب الواحد.
في مارس2011 اندلعت احتجاجات ضد الحكم القائم كجزء من الربيع العربي، وسرعان ما توسعت أفقيًا وعموديًا لتشمل معظم محافظات البلاد،[117] ردّت عليها السلطة بالقمع وإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، وقد اتهمت المنظمات الدولية قوى الأمنوالجيش السوري بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان أثناء الانتفاضة،[118] وقد أدى استياء قوى المعارضة من السلطة إلى نشوء حركات مسلحة من منشقين عن الجيش النظامي ومتطوعين مدنيين، مثل الجيش السوري الحر، وبنتيجتها تعسكرت الاحتجاجات، وتحولت إلى حرب مدن، ومعارك تستخدم فيها الأسلحة الثقيلة، وبمشاركة مقاتلين وجيوش أجنبية - مثل تركياوحزب الله، في حين أقرت الحكومة سلسلة إصلاحات من طرفها مثل دستور 2012 الذي ألغى نظريًا «قيادة البعث للدولة والمجتمع».[119][120] وفي ظل فشل المحاولات الدبلوماسية لحلها،[121][122] وعدم تحقيق حسم عسكري، أفضت الأزمة منذ اندلاعها، إلى دمار واسع في البنية التحتية لعدد وافر من المدن السورية، وبروز أزمة اللاجئين السوريين في الداخل وفي الخارج، وإتلاف مواقع أثرية، وشبه انهيار في الاقتصاد، سوى الأعداد المرتفعة باستمرار للقتلى، والجرحى، والمعاقين، والمعتقلين، والمخطوفين، والمختفين.[123][124][125]
ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان، مقتل ومصرع 210060 شخصاً، منذ انطلاقة الازمة السورية في الـ 18 من شهر آذار /مارس عام 2011، تاريخ سقوط أول قتيل في محافظة درعا، حتى تاريخ 05/2/2015 وقد توزعوا على الشكل التالي: الشهداء المدنيون:100973، بينهم 10664 طفلاً، و6783 أنثى فوق سن الثامنة عشر، و35827 من مقاتلي الكتائب المقاتلة والكتائب الإسلامية، قتلى المنشقين المقاتلين: 2498.[126]
تقع سوريا في الجزء الجنوبي الغربي من قارة آسيا؛ تطل سوريا على البحر الأبيض المتوسط ويبلغ طول الشريط الساحلي 193 كم،[127] أما مجموع الحدود العام يبلغ 2253 كم وهو موزع بين تركيا في الشمال والعراق في الشرق والجنوب، والأردن في الجنوب، أما من ناحية الغرب فإلى جانب البحر الأبيض المتوسط يحد سوريا كل من لبنانوإسرائيل؛ بين خطي عرض 32 – 37.5 شمال خط الاستواء، وبين خطي طول 35.5 – 42 شرق غرينتش، وتبلغ مساحتها 185000 كم2.
تضاريس البلاد متنوّعة: في الجنوب تقع هضبة الجولان البركانيّة وسهل حوران الخصيب يليه جبل العرب المكوّن أساسًا من الصخور البازلتية؛ نحو الشمال يوجد سلسلة جبال لبنان الغربية على الحدود مع لبنان والتي تحوي أعلى نقطة في البلاد وهي جبل الشيخ أو حرمون، وتنبسط منها سهول خصيبة تشكل غوطة دمشق، قبل أن تتحول إلى أراض جبلية جرديّة قاحلة في سلسلة جبال القلمونوالنبك إلى شمال ريف دمشق؛[128] قبل أن تنبسط مجددًا في سهل الغاب وسهول الساحل السوري، الذي تقسمه طوليًا سلسلة جبال الساحل الممتدة من الحدود التركيّة وحتى لبنان،[129] ويعدّ جبل الزاوية رديفًا له. في أقصى الشمال السوري، تتموضع حلب القائمة على هضبة محيطة بسهول خصيبة مع بعض الجبال مثل جبل سمعان؛[130] وتلتقي مع وادي الفرات ذي التربة الخصبة الممتد حتى الحدود العراقيّة؛ ويقع في أقصى الشمال الشرقي منطقة الجزيرة، التي اكتسبت اسمها من لكثرة الأنهار المتواجدة فيها، والتي تعتبر أيضًا من أخصب مناطق البلاد. بين وادي الفرات وسهل الغاب تتواجد بادية الشام، الرملية والقاحلة، تتخللها بضع جبال مثل سلسلة الجبال التدمرية.[131][132] في سوريا جزيرة واحدة مقابل طرطوس هي جزيرة أرواد، وعدد من الأودية مثل وادي النصارىووادي بردى.
هناك اتفاق بين غالبية الباحثين أنّ لفظ سوريا كان يشمل حتى القرن العشرين مساحة أوسع مما هي عليه اليوم؛ ويشار إليها حاليًا بمصطلحات مثل «سوريا الجغرافية» أو «سوريا الكبرى» أو «سوريا الطبيعية»، وهي تشمل بلاد الشام أو الهلال الخصيب.[133] في عام 1920 نصّت معاهدة سيفر بين تركيا وفرنسا على اعتبار أراضي شمال سكة حديد إسطنبول - بغداد، تابعة لتركيا، وهي منطقة مؤلفة من أكراد وسريان وأرمن وعرب، وذات صلة اجتماعية واقتصادية بحلب.[134] عام 1937 فصل الانتداب لواء إسكندرون ومنحه حكمًا مستقلاً، ثم ضمّته تركيا عام 1939 بحجة كون سكانه من الأتراك رغم أنّ نسبتهم فيه لا تتجاوز 40%.[135] في سبتمبر 1920 فصلت الأقضية الأربعة وأهمها بعلبك والبقاع عن دمشق، وألحقت بمتصرفية جبل لبنان ذات الحكم الذاتي منذ 1860 لتشكيل دولة لبنان الكبير.[136] في العام ذاته، فصل تحقيقًا لاتفاقية سايكس بيكو ما كان يعرف باسم «سوريا الجنوبية» ومنح لبريطانيا التي أقامت فيه إمارة شرق الأردن، إرضاءً للهاشميين بعد أن خسر الملك فيصل حكم دمشق.[137] أخيرًا فإنه بعد الهزيمة في حرب 1967 احتلت إسرائيل الجولان. خلال القرن المنصرم، طرحت محاولات عديدة للتوحيد أبرزها مشروع الملك عبد الله الأول عن سوريا الكبرى عام 1947، ومشروع حزب الشعب للوحدة مع العراق عام 1950.[138]
المناخ
المناخ في سوريا يصنف في شعبتين كبيرتين هما مناخ متوسطي في المنطقة الساحلية والمناطق القريبة منها، وجاف في سائر المناطق.[139] المناخ المتوسطي يتميز بصيف حار وجاف وشتاء بارد وماطر مع وجود فصلين انتقاليين هما الخريفوالربيع، أما المناخ الجاف فهو قليل الأمطار قارس البرودة في الشتاء حيث تنخفض درجات الحرارة ما دون الصفر المئوي وشديد الحرارة في الصيف، أما في المناطق الجبلية والمرتفعات تسود درجات حرارة معتدلة صيفًا بحكم الموقع المرتفع.[140] هطول الأمطار عادةً ما يكون بين سبتمبر ومايو من كل عام؛ وتسقط الثلوج على المرتفعات الغربية ويبلغ الهطول حده الأقصى عادةً في شهر يناير، ويتصف بعدم التجانس في توزيع المطر بين الساحل والداخل، وكذلك باختلاف معدلات الهطل المطري السنوي على الأراضي، ويمكن التمييز بين ثلاث مناطق: المناطق ساحلية ذات هطل مطري مرتفع، يصل إلى حوالى 1200 مم/سنة؛ ومناطق داخلية مجاورة للمنطقة الساحلية، يتضاءل فيها الهطل ليصل إلى حوالى 250 مم/سنة، ويرتفع إلى 550 مم/السنة في المناطق الشمالية والشمالية الشرقية؛ ومناطق البادية وهي تشكل حوالى 60 % من مساحة البلاد، حيث لا يتجاوز معدل الهطل فيها 150 مم/سنة. بخصوص الرطوبة، فيتصف الجو في جميع أنحاء سوريا عدا المناطق الساحلية بارتفاع في معدل الرطوبة النسبية خلال فصل الشتاء وانخفاضها في فصل الصيف؛ أما بالنسبة للمنطقة الساحلية فهي ذات رطوبة نسبية مرتفعة خلال فصل الصيف بسبب تأثير البحر؛ وتكون المناطق الصحراوية والنصف صحراوية هي أقل المناطق رطوبة؛ ويبلغ معدل الرطوبة خلال فصل الصيف من 20-50% في المناطق الداخلية ومن 70-80% في المناطق الساحلية، أما في فصل الشتاء فيتراوح المعدل بين 60-80% في المناطق الداخلية وبين 60-70% في المناطق الساحلية.[141] أما الرياح، فهي معتدلة، باستثناء هبوب رياح البادية على دمشق ومناطق وادي الفرات في فصل الصيف.
سوريا غنية بالموارد المائية، سواءً أكانت أنهارًا أم بحيرات أم ينابيع جوفية. أكبر الأنهار المارة في سوريا هو نهر الفرات، الذي يدخل سوريا من تركيا ويجتاز منطقتها الشرقيّة باتجاه العراق ويبلغ طول مجراه في أراضي الجمهورية 675 كم،[142] يضاف إليه عدد من الروافد الأساسية أبرزها نهر البليخ بطول 460 كم ونهر الخابور.[143] كما يمر في سوريا نهر دجلة بطول 50 كم في أقصى الشمال الشرقي محاذيًا الحدود العراقية.[143] ثالث الأنهار السورية من حيث الطول هو نهر العاصي الذي يدخل سوريا من لبنان بطول 325 كم ويشكل العصب الرئيسي للمناطق الزراعية في سهل الغاب؛[143] كما تتميز المنطقة الساحلية بالأنهار الجبلية القصيرة أبرزها نهر السنونهر الكبير الشمالي،[143] كما يوجد نهر بردى الذي ينبع من سلسلة جبال لبنان الشرقية مارًا بدمشق وغوطتها قبل أن يصب في بحيرة العتيبة في البادية، ويشكل المحفظة المائية لمدينة دمشق وريفها. أما الجنوب فأهمّ أنهاره نهر اليرموك الذي يتابع طريقه غربًا ملتقيًا بنهر الأردن قبل أن يصب بالبحر الميت. أقامت الدولة، عددًا وافرًا من السدود على مختلف الأنهار المارة في البلاد، أهمها سد الفرات الذي يشكل من خلفه بحيرة صناعية بطاقة 14.1 مليار متر مكعب من المياه؛[144] ومن السدود الهامة الأخرى، سد الرستن على نهر العاصي، وسد 16 تشرين على النهرالكبير الشمالي.[145]
الغطاء النباتي في سوريا متنوع في المناطق الوسطى والغربية ويناقض ذلك في مناطق بادية الشام وعموم المنطقة الشرقية. تحوي سوريا على ثلاثين محمية طبيعية؛ وتعتبر محافظة اللاذقية أغنى المحافظات السورية من حيث الغابات والغطاء النباتي بنسبة 31% من مجموع غابات الجمهورية تليها منطقة سهل الغاب بحوالي 12%.[148] ويعيش في سوريا حوالي 3500 نوع من النباتات والأشجار فيها.[139] أما عن الغطاء الحيواني فهو بدوره متنوع غير أن بضع حيوانات كانت تعيش في سوريا كالفيل السوري أو الفهد قد انقرضت تمامًا،[149] ويلعب التصحر دورًا مهمًا في القضاء على التنوع النباتي والحيواني في سوريا،[150] ويهدد 18% من مجمل المساحة العامة.[151] وتسعى الحكومة السورية لمكافحة التصحر من خلال خطط خاصة توضع لذلك.[152]
بلغ عدد سكان سوريا حسب تقديرات الأمم المتحدة عام 2017، في مطلع شهر تموز حوالي 18,270 مليون نسمة[153] بمعدل نمو سكاني سالب بلغ -2.30% في حين قدرت نسبة الولادات بحوالي 18.9 مولود لكل ألف نسمة مقابل 5.4 مولود من الوفيات لكل ألف نسمة أيضًا؛ ويقيم حوالي 56.1% من مجموع السكان في المدن.[3] وتعتبر مدينة حلب أكبر المدن السوريّة، بينما تتميز دمشق الكبرى بأكبر تجمع سكاني، ويقطن في المنطقتين 44% من مجموع الشعب.[154][155] ولقد ارتفع عدد السكان من 4.5 مليون نسمة عام 1960 إلى 23.5 مليون نسمة (حسب تقديرات سنة 2010)، بسبب تحسن مستوى المعيشة والحالة الصحية، بينما انخفض معدل الخصوبة من 7 أطفال للمرأة الواحدة في المتوسط خلال منتصف القرن العشرين إلى 3 أطفال حاليًا، مع بقاء هذا الرقم فوق المتوسط العالمي المحدد بأنه 2.1 طفل للمرأة؛ وكانت هذه الزيادة السكانية المتسارعة تؤثر سلبًا على الاقتصاد والتنمية.[156] إلى جانب المدن التي يفوق عدد سكانها المليونين وهما دمشقوحلب، فإن المدن التي فاق عدد سكانها المليون أو شارفت على ذلك هي حمص، وحماة، واللاذقية؛ أما بقية السكان فيعيشون في المدن الصغيرة، والريف إلى جانب وجود مجموعات قليلة من البدو في بادية الشام.[157] تعاني البلاد من تضخم المدن الكبرى كدمشق وحلب مدعومة بالهجرة من الريف إلى المدينة، وهو ما يؤثر سلبًا على التنمية؛[158] وبشكل عام فإنّ الكثافة السكانيّة تعتبر عالية في المنطقة الساحلية وسهل الغابوجبل الزاوية، والعاصمة دمشق وريفها ومدينة حلب، وتقلّ في الجزيرة ووادي الفرات، وتنعدم تقريبًا في بادية الشام.
منذ القرن التاسع عشر، ازدهرت الهجرة من سوريا نحو العالم الجديد، خصوصًا أمريكا اللاتينية، ويقدر العدد التقريبي لذوي الأصول السورية بنحو 12 - 15 مليون نسمة،[159] ومع امتلاكهم حق الحصول على الجنسية السورية فإن معظمهم غير حاصل عليها، وفي الفترة الراهنة تزدهر الهجرة نحو منطقة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ذات التأثير الديموغرافي الأقل على البلاد بسبب القرب الجغرافي من جهة، وعدم التجنيس في دول المهجر من جهة ثانية.[160] لقد كانت سوريا منذ العصور القديمة موئلاً لهجرات عديدة، أو توطين بديل مثل هجرة الشركس في القرن التاسع عشر، أو فرق عسكرية وتجار استقرت نهائيًا في البلاد مثل التركمان، والأرناؤوط، وأحدث الهجرات هي هجرة بعض العشائر من نجد إلى وادي الفرات أواخر القرن السابع عشر،[161]والهجرة الأرمنية خلال الحرب العالمية الأولى،[162][163] وهجرة فلسطيني سوريا في أعقاب حربي 1948، و1967،[164] والهجرة من الجولان بعد حرب 1967 أيضًا، والهجرة العراقية بعد غزو 2003.[165][166]
يتكون الشعب السوري من سبعة عرقيات مختلفة، وتسعة طوائف باعتبار الكنائس المسيحية طائفة واحدة، و19 طائفة باعتبار الكنائس المسيحية طوائف منفصلة. ينصّ الدستور على المساواة في الحقوق والواجبات بين كافة السوريين. على مستوى الدين، فإنّ الإسلام وفق مذاهب أهل السنة والجماعة لاسيّما المذهب الحنفي هو الأكثر انتشارًا بين السوريين بحوالي 74%، وينصّ الدستور على أنه الدين الرئيس للدولة ويعدّ الفقه الحنفي مصدرًا رئيسيًا للتشريع فيها، ويضمن الدستور لمختلف الطوائف الأخرى قوانينها الخاصة في الأحوال الشخصية، كما يكفل الحرية الدينية وإن كانت مقيدة من بعض الجوانب حسب تقرير «الحرية الدينية في العالم»،[168][169][170] وتشرف الدولة على القطاع الديني الإسلامي من خلال وزارة الأوقاف، أما المؤسسات المسيحية فهي مستقلة. وعلى مستوى المجموعات العرقية، فإنه وبعد الاستعراب غدا عرب سوريا العماد الأساسي للسكان في البلاد بحوالي 86%. وتتميز سوريا بارتفاع نسب «الأقليات» في مناطق معينة وتشكيلهم الغالبية فيها، مثل الساحل السوري ووادي العاصي الغربي ذي الغالبية العلوية، والجزيرة السورية ذات الغالبية الكردية - السريانية، وجبل العرب ذي الغالبية الدرزية.[171]
قبل الاستعراب وحتى القرن الحادي عشر أو القرن الثاني عشر بالنسبة لأغلب الريف السوري كانت اللغة السريانية، لغة التخاطب اليومي في البلاد وهي اللغة التي يعدّها البحاثة لغة المنطقة القوميّة. مع انتشار اللغة العربية كلغة تخاطب، نشأت اللهجة السورية، والتي اقتبست إن من ناحية المفردات أو من ناحية اللحن لاسيّما في الجزيرة من اللغة السريانية بشكل وافر مع تأثيرات تركية وفرنسية محدودة لاحقة،[172] وتقسم اللهجة السورية إلى عدة فروع متمايزة من ناحية نطق بعض مخارج الحروف؛ مع وجود للهجة النجدية بين البدو. المجموعات العرقية تستخدم لغاتها الأم إلى جانب اللهجة السورية، كاللغة الكردية والسريانية والأرمنيةوالشركسيةوالتركية في معاملاتها اليومية،[173][174]والآرامية في معلولا.[175] على الصعيد الرسمي فإنّ العربية لغة الدولة الرسمية،[173] وتفرض المناهج الدراسية تعلّم اللغتين الإنكليزية والفرنسية، وتعتبر سوريا من البلاد القليلة التي انتدبت من قبل فرنسا ولم ترسخ فيها اللغة الفرنسية، بسبب سياسة الحكومات لاسيّما بعد 1963. وللمجموعات الناطقة بغير العربية حق تأسيس مدارس أو وسائل إعلام بلغاتها الخاصة، وذلك بعد الكف عن سياسة الاستعراب والتعريب.
صدر الدستور السوري المعمول به حاليًا في 27 فبراير2012 ويتمتع فيه رئيس الجمهورية بصلاحيات تنفيذية وإجرائية واسعة يساعده في أدائها مجلس الوزراء المعين من قبله، في حين يتولى مجلس الشعب المكون من 250 عضوًا منتخبين لدورة أربع سنوات على أساس دائرة انتخابية هي المحافظة، مهام السلطة التشريعية، كما يقوم بالرقابة على عمل الحكومة وإقرار موازنة الدولة العامة والتصديق على المعاهدات؛ بيد أن لرئيس الجمهورية إصدار التشريعات التي تعامل معاملة القانون وذلك خارج أوقات انعقاد مجلس الشعب على أن يكون من حق هذا الأخير مراجعتها في أولى جلساته، وتتولى المحكمة الدستورية العليا الرقابة على مجمل العملية التشريعية في البلاد ولها محاكمة الرئيس، وتعين من قبله. رئيس الجمهورية ينتخب لمدة سبع سنوات، من قبل الشعب.[176]
الحزب الحاكم في سوريا هو حزب البعث العربي الاشتراكي ويشكل مع ثمانية أحزاب أخرى جميعها يساريّة، ائتلافاً يدعى الجبهة الوطنية التقدمية ولها ثلثا مقاعد البرلمان،[177] كان النظام السياسي مناطًا بحزب البعث الذي اعتبره دستور 1973 «القائد للدولة والمجتمع» لكن دستور 2012 عاد وفتح المجال أمام التعددية السياسيّة في البلاد. حسب منظمة هيومان رايتس ووتش فإن سوريا تحتل المركز 154 دوليًا من حيث احترام حقوق الإنسان، يعود ذلك إلى تقييد إنشاء الأحزاب والرقابة على المنشورات السياسية والإنترنت ومختلف وسائل الاتصال، فضلاً عن وجود عقوبة الإعدام ووضع السجون المتردي، ووجود عمليات تعذيب، وسواها من انتهاكات حقوق الإنسان.[178]
لكون سوريا دولة مركزية الحكم، فإن السلطات المحلية في المحافظات يقتصر دورها على تنفيذ قررات الحكومة وتوجيهاتها، وممارسة الرقابة الذاتية على هذا التنفيذ، وإدارة بعض الخدمات العامة كالنظافة، وإدارة الحدائق، وووضع المخططات التنظمية للمدن في المحافظة. تتألف البلاد من 14 محافظة، يعيّن كل محافظ من قبل رئيس الجمهورية، وتقسم المحافظات إلى 60 منطقة، وتقسم المناطق بدورها إلى 280 ناحية.[179] إلى جانب المحافظ ينتخب في كل محافظة مجلس محافظة، وفي كل مدينة مجلس مدينة تنظّم شؤونه واختصاصاته عبر قانون الإدارة المحلية الذي صدرت آخر نسخه عام 2011.[180] النشوء التاريخي للمحافظات السورية الأربعة عشر الحالية، والحدود الفاصلة بينها، يمتد من مرحلة سوريا العثمانية وحتى 1972، حين استحدثت محافظة طرطوس، لتكون أحدث المحافظات السورية عمرًا.
العلاقات الخارجية
تلعب سوريا دورًا هامًا في السياسة الإقليمية للعالم العربي، لاسيّما دول الجوار. عبارة «لا حرب بدون مصر، ولا سلام بدون سوريا»، توضح دور البلاد في الصراع العربي الإسرائيلي، ومنذ مؤتمر مدريد عام 1991، تعترف سوريا بأن حل الصراع قائم على وجود دولتين في أرض فلسطين على حدود 1967، ومع استعادة الجولان.[181][182] وبكل الأحوال، فإن المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، والمنقطعة زمنيًا، توقفت عام 2008 دون أن تفضي إلى نتيجة. حسب الدستور، فإن سوريا تعمل لتحقيق التعاون بين الدول العربية في المجالات كافة، وصولاً لتحقيق «الوحدة العربية».[ب] بعد سيطرة حزب البعث على السلطة عام 1963، أقام تحالفًا إستراتيجيًا مع روسيا، ومع إيران منذ قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979،[183] وفي المقابل فإن «مجموعة أصدقاء سوريا»، التي تضم دولاً مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا، والمملكة العربية السعودية، تقدم دعمًا دبلوماسيًا وماديًا للمعارضة منذ اندلاع الأزمة.
القوات المسلحة السورية، تتألف من الجيش السوري، وسلاح الجو السوري، وسلاح البحرية. يعدّ رئيس الجمهورية في سوريا، القائد العام للقوات المسلحة حسب الدستور،[184] وتأتمر بأمره مع مجلس الدفاع الأعلى، في حين تقوم وزارة الدفاع السورية، بالإدارة العادية. تأسس الجيش السوري، بعد الاستقلال عام 1946 من رحم جيش الشرق، أيام الانتداب، وصرف عليه عظيم الجهد والأموال لرفع عتاده وعديده، [ج] من 27,000 مقاتل عام 1949 إلى حوالي 500,000 عام 2010، لتغدو البلاد السادسة عشر على مستوى العالم من حيث القوة البرية، والثانية بعد الجيش المصري على المستوى العربي، مع خدمة عسكرية إلزامية مدتها عام ونصف.[186] بكل الأحوال، وبعد عسكرة الأزمة السورية، وبنتيجة قتلى المعارك، والانشقاقات، انخفض عديد الجيش إلى نحو 220,000 مقاتل. الجيش السوري من ناحيتي التنظيم والتسليح، يعتمد على الأسلوب الروسي.[187]
الاقتصاد السوري النامي أساسًا تراجع بشكل كبير نتيجة الأزمة السورية، منكمشًا بنسبة 20% خلال عام 2013،[188] مع دمار واسع في البنية التحتية اللازمة له، وارتفاع نسبة الفقر إلى أكثر من 50% من السكان،[189] وبلوغ البطالة نسبة 39%،[190] مع أعداد كبيرة من العاطلين الشباب، والخريجين الجدد، والمشتغلين بمجالات أدنى من اختصاصات دراستهم؛ هذه النتائج تعتبر الأسوأ على صعيد العالم ملحوقة بجنوب السودان. يضاف إلى ذلك، انهيار العملة الوطنية وهي الليرة السورية، لتفقد بين عامي 2012 - 2013 حوالي 200% من قيمتها،[191] مع النتائج التضخمية وانخفاض القوة الشرائية للمواطن.[192] بعض التقارير المتفائلة، تحدثت عن إمكانية «تعافي متسارع» للاقتصاد، بعد توقف الحرب والبدء بالتركيز على الجانب الاقتصادي، ذلك يعود إلى تجارب اقتصادية سابقة، فعلى سبيل المثال عام 1970 كان الناتج المحلي الإجمالي لسوريا 136 مليون دولار، وارتفع إلى 1.024 مليار دولار عام 1980، أي تضاعف عشرة مرات خلال عشر أعوام. اتجهت الدولة السورية منذ 1963 نحو سياسة الاقتصاد الاشتراكي، الموجه بالكامل، وبدأت بشكل فعلي بعد عام 2000 بإصلاح الاقتصاد والتوجه نحو اقتصاد السوق المفتوح، فحققت نسب نمو اقتصادية مرتفعة، وتحسن مستوى الدخل مع بقاءه أدنى من الدول المجاورة؛ على سبيل المثال فإن الناتج المحلي الإسمي للبلاد كان 46.5 مليار دولار، وهو رقم قريب من الناتج الاسمي الإجمالي للبنان عند 42.5 مليار دولار، رغم أن سوريا أكبر بثمانية عشر مرة لبنان من حيث المساحة، وخمس مرات من حيث عدد السكان تقريبًا، وأغنى من حيث الموارد الطبيعية، وهذا الأمر ناجم أساسًا عن السياسات الاشتراكية في سوريا، واعتماد لبنان نظام السوق المفتوح. تعاني سوريا من معدلات عالية من الفساد، وتعتبر البلاد من الدول العشر الأكثر فسادًا في العالم،[193][194] كما يعاني الاقتصاد من العجز عن خلق فرص عمل جديدة لتناسب حجم زيادة سوق العمل المقدرة بحوالي 200 ألف عامل جديد سنويًا،[195] بمجموع حوالي 7.5 مليون عامل عام 2012، وهو ما أفضى لارتفاع معدلات الهجرة بين الشباب الجامعي نحو دول العالم لاسيّما دول الخليج العربي؛[196] هناك أيضًا تفاوت اقتصادي وخدمي كبير بين المدن الكبرى مثل دمشق، وحلب، وحمص، واللاذقية، وبين الريف مثل الأتارب أو تفتناز. في مسح أجري عام 2011، عبّر 4.7% فقط من السوريين عن «رضاهم» بالحياة.[197]
تقليديًا، فإن سوريا بلد زراعي، تشكل الزراعة 26% من الدخل القومي، ويعمل بها حسب إحصاءات 2007 الرسمية مليون عامل دون الصناعات المعتمدة عليها؛[198][199] تعتبر سوريا السادسة عالميًا بإنتاج الزيتون. والثالثة العشر في إنتاج القطن عام 2010 أي قبل الحرب الأهلية طبقا لإحصائيات مجلس القطن الوطني لأمريكا. ولكن بسبب الحرب الأهلية وما خلفته من أضرار على الاقتصاد والزراعة انخفض إنتاج القطن السوري بشكل ملحوظ جدا.[200] أما المحاصيل الأخرى تشمل القمح، والأشجار المثمرة،[201] وهي محققة الأمن الغذائي في جميع أنواع الأغذية الأساسية وتصدر قسمًا منها.[202][203] وتتزامن الزراعة مع تربية الحيوان، وأهم المواشي البقر بحوالي 1.2 مليون رأس، والأغنام بحوالي مليوني رأس، والدجاج بحوالي 120 مليون دجاجة، والأسماك بإنتاج 17 ألف طن سنويًا، وبشكل ثانوي المناحل، وتحقق منتجات الحيوان أيضًا الاكتفاء الذاتي وتصدر للخارج.[204]
الصناعة في سوريا لا تزال تعتبر نامية ومقتصرة على 12.5% من القوى العاملة،[205] مع كون 85% من المنشآت الصناعية صغيرة وتوظف أقل من عشر عمال، وعام 2000 كان فقط 2.3% من المنشآت الصناعية المقدر عددها بنحو 90 ألفًا توظف أكثر من مئة عامل.[206] يقتصر القطاع الصناعي على الصناعات المتوسطة، كالصناعات الغذائية، والمنسوجات، وبعض الصناعات الثقيلة، كالإسمنت، والأسمدة، وتكرير النفط، ومواد البناء، وإنتاج الكهرباء، مع معمل وحيد لصناعة السيارات؛ في حين تستورد البلاد معظم حاجاتها الصناعية والإلكترونية.[207][208][209] أما التجارة والخدمات، فيشكلان 42% من الناتج المحلي الإجمالي، و39% من القوى العاملة متركزين في المدن الكبرى، ومشتملين خدمات مصرفية، وترانزيت، وسوق دمشق للأوراق المالية، ومعرض دمشق الدولي،[210] وخدمات السياحة التي توفر أيضًا 31% من احتياطي النقد الأجنبي.[211] في عام 2010 بلغ عدد السياح في سوريا 6 ملايين سائح دون السياحة الداخلية وزيارة السوريين في الخارج، مع متوسط استثمار سنوي بقيمة 6 مليارات دولار،[212] وصنفت سوريا كواحدة من أفضل المواقع السياحية في العالم، مع انخفاض كلفة السياحة مقارنة بالدول المجاورة،[213] وغناها الطبيعي والأثري،[214][215][216][217] غير أن الأزمة أفضت لاختفاء السياحة من البلاد.
على صعيد الثروات الطبيعية، فإن سوريا هي الدولة 27 عالميًا بإنتاج النفط بمعدل 400 ألف برميل يوميًا، يستهلك محليًا، ويصدر قسم منه إلى الخارج لإعادة استيراد مشتقاته؛[218][219] وإلى جانب الآبار الموجودة في الحسكة ودير الزور، اكتشفت كميات كبيرة من النفط والغاز في البحر قبالة الشواطئ السورية.[220][221][222] ثاني الثروات، هو الغاز الطبيعي، ويستخدم للاستهلاك المحلي، ويبلغ الإنتاج 28 مليار لتر مكعب سنويًا،[223] وثالثها الفوسفات في حمص، بإنتاج 2.6 مليون طن يصدر معظمه، وتعتبر التاسعة عالميًا في إنتاجه.[224] على صعيد إنتاج الطاقة، فقد حققت سوريا منذ 2002 الاكتفاء الذاتي من حاجاتها الكهربائية بمقدار 21.6 مليار كليوواط ساعي،[225] إلا أن الأزمة أدت إلى تراجع القدرة على إنتاج الطاقة بكميات كبيرة، وبالمتوسط فإن المدن السورية تقطع عنها الكهرباء بين 6 - 9 ساعات يوميًا، حتى في المدن التي لا تشهد معارك كدمشق واللاذقية.[226][227]
التجارة الخارجية
عام 2010 بلغت قيمة الصادرات السورية 10.5 مليار دولار، أكثر من 50% منها مع الدول العربية خصوصًا العراق والسعودية، وحوالي 30% مع دول الاتحاد الأوروبي، وبلغت قيمة الواردات السورية 15 مليار دولار، حوالي 25% من دول الاتحاد الأوروبي، و16% من الدول العربية خصوصًا مصر والسعودية، أما باقي النسب موزعة بين الصين، وكوريا الجنوبية، والولايات المتحدة، وتركيا.[228]
لسوريا اتفاقات تجارة حرة مع العراق، وتركيا، وإيران، ومفاوضات للشراكة الأوروبية أوقفت بنتيجة الأزمة، وعقوبات منذ 2001 من قبل الولايات المتحدة فضلاً عن العقوبات المفروضة على التجارة بنتيجة الأزمة؛ وتبلغ قيمة الدين الخارجي 7.7 مليار دولار تملكه روسيا، وقد شطبت معظمه في يناير 2005.
ينصّ الدستور على كون التعليم حقًا من حقوق كل مواطن، وهو إلزامي في مرحلة التعليم الأساسي ومجاني في جميع المراحل. إلى جانب المدارس التي تديرها الدولة عن طريق وزارة التربية والتعليم، فإنّ القطاع الخاص يستثمر في مجال التعليم أيضًا، مع ملاحظة إجبارية مواد المنهاج التي تصدره الوزارة. التعليم الماقبل الجامعي في سوريا، ينقسم إلى مرحلتين: التعليم الأساسي من 6-15 عام وهو مكوّن من حلقتين، ومرحلة التعليم الثانوي من 15 - 18 عامًا، وتشمل ثلاثة فروع هي العلمي والأدبي والشرعي، وسبعة فروع مهنية هي الصناعي والزراعي والتجاري والسياحي والمعلوماتي والفنّي، وينتهي بنيل الطالب شهادة الثانوية العامة، والتي تؤهله بحسب معدله وبناءً على مفاضلة تصدرها وزارة التعليم العالي اختصاصه النهائي في الجامعات. غالب السوريين يتجه للدراسة في جامعات الدولة، وأقدمها جامعة دمشق. وضعت الدولة عام 1972 قانونًا لمحو الأميّة، غير أنها لم تفلح في تطبيقه تمامًا، وقد انخفضت نسبة الأميين من 19% عام 2000 إلى 14.2% عام 2008، وبهذا تحتل سوريا المرتبة التاسعة عربيًا والمرتبة 119 عالميًا في محو الأمية. ينظم في البلاد سنويًا عدد كبير من المهرجانات الثقافية ومعارض الكتب أبرزها «معرض دمشق للكتاب»،[229] وتدير الحكومة عددًا من المكتبات وقاعات المطالعة، ولعلّ أبرز المكتبات العامة هي مكتبة الأسد الوطنية.[230] كذلك تحوي المدن مراكز المحافظات ومراكز المناطق على دور ثقافية ومسارح تديرها وزارة الثقافة، وتحوي مكتبات عامّة صغيرة الحجم، وتنظم من خلالها المهرجانات وسائر الأيام الثقافية.
الاستثمار في القطاع الصحي، تتدخل به الدولة إلى جانب القطاع الخاص. تقوم الحكومة بإدارة 85 مشفى في الجمهورية أغلبها تخصصي كبير الحجم إلى جانب حوالي 800 مستوصف صحي في المناطق الريفية. يضاف إلى هذه المشافي التابعة لوزارة الصحة، 12 مشفى جامعي يتبع |لوزارة التعليم العالي و18 مشفى عسكري يتبع وزارة الدفاع. أما المشافي الخاصة فقد بلغ عددها عام 2008 حوالي 400 مشفى وتغطي حوالي 25% من مجمل القطاع الصحي، إلى جانب عدد كبير من العيادات الصحية الخاصة التي يقوم بإدارتها الأطباء السوريين، وتخضع بمجملها لرقابة وزارة الصحة.[231] تقتطع الحكومة جزءًا من رواتب الموظفين العاملين في القطاع العام، كتأمين صحي في المنشآت الصحية التابعة لها، وتنص القوانين المرعيّة أنه على شركات القطاع الخاص أيضًا تسجيل عمالها في التأمينيين الصحي والاجتماعي سواءً أكان ذلك في مؤسسات القطاع العام والخاص. يبلغ متوسط عمر المواطنين السوريين 74 عامًا،[231] وهو متقارب مع سائر الدول في المنطقة. على صعيد الصناعة الدوائية، يوجد 65 معملاً للأدوية تتركز معظمها في ريف دمشق وحلب،[232] لتحتل سوريا المركز الثاني عربيًا من حيث الصناعة الدوائية وتقوم بالتصدير لدول الخارج، أما بعض أنواع الأدوية التي لا تقوم المعامل السورية بإنتاجها تستورد وتشكل 20% فقط من مجموع حاجات سوريا للدواء.[232]
العديد من عناصر الثقافة السورية التقليدية مكوّنة من التراكمات المتراكبة للثقافات التي انتشرت في البلاد منذ سوريا الآرامية. الثقافة السورية التقليدية، اندثرت أو تراجعت بشكل كبير، أو اتخذت أشكالاً جديدة مع تطور العصر منذ النصف الثاني للقرن العشرين.[233] هذا يشمل وبدرجات متفاوتة، حضور الحكواتي، والكركوزاتي، والعراضية الشامية، ورقصة السيف والترس، والأمثال الشعبية، والزجل، والسيارين، وارتياد المقاهي التقليدية، وتدخين الأركيلة، ومجالس السمر، والاحتفالات التي تقام في المناسبات الخاصة مثل الولادة أو الختان، وسيطرة القيم الأسرية.[234]
الخط التقليدي للعمارة السورية يشمل نمط البيوت العربية، والتي تجمع بين فساحة المكان، والنور الطبيعي، والخضرة، ووفرة العنصر المائي، مع كثير من الزخرفة والتطعيم في قطع الأثاث؛[235][236][237] كذلك فإنه من الصروح الهامة والتي تعكس فنون العمارة السورية، صروح مثل كاتدرائية القديس سمعان العمودي شمال حلب.[238][239] منذ نهاية القرن التاسع عشر، انتشرت الصيغ الحديثة للعمارة مثل الأبراج السكنية، وهي ما حلّ تدريجيًا مكان الأنماط التقليدية للبناء؛ تمامًا مثل الأزياء، فباستثناء بعض مناطق الريف الشمالية والشرقية، فإنّ الأزياء التقليدية - المؤلفة من شروال مع قميص وصدرية، أو جلباب في بعض المناطق، مع وضع العمامة أو الطربوش على الرأس بالنسبة للذكور، وعباءة طويلة داكنة اللون بالنسبة للسيدات، زاهية بالنسبة للفتيات، وغالبًا ما تكون مزينة بأقراط ومطرزة مع وشاح يعصب الرأس،[240][241][242] بالنسبة للإناث - استبدلت منذ النصف الثاني للقرن العشرين تدريجيًا بالأزياء الحديثة كسراويل الجنيز وغيرها.[243] وإلى جانب الأنماط التقليدية للرسم، والتطعيم، والنحت، تنتشر المدارس المعاصرة لهذه الفنون وسواها.
بهدف إبراز التراث الثقافي السوري، والحفاظ عليه تحوي البلاد أعدادًا من المتاحف أهمها المتحف الوطني بدمشق، إلى جانب المتاحف التخصصية والأصغر حجمًا؛ هناك الكثير من التحف السورية معروض في متاحف عالمية مثل متحف اللوفر؛ ومع كون سورية غنية بالمناطق التاريخية والأثرية - 7000 إلى 10.000 موقع أثري -[258][259][260] فإنّ فقط 18 موقع مدرج على قائمة التراث العالمي؛[261] وقد قدرت قيمة الآثار السورية المهربة للخارج خلال الأزمة ملياري دولار حسب بعض المصادر.[262][263]
تأسس المسرح السوري عام 1871 على يد أبو خليل القباني، ويعدّ أول مسرح عربي معاصر؛[264][265] وتأسست السينما السورية عام 1927، لتغدو البلاد أحد مراكز صناعة السينما العربية، ومركز مهرجان دمشق السينمائي الدولي.[266] وتعتبر الدراما السورية التلفزيونية أول ميادين الفنون الإعلامية شهرة، وحسب رأي عدد من النقاد تعتبر الأفضل عربيًا،[267][268][269] وبعض أركانها استطاعوا الوصول إلى العالمية.[270][271] تأسست الإذاعة السورية عام 1946، والتلفزيون السوري عام 1959، ومنذ عام 2004 فتح باب الاستثمار بالإذاعات وقنوات التلفزة، وكان قبلاً حكرًا على الدولة، وهو ما دفع لتأسيس عدد منها سواءً كانت مراكزها داخل البلاد أم خارجها، ويقوم غالب السوريين بمتابعة القنوات العربية غير السورية أكثر من تلك السورية. الصحافة السورية تأسست في حلب عام 1854، ولعبت دورًا مؤثرًا في الحياة الثقافية والاجتماعية خلال القرن التاسع عشر، والنصف الأول من القرن العشرين، واحتكرت من قبل الدولة بين 1963 - 2004، وحاليًا يصدر في البلاد عدد من الصحف الخاصة والحكومية المتنوعة، مع انتقادات واسعة حول حرية الصحافة في سوريا.[272] يذكر أن 20% من السوريين يستعملون الإنترنت بشكل دوري حسب قائمة استعمال الإنترنت بشكل دوري.[273]
^ابتداءً من عام 1925 كانت تُدعى الدولة السورية، وبعدَ إعلان النظام الجمهوري عام 1930 وحتى عام 1958 أصبح اسمها الجمهورية السورية، بعد فك الارتباط مع الجمهورية العربية المتحدة، عُدِّلَ الاسم لإضافة عبارة "العربية"، لتُصبح الجمهورية العربية السورية".
^الدستور السوري 1973، المادة 1/ 3؛ ألغيت الفقرة في الدستور السوري 2012، لكن تم الحفاظ علي شرط الوحدة العربية في القسم الرئاسي في المادة 7.
^على سبيل المثال 68% من موازنة عام 1955 على المجهود الحربي، و40% من موازنة 1957.[185]
^ ابجد. قاعدة بيانات البنك الدولي. {{استشهاد ويب}}: الوسيط |title= غير موجود أو فارغ (من ويكي بيانات) (مساعدة) والوسيط |مسار= غير موجود أو فارع (مساعدة)
^"حضارة سوريا". موقع ريحان. مؤرشف من الأصل في 11 نيسان / أبريل 2020. اطلع عليه بتاريخ 11 نيسان / أبريل 2020. {{استشهاد ويب}}: تحقق من التاريخ في: |تاريخ الوصول= و|تاريخ أرشيف= (مساعدة)
^تاريخ النفط والغاز في سوريا، أخبار النفط والغاز - الموقع الرسمي لشركة النفط والغاز السوري، 3 فبراير 2010. "نسخة مؤرشفة". مؤرشف من الأصل في 2017-10-31. اطلع عليه بتاريخ 2011-02-03.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
سورية : التقرير الوطني للتنمية البشرية 2005 : التعليم والتنمية البشرية نحو كفاءة افضل. دمشق، سوريا: رئاسة مجلس الوزراء، هيئة تخطيط الدولة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. 2005.