معاهدةُ ڤرساي (بالإنجليزية: Treaty of Versailles)، (بالفرنسية: Traité de Versailles)، (بالألمانية: Versailler Vertrag) أو «صلح ڤرساي»، أو «معاهدةُ السلامِ بينَ القوى المتحالفةِ والمرتبطةِ معها وبينَ ألمانيا» بحسبِ الاسمِ الرسمي، هي المعاهدةُ التي أسدلتِ الستارَ من جانب القانونِ الدوليِّ على أحداثِ الحرب العالمية الأولى. وُقِعَ عليها بعدَ مفاوضاتٍ شاقّةٍ وعسيرةٍ استمرَّت ستةَ أشهرٍ هي وقائعُ مؤتمرِ باريسَ للسلامِ (دخلتِ الهدنةُ العامةُ مع ألمانيا حيز التنفيذ في الساعة الحادية عشرة من ضحى يوم 11 /11 /1918). وقَّعَ الحلفاءُ المنتصرونَ في الحرباتفاقيَّاتٍ منفصلةً معَ دولِ المركزِ الخاسرةِ وهي الرايخ الألمانيّ، والإمبراطورية النمساوية-المجرية، والدولة العثمانية، ومملكةُ بلغاريا.[1] سُلمَتِ الصياغةُ النهائيةُ للنصّ الذي تمَّ الاتفاقُ عليهِ إلى الحكومةِ الألمانية في 7 مايو/أيار 1919 للموافقةِ عليِهِ من قِبَلِها، وجرتْ مراسمُ التوقيعِ في 28 يونيو/حزيران1919م. تضمّنَتِ المعاهدةُ الاعترافَ الألمانيَّ بالمسؤوليةِ الكاملةِ عنِ الحرب ما أثارَ حنقاُ واسعاً داخلَ ألمانيا فقدِ اعتبرَ تنازلاً عن الكرامةِ الوطنيّةِ،[2]فألمانيا وإنْ كانَ عليها نصيبُها من المسؤوليّةِ إلا أنَّه ليستِ المسؤوليّةُ كاملةً. لقدْ كانَ بنداً مثيراً لكثيرٍ منَ الجدلِ: «إقرارُ ألمانيا وحلفائِها بمسؤوليّتِهم عنِ التسببِ في جميع الخسائرِ والأضرارِ» التي وقعتْ أثناءَ الحربِ (تضمنتِ المعاهداتُ معَ دولِ المركزِ الأخرى موادَّ مماثلةً). أضحت هذهِ المادةُ (المادة 231) تُعرفُ باسمِ «بندِ ذنبِ الحربِ».
فيما يتعلقُ بالقيودِ العسكريَّةِ على ألمانيا فرضتِ المعاهدةُ ضوابطَ وقيوداً صارمةً جداً على الآلةِ العسكريةِ الألمانيةِ بغيةَ منعِ الألمانِ من إشعالِ حربٍ ثانيةِِ، فنصّت على تجريدِالجيشِ الألمانيّ من السلاحِ الثقيلِ، وإلغاءِ نظامِ التجنيدِ الإلزاميِّ المعمولِ به، والاحتفاظِ بمئةِ ألفِ (100,000) جنديٍّ عاملٍ فقط.[3] بما فيه الالتزامِ بـخمسةَ عشرَ ألفَ (15,000) عنصرٍ عاملٍ (ما بين ضباطٍ وجنود) في البحريَّةِ، وعدمِ بناءِ قوّةٍ جويّةٍ، وتحديدِ السفنِ الحربيَةِ بعددٍ محدودٍ، ومنعِها بتاتاً من بناءِ غوّاصاتٍ حربيَّة.[4] كما فُرِضَ عليها ألاّ يحقَّ البقاءُ في الخدمةِ العسكريةِ أقلَّ منْ اثنيْ عشرَ (12) عاماً للجنودِ وخمسةٍ وعشرينَ (25) عاماً للضبّاطِ بحيثُ يغدو الجيشُ الألمانيُّ قائماً على الكفاءاتِ العسكريّةِ غيرِ الشابّة.[5]
ثمَّ جاءَ دفعُِ التعويضاتِ لبعضِ البلدانِ. حُدّدت هذهِ التعويضاتُ بمبلغِ تسعةٍ وستينَ ومئتيْ (269) مليارِ ماركٍ ألمانيٍّ ذهبيٍّ، ثمَّ خُفّضَ عدةَ مراتٍ فيما بعدُ، وبحسبِ خبراءٍاقتصاديّينَ فإنها -رغمَ التخفيضاتِ- بقيت مغالىً فيها.[6] ونتجَ عن ذلكَ أنْ أثقلتِ الديونُ الاقتصادَ الألمانيَّ المنهَكَ بسببِ الحربِ وتبعاتِها مما رفعَ درجةَ الغضبِ والغليانِ الشعبيِّ، وأسهمَ في النهايةِ في اندلاعِ الحربِ العالميّةِ الثانيةِ.
كانَ الاقتصاديُّ البريطانيُّ اللامعُ جون مينارد كينز (1883-1946م) -عضوُ الوفدِ البريطانيِّ إلى مؤتمرِ پاريسَ للسلامِ- بعيدَ النظرِ عندما وصفَ معاهدةَ ڤرسايَ بعبارتهِ الشهيرةِ: «سلامٌ قرطاجيٌّ» (إشارةً لمّاحةً منهُ إلى تدميرِ الرومانقرطاجةَ كليّاً؛ لقد حققوا السلامَ، ولكن على أنقاضِ دولة)، واعتبرَ أن من شأنِها أنْ تدمرَ ألمانيا اقتصاديّاً، وأنها ذاتُ نتائجَ عكسيّةٍ. وقد بقيَ هذا الأمرُ موضوعَ أخذٍ وردٍّ دائمين من قبلِ المؤرخينَ والاقتصاديّينَ على حدٍّ سواء.
من ناحيةٍ أخرى رأت شخصياتٌ بارزةٌ من الحلفاءِ المعاهدةَ من وجهةِ نظرٍ أخرى، فقد انتقدها ماريشال فرنسا فرديناند فوش (1851-1929م) -القائدُ الأعلى لجيوش الحلفاءِ الذي وقَّعَ على الهدنةِ مع الألمانِ- لأنها تُعامل ألمانيا معاملةً متساهلةً للغاية، ووصفها بقولهِ: «هذا ليسَ سلاماً، إنّهُ فقط هدنةٌ لمدةِ عشرينَ عاماً»، ما اعتبرَ -فيما بعدُ- نبوءةً غيرَ مسبوقةٍ. ويُروى أنَّ صحافيّاً سألَ جورج كلمنصو رئيسَ الوزراءِ الفرنسي (1917-1920م) عن سببِ عدائِهِ للألمانِ -وقد اشتهرَ بتصلبهِ الشديدِ أثناءَ المفاوضاتِ- وقالَ له: «هلْ ذهبتَ يوماً إلى ألمانيا ورأيتَ الألمانَ؟»، فأجابَ: «لا، ولكني خلالَ حياتي رأيتُ الألمانَ مرتينِ يأتونَ إلى فرنسا» (إشارةً منه إلى الحربِ الفرنسيةِ-الپروسيةِ (70-1871م) عندما احتل الألمان باريس، والحرب العالمية الأولى)، وسواءً كانتِ الروايةُ صحيحةً أم صيغت على سبيلِ «المُضحك-المُبكي» فإنها تصورُ الروحَ والجِواءَ التي جرت فيها المفاوضاتُ التي أدّت إلى معاهدةِ ڤرساي.[هامش 1]
سمّيتِ المعاهدةُ معاهدةَ فرسايَ على اسمِ المكانِ الذي جرت فيه مراسمُ توقيعِها النهائي وهو قاعةُ المرايا الشهيرةُ في قصر فرسايَ التاريخيِّ في ضواحيباريسَ، لكنَّ معظمَ المفاوضاتِ جرت في باريسَ، وعُقدتِ اجتماعاتُ «الأربعةِ الكبارِ»؛ بريطانيا وفرنسا وإيطاليا والولاياتِ المتحدةِ بشكلٍ عامٍّ في مقر وزارةِ الخارجيةِ الفرنسيّةِ (بالفرنسية: Quai d'Orsay).
خريفَ العام 1918 شرعت دول المركز في الانهيار.[7] بدأت معدلات الفرار داخل الجيش الألماني بالازدياد، وخفضتِ الضربات على المدنيين بشكلٍ كبير من الإنتاج الحربي.[8][9] على الجبهة الغربية شنت قوات الحلفاء هجوم «مئة اليوم» وهزمت جيوش الغربِ الألمانيّةِ بشكلٍ حاسمٍ.[10]تمرد بحارة البحريةِ القيصريةِ الألمانيّةِ في كيل وسرعان ما تطور الأمر إلى اندلاعِ انتفاضاتٍ شعبيةٍ في ألمانيا ما أصبح يُعرف باسم الثورة الألمانية (18–1919).[11][12] أُعلنتِ الجمهورية فيما القيصر في زيارةٍ إلى هولندا، وأرسل له المستشار (رئيس الوزارة من الحزب الديمقراطي الاشتراكي) طالباً منه التنازل، وعندما منحته الحكومة الهولندية بحفزٍ من قريبته الملكة فلهلمينا اللجوءَ، كانتِ القيصرية قد أضحت شيئاً من الماضي. حاولتِ الحكومة الألمانية التوصل إلى تسويةٍ سلميّةٍ على أساس نقاط ويلسونَ الأربع عشرة، وأكدت أنها ستوقع الهدنة على هذا الأساس. عفب المفاوضات وقع الطرفان في الساعة الخامسة فجراً هدنةً (بعد يومين من تنازل الفيصر) دخلت حيز التنفيذ في اليوم نفسه الساعة الحادية عشرة ضحَى يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني بينما القوات الألمانية لاتزال متمركزةً في فرنساوبلجيكا.[13][14][15]
شهدتِ الهدنة بعد انتهائها في (13 /12 /1918) ثلاثة تمديداتٍ حتى دخول معاهدة فرساي حيز التنفيذ؛ الأولى (13 /12 /1918 - 16 /1 /1919)، والثانية (16 /1 /1919 - 16 /2 /1919)، والثالثة (16 /2 /1919 - 10 /1 /1920). فرضتِ الهدنة إطلاقَ جميع الأسرى، وعودةَ الجيش الألماني في الشرق إلى حدودِ ما قبل الحرب، وتسليمَ معداتٍ حربيةٍ، وإلغاءَ معاهدتَيْ برست ليتوفسكوبوخارست لعام 1918، كما اشترطت إجلاءً فورياً للقوات الألمانيةِ من بلجيكاولوكسمبورچ والأراضي الفرنسية المحتلة في غضون خمسةَ عشرَ يوماً.[16] علاوةً على احتلال منطقة الراينلاند من قبل الحلفاء. أواخرَ العامِ 1918 دخلت قوات الحلفاءِ ألمانيا، وبدأتِ احتلالها، وأسست «مفوضية راينلاند العليا المتحالفة».[17]
اعتمدت ألمانيا وبريطانيا على واردات المواد الغذائية والمواد الخام التي توجب شحن معظمها عبر الأطلسي. كان حصار ألمانيا (14-1919) عمليةً بحريةً قام بها الحلفاء لوقف توريد المواد الخام والمواد الغذائية لدول المركز. كانت عمليات بحريّةِ القيصريّةِ الألمانيّةِ مقتصرةً بشكلٍ أساسيٍّ على الخليج الألماني، واستخدمتِ المغيرين التجاريين [الإغارات على السفن التجارية] والحرب بواسطة الغواصات غير المقيدة [لأنها تستطيع تجاوز نطاق الحصار] لعمل حصارٍ مضاد. صرح المجلس الألماني للصحة العامة في ديسمبر/كانون الأول 1918 أن 763 ألف مدنيٍّ ألمانيٍّ ماتوا أثناء حصار الحلفاء، على أن دراسةً أكاديميّةً عامَ 1928 قدرت عدد الموتى بـ424 ألفاً.[18]
دام الحصار ثمانية أشهرٍ بعد توقيع الهدنةِ في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1918، وفي العام 1919 جرى التحكم في واردات المواد الغذائية من قِبَلِ الحلفاء حتى وقعت ألمانيا معاهدة فرساي.[19] في مارس/آذار 1919 أبلغ ونستون تشرشل -وزير شؤون الحرب والطيران- مجلسَ العموم أن الحصارَ المتواصل كان ناجحاً وأن «ألمانيا قريبة جداً من المجاعة».[20] من يناير/كانون الأول 1919 إلى مارس/آذار 1919 رفضت ألمانيا مطالبَ الحلفاء بتسليم سفنها التجارية إلى موانئ الحلفاء لنقل الإمدادات الغذائية. اعتبر البعض أنه بما أن الهدنة وقفٌ مؤقتٌ للحرب فإن اندلاع القتال مرةً أخرى سيؤدي للاستيلاء على الأسطول الألماني.[21] أضحى الوضع يائساً شتاءَ العام 1919 حتى وافقت ألمانيا أخيراً على تسليم أسطولها التجاري في مارس/آذار، ثم سمح الحلفاء باستيراد مئتين وسبعين (270) ألف طنٍّ من المواد الغذائية.[22][هامش 2]
جادل المراقبون -من ألمانٍ وغيرهم- بأن أشهر الحصار هذه كانتِ الأكثرَ رَهَقاً على المدنيين الألمان[23] على الرغم من استمرار الخلاف حول مدى ومن هو المخطئ حقاً.[24][25][26][27][28] وفقاً للدكتور «ماكس روبنر» لقيَ مئة ألف مدنيٍّ ألمانيٍّ حتوفهم بسبب استمرار الحصار بعد الهدنة.[29] كما أصدر عضو حزب العمال والناشط المناهض للحرب «روبرت سميلي» في المملكة المتحدة بياناً في يونيو/حزيرانَ 1919 يدين استمرار الحصار زاعماً أن مئة ألفِ مدنيٍّ ألمانيٍّ شهدوا نهاية حياتهم نتيجة ذلك.[30][31]
صوّت الكونجرس الأمريكي على إعلان الحرب على ألمانيا في السادس من أبريل/نيسان من العام 1917.[32][هامش 3] كان الرئيس وودرو ويلسون في رؤياه يهدف إلى فصل الحرب عن الخلافات والطموحات القومية، وفي الثامن من يناير/كانون الثاني 1918 عرض ويلسون النقاطَ الأربعَ عشرةَ في خطابٍ له على الكونجرس، حيث وُضعتِ الخطوط العريضة لسياسة «التجارة الحرة»، والاتفاقيات المفتوحة، والديمقراطية، وفي حين لم يُستخدم مصطلح «تقرير المصير» (بالإنجليزية: self-determination) إلا أنه جرى افتراضه، كما دعتِ النقاط الأربعَ عشرةَ إلى إنهاءِ الحرب عن طريق التفاوض، ونزعِ السلاح الدولي، وانسحابِ دول المركز من الأراضي المحتلة بما فيها آسيا العربية، وإنشاءِ دولةٍ بولنديةٍ، وإعادةِ ترسيمِ الحدودِ في أوروپا على أسسٍ عرقيةٍ [أي قوميةٍ]، وتشكيل عصبة الأمم؛ هيئةٍ دوليةٍ لضمان الاستقلال السياسي وسلامة أراضي جميع الدول.[33] ودُعيَ إلى سلامٍ عادلٍ وديمقراطيٍّ غير قابلٍ للتسوية في موضوع ضمِّ الأراضي. استندت هذه النقاطُ الأربع عشرة
[هامش 4] إلى البحث الاستقصائي حول الموضوعات التي من المحتمل أن تثار في مؤتمر السلام المتوقع، والذي أجراه فريق دُعي «لجنة التحقيق» برئاسة مستشار السياسة الخارجية للرئيس ويلسون «إدوارد إم هاوس».[34]
شُكلتْ لجنة التحقيق (بالإنجليزية: The Inquiry) (أو لجنة الاستعلامات في بعض المراجع) كمجموعةٍ بحثيةٍ في سبتمبر/أيلول من العام 1917م من قبل الرئيس ويلسون لإعداد تصوراتٍ لمفاوضات السلام عقب الحرب. تألفتِ المجموعة من خمسين ومئة (150) أكاديميٍّ برئاسة المستشار الرئاسي إدوارد هاوس، وإشراف الفيلسوف سيدني ميزس، ورئيس البحوث والتر ليبمان (استبدل به لاحقاً «آيسايا بومان»). اجتمعتِ اللجنة في مكتبة نيويورك العامة، ولكن اجتماعاتها نقلت فيما بعد إلى مكاتب «الجمعيّة الجغرافيّة الأمريكيّة» في نيويورك بعد انضمام بومان.[35]
انضم عشرون وواحد (21) من أعضاء لجنة التحقيق إلى «اللجنة الأمريكيّة الكبرى للتفاوض على السلام»، أو الوفد الأمريكي إلى مؤتمر باريس للسلام الذي بدأ في 18 يناير/كانون الثاني من العام 1919م.[35]
نهايةَ العام 1917 وبدايةَ 1918 رُصد مرضٌ سريع العدوى للغاية سرعان ما تحول لما دُعي بـ«جائحة إنفلونزا 1918» (بالإنجليزية: 1918 Influenza Pandemic)، وقُدّر ضحاياه ما بين خمسين ومئة مليون
[36] موزعين على أربع موجاتٍ (بين فبراير/شباط 1918 ومارس/آذار 1920) كان أكثر من نصفهم بين 20-40 سنة، و99 ٪ منهم دون الخامسة والستين[37][38] ما جعله أفتك وباءٍ في التاريخ،[هامش 5] وخفّض متوسط العمر المتوقع حول العالم (في الولايات المتحدة بـ12 عاماً لسنة 1918). حسبَ دراسةٍ عامَ 2007 للمجلات الطبية من تلك الفترة فإن الڤيروس لم يكُ أشدَّ فتكاً من سلالات الإنفلونزا السابقة، لكن تبعاتِ الحرب من ضعف المناعة -بسبب التوتر النفسي والتعرض للغازات الكيميائية وسوء التغذية-، والمشافي والمخيمات الطبية المزدحمة، وحظائر الخنازير -التي تحول الڤيروس فيها منتقلاً من الطيور- لإطعام الجنود بالقرب من المعسكراتِ المكتظة أصلاً، وسوء النظافة الصحية جميعها متضافرةً عززت سرعة العدوى ومنها العدوى الجرثوميةِ الإضافيةِ التي أودتْ بمعظم الضحايا.[39][40][هامش 6]
وتعتبر بعضُ المراجع الوباءَ أحدَ الأسبابِ في ترجيح كفةِ قواتِ الحلفاءِ، وعاملاً في نجاحهم في المناطق الوسطى وفوزهم في الحرب.[41] ذلك كله بينما كان السياسيون يتنافسون في إظهار براعاتهم الخطابية والجدلية بدلاً من التعجيل في إقرار السلام والاستقرار.
المفاوضات
بدأت المحادثات بين الحلفاء لتأسيس موقفٍ تفاوضيٍّ مشتركٍ في 18 يناير/كانون الثاني 1919 في قاعة Salle de l'Horloge بوزارة الخارجية الفرنسية في باريس.[42] شارك في البداية سبعون مندوباً من عشرين وسبع (27) دولٍ في المفاوضات،[43] واستبعدت روسيا بسبب توقيعها على اتفاق سلامٍ منفصلٍ (معاهدة بريست ليتوفسك)، وانسحابها المبكر من الحرب. علاوةً على ذلك استُبعد المفاوضون الألمان لحرمانهم من فرصة تقسيم الحلفاء دبلوماسياً.[44]
اجتمع «مجلس عشرةٍ» Council of Ten في البدء رسمياً لتقرير شروط السلام (تألف من مندوبَيْن عن كلٍّ من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وإيطاليا واليابان)، ثم استبدل به «مجلس الخمسة» الذي تشكل من وزراء خارجية هذه البلدان لمناقشة القضايا الفرعية. كوّن رئيس الوزراء الفرنسي جورج كلمنصو، ورئيس الوزراء الإيطالي ڤيتوريو إيمانويل أورلاندو، ورئيس الوزراء البريطاني ديڤيد لويد جورج، ورئيس الولايات المتحدةوودرو ويلسون «الأربعة الكبار» (في وقتٍ ما أصبحوا «الثلاثة الكبار» بعد الانسحاب المؤقت لڤيتوريو أورلاندو). اجتمع هؤلاء الأربعة خمساً وأربعين ومئة (145) جلسةٍ مغلقةٍ لاتخاذ جميع القرارات الرئيسة، والتي صادق عليها المجلس بأكمله لاحقاً. حضرتِ القوى الصغرى «المؤتمر العام» الأسبوعي الذي ناقش القضايا في منتدىً عامٍّ، لكنها لم تتخذ قراراتٍ. شكل هؤلاء الأعضاء أكثر من خمسين لجنةً قدمت توصياتٍ مختلفةً أُدمج العديد منها في النص النهائي للمعاهدة.[45][46][47]
الأهداف البريطانية
عانت بريطانيا من أعباءٍ ماليةٍ باهظةٍ مع دمارٍ ماديٍّ ضئيلٍ أثناء الحربِ،[48] وكانَ الائتلاف البريطانيُّ[هامش 7] زمنَ الحربِ قد أعيدَ انتخابُهُ نهايةَ العامِ 1918م من خلال ما دعي بقسيمة الائتلافِ (بالإنجليزية: Coupon election)، مع التأكيدِ على سياسةِ الضغطِ على الألمانِ «حتى آخر قطرة».[49][50] فضّلَ الرأيُ العامُّ البريطانيُّ «سلاماً عادلاً» من شأنهِ أنْ يُجبرَ ألمانيا على دفعِ تعويضاتٍ إضافةً إلى إجهاضِ قدرتِها على تكرارِ عدوانِ الحربِ، وذلكَ بالرغمِ من أنَّ «الرأيَ العامَّ الليبراليَّ» كانَ أكثرَ ميلاً نحو فكرةِ «ويلسونَ» عن سلام المصالحة.[51][هامش 8]
عارضَ رئيسُ الوزارةِ البريطانيةِ لويد جورج فكرةَ الانتقامِ، وحاولَ التوفيقَ بينَ مطالبِ كلمنصو ونقاطِ ويلسونَ الأربعَ عشرةَ، لأنهُ سيتعينُ على أوروبا في النهايةِ التصالحُ معَ ألمانيا.[52] أرادَ لويد جورج شروطاً للتعويضِ لا تشلُّ الاقتصادَ الألمانيَّ كي تبقى ألمانيا قوةً اقتصاديةً قابلةً للحياةِ وشريكاً تجارياً،[48][49][52] ثمَّ -ومن خلالِ المطالبةِ بإدراجِ معاشاتِ الحربِ البريطانيّةِ وتعويضاتِ الأراملِ ضمن التعويضاتِ الألمانيّةِ- ضمنَ أنَّ مبلغاً محترماً سيذهبُ إلى الخزينةِ البريطانية.[53]
كانَ لويد جورج يهدفُ إلى الحفاظِ على توازن ميزان القوى الأوروبي[هامش 9] وذلكَ لإحباطِ أيِّ محاولةٍ فرنسيةٍ لترسيخِ فرنسا كقوةٍ أوروبيةٍ مهيمنةٍ، وبهذا المعنى فإن إحياءَ ألمانيا سيكونُ بمنزلةِ ثقلٍ موازنٍ لفرنسا ورادعٍ لروسيا البلشفية. أرادَ لويد جورج أيضاً تحييدَ البحريةِ الألمانيةِ لإبقاءِ البحريّةِ الملكيّةِ البريطانيّةِ أكبرَ قوةٍ بحريةٍ في العالمِ، وتفكيكَ الإمبراطوريةِ الاستعماريةِ الألمانيةِ مع محاولةِ حيازةِ العديدِ من مستعمراتِها باسمِ نظامِ الانتداب تحتَ مظلةِ عصبة الأمم، وهوَ النظامُ الذي عارضته دولُ الدومينيون[52] وفرنسا.
الأهداف الفرنسية
فقدت فرنسا نحوَ ثلاثمئةِ ألفٍ ومليونِ جنديٍّ كان ربعهم (25 ٪) من الرجالِ ممّن تراوحَت أعمارهم بينَ الثامنة عشرةَ والثلاثين عاماً، وأربعمئةِ ألفِ مدنيٍّ. كما تعرضت لخسائرَ ماديّةٍ أكثرَ من أي دولةٍ أخرى (دُمرتْ ما تدعى بالمنطقةِ الحمراءِ؛ وهيَ المنطقةُ الأكثرُ تصنيعاً ومصدرُ معظمِ الفحمِ وخامِ الحديدِ في الشمالِ الشرقيِّ، وفي الأيامِ الأخيرةِ من الحربِ كانت المناجمُ قد غُمرت بالفيضاناتِ، كما دُمرتِ السككُ الحديديةُ والجسورُ والمصانعُ).[54][هامش 10]
هدفَ كلمنصو إلى ضمانِ أمنِ فرنسا من خلالِ إضعافِ ألمانيا اقتصادياً وعسكرياً وإقليمياً، وحلولِ فرنسا محلها كمنتجٍ رئيسٍ للصلبِ في أوروپا.[54] لخصَّ عضوُ الوفدِ البريطانيِّ المفاوضِ في ڤرسايَ الاقتصاديُّ الشهير جون مينارد كينز هذا الموقفَ بأنه محاولة «إعادةَ عقاربِ الساعةِ إلى الوراءِ، والتراجعِ عمّا حققه تقدمُ ألمانيا منذ العامِ 1870م».[55]
قالَ كلمنصولويلسون: "أمريكا بعيدةٌ، محميةٌ بالمحيطِ.. وحتى نابليون نفسَه لا يمكنه أن يمسَّ إنجلترا.. كلاكما محميٌ. نحن لسنا كذلك".[56] أرادَ الفرنسيونَ حدوداً على نهر الراين -كمانعٍ جيوسياسيٍّ طبيعيٍّ- لحمايةِ فرنسا من الغزوِ الألمانيِّ، وكذلك لتعويضِ التدنّي السكاني والاقتصادي الفرنسي.[55][57] رفضَ الأمريكيونَ والبريطانيونَ الادّعاءَ الفرنسيَّ، وبعدَ شهرينِ منَ المفاوضاتِ وافقَ الفرنسيونَ على تعهدٍّ بريطانيٍّ بعقد تحالفٍ فوريٍّ معَ فرنسا إذا ما هاجمتها ألمانيا ثانيةً، ووافقَ ويلسون على تقديمِ اقتراحٍ مماثلٍ إلى مجلسِ الشيوخِ الأمريكي، وكانَ كلمنصو قد أخبرَ مجلسَ النوابِ في ديسمبرَ/كانونَ الأولَ عام 1918 أنَّ هدفَهُ الحفاظُ على تحالفٍ معَ كلا البلدين. قبلَ كلمنصو العرضَ مقابلَ احتلالِ الراينلاند لخمسةَ عشرَ عاماً، وعلى أن تقبلَ ألمانيا بمنطقة الراينلاندمنطقةً منزوعةَ السلاح.[58]
طالبَ المفاوضونَ الفرنسيونَ بتعويضاتٍ لإرغامِ ألمانيا على دفعِ تكاليفِ الدمارِ الذي تسببت بهِ طيلةَ الحربِ، ولتقليصِ القدرةِ الألمانية.[58] كما أرادوا أيضاً خامَي الحديدِ والفحمِ في وادي السار («حوض السار» أوِ «السارلاند») من خلالِ ضمّهِ إلى فرنسا.[58] كان الفرنسيون على استعدادٍ لقبولِ مبلغٍ أقلَّ مما قد يتنازلُ عنه الأمريكيونَ من تعويضاتِ، كما كانَ كلمنصو مستعداً لمناقشةِ قدرةِ ألمانيا على الدفعِ معَ الوفدِ الألماني قبلَ صياغةِ التسويةِ النهائيّة. وفي أبريلَ/نيسانَ ومايو/أيارَ من العام 1919 عقدَ الفرنسيونَ والألمانُ محادثاتٍ منفصلةً حولَ ترتيباتٍ مقبولةٍ للطرفينِ بشأنِ قضايا مثلِ التعويضِ وإعادةِ الإعمارِ والتعاونِ الصناعيِّ. كما عارضت فرنسا جنباً إلى جنبٍ مع دولِ الدومنيونِ البريطانية وبلجيكا نظامَ الانتدابِ وفضلوا ضمَّ المستعمراتِ الألمانيةِ السابقة[59] ضماً مباشراً.
قبلَ دخولِ أمريكا الحربَ ضد ألمانيا تحدثَ ويلسونُ عن "سلامٍ بلا نصر"، ثم تذبذبَ هذا الموقفُ بعدَ انهماكِ الولاياتِ المتحدةِ في الحرب في السادسِ من أبريلَ/نيسانَ 1917م، عندما تكلمَ عن المعتدينَ الألمانِ الذين لا يمكنُ أن يكونَ ثمةَ سلامٌ معهم،[60] وفي الثامنِ من ينايرَ/كانونَ الثاني 1918م ألقى خطاباً شهيراً -عُرفُ بـ"النقاطِ الأربعةَ عشرَ"- أعلنَ فيه أهدافَ السلامِ الأمريكيةِ: "إعادةُ بناءِ الاقتصادِ الأوروبيِّ، وتقريرُ المصيرِ للجماعاتِ العرقيةِ الأوروبيةِ وشرقِ الأوسطيةِ، وتعزيزُ التجارةِ الحرةِ، وإنشاءُ انتدابٍٍ مناسبٍ للمستعمراتِ السابقةِ [المحرَّرة]، وقبلَ كلِّ شيءٍ إنشاءُ عصبة أممٍ قويةٍ تضمنُ السلام.[61] كانَ الهدفُ من هذا المطلبِ الأخيرِ توفيرُ منتدىً لمراجعةِ معاهداتِ السلامِ حسبَ الحاجةِ، والتعاملِ معَ المشاكلِ التي نشأت وتنشأ نتيجةً للسلامِ ولظهورِ دولٍ جديدة.[62]
أحضرَ ويلسون معه كبارَ المفكرينَ كمستشارينَ لوفدِ السلامِ الأمريكي الذي ناف على ألف عضوٍ ومثل أكبر الوفود المشاركة، وردّدَ جميعهم الموقفَ الأمريكيَّ العامَّ؛ «النقاطُ الأربعَةَ عشرَ». عارضَ ويلسونُ بشدةٍ معاملة ألمانيا بقسوةٍ،[61] وفي حين سعى البريطانيونَ والفرنسيونَ -وبحماسةٍ كبيرةٍ- لضمِّ الإمبراطوريةِ الاستعماريةِ الألمانيةِ، رأى ويلسون في ذلكَ انتهاكاً للمبادئِ الأساسيةِ للعدالةِ وحقوق الإنسان للسكانِ الأصليينَ، وفضّلَ لهُمُ الحقَّ في تقريرِ المصيرِ من خلالِ إنشاءِ نظامِ الانتداب. كانتِ الفكرةُ المروَّجةُ عنِ القوى الكبرى أنها دعت إلى التصرفِ كأوصياءٍ غيرِ مهتمينَ بمنطقةٍ معينةٍ، ومساعدةِ السكانِ الأصليينَ حتى يتمكنوا من حكمِ أنفسهم.[63] وعلى الرغمِ من هذا الموقفِ فإنَّ ويلسونَ من أجلِ ضمانِ عدمِ رفضِ اليابان الانضمامَ إلى عصبة الأمم فضّلَ تسليمَ مستعمرةِ «شاندونچ» الألمانيةِ شمالَ شرقِيِّ الصينِ إلى اليابانِ بدلاً من إعادتها إلى السيطرةِ الصينية،[64] ومما زادَ من إرباكِ الأمريكيينَ السياساتُ الحزبيةُ الداخليةُ في الولاياتِ المتحدة، ففي نوفمبرَ/تشرينَ الثاني لعامِ 1918 فازَ الحزبُ الجمهوريُّ في الانتخاباتِ [النصفيةِ] في مجلسِ الشيوخِ بهامشٍ ضئيلٍ، لكنَ ويلسونَ -وهوَ ديمقراطيُّ- رفضَ ضمَّ الجمهوريّينَ البارزينَ إلى الوفدِ الأمريكيِّ مما جعلَ جهودَهُ تبدو حزبيةً، وساهمَ في خطرِ الهزيمةِ السياسيةِ في الداخل.[61] كانَ هذانِ الموقفانِ مما أسهمَ في هزِّ السمعةِ عن مثاليةِ ويلسونَ.
بقيت إيطاليا على الحياد بالرغم من تحالفها مع «ألمانيا» و«النمسا والمجر»، وفي العام 1915 انضمت إلى الحلفاء بموجب اتفاقيةِ لندن السرية (26-4-1915) (بالإيطالية: Patto di Londra) مع دولِ الوفاق الثلاثي، وفيها وُعدت بأراضٍ؛ تيرنتينو، وجنوب التيرول حتى برينر، وترييستي (بالإيطالية: Trieste)[هامش 11] (جنوب شرقيَّ البندقية)، وشبه جزيرة إستريا، ومعظم الساحل الدلماشي (باستثناء ميناء افيومي)، وفالونا، ومحميةً على ألبانيا، وأنطاليا (على المتوسط في تركيا)، وربما مستعمراتٍ في إفريقيا.[هامش 12]
في باريس حاول رئيس الوزراء الإيطالي فيتوريو إيمانويل أورلاندو التوصل إلى التنفيذ الكامل لمعاهدة لندن. استند دعمه الشعبي على خسارة سبعمئة ألف جنديٍّ وتكاليفَ قُدّرت باثنيْ عشر مليار ليرةٍ إيطاليةٍ في الحرب ما جعل الحكومة والشعب يشعران بحق الحصول على مناطقَ أخرَ لم تذكر في معاهدة لندن، وخاصةً افيومي التي اعتقد الكثير بوجوب ضمها بسبب أغلبية سكانها الطليان.[65]
عملَ رئيسُ الوزراءِ فيتوريو إمانويلي أورلاندو ووزيرُ خارجيّتِهِ سيدني سونينو -وهو أنجليكانيٌّ من أصلٍ بريطانيًّ- في المقامِ الأولِ لتأمينِ تقسيمِ ملكيّةِ هابسبورچ. بشكلٍ عامٍّ كانَ سونينو يتماشى مع الموقفِ البريطانيِّ بينما فضّلَ أورلاندو تسويةً ما فيما بينَ كلمنصو وويلسونَ (كان أورلاندو لا يعرف الإنجليزية، ووقع العبء الأكبر في التواصل والتفاوض على سونينو). حازت إيطاليا -في المفاوضاتِ بما يخص معاهدة لندن- على إستريا وترييستي وترينتينو وجنوب التيرول، وسُلمت معظم دالماشيا إلى صربيا وكرواتيا وسلوڤينيا، وبقيت افيومي متنازعاً عليها ما تسبب في غضبٍ قوميٍَ، واعتُرف بالمحمياتِ على ألبانيا وأنطاليا وجزر الدوديكانيز في بحر إيجه. حاز أورلاندو أيضاً على العضويّةِ الدائمةِ لإيطاليا في مجلسِ الأمنِ التابعِ لعصبة الأمم، ووعدٍ بانتقال قطاعِ جوبا لاند[هامش 13] البريطانيِّ، وقطاعِ أوزو[هامش 14] الفرنسيِّ إلى المستعمرتينِ الإيطاليّتينِ في كلٍّ منَ الصومالوليبيا على التوالي. مع ذلكَ اعتبرَ القوميونَ الطليانُ الحربَ انتصاراً مشوهاُ لما اعتبروه مكاسبَ إقليميّةً صغيرةً جرى تحقيقُها في المعاهداتِ الأخرى التي تؤثرُ بشكلٍ مباشرٍ على حدودِ إيطاليا، واستغلوا الأمر لزيادة شعبيتهم. أُجبرَ أورلاندو في النهايةِ على التخلي عنِ المؤتمرِ والاستقالة، وحيث لم يعتبرِ الحرب العالمية الأولىنصراً مشوّهاً، فقد قال ردّاً على القوميينَ الذين طالبوا بتوسعٍ أكبرَ: إنَّ «إيطاليا اليومَ دولةٌ عظيمةٌ... على قدمِ المساواةِ معَ الدولِ التاريخيّةِ والمعاصرةِ العظيمة. هذا بالنسبةِ لي هو هدفُنا الرئيس والتوسعُ الرئيس». يومَ التوقيعِ على المعاهدةِ احتلَّ فرانشيسكو سافيريو نيتي مكانَ «أورلاندو» الذي كان مضى أسبوع واحد على استقالته.[66]
فحوى المعاهدة وإمضاؤها
«ليكن معلوماً أنه ليس بدافع الخوف» – رسم ساخر برتغالي (30-6-1919)، بعنوان «السلام»[هامش 15]
في الثامنَ عشرَ من أبريل/نيسان 1919 غادر وفدٌ ألمانيٌّ من ثمانين ومئة (180) عضوٍ برئاسةِ وزيرِ الخارجيةِ «أولريش چراف فون بروكدورف رانتزاو»[هامش 16] إلى باريسَ للتفاوض على ما اتفق عليه الحلفاءُ، لكن في الخامس من مايو/أيار أُبلِغ الوزير الآلماني أنه لن تكون ثمة مفاوضات، وأنه بمجرد تسلم مُسَوّدة الاتفاق -التي بلغت ثمانين ألف كلمةٍ- فإن أمام الألمان خمسة عشر يوماً للرد. في السابعِ من مايو/أيار 1919 مع تسلم المُسوّدة ردَّ «فون بروكدورف رانتزاو» على ويلسون وكلمنصو ولويد جورج: «يمكننا أنْ نشعرَ بقوةِ الكراهيةِ الكاملةِ التي تواجهُنا هنا... تطلبونَ منا الاعترافَ بأنّا الطرفُ المذنبُ الوحيدُ في الحربِ؛ مثلُ هذا الاعترافِ من فمي سيكون كذبةً»، أصدرتِ الحكومةُ الألمانيةُ احتجاجاً على ما اعتبرته مطالبَ غيرَ عادلةٍ و«انتهاكاً للشرفِ»، وانسحبت بعدَ ذلك بوقتٍ قصيرٍ من المؤتمر. وفي خطابٍ عاطفيٍّ أمامَ الجمعيّةِ الوطنيّةِ في الثاني عشر من مايو/أيارَ 1919 وصفَ رئيسِ الحكومة «فيليب شايدمان» المعاهدةَ بأنها «مطرقةُ ساحرةٍ مروعةٌ قاتلةٌ»،[67] وصاح: «أي يدٍ لا تنقبض؟! تلك التي تُصفّد نفسها وتُصفّدنا بهذه الطريقة!!!»[68][67] في يونيو/حزيرانَ 1919 أعلنَ الحلفاءُ أنَ الحربَ ستستأنفُ إذا لم توقعِ الحكومةُ الألمانيةُ على المعاهدةِ. لمْ تتمكنِ الحكومةُ من إقرار موقفٍ مشتركٍ، وفي 18 يونيو/حزيران أعلن وزير الخارجيةِ أن المادة 231 ستجعل ألمانيا تقبل المسؤولية الكاملة عن الحرب،[69][70][71] وظهرت عبارة «بند ذنب الحرب»، استقالَ «فيليب شايدمان» -أولُ رئيسِ حكومةٍ ألمانيٍّ منتخبٍ ديمقراطيّاً- في 20 يونيو/حزيران 1919 بدلاً منَ الموافقةِ على التوقيعِ. استنكرَ الألمانُ من جميعِ الأطيافِ السياسيّةِ المعاهدةَ -لا سيما البندَ الذي يُنحي باللائمةِ على ألمانيا في بدءِ الحربِ- باعتبارها إهانةً لشرفِ الأمة، وأشاروا إليها باسمِ «الإملاءِ» (بالألمانية: Das Diktat) إذ جرى طرحها على ألمانيا على مبدأِ «خذها أو دعها» (بالإنجليزية: Take it or leave it).
أرسلَ چوستاڤ باور رئيسُ الحكومةِ الجديدةِ برقيةً تفيدُ بنيتِهِ التوقيعَ إذا ما جرى سحبُ بعض الموادِّ بما في ذلكَ الموادُّ 227 و230 و231، فأصدرَ الحلفاءُ ردّاً على ذلكَ إنذاراً في (22/ 6/ 1919) بأن على ألمانيا قَبولَ المعاهدةِ في غضونِ أربعٍ وعشرينَ ساعةً أو مواجهةَ غزوٍ من قواتِ الحلفاءِ عبرَ نهر الراين. جرتْ مشاوراتٌ بينَ رئيسِ الوزراءِ ورئيسِ الجمهوريةِ الذي طلبَ من قائدِ الجيشِ فون هندنبرچ تقييماً للوضعِ، والذي بدورهِ -بعدَ مشاوراتٍ مع قادةِ الجيشِ- كلفَ رئيسَ هيئة الأركانِ بإبلاغِ الحكومةِ بأنْ لا قبلَ للجيش بمواجهةٍ عسكريةٍ ما أسهمَ في تصويتِ الجمعيةِ الوطنيةِ بالموافقةِ على المعاهدة، وفي الثالثِ والعشرينَ من يونيو/حزيرانَ وقبلَ سويعاتٍ من انقضاءِ المهلةِ أرسلَ باورُ برقيّةً تفيد بأنَّ وفداً ألمانياً سيصلُ قريباً للتوقيعِ. يومَ السبتِ الثامنِ والعشرين من يونيو/حزيرانَ عام 1919 وفي الذكرى الخامسةِ لاغتيالِ الأرشيدوقِ «فرانز فرديناند» -الصاعقُ الذي فجرَ أُوارَ الحربِ- جرى التوقيعُ على معاهدةِ ڤرساي للسلام.[72] على أن يبدأ نفاذها في 10 يناير/كانون الثاني 1920م.
تضمّنتِ المعاهدةُ خمسة عشر فصلاً وأربعينَ وأربعمئةِ (440) مادةٍ تناولت ما بينَ جرائمِ الحربِ، وحظرِ اندماجِ النمسا مع ألمانيا دون موافقةِ عصبة الأمم، وحريةِ الملاحةِ في الأنهارِ الأوروبيةِ الرئيسةِ، وعودةِ المصحفِ إلى ملكِ الحجاز [بمعنى الاستقلالِ عن الدولةِ العثمانيّة].
من بين المعاهدات التي نتجت عن الحرب كانت معاهدة ڤرساي الأولى التي أقرتِ المنظماتِ الدوليةَ ونظامَ الانتدابِ ونظمتِ الحدود.. إلخ، وتلتها أربعٌ أخرُ مع بقيةِ دول المركز -وجميعها لم تُدعَ إلى المفاوضات- كلٌّ بما يخصها من تسويات ما بعد الحرب، أما الوحيدة التي أُلغيت -باتفاق الطرفين- فكانت معاهدة سيڤر واستبدل بها معاهدة لوزان عام 1923. بناءً على معاهدات الصُّلحِ وهيَ معاهدةُ ڤرسايَ معَ ألمانيا في الثامنِ والعشرينَ (28) من يونيو/حزيرانَلعامِ1919م[73] والمعاهداتِ اللاحقةِ عليها والمتمِّمةِ لها، وكلها وُقّعت في فرنسا، وهي:
بُعثتْ دولةٌ إلى الحياةِ مجدداً وهيَ پولندا، وكذلك شُطرتِ النمساوالمجر فانفصلتْ كلٌّ منهما عنِ الأخرى، وأضحتَا كيانيْنِ مستقلين. واصْطُنعتْ دولةٌ أخرى هي تشيكوسلوڤاكيا، وتحولّتْ دولتانِ صغيرتانِ إلى دولتينِ كبيرتيْنِ، وهما:
* ورومانيا التي تضخَّمتْْ مساحتُها كثيراً فاستردّت ترانسلڤانيا (الأردل) (102.834 كم²) منَ المجر، وبوكوڤينا (بالإنجليزية: Bucovina) من أوكرانيا، ومقاطعةبساربيا من روسيا (والتي غدت دولة مولدوفا أو مولدافيا بعد الحرب العالمية الثانية)، وبذلكَ تضاعفتْ مساحتُها مثلما تضاعفَ سكانُها حتى انضمَّ إليها أكثرُ منْ ثمانيةِ ملايينَ نصفُهم فقط من الرومانيين.
التعديلات المناطقية
«إيجادُ حدودٍ جديدةٍ هو إيجادُ مشاكلَ جديدة» – إدوارد هاوس عضو الوفد الأمريكي، يوميات (29-6-1919)
لم يؤثرْ حدثٌ ما على خارطةِ أوروبا السياسيّةِ طيلَةَ تاريخِها مثلُ معاهدةِ ڤرسايَ وما لحقها من المعاهداتِ، ذلكَ أنه حتى تبعاتِ الحربِ العالميةِ الثانيةِ لم تعدِّلِ الحدودَ الدوليةَ مثلما فعلت معاهدةُ ڤرسايَ وتوابُعها، وفيما عدا بريطانيا والبرتغال فإن جميع الدول الأوربية التي اشتركت في الحرب أصابَ حدودَها التعديل. لقد أعيد رسمُ الحدودِ في وسط أوروباوشرقِها وأجزاءٍ مهمةٍ من غربِها، وأنشئت دولٌ جديدةٌ بالكاملِ واندثرت أخرى، وتداخلتِ القوميّاتُوالأقليّاتُوالدياناتُ في مجموعةٍ منَ الكياناتِ الصغيرةِ سواءً الناتجةِ أم المعَدَّلة.
ألمانيا
جرّدتِ المعاهدةُ ألمانيا من خمسةٍ وعشرينَ ألفَ (25.000) ميلٍ مربعٍ (ما يعادلُ خمسةً وستينَ ألفَ (65.000) كم²) منَ الأراضي وسبعةِ ملايينِ نسمةٍ [من أصل نحو 60 مليوناً]، كما طولبتْ بالتخلي عنِ المكاسبِ التي حققتها من معاهدة برست ليتوفسك (معاهدةُ السلامِ التي وقعها الاتحاد السوفييتي في 3 مارس/آذار 1918 معَ دولِ المركزِ عقبَ خروجِه منَ الحرب) ومنحِ الاستقلالِ للمحميّاتِ التي جرى إنشاؤها.[78][هامش 18]
في أوروبا الغربيةِ طُلبَ من ألمانيا الاعترافُ بالسيادةِ البلجيكيةِ على مدينةِ «مورِسْنِت» (بالإنجليزية: Moresnet)، والتنازلُ عن منطقةِ «مالميدي» (بالإنجليزية: Eupen-Malmedy)، وفي غضونِ ستةِ أشهرٍ من نقلِ السيادةِ طُلبَ من بلجيكا إجراءُ استفتاءٍ عامٍّ حولَ اختيارِ مواطني المنطقةِ بالبقاءِ تحتَ السيادةِ البلجيكيةِ أو العودةِ إلى ألمانيا، وتبليغِ النتائجِ إلى عصبة الأمم، والالتزامِ بقرارِها. أجريَ الاستفتاءُ في 20 سبتمبرَ/أيلولَ 1920. خصصت عصبةُ الأممِ هذه الأراضي لبلجيكا، وأعقب ذلكَ لجنةُ الحدودِ في العام 1922، ثم وضعُ الحدودِ الجديدةِ التي اعترفت بها الحكومةُ الألمانيّةُ في 15 ديسمبر/كانون الأول 1923.[79]
وكتعويضٍ عن تدميرِ مناجمِ الفحمِ الفرنسيّةِ تقرر على ألمانيا التنازلُ عن إنتاجِ مناجمِ الفحمِ في منطقةِ السارِلفرنسا علاوةً على التنازلِ عنِ السيادةِ على الإقليم لإدارةٍ دوليةٍ بإشرافِ عصبة الأمم لخمسةَ عشرَ (15) عاماً يُجرى استفتاءٌ بعدها لتقريرِ السيادة. في 13 ينايرَ/كانونَ الثاني (1935) -وبعدَ خمسة عشرَ عاماً من نفاذِ المعاهدة- أجريَ استفتاءُ تحديدِ مستقبلِ السارلاند. جاءَ تسعونَ في المئةِ من الأصواتِ لصالحِ الاتحادِ مع ألمانيا، وأربعةٌ بالألفِ للاتحادِ مع فرنسا، وعاد الإقليم للسيادةِ الألمانيّةِ في الأولِ من مارسَ/آذارَ (1935).[80]
أعادتِ المعاهدةُ أيضاً مقاطعتيْ الألزاس (بالفرنسية: Elsass) واللورين (بالفرنسية: Lorraine)، (بالإنجليزية: Alsace-Lorraine) إلى فرنسا بإلغاءِ البنودِ التي تخصُّ هاتينِ المقاطعتينِ في معاهدتيْ ڤرسايَ وفرانكفورتَ لعامِ 1871. تمكنت فرنسا منَ الادّعاءِ بأنَّ مقاطعتيْ الألزاسِ واللورينِ كانتا بالفعلِ جزءاً منْ فرنسا وليستا ألمانيتين من خلالِ الكشفِ عن رسالةٍ مُرسلةٍ من الملكِ الپروسي إلى الإمبراطورةِ أوجيني والتي قدمتها أوجيني للمؤتمر، وفيها كتبَ «ڤيلهلم الأول» أنَّ ألمانيا أرادتْ ضمّ أراضي المقاطعتينِ لغرضٍ وحيدٍ هو الدفاعُ الوطني وليسَ لتوسيعِ الأراضي الألمانيّة.[81]
أجريَ استفتاءٌ في پروسيا الشرقية (بالألمانية: Ostpreußen) في 11 يوليو/تموزَ 1920. وقرّر 99.3 % من السكانِ من أصلِ 90 % نسبة المشاركينَ البقاءَ مع ألمانيا،[79] كما مُنحتْ دولةُ پولندا الجديدةُ رقعةً كبيرةً منَ الأراضي الألمانية تتمثلُ في پروسيا الغربيّةِوبوزن، وممراً ضيقاً إلى بحر البلطيق ينتهي غربَ دانتزيج (أو چدانسك الپولونيةِ)، وهوَ ما عُرفَ بقضيةِ «الممر الپولندي». وبذا فُصلَ برّياً ما بينَ پروسيا الشرقيّةِ وألمانيا (قُسَِمتْ پروسيا الشرقيّة لاحقاً عقبَ الحرب العالمية الثانية بينَ روسيا الاتحادية (ضمنَ الاتحاد السوفييتي) وپولندا، وثمةَ جيبُ صغيرٌ منَ الأرضِ اليومَ على بحر البلطيق شمالَ شرقيَِ پولندا يتبعُ روسيا الاتحادية ومفصولٌ عنها بريّاً (يبعد حوالي 80 كم عن حدود روسيا البيضاء) هوّ منطقةُ مدينةِ «كونيچسبرچ» (بالألمانية: Königsberg) أو «كاليننچراد» الروسية منذ 1946)[هامش 19]، كما أعطيتْ پولندا جزءاً كبيراً من سيليزيا العليا بما فيهِ من نصيبٍ وافرٍ من الثروةِ المعدنيّةِ.
بعد تنفيذِ المعاهدةِ كانت سيليزيا العليا تحكمها في البدايةِ بريطانيا وفرنسا وإيطاليا.[82] بينَ العاميْن 1919مو1921م اندلعتْ ثلاثةُ أعمالٍ عنفٍ كبيرةٍ بينَ المدنيينَ الألمانِ والپولنديين ما أدى إلى تورطِ القواتِ العسكريةِ الألمانية والپولندية أيضاً.[82][83] في مارسَ/آذارَ (1921) عقدتِ اللجنةُ المشتركةُ بين الحلفاءِ استفتاءَ سيليزيا العليا الذي تمَّ سلميّاً بالرغم من أعمالِ العنفِ السابقة. صوتَ حواليْ ستونَ بالمئةِ للبقاءِ مع ألمانيا.[84] بعدَ التصويتِ ناقشت عصبةُ الأممِ مستقبلَ المقاطعةِ،[85] وعام 1922م قُسِّمت سيليزيا العليا؛ في الشمالِ الغربيِّ «أوپلن» (بالإنجليزية: :Oppeln) (أوبولي أو أبولوسكي بالبولونية) بقيت مع ألمانيا بينما نُقل الجنوبُ الشرقيُّ من سيليزيا إلى پولندا.[82]
وتقررَ أن يُتنازلَ عن «ميمل» (بالألمانية: Memel)، (بالليتوانية: Klaipėda) -الإقليمُ الصغيرُ في أقصى شمالِ شرقيِّ پروسيا الشرقيةِ- إلى الحلفاءِ لتقريرِِ مصيرهِ وفقَ مايرتؤونَ، فبقيَ تحت سلطةِ عصبة الأمم مع حاميةٍ عسكريةٍ فرنسيةٍ إلى 9 ينايرَ/كانونَ الثاني (1923) عندما غزتْ ليتوانيا المنطقةَ أثناءَ ثورةِ «كلايپدا». انسحبتِ الحاميةُ الفرنسيةُ، وفي فبرايرَ/شباطَ وافقَ الحلفاءُ على ضمِّ ميمِل إلى ليتوانيا على شكلِ «منطقةِ حكمٍ ذاتي». في الثامنِ منْ مايو/أيارَ (1924) بعدَ مفاوضاتٍ بينَ الحكومةِ الليتوانيّةِ ومؤتمرِ السفراءِ وجهودِ عصبة الأمم صُدِّقَ على ضم «ميميل» إلى ليتوانيا.[86] قبلت ليتوانيا «قانونَ ميملَ الأساسيّ»، وهوَ ترتيبٌ لتقاسمِ السلطةِ لحمايةِ غيرِ الليتوانيين في الإقليمِ بالإضافةِ إلى وضعهِ «ذاتيِّ الحكمِ» بينما تبقى المسؤوليةُ عن الإقليم بيدِ القوى العظمى. على المستوى المحليِّ توسطتْ عصبةُ الأممِ بينَ الألمانِ والليتوانيينَ ممّا ساعدَ على استمرارِ ترتيبِ تقاسمِ السلطةِ حتى العامِ 1939.[86] ضُمَّ هذا الإقليمُ نهائياً إلى ليتوانيا بعدَ الحرب العالمية الثانية.
وكانَ منَ المقررِ عن طريقِ استفتاءٍ عامٍّ يُعقدُ في وقتٍ لاحقٍ أن يُحلَّ موضوعِ السيادةِ على اشلزفيچ-هولشتاين.[87][هامش 20] بنتيجةِ استفتاءٍ من خيارينِ فقط؛ إما الدنمارك وإما ألمانيا جرى في فبراير/شباطَ ومارس/آذارَ 1920 صوّتت «اشلزفيچ الشمالية» الناطقة بالدنماركيةِ لصالحِ الانضمامِ للدنمارك، فيما صوّتت «اشلزفيچ الجنوبية» الناطقة بالألمانيّةِ لصالحِ ألمانيا.[87]
وعلاوةً على فقدانِ ألمانيا مستعمراتِها، فقدِ اشْتُرطَ لضمانِ الأمنِ في أوروبا عدمُ قيامِ اتحادٍ سياسيٍّ بينها وبينَ النمسا من دونِ موافقةِ عصبة الأمم.[88][هامش 21]
كانتِ المفاوضاتُ حولَ خارطةألمانيا ومستقبلِها عسيرةً جداً وطويلةً وشاقّةً، لكنَّ الحلفاءَ -فيما عدا إنشاءِ پولندا ورسمِِ حدودِها- نظروا إلى الناحيةِ الماديّةِ المتمثلةِ بالتعويضاتِ، واقتسامِ المستعمراتِ القليلةِ لألمانيا أكثرَ من الاهتماماتِ الأخرى، وبذلكَ تَركت معاهدةُ ڤرسايَ الرايخ الألماني سليماً إلى حدٍّ كبيرٍ من الناحيتينِ الجغرافيةِوالاقتصاديةِ، وحفظت لهُ وحدتَهُ السياسيةَ وإمكاناتِهِ، كما سنرى لاحقاً في الفصل الأخير. الأمرُ الذي لمْ يحدثْ بالمثلِ معَ الإمبراطوريّتيْنِ النمساويةِ-المجريةِوالعثمانيةِ في ما يخصُّ معاهدتيهما اللاحقتين.
لم يكتفِ الحلفاءُ بذلك، بل قلصتْ معاهدةُ سان جرمانَ عديدَ سكانِ النمسا أكثر، فبعدما كانَ تعدادُهمْ اثنينِ وعشرينَ (22) مليوناً أتبعتِ المعاهدةُ سبعةَ ملايينِ ونصفَ مليونٍ (7.5) منَ السلاڤِ في چاليسيا إلى پولندا الجديدةِ، وأكثرَ من مليونٍ آخرينَ من غيرِ الألمانِ، كما تقلصتْ مساحتُها إلى نصفِ مساحتِها السابقة.[90] وحُدّد جيشها بثلاثين ألفاً، كما رفض الحلفاء التسمية الجديدة «دولة النمسا الألمانية» (بالألمانية: Staat Deutschösterreich) [المتآلفة مع واقع أن النمساويين من أصولٍ جرمانيةٍ، والألمانيّةَ لغتُهم الأم]، وأُقِرَّت معاهدةُ «سان جرمان» باسم «دولة النمسا».[91]
وبذلكَ تحولّتِ النمسا التي بقيتْ في المركزِ منَ الحياةِ السياسيةِ في أوروپا لأكثرَ من خمسةِ قرونٍ خلتْ إلى دولةٍ صغيرةٍ (83,855 كم²) قليلةِ المواردِ مغلقةٍ دونما ميناءٍ بحريٍّ في وسطِ أوروپا.
انفصلتِ المجر عن النمسا نتيجة الحرب، وفي 4 يونيو/حزيران 1920 وُقعت في ڤرساي معاهدة تريانون التي فَرضتْ عليها جيشاً لايتجاوز تعدادُه خمسةً وثلاثين ألفاً، ووَزعتْ مناطقَ من أراضيها السابقةِ على:[92][93][94]
يوچوسلاڤيا من الجنوب، فحازتْ صربيا إقليمَ ڤويڤودينا (21,507 كم²) -التابع لمملكةِ هنغاريا ما بينَ (1876–1920)- ذي الأغلبيةِالهنغارِيةِ النسبيّةِ (كانَ نصفُ سكانِهِ هنغارٌ وألمانٌ، وثلثُه من الصربِ ذلك الوقت، والإقليمُ يتمتعُ بحكمٍ ذاتيٍّ ضمن صربيا منذُ الحرب العالمية الثانية بسببِ وضعِهِ السكاني هذا)، كذلك انفصلت كرواتيا وسلوڤينيا وانضمتا إلى يوچوسلاڤيا.
وضُمَّ معظم إقليم «بورچنلاند» إلى النمسا ذاتِها من الغرب، في حين اختارت مقاطعة «سوبرون» البقاء مع المجر بموجب استفتاءٍ عامٍّ جرى في ديسمبر/كانون الأول من العام 1921.
تقلصت مساحة المجر إلى 93,030 كم²، وحُرمتْ من منفذها على البحر الأدرياتيكي وهو ميناء افيومي (بالإنجليزية: Fiume) (ريكا الكرواتية (بالكرواتية: Rijeka) حالياً)، وتقرر عليها تسليم أسطولها التجاري للحلفاء، فأضحت دولةً مغلقةً وتضاءلت مساحتُها من خمسةٍ وعشرينَ ومئةِ (125) ألفِ ميلٍ مربعٍ إلى ثلاثينَ وخمسةِ (35) آلافٍ وحسب.
بالمقابلِ ولدتْ مشكلةُ إقليمِ «السوديت» (سوديتنلاند) (بالألمانية: Sudetenland)، وهي المناطقُ الحدوديةُ بين ألمانيا وتشيكوسلوڤاكيا -وتشكلُ أجزاءً من أقاليمِ بوهيميا وموراڤيا وسيليزيا التشيكية- ويقطنها ألمانٌ (تسعونَ بالمئةِ من سكانِها من الألمان)، وكانت مثار نزاعٍ بين الدولتينِ أثاره هتلر وبدأ بضم السوديت في 1 أكتوبر/تشرين الأول 1938، وانتهى بالاحتلال الألماني لتشيكوسلوفاكيا في 15 مارس/آذار 1939،[95] فلما استعادتها تشيكوسلوفاكيا عقب الحرب العالمية الثانية طردتْ سكانها الألمانَ منها.[هامش 22]
أسفرتِ الحرب عن خسائرَ إقليميةٍ كبيرةٍ لبلغاريا وما يقارب 87.500 جنديٍّ قتيل.[96] قضت معاهدة نويي بتقليصِ مساحةِ بلغاريا بمقدارِ العُشرَ (حوالي أحدَ عشرَ ألفَ كم²) وخسارةِ سُبعِ سكانها بعدما فقدت تراقيا الغربية (8.578 كم²) التي كانت انتزعتْها منَ الدولة العثمانية نتيجة حربي البلقان الأولىوالثانية 12-1913م، وكانت حيويةً لأنها منفذٌ لها إلى بحر إيجة إضافةً لساحلِها على البحر الأسود (لحظت معاهدة نويي تأمين منفذٍ إلى بحر إيجه لكنه لم ينفذ). وُضعت هذهِ المنطقةُ (تراقيا الغربية) تحتَ إدارةِ الحلفاءِ ثم تقرر تسليمها إلى اليونان في مؤتمر سان ريمو (19-26 أبريل/نيسان 1920)، كما سُلمت ثلاثُ مناطقَ صغيرةٍ على حدودِها الغربيةِ إلى يوچوسلاڤيا.[97] ما بين العامين 1912 و1929 هاجر أكثر من 253.000 لاجئٍ إلى بلغاريا من الأراضي المفقودة نتيجة هذه الحروب العديدة كلها،[98]
وهكذا غدت بلغاريا -التي كانتْ تتطلعُ لزعامةِ دولِ البلقان في عامِ (12-1913م) (كانت تلقب «پروسيا البلقان»)- إحدى أصغرِ دولِ المنطقةِ [قبلَ إعلان استقلالها (5 أكتوبر/تشرين الأول 1908) كانت إقليماً ذا حكم ذاتي ضمنَ الدولة العثمانية تأسسَ بنتيجة الحرب الروسية العثمانية (1877–1878)، ومعاهدة سان استيفانو (1878)، ومؤتمر برلين (1878)].
لحظتِ النقطةُ الثالثةَ عشرةَ من مبادئ ويلسون «دولةً بولنديةً مستقلةً» مع إتاحة وصولها إلى البحر.[99][هامش 23] كانَ على ألمانيا أن تعترفَ باستقلالِ پولندا وأن تتخلى عن «جميعِ الحقوقِ والملكيّةِ على الإقليم». تقررَ التنازلُ عن أجزاءٍ من «سيليزيا العليا» لبولندا أيضاً معَ تحديدِ مستقبلِ بقيةِ المقاطعةِ عن طريقِ الاستفتاء. وتحدَّدُ الحدودُ الداخليةُ بناءً على التصويتِ والظروفِ الجغرافيّةِ والاقتصاديّةِ لكلِّ منطقة. أما مقاطعةُ بوزِن (بالبولونيةِ «بوزنان») -التي غدت تحتَ السيطرةِ البولنديّةِ خلالَ انتفاضةِ بولندا الكبرى- فجرى التنازل عنها أيضاً لبولندا.[100][101] كان مقرراً تقريرُ السيادةِ على جزءٍ من جنوبِ شرقِ پروسيا عبرَ الاستفتاءِ بينما نُقلت منطقةُ «سولداو» البروسيّةُ الشرقيّةُ -انواقعةُ على جانبيْ الخطِّ الحديديِّ الرابطِ بينَ «وارسو» («ڤرصوفيا» البولونيةِ) وميناءِ «دانتزيچ»- إلى بولندا من دونِ استفتاءٍ.
جرى منحُ ما يعادلُ (51,800) كم² (عشرينَ ألفَ ميلٍ مربعٍ) إلى بولندا من أراضي مملكة بروسيا (بالإنجليزية: Prussia).[102] ونقلَ قسمٌ من «بوميرانيا الشرقيةِ» (بالبولونيةِ «بومريليا») على أسسٍ تاريخيّةٍ وعرقيّةٍ إلى بولندا لتسهيلِ وصولِ هذهِ الأخيرةِ إلى البحرِ؛[103] القضيّة التي أضحت تُعرفُ باسمِ «الممرِّ البولندي» (بالإنجليزية: Polish Corridor).
أمل الپولنديون بأن تصبح «دانتزيج» (اللفظ بالألمانية، بالإنجليزية: دانزيچ) (بالإنجليزية: Danzig) ((بالبولندية: Gdańsk)، «چدانسك») جزءاً من پولندا. تقرّرَ على ألمانيا التنازلُ عن الميناءِ ذي الأغلبيّةِ الألمانيّةِ وما حوله (ما يقرب من مئتي قريةٍ) بما في ذلك دلتا نهرِ «فيستولا» على البلطيقِ لعصبةِ الأممِ لإنشاءِ مدينةِ دانتزيچ الحرّةِ (المواد 100-104 من القسم الحادي عشر من الجزء الثالث للمعاهدة).
دون أي تصويتٍ عامٍّ لإضفاء الشرعية على خسارةِ ألمانيا للمدينة ولدت مدينة دانتزيج الحرة (بالألمانية: Freie Stadt Danzig)، وهي دويلة شبه مستقلةٍ تحت إشراف عصبة الأمم مع شؤونٍ خارجيةٍ تحت السيطرة الپولندية إلى حد كبير. شملت حقوق پولندا أيضاً مجانيّة استخدام الميناء [دون رسوم]، ومكتبَ بريدٍ پولندي، وحاميةً پولنديةً في منطقة ڤسترپلاته (بالألمانية: Westerplatte)، واتحاداً جمركياً مع پولندا التي منحت كذلك الحق بتطوير وصيانة وسائل النقل والاتصالات ومرافق المرفأ.
[105] اعتبر ذلك مستوحىً من تاريخ المدينة التي كانت لقرونٍ جزءاً من پولندا، وتشاركت معها المصالح الاقتصادية، وازدهرت بفضلها، وتمتعت معها باستقلاليةٍ واسعةٍ.[106]
كان لمدينة دانتزيچ الحرة دستورها ونشيدها الوطني وبرلمانها وحكومتها، واللغة الرسمية فيها كلتا الألمانية والپولندية، وأصدرت طوابعها الخاصة وعملتها «چولدن دانتزيچ» (بالألمانية: Danzig Gulden). تقرر أن تكون للمدينةِ شبهِ المستقلةِ [1952 كم² بما فيها 58 كم² مسطح مائي] جنسيتها الخاصة بناءً على الإقامة، وبذا فقدَ السكانُ الألمان جنسيتهم الألمانيّةَ مع إنشاءِ الإدارةِ الحديدة، لكنهم مُنحوا الحقَّ في الحصولِ عليها مرةً أخرى في غضون العامين الأولين من وجودِ الدويلة، وكان على أي امرئٍ يرغب في الاحتفاظِ بالمواطنةِ الألمانيّةِ ترك ممتلكاته ونقل إقامته خارج منطقة دانتزيج الحرة إلى مناطقَ أخرى من ألمانيا.[104]
في إحصاءِ الأولِ من نوفمبرَ/تشرينَ الثاني 1923 كانت نسبة الناطقين بالألمانية لغةً أمّ 95,03% (نسبة 94,5% من هؤلاء مسجلون مواطني دانتزيچ) من أصل 366,730 نسمة هم تعدادُ سكان الدويلة.[107] وخلافاً لإقليم السار -الذي نُصّ على تنظيم استفتاءٍ بحقه بعد خمسة عشر عاماً- لم تلحظِ المعاهدة أجَلاً ما لإنهاء هذا الوضع (دام من 15-11-1920 إلى 31-8-1939) والذي كان السبب المباشر للغزو النازي لپولندا (أزمة دانتزيچ 1939) واندلاع الحرب العالمية الثانية.[هامش 24] أدى هذا الوضع [الهزيلُ والمقلقلُ] إلى توترٍ كبيرٍ بين الإدارة الألمانيةِ المحليةِ وجمهوريِّة پولندا ولا سيما بعد صعود النازية.[108] ضُمّتِ المدينة إلى پولندا بعدَ الحربِ العالمية الثانية وهَجّر الروس من تبقى من الأهلين الألمان (حوالي 120 ألفاً) واستُبدِل بهم نازحون پولنديون من الشرق. كانت دانتزيچ مثالاً تاريخياً على تسوياتٍ فاقمت المعضلات عوضاً عن حلها.
كانتِ المعاهدةُ شاملةً ومعقدةً من حيث القيودُ المفروضةُ على القواتِ المسلحةِ الألمانيّةِ بعدَ الحربِ. وكانتِ الأحكامُ تهدفُ إلى جعلِ الجيش الألماني غيرَ قادرٍ على العملِ الهجومي وتشجيعِ نزعِ السلاحِ الدولي.[110][111] توجّبَ على ألمانيا أنْ تُسرّحَ عدداً كافياً من الجنودِ بحلولِ الحادي والثلاثَينَ (31) منْ مارسّ/آذارَ من العام 1920م لتتركَ جيشها لايزيدُ عنْ مئةِ ألفِ رجلٍ في سبعِ فرقِ مشاةٍ وثلاثِ فرقِ فرسانٍ كحدٍّ أقصى. حدّدتِ المعاهدةُ تنظيمَ الفرقِ ووحداتِ الدعمِ، وكانَ مقرراَ أيضاً حلُّ هيئةِ الأركانِ العامة.[112][هامش 25] واقتصرتِ المدارسُ العسكريّةُ لتدريبِ الضباطِ على ثلاثةٍ، مدرسةٌ واحدةٌ لكلِ سلاحٍ، وتقررَ إلغاءُ التجنيد الإجباري. وجبَ على ألمانيا كذلكَ الاحتفاظُ بالجنودِ وضباطِ الصفِّ مدةَ اثنيْ عشرَ عاماً على الأقلِّ، والضباطِ مدةً لاتقلُّ عنْ خمسةٍ وعشرينَ عاماً معَ منعِ الضباطِ السابقينَ من حضورِ التدريباتِ العسكريّة. كلُّ ذلكَ بهدفِ منعِ ألمانيا من تكوينِ طاقمٍ فتيٍّ كبيرٍ من الرجالِ [الاحتياطِ] المدربينَ، وكانَ عددُ الرجالِ المسموحِ لهم بمغادرةِ الخدمةِ العسكريةِ مبكراً محدوداً.[113]
جرى كذلكَ تقليلُ عديدِ الموظفينَ المدنيينَ الذين يدعمونَ الجيشَ وتقليصُ قوى الشرطةِ إلى حجمها قبلَ الحربِ معَ زياداتٍ تقتصرُ على التناسبِ معَ التزايد السكانيّ فحسب، أما القواتُ شبهُ العسكريّةِ فممنوعة.[114][هامش 26]
تقررَ أيضاً أنْ تكونَ منطقة الراينلاندمنزوعةَ السلاحِ، مع هدمِ جميعِ التحصيناتِ فيها وإلى مسافةٍ تتراوحُ في أقصاها حتى خمسينَ كم (31 ميلاً) شرقَ نهر الراين ومنعِ بناءِ تحصيناتٍ جديدةٍ، وأن تكونَ المنطقةُ غربَ الراينِ خلواً من أيِّ تحصيناتٍ حربيةٍ أو قواتٍ عسكرية.[115] ودُمرتِ الهياكلُ والتحصيناتُ العسكريّةُ في جزيرتيْ «هِليغولاند» و«دوني» [في بحر الشمال].[116] وحُظرَ على ألمانيا تجارةُ الأسلحةِ، وفُرضتْ قيودٌ على أنواعِ الأسلحة وكمياتها، كما حُظِرَ تصنيعُ الأسلحةِ الكيميائيّةِ أو تخزينُها،[هامش 27] والعرباتِ المدرعةِ، والدباباتِ، والطائراتِ الحربيّة.[117]
سُمحَ للبحريّةِ الألمانيّةِ بستِّ بوارجَ مدرعةٍ مسبقاً [أي ما قبل الهدنة]، واقتُصرَ على ستةِ طرّاداتٍ خفيفةٍ كحدٍّ أقصى (بما لايتجاوزُ مئةً وستةَ آلافِ (6,100) طنٍّ)، واثنتي عشرةَ مدمّرةً (لاتتجاوزُ 810 أطنانٍ)، واثني عشرَ زورق طوربيدٍ (بما لايزيدُ عن مئتيْ (200) طنٍّ)، وحُظرتِ الغواصاتُ مطلقاً.[118] كانَ مقرراً ألا تتجاوزَ القوةُ البشريةُ العاملةُ في البحريّةِ خمسةَ عشرَ ألفَ رجلٍ بما فيها أفرادُ الأسطولِ والدفاعاتِ الساحليّةِ ومحطاتِّ الإشارةِ والإدارةِ والخدماتِ البريّةِ الأخرى والضباطِ والرجالِ من جميعِ الرتبِ، ولايُسمحْ لتعدادِ الضباطِ وضباطِ الصفِّ أنْ يتجاوزَ ألفاً وخمسمئةِ رجلٍ. وفُرضَ على ألمانيا إيقافُ تشغيلِ ثماني سفنٍ حربيّةٍ وثمانيةِ طرّاداتٍ خفيفةٍ واثنتينِ وأربعينَ مدمرةً وخمسينَ زورق طوربيدٍ. ونزعُ سلاحِ اثنتينِ وثلاثينَ سفينةَ مساعدةٍ وتحويلُها إلى الاستخدامِ التجاري. ومنعتِ (المادة 198) ألمانيا من امتلاكِ قواتٍ جويّةٍ بما في ذلكَ قوةٍ جويةٍ-بحريةٍ[هامش 28] وطالبتها بتسليمِ جميعِ الموادِ الجويّةِ ذاتِ الصلة. بالتزامنِ معَ ذلكَ مُنعت ألمانيا من تصنيعِ أو استيرادِ الطائراتِ أو الموادِ ذاتِ الصلةِ لمدةِ ستةِ أشهرٍ بعدَ توقيعِ المعاهدة.[119]
وفي مؤتمر سان ريمو (19-26 أبريل/نيسان 1920) -بين بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة بصفة مراقب- بُحثت التوترات الفرنسية-الألمانية في حوض الرور والمتعلقة بشروط معاهدةِ ڤرساي، وجرى التأكيد على رفض السماح لألمانيا بزيادةِ حجم جيشها.[120]
«دعنا نرك تجمع» – رسمٌ أمريكي ساخرٌ (1921)[هامش 29]
في المادّةِ 231 فاتحةِ القسم الخاص بالتعويضات أُلزمت ألمانيا وحليفاتُها بتحمل كامل المسؤوليّةِ عنِ جميع الخسائرِ والأضرارِ التي تعرضت لها دولُ الحلفاءِ وشركاؤها ومواطنوها والتي سبّبتها الحربُ «نتيجةَ... عدوانِ ألمانيا وحلفائِها»، وقد صِيغت لتكون أساساً قانونياً لإقرار تعويضات الحرب العالمية الأولى. طالبتِ المعاهدةُ ألمانيا بتعويضِ الحلفاءِ، وشُكِلتْ «لجنة التعويضاتِ الدوليّة» منْ جانبِ الحلفاءِ لتقديرِ المبلغِ الذي يتعينُ على ألمانيا أداؤه بدقةٍ، والشكلِ الذي ستتخذُه المدفوعات. طُلبَ منَ اللجنةِ «منحُ الحكومةِ الألمانيةِ فرصةً عادلةً لإسماعِ صوتِها»، وتقديمِ استنتاجاتها بحلولِ الأولِ من مايو/أيارَ عامَ 1921، وفي غضونِ ذلكَ طلبتِ المعاهدةُ من ألمانيا دفعَ ما يعادلُ عشرينَ مليارِ ماركٍ ألمانيٍّ ذهبيٍّ (خمسةُ ملياراتِ دولارٍ أمريكي) في صورةِ ذهبٍ أو سلعٍ أو سفنٍ أو موادَّ خامٍ أو أوراقٍ ماليةٍ أو سواها.[121] أقر هذا في المعاهدة وقتما كانت ألمانيا على شفا المجاعة بسبب الحصار فضلاً عن وفيات جائحة الإنفلونزا الإسبانية.
حدّدتِ اللجنةٌ التعويضاتِ في التاسعِ والعشرينَ من ينايرَ/كانونَ الثاني للعامِ 1921م بتسعةٍ وستينَ ومئتيْ (269) مليارِ ماركٍ ألمانيٍّ ذهبيٍّ تُؤدى على اثنينِ وأربعينَ (42) قسطٍ سنويٍّ،[هامش 30] ثمَّ حدّد جدولُ مدفوعاتِ لندن في 5 مايو/أيار 1921 مجموعَ التعويصات المطلوبة من دول المركز جمعاء باثنينِ وثلاثينَ ومئةِ (132) مليارِ ماركٍ ذهبيٍّ كحلٍّ وسطٍ ما بين المطالبات والتقييمات البريطانية والفرنسية والبلجيكية. أقرّتِ اللجنة بأن دول المركز لن يمكنها أداء سوى القليل،[هامش 31] وأن العبء سيقع على عاتق ألمانيا. توجب على ألمانيا -بموجب جدول مدفوعات لندن- سداد خمسين مليار ماركٍ ذهبيٍّ حُسمت منها تسديدات ما بعد الهدنة وحتى تاريخه (الفترة ما بين 1919 و1921) فأضحى الإجمالي وقتها واحداً وأربعين (41) مليار.[122][123][هامش 32]
كان يمكن لألمانيا -بغية الوفاء- أن تدفع نقدياً أو عينياً منتجاتٍ كالفحم، والأخشاب، والأصباغ الكيميائية، والأدوية، والماشية، والآلات الزراعية، ومواد البناء، وآلات المصانع. مثلاً ساعدت ألمانيا في ترميم مكتبة جامعة لوڤان في بلجيكا -التي دمرها الألمان في 25 أغسطس/آب من العام 1914- وقد حُسمت التكاليف من مبلغ التعويضات. كما جرى أخذ التغييرات الإقليمية التي فرضتها المعاهدة في الاعتبار.[124][125] تطلّب الجدول تسديد خمسين ومئتيْ (250) مليون دولارٍ أمريكيٍّ في غضون خمسة وعشرين يوماً، ثم خمسمئة (500) مليون دولارٍ سنوياً، بالإضافة إلى ستةٍ وعشرين (26) في المئة من قيمة الصادرات الألمانية. كان من المقرر أن تُصدر الحكومة الألمانية أسناداً بفائدة خمسةٍ في المئة، وأنشأت صندوق غرقٍ[هامش 33] بنسبة واحدٍ في المئة لدعم دفع التعويضات.[126]
وأدى السدادُ الشحيحُ إلى عمليةِ احتلال الرور (بالألمانية: Ruhrbesetzung) المنطقةِ الصناعيّةِ الغنيةِ من قبلِ القوات الفرنسية والبلجيكية (من 11 ينايرَ/كانونَ الثاني 1923 إلى 25 أغسطسَ/آبَ 1925) بدعوى إدارةِ المناجمِ والصناعاتِ فيها وتشغيلِها لتحصيلِ التعويضاتِ، لكنَّ تطبيقَ «المقاومةِ السلبيةِ» من قبلِ الألمانِ أدى إلى فشلِ الحملةِ، وفي الأثناء جرت إعادةُ هيكلةِ الديون بموجبِ «خطة دوز» (بالإنجليزية: Dawes) في أبريلَ/نيسانَ من العام 1924. ثم وبناءً على طلبٍ ألمانيٍّ في عام 1928 خُفّضَ المبلغُ الإجماليُّ إلى اثنيْ عشرَ ومئةِ (112) مليارِ ماركٍ ذهبيٍّ فيما سُمّيَّ «خطةَ يونغ» (بالإنجليزية: Young) عامَ 1928، والتي أقرّت في مؤتمر لاهاي في العام 1929.
كانت ألمانيا تُعوّل في السداد بنسبةٍ كبيرةٍ على تمويل المصارف الأمريكية، وكان الحلفاء يسددون بهذه التعويضات جزءاً وافراً مما عليهم من قروضٍ للولاياتِ المتحدةِ تراكمت بسبب ظروف الحرب. وفجأةً انهارت هذه الحلقة باندلاع أزمة «الركود العظيم» (بالإنجليزية: Great Recession) بدءاً بالثلاثاء الأسودِ (29-10-1929) في «وول ستريت». كانت ألمانيا ثانيَ دولةٍ تصيبها الأزمة عقب اندلاعها وأكبرَ المتضررين الأوروبيين منها، وتوقف التسديد مجدداً. وفي العام 1934 (بعد أكثر من خمسة عشر عاماً من تسديد القروض) عادت المديونية البريطانية لأمريكا لتصل إلى 4.4 مليون دولار.[127][هامش 34]
عامَ 1931 عُلّق التسديد لعامٍ كاملٍ بسببِ الأزمةِ الاقتصاديةِ الخانقة، ثم اتُفقَ في مؤتمرِ لوزانَ (1932) على إيقافه إلى أجلٍ غير مسمىً، وبعد تسلمهِ الحكم رفضَ هتلر الدفعَ بدعوى رفضه «إملاءَ فرساي».[هامش 35]
دفعت ألمانيا في الفترة (19-1931) أقلَّ منْ واحدٍ وعشرينَ (21) مليار ماركٍ ألمانيٍّ من كاملِ التعويضات، وبحسبِ خبراءٍ اقتصادييَّنَ فإنهُ بالرغمِ من تخفيضِ المبلغِ الكليِّ لحجمِ التعويضاتِ إلا أنهُ يبقى مغالىً فيه، ونتجَ عن ذلكَ أن أثقلتِ الديونُ الاقتصادَ الألمانيَّ المرهَقَ بسببِ الحربِ والحصارِ ممَّا تسبَّبَ بدرجةٍ عاليةٍ منَ الاستياءِ والسخطِ والغليانِ الشعبيِّ فأسهمَ -معَ العواملِ الأخرِ في النهايةِ- بإشعالِ ضرامِ الحربِ العالميةِ الثانيةِ.
وبموجبِ اتفاقِ لندن (27-2-1953) الذي قلصَ المبالغَ المتبقيةَ من التعويضاتِ إلى النصفِ استأنفت ألمانيا الغربيّةُ -وحدها- دفعَ تعويضاتِ الحربِ العالميةِ الأولى، والتي كانت أسناداً سياديةً ألمانيةً أُصدِرت ما بينَ عامي (24-1930) وبيعت لمستثمرينَ أجانبَ (معظمهم أمريكان) ولم تسدد.[هامش 36] وفي الثالثِ من أكتوبرَ/تشرين الأولِ (2010) الذكرى العشرين لتوحيد الألمانيّتين سُدّدَ آخرُ قسطٍ منها.[128] وكان أول قسطٍ قد سُدد في يونيو/حزيران من العام 1921.[129]
لضمانِ امتثال ألمانيا قررتِ المعاهدة أنْ تحتلَّ قواتُ الحلفاءِ منطقةَ «الراينلاند» ورؤوسَ الجسورِ شرقَ نهرِ الراين لخمسةَ عشرَ عاماً،[130] وإذا لم ترتكبْ ألمانيا أيَّ عدوانٍ، فسيجري انسحابٌ مرحليٌّ؛ يُخلى رأسُ جسر كولونيا والمنطقةُ الواقعةُ شمالَ نهرِ الرورِ وعلى طوله بعدَ خمسِ سنواتٍ (المنطقة الشمالية من حوض الراين في ألمانيا، [أخليت في العام 1926])، ويخلى رأس الجسر في كوبلنز والأراضي الواقعةُ إلى الشمالِ منهُ بعدَ عشرِ سنواتٍ (المنطقة الوسطى من حوض الراين، [أخليت في العام 1929])، وبعدَ خمسةَ عشرَ عاماً يتمُّ سحبُ ما تبقى منْ قواتِ الحلفاء [أخليت في العام 1930].[131] وفي حالِ تراجعت ألمانيا عنِ التزاماتِ المعاهدةِ، يعادُ احتلالِ رؤوسِ الجسورِ على الفور.[132] وطبقاً للمواد 42 و43 و44 حُظر على ألمانيا تشييد أي حصونٍ أو صيانتها غربي نهر الراين وحتى الحدود الدولية، وشرقيّه حتى مبعدة خمسين كيلو متراً عن النهر، «وتُعد مخالفة ألمانيا لتلك البنود بأيّ شكلٍ من الأشكال عملاً عدوانياً وإخلالاً بالسلام العالمي». بعد انسحاب فرنسا وبلجيكا من منطقة الرور في 25 أغسطس/آب من العام 1925 تداعتِ الدول الأربع ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا إلى اتفاقيةٍ جديدةٍ لرسم العلاقات بينها، فجاءت اتفاقيّاتِ لوكارنو (1925) في لوكارنو لتنص على أنّ بند نزع السلاح في منطقةِ الراينلاند سيبقى سارياً إلى أجلٍ غير مُسمّى.[133]
وُصفت اتفاقيّاتِ لوكارنو أو معاهدة لوكارنو بالمهمة باعتبارها موافقةً طوعيّةً من جانب ألمانيا في مقابلِ «إملاءِ ڤرساي».[134] وبموجبها تعهدت بريطانيا وإيطاليا بالحفاظ على ترسيم الحدود الألمانية الفرنسية، وصون المنطقة منزوعة السلاح في الراينلاند ضد أيّ انتهاكٍ صارخ،[135] مع أنه لم يُذكر تحديد واضح لما قد يُعتبر انتهاكاً صارخاً (بالإنجليزية: Flagrant Violation). قررتِ المعاهدة كذلك أنه إذا حاولت ألمانيا مهاجمة فرنسا فإن بريطانيا وإيطاليا مُلزمتان بمساندة فرنسا، وبالمثل إذا هاجمت فرنسا ألمانيا فإن بريطانيا وإيطاليا مُلزمتان بمساندة ألمانيا،[136] [وهو تطور في موقف الحلفاء جاء بعد الاحتلال الفرنسي-البلجيكي للرور]. وصف المؤرخ الأمريكي چرارد واينبرچ نزع التسلح في الراينلاند بأنه «أهم معاهدةِ سلامٍ صُدّق عليها في تاريخ أوروپا» إذ جعلت هجوم ألمانيا على جيرانها في الغرب أمراً مستحيلاً، فوجود منطقةٍ منزوعةِ السلاح يعني عجز ألمانيا عن الدفاع عن حدودها الغربية، واستحالة إمكانية هجومها على جيرانها في الشرق لأنّ ذلك سيتيح الفرصة أمام فرنسا لشنّ هجوم مضادٍّ مدمّرٍ إذا ماحاولت ألمانيا غزوَ أيّ دولةٍ من الدول الواقعة تحت الحماية الفرنسية بموجب نظام الحلف الفرنسي في أوروپا الشرقية، أو ما دًعي «الحاجز الوقائي» (بالإنجليزية: Cordon Sanitaire) مجازاً.[137][هامش 37] أدت دبلوماسية وزير الخارجية الألماني چوستاڤ اشترِزِمان (بالألمانية: Stresemann) واتفاقيات لوكارنو إلى انفراجٍ في السياسة الأورپية، وانضمام ألمانيا إلى عصبة الأمم في العام 1926.
أعلن وزير الخارجية الألماني اشترِزِمان في العام 1929 أن ألمانيا ستتوقف عن دفع التعويضات، ولن تُصادق على خطة يونغ (1928) لإعادةِ جدولتها مالم يوافقِ الحلفاءُ أولاً على الانسحاب من الراينلاند بحلول العام 1930. انعقد مؤتمر لاهاي (1929) حول التعويضات الألمانية، وأقرَّ الاقتراح البريطاني بتخفيضها وإخلاء الراينلاند من الجنود الإنجليز والفرنسيين بحلول العام 1930. وبذلك غادر آخرُ جنديٍّ بريطانيٍّ أواخرَ العام 1929 وآخِرُ جنديٍّ فرنسيٍّ في يونيو/حزيران 1930. كانت الراينلاند طيلة فترة احتلالها من قبل الحلفاء تُعد ضماناً للأمن القومي الفرنسي، فمن خلالها يمكن للفرنسيين أن يتصدََوا لأيّ محاولةٍ صريحةٍ من قبلِ ألمانيا لإعادة تسليح الراينلاند عن طريق ضمها لفرنسا. ولكن في اللحظة التي غادر فيها الجنودُ الفرنسيون لم يعد للراينلاند هذا الدور ما فسح الفرصة أمام الألمان لإعادة عسكرتها. وكان قرار فرنسا بتشييد خط ماجينو (بالإنجليزية: Maginot Line) في العام 1929 بمنزلةِ اعترافٍ ضمنيٍّ بأنّ إعادة التسليح الألماني للراينلاند على مستوىً شاملٍ ليست إلا مسألةُ وقتٍ فقط، ومن المرجّح أنّ تبدأ في الثلاثينات،[138][139] لقد أشار «المكتب الثاني» [الاستخبارات العسكرية] في الأركان العامة الفرنسية إلى أنّ ألمانيا كانت تنتهك معاهدة ڤرساي باستمرارٍ على مدى العشرينات مستعينة بالاتحاد السوڤييتي، والمتوقع لها أن تستمر في انتهاكاتها -إنما بشكلٍ صريحٍ فحسب- بعد خلو الراينلاند من القوات الفرنسية[140] (أعلنت ألمانيا النازية في 7 مارس/آذار 1936 عن إعادة تسليح الراينلاند). أدى بناء خط ماجينو بدوره إلى تقليل أهمية منطقة الراينلاند من وجهة نظر الأمن [القومي] الفرنسي.
في اجتماعٍ لقادة الجيش القيصري (بالألمانية: Reichswehr) برئاسة فون هندنبرچ في ديسمبر/كانون الأول من العام 1918 (بدأتِ الهدنة في 11-11-1918) تقرر أنّ الهدف الرئيس منذ اللحظة إعادة بناءِ الجيش لشنِّ حربٍ جديدةٍ للفوز بمنزلة «القوة العالمية» التي سعى لها الرايخ الألماني رغم فشله في الفوز بآخر حربٍ له. على مدار العشرينات وحتى مطلع الثلاثينات كان الجيش الألماني يخطط لتدمير فرنسا وحليفتها بولندا، واقتضت هذه الخطط بالضرورةِ إعادة عسكرة الراينلاند. اتخذتِ الحكومة الألمانية عدّة خطواتٍ ممنهجةٍ استعداداً لإعادة العسكرة تلك مثل صيانةِ المعسكرات الحربيةِ [الخاليةِ] بصفةٍ دوريةٍ، وإخفاءِ المعدات العسكرية في مخازنَ سريةٍ، وتشييدِ الأبراج بدعوى مراقبة الحرائق وجباية الجمارك لكن الهدف الحقيقي منها كان تحويلها إلى أبراج مراقبةٍ وصواري بنادقَ رشاشةٍ عند إعادة نشر الجيش على طول جبهة الحرب.[141]
أواخرَ العام 1918 دخلتِ القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والبلجيكية منطقة الراينلاند لفرض الهدنة.[17] قبل توقيع المعاهدة كان قوام قوة الاحتلال حوالَيْ أربعين ألفاً وسبعمئة ألف (740,000) رجلٍ،[142][143][144][145] وبعد التوقيع انخفض العدد بشكلٍ كبيرٍ حتى بلغ عديدها بحلول العام 1926 ستة آلافٍ وسبعين ألف (76,000) مقاتلٍ فحسب.[146] وخلال جانبٍ من مفاوضات العام 1929 التي أضحت «خطة يونغ» تفاوض اشترِزِمان وأريستيد برياند على الانسحاب المبكر لقوات الحلفاء من الراينلاند.[147] وفي 30 يونيو/حزيران من العام 1930 بعد تبادل الخطب وإنزال الأعلام انسحبتِ القوات الأخيرة للاحتلال الأنجلو-فرنسي-بلجيكي من ألمانيا.[148]
احتفظت بلجيكا بقوة احتلالٍ قوامها حوالي عشرة آلاف (10,000) جنديٍّ خلال السنوات الأولى ومقر قيادتها في آخن،[143] ثم انخفض هذا العدد إلى 7,102 بحلول العام 1926، واستمر في الانخفاض نتيجة التطورات الدبلوماسية.[146][149]
دخل الجيش البريطاني الثاني البالغ قوامه خمسة وسبعون ألفاً ومئتا ألف (275,000) جنديٍّ ألمانيا أواخرَ العام 1918.[144] وفي مارس/آذار من عام 1919 دعيت هذه القوة باسم «جيش الراين البريطاني» (BAOR) ومقر قيادتها قلونيا، ثم تضاءل العدد الإجمالي لهذه القوات بسرعةٍ إذ سُرّح الجنود القدامى واستبدل بهم جنودٌ عديمو الخبرة أكملوا تدريبهم الأساسي بعد توقف الأعمال القتالية.[150] بلغ «جيش الراين البريطاني» بحلول العام 1920 من 40,594 رجلاً فقط، وفي العام التالي خُفّض عديده إلى 12,421 مقاتلٍ، وتذبذب حجمه خلال السنوات التالية، لكنه لم يتخطَّ أبداً تسعة آلاف رجلٍ.[151] لم يلتزمِ البريطانيون بجميع عملياتِ الانسحاب الإلزامي من الأراضي كما تمليه معاهدة ڤرساي بسبب عدم وفاء ألمانيا بالتزاماتها التعاهدية.[152] ومع أنه بُحثَ في الانسحاب الكامل، إلا أنه رُفض لصالح البقاء لمواصلة الجهود لكبح الطموحات الفرنسية ومنع إنشاء جمهورية راينلاند المستقلة.[153]
كان «جيش الراين الفرنسي» في البداية بقوام خمسين ألفاً ومئتي ألف (250,000) مقاتلٍ بما في ذلك -في ذروته- أربعين ألفاً (40,000) من القوات الاستعمارية الإفريقية (بالفرنسية: Troupes Coloniales) [,التي شكلت فيما بعد «الفيلق الأجنيي» في الجيش الفرنسي]. وبحلول العام 1923 انخفضت قوة الاحتلال الفرنسية -ومقر قيادتها في ماينز- إلى ما يقرب من ثلاثين ألفاً ومئة ألف (130,000) رجلٍ، بما في ذلك 27,126 جنديٍّ إفريقيٍّ.[145] بلغ تعداد القوات ذروته مرةً أخرى خمسين ألفاً ومئتي ألف (250,000) أثناء احتلال الرور قبلما يتناقص ثانيةً إلى ستين ألفاً (60,000) بحلول العام 1926.[146][154] اعتبر الألمان استخدام القوات الاستعمارية الفرنسية عملاً متعمَّداً بهدف الإذلال، واستغلوا وجودها في حملةٍ دعائيةٍ أطلق عليها «العار الأسود» (بالألمانية: Die schwarze Schmach) استمرت طوال العشرينات والثلاثينات، ولكن شهدت ذروتها في عاميْ 1920 و1921. أوردت مذكرة الحكومة الألمانية -على سبيل المثال- في العام 1921 بالتفصيل ثلاثمئة (300) عمل عنفٍ من قبل القوات الاستعمارية تضمنت ستين وخمس (65) جرائمِ قتلٍ، وسبعين ومئة (170) جريمةٍ جنسيةٍ. أبلغ الجنرال هنري توريمان ألين قائدُ القوات الأمريكية وزيرَ الخارجية الأمريكي أنه منذ بدء الاحتلال وحتى يونيو/حزيران من العام 1920 كان ثمة ستون وست (66) حالات اتهامٍ رسميةٍ ضد القوات الاستعمارية الملونة، من بينها عشرون وثمانية (28) إداناتٍ، واعترف بوجود ستين حالةً أخرى غير مبلغٍ عنها.[155] بيد أن الإجماع التاريخي على أن الاتهاماتِِ مُبالغٌ فيها لأغراضٍ سياسيةٍ ودعائيةٍ، وأن أفراد القواتِ الاستعماريةَ [الإفريقيةَ] أبدَوا سلوكاً أفضلَ بكثيرٍ من نظرائهم البيض.[145] يقدر أن نحو خمسمئةٍ إلى ثمانمئةٍ (500-800) من أطفال «سِفاح راينلاند»[هامش 38] وُلدوا نتيجة المعاشرة ما بين ألمانياتٍ وأفراد القوات الاستعمارية، والذين تعرضوا لاحقاً للاضطهاد.[156]
تشكل الجيش الثالث الأمريكي من القوة الموجودة في ألمانيا بعديد مئتي ألف 200,000 رجلٍ ومقر قيادته في كوبلنز. وفي يونيو/حزيران من العام 1919 سُرّح هذا الجيش وتقلصت قوة الاحتلال الأمريكية إلى خمسةَ عشرَ ألفاً (15,000) بحلول العام 1920.[157][142] قبل تنصيب «وارن جي هاردينغ» رئيساً في 4 مارس/آذار من العام 1921 خفض ويلسون الحامية إلى خمسمئةٍ وستة آلاف 6500 رجلٍ،[142] لكن بعد الاحتلال الفرنسي-البلجيكي لمنطقة الرور في 7 يناير/كانون الأول من العام 1923 أصدر مجلس الشيوخ الأمريكي تشريعاً لسحب القوة المتبقية،[158][159] وبدأتِ الحامية الأمريكية مغادرتها للراينلاند في 24 يناير/كانون الأول من العام 1923، وأتمت انسحابها في أوائل فبراير/شباط وسلمت منطقتها للفرنسيين.[160]
«تجنباً لسوء السمعة المتزايد للإمبريالية لم تعد هذه المناطق تدعى «مستعمرات» بل «انتدابات» لضمان تقدم الشعوب المتخلفة التي تكرّمت باستلامها قوىً إمبريالية» – إيريك هوبزباوم: عصر التطرفات، القرن العشرون الوجيز/ ص 84.
لم تكنِ المستعمراتُ الألمانيةُ كثيرةً، فقد أتمتْ ألمانيا توحُّدها عامَ 1871م، ودخلتِ السباقَ الاستعماريَّ متأخرة، وكان من أسبابِ قيامِ الحربِ المنافسةُ الألمانيةُ لإنشاءِ إمبراطوريةٍ استعماريةٍ فيما وراء البحار في وقتٍ كانَ العالمُ فيهِ قدِ اقتُسمَ، أما المستعمراتُ الألمانيةُ القليلةُ فقدِ استوليَ عليها أثناء الحربِ لحرمان ألمانيا من مواردها، ولكن سُوّيَ وضعُها قانونياً بموجبِ معاهدة ڤرساي. طالبتِ المادة 119 من المعاهدة ألمانيا بالتخلي عن السيادة على المستعمرات السابقة، وحوّلتِ المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم تلك الأراضي إلى العصبة التي وزعتها على دول الحلفاءِ بناءً على نظامِ الانتدابِ (بالإنجليزية: Mandate).[164]
صاغ نظامَ الانتدابِ «مجلسُ العشرة» في 30 ينايرَ/كانونَ الأول من العام 1919، وأحيلَ من بعدُ إلى عصبة الأمم. وُجدتْ أربعَ عشرةَ منطقةَ انتدابٍ وُزّعت على سبع دولٍ بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وجنوب إفريقيا ونيوزيلندا وأستراليا واليابان. نُظمتِ الانتداباتُ وفقاً للمادة 22 من ميثاق العصبة بحيث تشرف لجنة الانتداب الدائمة في عصبة الأمم على تنظيم استفتاءاتٍ عامةٍ في المناطق المتنازَع عليها فقط ليقرر شعبها إلى أي بلدٍ ينضم،[هامش 40] وقد صُنفت في ثلاثة أنواعٍ متدرجةٍ من الانتداب:
[164]
انتدابات (أ): وتنطبق على أجزاءٍ من الدولةِ العثمانيةِ القديمة، وهي المجتمعات التي:
«... وصلت إلى مرحلةٍ من التطور بحيث يمكنها القيام كدولٍ مستقلةٍ معترفٍ بها، وتخضع بصورةٍ مؤقتةٍ للمساعدة والنصح الإداري من قبل الانتداب إلى أن يحين الوقت الذي تصبح فيه قادرةً على النهوض وحدها، وتكون رغبات هذه المجتمعاتِ هي العامل الرئيس في اختيار الدولةِ المنتدَبة [وهو مالم يُراعَ في كلا بلاد الشام والعراق].» (المادة 22).
اعتُبرت هذه الدول مستقلةً ولكنها ستخضع لسلطةٍ إلزاميةٍ حتى بلوغها مرحلة النضج السياسي.[120]
انتدابات (ب): وتنطبق على المستعمرات الألمانيّةِ السابقةِ التي تتحمل عصبة الأمم مسؤوليتها بعد الحرب العالمية الأولى. والتي توصف بأنها «الشعوب» التي:
«... يتوجّب وجود دولةٍ منتدَبةٍ مسؤولةٍ عن إدارة أراضيها -بشرط ضمان حرية الضمير والدين- للحفاظ على النظام العام والآداب العامة، وحظر الانتهاكات مثل تجارةِ العبيد، والاتّجار بالأسلحةِ والخمور، ومنع إقامةِ تحصيناتٍ أو قواعدَ عسكريةٍ وبحريةٍ والتدريب العسكري للمواطنين لأغراضٍ أخرى غير الشرطة والدفاع عن أراضيها، وتأمين تكافؤ فرصٍ للتجارةِ مع باقي الدول الأعضاءِ في عصبة الأمم.» (المادة 22).
انتدابات (ج): وتشمل جنوب غرب إفريقيا (ناميبيا) وبعض جزر جنوب المحيط الهادي، والتي تديرها الدول الأعضاء في عصبة الأمم، وصنّفت على أنها «الأراضي» التي:
«... بسبب تناثر سكانها، أو صغر حجمها، أو بعدها عن مراكز الحضارة، أو المتواصلة جغرافياً مع أراضٍ للدولة المنتدَبة، أو لظروفٍ ما أخرى يُفضل أن تدار وفقاً لقوانين الدولة المنتدَبة على أجزاءٍ لا تتجزأ من أراضيها مع مراعاة الضمانات المذكورة أعلاه لصالح السكان الأصليين.» (المادة 22).
* الكاميرون الألمانية (1884-1914) (بالإنجليزية: Cameroon): كان الألمان هم من أطلقوا اسم "الكاميرون"، قسمتْ الكاميرونُ إلى جزءٍ فرنسيٍّ أضحى فيما بعدُ "الكاميرون" (بالفرنسية: Cameroun)، وجزءٍ بريطانيٍّ قسِّم لاحقاً إلى قسمينِ: أحدُهما انضمَّ إلى نيجيريا والآخرُ إلى الكاميرون.
توچولاند (1884-1914): فُسمت إلى قسمين جزءٌ بريطانيٌّ (بالألمانية: Ghana-Westteil) انضمَّ إلى غانا (1957)، وجزءٌ فرنسيٌّ أصبحَ جمهوريّةَ «توچو».
كانتِ الروحُ التي سادت مؤتمرَ باريسَ وأنتجت معاهدةَ فرساي روحاً متعصبّةً منَ القرنِ التاسعَ عشرَ تدورُ في فلَكِ «المركزيةِ الأوروبيةِ» (بالإنجليزية: European Centralism) وتؤمنُ بتفوقِ «العرق الأبيض» واستعمار الشعوب الأخرى، ولمْ تكُ الادّعاءاتُ حولَ حق تقرير المصير وفسحِ المجالِ أمامَ الشعوبِ المقهورةِ لعرضِ مطالبِها لِتخصَّ سوى الشعوبِ الأوروبيةِ لا يُستثنى من هذا سوى ويلسونَ والأمريكانِ،[هامش 41] وبالرّغم من دعوةِ أطرافٍ كثيرةٍ من أنحاءِ العالمِ لحضورِ المؤتمرِ إلا أنَّ المفاوضاتِ بشأنِ العالمِ خارجَ أوروپا تمخّضتْ في النهايةِ عن إعادةِ توزيعِ المستعمراتِ، وكانتِ المملكة الحجازية الهاشمية مع دولِ الدومنيون الأربع المشاركةِ في الحرب الدولَ الوحيدةَ غيرَ الأوروپية التي نالت اعترافاً دولياً نتيجة اشتراكِها في المؤتمر، لكنْ كانَ لا بدَّ من حلِ مشكلةٍ تتعلقُ بالقانون الدولي وتتلخصُ في أنَ انتقالَ حيازةِ مستعمرةٍ من دولةٍ إلى أخرى تقتضي تعويضاً،[هامش 42] وبالتالي فالتخلي عنها -نتيجةَ حربٍ مثلاً- يَفترضُ أنْ يُقيَّمَ ويُدرجَ ضمنَ التعويضاتِ المترتبةِ على الطرفِ الخاسرِ، وهنا واجهتِ الحلفاءَ مشكلةٌ قانونيّةٌ فإذا قُوِّمتِ المستعمراتُ وأدخلتْ ضمنَ التعويضاتِ فإنَّ ألمانيا، والدولة العثمانية خاصّةً لن يتوجّبَ عليهما دفعُ مبالغَ كبيرةٍ بلْ ربما لا تدفعانِ شيئاً، وتضيعُ مكاسبُ ماديّةٌ معتبرةٌ على الحلفاءِ لا سيّما وأنهم جميعاً -خلا الولايات المتحدة الأمريكية- خرجوا من الحربِ على شفيرِ الإفلاسِ.[165]
وُلدَ الحلُّ على يدِ «سموتس» (بالإنجليزية: Smuts) عضوِ وفدِ جنوب إفريقيا، فاستناداً لحق تقرير المصير الذي غدا أحدَ أهدافِ مؤتمر پاريسَ للسلام فإنَّ على الدولِ المنتصرةِ أن تدرّبَ الشعوبَ التي كانتْ تحتَ سيطرةِ ألمانيا والدولة العثمانية على إدارةِ شؤونها ورعايةِ مصالحها وتأخذَ بيدِها من أجلِ نيلِ استقلالِها الناجزِ، وبذا وُلدَ مبدأ الانتداب أي انتدابُ إحدى الدولِ المنتصرةِ لتدريبِ شعبِ إحدى المستعمراتِ على حكمِ نفسهِ بنفسهِ، ولكيْ يكونَ الأمرُ مُقنَّناً من ناحيةِ القانون الدولي فقدِ اشْتُرطَ أنْ يكونَ ذلكَ بموافقةِ عصبة الأمم التي شكلت -من بعدُ- لجنةً للإشرافِ على حسنِ إدارةِ الدولةِ المنتدّبةِ دُعيَت لجنةَ الانتداباتِ كانتْ تستمعُ إلى تقريرٍ نصفِ سنويٍّ مُعَدٍّ من قبلِ دولةِ الانتدابِ عن سيرِ عمليَّةِ الانتداب، وكانَ ذلكَ يجري عادةً من دونِ أن يكونَ لأي هيئةٍ وطنيةٍ رأيٌ أو مشاركةٌ في وضعِهِ.[165]
بيّنَ وزيرُ خارجيةِ الولايات المتحدة الأمريكيةروبرت لانسينچ عضوُ الوفدِ الأمريكيٍّ لمفاوضاتِ السلام أنَّ نظامَ الانتداب الذي ينصُّ على منحِ عصبةِ الأممِ للدولِ المنتصرةِ صكوكَ انتدابٍ على الشعوبِ المُحرَّرّةِ -لمساعدتِها على النهوضِ وتأسيسِ دولٍ وأنظمةٍ حديثةٍ- كانَ بكلِّ بساطةٍ وسيلةً أرْستّها القوى العظمى المنتصرةُ (عدا الولاياتُ المتحدةُ التي لم تشاركْ في عصبة الأمم) لتخفيَ تقاسُمَها لغنائمِ الحربِ، فإذا تمَّ الاستيلاءُ على أراضي العدوِّ بصورةٍ مباشرةٍ، فإنَّ قيمةَ هذهِ الأراضي -في ظلِّ القوانينِ الدوليةِ- ستكونُ بديلاً لادّعاءاتِ الحلفاءِ بالمطالبةِ بتعويضاتٍ عن خسائرِ الحربِ أو عن جزءٍ منها. وضّح لانسينچ أيضاً أنَّ الجنرالَ جان سموتس هو صاحب المفهومِ الأصليِّ للانتدابِ،
[هامش 43] يقولُ أحدُ المختصيّنَ في القانون الدولي:[165]
لو أرادتْ دولُ الحلفاءِ الاستيلاءَ على ممتلكاتِ الدولِ الوسطى [أيْ دولِ المركزِ] وحليفاتِها وضمِّها إلى ممتلكاتِها الخاصّةِ «كمستعمراتٍ» لكانَ عليها إذْ ذاكَ حسمُ قيمةِ تلكَ المستعمراتِ والممتلكاتِ المستوْلَى عليها من أصلِ قيمةِ التعويضاتِ التي فرضتْها على الأعداءِ، ولكنَّها بفضلِ النظامِ الجديدِ الذي أبرزهُ الجنرالُ سمطس [سموتس]... تمكنت من تحاشي ذلكَ.
وهكذا -وبالمحصّلةِ- اسْتُولِيَ على مستعمراتِ دولِ المركزِ الخاسرةِ من دونِ أن يقللَ ذلكَ من التعويضاتِ التي فُرضتْ عليها، ومعلومٌ أنَّ التعويضاتِ الجائرةَ التي فرضت على ألمانيا وتفاعلاتها كانت -نهايةَ المطافِ- أحدَ الأسبابِ المهمة لاندلاعِ الحرب العالمية الثانية. ووقعَ على شعوبِ المستعمراتِ «المحرَّرةِ» عبءُ إنقاذِ مستعمريهم من وطأةِ ديونِهم التي راكمتها أعباءُ الحربِ وإعادةِ بناءِ اقتصاداتِهم المدمرةِ بفعلِ تلكَ الحربِ، جنباً إلى جنب مع المستعمرات القائمة مسبقاً.[166][167][هامش 44]
فسورياولبنان -على سبيلِ المثالِ- خضعتا لاحتلالٍ فرنسيٍّ مباشرٍ -شُرّعَ لاحقاً بموجبِ صكِّ انتدابٍ من عصبة الأمم-[هامش 45] بدعوى مساعدتِهما على الاستقلال بعد «تحريرهِما» خلال الحربِ، وسدّدت حكوماتُهُما -فضلاً عن ذلكَ- على مدى سنواتٍ أقساطاً مقررةً من الدينِ العثمانيِّ العام[168] الذي تعود أصولُه إلى القرن التاسع عشر. فمن جهةٍ عوملتا -بموجبِ المعاهدةِ ومن قبل العصبةِ- كمستعمرةٍ كانت محتلةً من قبل إحدى دول المركز وحُررت أثناء الحرب، وهو الأساس القانوني لوضعها تحت الانتداب، ومن جهةٍ أخرى أُلزمت بمطالباتٍ بتسديد حصةٍ من ديون الدولةِ العثمانيةِ بينما تحريرها يقتضي أن تتحرر كذلك من جميع التزاماتها اتجاه مستعمرها السابق.[هامش 46]
«وقد اعتقدتِ الدول الأوربية أن باستطاعتها أن تغيّرَ آسيا الإسلامية في صميم أساسيات وجودها السياسي، وإذ حاولتِ الدول الأوربية هذا التغييرَ فقد استحدثت نظام دولٍ مصطنعةٍ في الشرق الأوسط، مما جعل منه منطقةً لبلدانٍ لم تصبح أمماً حتى يومنا هذا» – دافيد فرومكين: سلام ما بعده سلام، ولادة الشرق الأوسط 1914-1922 / ص 15.
أعلن الشريفُ الحسينُ بن علي الاستقلالَ عامَ 1916 إثرَ إعلانهِ الثورةَ العربيةَ الكبرى، وسرعانَ ما أعلنت بريطانيا وفرنسا اعترافهما بمملكة الحجاز لحاجتهما الماسّةِ لحليفٍ ضد الدولة العثمانية، وعليه حضرَ الأميرُ فيصلُ (1883-1933) مؤتمرَ السلامِ بدعوةٍ بريطانيّةٍ لكنَّ فرنسا لم تعترفْ باشتراكهِ -بعد لأيٍ ومماطلةٍ- إلا كحليفٍ عسكريٍّ فقط. قدَّمَ فيصل مذكرةً يطلبُ فيها الاعترافَ بدولةٍ عربيةٍ مستقلّةٍ جنوبَ خطِّ «اسكندرون-دياربكر» بضمانةِ عصبة الأمم، وفي كلمتِهِ أمامَ المؤتمر [مجلس العشرِة]
«أسهبَ في شرحِ مطالبِهِ بحقِّ العربِ في تقريرِ مصيرهِم بأنفسهِم، وبالالتزامِ بالاتفاقِ الذي تمَّ في مراسلات الحسين – مكماهون، وبتنفيذِ الإعلانِ الأنجلو-فرنسي الصريحِ والقاطعِ...، وأقرَّ كذلكَ بأنَّ فلسطين قد تتطلبُ نظاماً خاصاً، وأنَّ العراق سوفَ "يقبلُ مساعدةَ" بريطانيا العظمى، وأنَّ جبلَ لبنانَ سوفَ يقبلُ مساعدةً مماثلةً من فرنسا، أما بالنسبةِ للأجزاءِ الباقيةِ فإنَّ مطلبَ الأميرِ كانَ الاستقلالَ».[170][171]
لكنَّ ذلكَ كلَّه لقيَ آذاناً صمّاءَ، فعلى الرّغمِ منِ اتفاقِ الشريفِ الحسينِ معَ ماكماهونَ المندوبِ السامي في مصر ممثلاً عن بريطانيا، وبالرغم منِ اعترافِ الحلفاءِ بالشريفِ كملكٍ للحجازِ وحليفٍ ساهمَ في الحربِ، وقدومِ فيصل الأول إلى المؤتمر على هذا الأساسِ، وبالرغمِ من إعلانِ «المؤتمر السوري العام» بدمشق (17 جمادى الآخرة 1338هـ - 8 مارس/آذار 1920) سوريا الكبرى بحدودِها الطبيعيّةِ (أي بلاد الشام) دولةً مستقلةً استناداً إلى حق تقرير المصير إلا أنَّ معاهدتَيْ ڤرسايَ وسيڤرَ جاءتا خلواً من أيِّ ذكرٍ لدولةٍ في آسيا العربية عدا مملكة الحجاز، وقررت فرنسا وبريطانيا تقاسُمَ «بلادِ الشام» (سوريا الطبيعية)، و«العراقِ» تحت مسمّى الانتدابِ بناءً على اتفاقية سايكس بيكو للعامِ 1916م بينهما، ومقرراتِ مؤتمر سان ريمو (1-6 شعبان 1338هـ - 19-26 أبريلَ/نيسانَ 1920م) المعدِّلةِ لها، والتي لم يكنِ الاتفاق على الانتداب على الهلال الخصيب وتقسيم مناطقه أهم ما فيها، ولكن أيضاً الموافقة على «تصريح بلفور»[120] ما مهّد الطريق لموافقة «عصبة الأمم» على تلبية إصرار بريطانيا بإدراجه في صك انتدابها على فلسطين، وبذا صار شرعياً من قبل المجتمع الدولي.[هامش 48]
«الحرب يصنعها الطرفان، ولكن المنتصرَ هو من يكتب شروطَ السلام، والتاريخَ، وردودَ الفعل أيضاً..»
أدتِ الحرب إلى فقدان أباطرة المركز الثلاثة فضلاً عن ملك بلغاريا لعروشهم فيما بدا انهياراً ولّد فراغاَ سياسياً واسعَ النطاقِ في الفضاء الجيوسياسي للحلفِ المهزوم.
نتيجةُ أهدافِ المنتصرينَ المتنافسةِ -والمتعارضةِ أحياناً- جاءتِ المعاهدةُ حلاً وسطاً لمْ يُرضِ أحداً. لمْ تغدُ ألمانيا مُسالمةً ولا مُتصالحةً، ولم تضعفْ بشكلٍ دائمٍ كما أرادت لها فرنسا، ولسوف تُوَلّد تداعيات المعاهدة عدم استقرارٍ كبيرٍ في السنوات الأولى لجمهورية فايمار (على سبيل المثال: انقلاب 13 مارس/آذار 1920 الذي استولى على برلين دونما طلقةٍ واحدةٍ، وردُّ الفعل عليه إضرابُ 15 مارس/آذار 1920 الأكبرُ في تاريخ ألمانيا إذ شارك فيه 12 مليونَ عاملٍ، وانضم له العديد من أفراد الشعب رفضاً لقيام حكومةٍ عسكريةٍ، وقد شلَّ ألمانيا تقريباً)،[هامش 49] وستقودُ المشاكلُ التي نجمت عن معاهدةِ فرسايَ إلى اتفاقيّاتِ لوكارنو التي حسّنتِ العلاقاتِ بينَ ألمانيا والقوى الأوروپيّةِ الكبرى الأخر. وستؤدي إعادةُ التفاوضِ على نظامِ التعويضاتِ إلى خطةِ دوز (1924م)، ثم خطة يونغ لجدولة الدبونِ (1928م)، ثم تأجيلِ دفعِ التعويضاتِ إلى أجلٍ غيرِ مسمىً في مؤتمرِ لوزانَ (1932م). جرى الاستشهادُ بالمعاهدةِ -في بعضِ الأحيانِ- كأحدِ أسبابِ اندلاعِ الحربِ العالميّةِ الثانيةِ مع أنَّ تأثيرَها الفعليَِّ -كما يُعتقدُ- لمْ يكُ بالحدّةِ التي كانَ يُخشى منها، إلا أنَّ شروطَها [وربما كانَ هذا التأثيرَ الأهمَّ] أفضتْ إلى استياءٍ كبيرٍ في ألمانيا، وتضافرَ ذلكَ مع الحصارِ البحريِّ للحلفاءِ الذي استمر حتى توقيع المعاهدة، والدمارِ، والاقتصادِ الهشِّ صنيعةِ الحربِ وما آلَ إليهِ من التضخمِ الفاحشِ في الفترة (18-1923م)، حفز كل ذلكَ انتشارَ التيّاراتِ المتطرفةِ كالشيوعيّةِ والنازيّةِ، وآلَ في نهايةِ المطافِ إلى بزوغِ نجمِ أدولف هتلر.[هامش 50]
قيلَ الكثيرُ عن (المادةِ 231) الشهيرةِ بـ«عبارةِ ذنبِ الحربِ» (بالإنجليزية: "War Guilt Clause")، وأولِ مادةٍ في القسمِ المخصّصِ للتعويضاتِ في المعاهدةِ. قيلَ بأنها لم تترجمْ بشكلٍ صحيحٍ للجانبِ الألمانيّ، وأنَّ صيغتها التاليةَ كما وردتْ في النسخةِ التي سُلّمتْ للحكومةِ الألمانيّةِ: «تُقرُّ ألمانيا، بأنَّ ألمانيا وحلفاءَها -بصفتهم بادئي الحربِ- مسؤولونَ عنْ جميعِ الخسائرِ والأضرارِ...» كانتْ نتيجةَ ترجمةٍ غيرِ دقيقةٍ للنصِّ الأصليِّ -المحرَّرِ بكلتا اللغتينِ الفرنسيةِوالإنجليزيةِ-[هامش 51] وهيَ صيغةٌ اعتبرَتْ مُهينةً، وأدّتْ إلى شعورٍ بالإذلالِ في أوساطِ الشعبِ الألمانيِ. وجدَ الرأيُ العامُّ هذهِ المادةَ بأنها ظالمةٌ، فإذا كانَ لألمانيا (وحلفائها) نصيبُها -بالطبعِ- من المسؤوليّةِ إلآ أنْه ليستِِ المسؤوليّةَ كاملةً، كانَ ثمّة رأيٌ مفادُهُ أنّ ألمانيا قدْ «تخلتْ عن كرامتِها»[172][173] أدركَ المسؤولونَ «أنَّ موقفَ ألمانيا حيالَ هذا الموضوعِ لمْ يكُ حسناً، لأنَّ الحكومةَ الإمبرياليّةَ دفعتِ الشعبَ الألمانيَّ إلى الإيمانِ بها خلالَ الحربِ».[174] كانتِ الحكومةُ واقعةً بينَ مطرقةٍ وسندانٍ، فمنْ جهةٍ كانَ ثمة الغضبُ الشعبيُّ، ومنْ جهةٍ أخرى كانَ ضغطُ الحلفاءِ. كتب الكاتب الألماني النازي ڤيليبالاد شولز: «إن المعاهدة وضعت ألمانيا في ظل العقوبات القانونية محرومةً من القوة العسكرية، وقد دُمِّرت اقتصادياً، وأُذلَّت سياسياً».[175] فيما بعدُ سيسعى السياسيّونَ والمؤرّخونَ كلٌّ منَ جهتهِ إلى إثباتِ أنَّ ألمانيا لم تكُ وحدَها المذنبةَ في التسبّبِ بالحربِ؛ فإذا أمكنَ دحضُ هذهِ الحجةِ فإنَّ الادّعاءَ القانونيَّ الذي يدعمُ فرضَ التعويضاتِ سينهار.[176]
بريطانيا والدومنيون
رأى بعض الساسةِ من الإنجليزِ والدومنيون أنَّ السياسةَ الفرنسيةَ كانتْ جشعةً وانتقاميّة،[177][178] آمن ديڤيد لويد جورج وسكرتيره الخاص فيليب كير بالمعاهدة على الرغم من شعورهما بأنَّ الفرنسيينَ سيُبْقونَ أوروپا في حالةِ اضطرابٍ مستمرٍ بفعلِ حرصهمْ على صونِها.[177] أصدر الجنرالُ سموتز (صاحبُ فكرتي الانتدابِ وعصبة الأمم) بياناً يُدينُ المعاهدةَ، ويأسفُ لعدمِ كتابةِ الوعودِ «بنظامٍ دوليٍّ جديدٍ وعالمٍ أكثرَ عدلاً وأفضلَ في هذهِ المعاهدة»!!، وكتب رئيسُ الوزراءِ الأسترالي بيلي هيوز إلى لويد جورج في خيبة أملٍ: «لقد أكدّتَ لنا أنك لاتستطيعُ الحصولَ على شروطٍ أفضل، وأنا آسف لذلك كثيراً وآمل أن تكون هناك طريقة أخرى حتى نتفق بشأن مطالب التعويض المتناسبةِ مع التضحيات الهائلةِ التي قُدمتْ من قبل الإمبراطورية البريطانية وحلفائها».[179][هامش 52]
لقيتِ المعاهدةُ قَبولاً واسعاً لدى رجلِ الشارعِ الإنجليزيِّ،[180] لكنَّ الرأيَ العامَّ تغيرَ مع تصاعدِ الشكوى الألمانيّةِ[181] حتى أعربَ رمزي ماكدونالد (1866-1937) رئيسُ الوزارةِ البريطانيةِ (عدة مراتٍ بين 24-1935) -بعدَ الإعلانِ رسمياً عن إعادةِ نشر الجيش الألماني في منطقةِ الراينلاند في 7 مارس/آذار 1936- عن سرورهِ لأن المعاهدةَ تتلاشى، وأمله بأنَّ الفرنسيينَ قد تلقَّوا درساً قاسياً.[178]
بذلتْ كنداوأسترالياونيوزيلنداوجنوبُ إفريقيا مساهماتٍ كبيرةً في المجهودِ الحربي البريطاني، ولكن كدولٍ مستقلةٍ لا كمستعمراتٍ بريطانية، وجاء توقيعُها على المعاهدةِ بمنزلة اعترافٍ دولي باستقلالها، في حينِ لم يجرِ التعاملُ مع الهندِ بالسويّةِ ذاتِها وهي التي قدمتْ أكبر مساهمةٍ عسكريةٍ من بين المستعمرات البريطانيّةِ السابقةِ (الدومنيون) والقائمةِ (وقعتْ حكومة الهند البريطانية المعاهدةَ ممثلةً عن الهند). لقد كانت الحرب -وخلافاً للمخاوف البريطانية- مثالاً غير مسبوقٍ عن حسن النيةِ إزاء بريطانيا من قبل الهنود والنخبةِ السياسيّةِ الهنديّةِ اعتقاداً بأن هذا الموقف سيفيدُ الهندَ في تقرير مصيرها بعد الحرب،[182][183] [لكنّ الهندَ بقيتْ خاضعةً للسيطرةِ الاستعماريّةِ البريطانيّةِ المباشرة. كان ذلك مثالاً صارخاً عن الازدواجيةِ في التعامل مع الشعوبِ ذواتِ الأصلِ الأوروپي وسواها].
فرنسا وإيطاليا والبرتغال
قوبل توقيع المعاهدة بصخب الغناء والرقص في پاريس. ابتهج الناس بالنهاية الرسمية للحرب،[184] وعودة الألزاس واللورين إلى فرنسا، وموافقة ألمانيا على دفع تعويضات.[185]
وفيما صادقت فرنسا على المعاهدة فإن المزاج المبتهج سرعان ما أفسح الطريقَ لرد فعلٍ سياسيٍّ عنيفٍ على كلمنصو. رأى اليمينُ الفرنسيُّ أنَّ المعاهدةََ كانتْ جدُّ متساهلةٍ، وأنها فشلت في تحقيقِ جميعِ مطالبِ فرنسا. صرح مارشال فرنسا فرديناند فوش: «لقد خسر الإمبراطور فلهلم الحرب لكن كلمنصو خسر السلام. هذه المعاهدة ليست سلاماً. إنها هدنة لمدة عشرين عاماً»، وهو ما اعتبر نبوءةً من بعدُ. هاجم اليسارالفرنسي كذلك المعاهدةَ وكلمنصو بوضفها قاسيةٌ للغاية (تحول كلمنصو إلى إدانةٍ طقسيةٍ للمعاهدة من الطرفين)، انتقاد للفشل في ضم الراين، وللمساومة على الأمن الفرنسي لصالح الولايات المتحدة وبريطانيا.[186][180][181][187] فيما بعد عندما ترشح كلمنصو لرئاسةِ الجمهوريةِ في ينايرَ/كانونَ الأولَ من العام 1920 خسر الانتخاباتِ.[188]
كان رد الفعل في إيطاليا على المعاهدة سلبيّاً للغاية. عانتِ البلادُ من خسائرَ بشريةٍ كبيرةٍ،[هامش 53] لكنها فشلت في تحقيق معظم أهدافها الحريية الرئيسة، ولا سيّما السيطرة على الساحل الدلماسي وميناء افيومي. أدى عدم الدعم من قبل الأطراف الثلاثة الرئيسة الكبرى مع التبايناتِ في استراتيجية التفاوض بين رئيس الوزراء ڤيتوريو أورلاندو ووزير خارجيته سيدني سونينو إلى تقويض موقف إيطاليا في المؤتمر. عانى أورلاندو الغاضب من انهيارٍ عصبيٍّ وخرج في مرحلةٍ ما من المؤتمر، ومع أنه عاد لاحقاً إلا أنه فقد منصبه كرئيس وزارةٍ قبل أسبوعٍ واحدٍ فقط من موعد التوقيع، فأنهى فعلياً حياته السياسية النشطة. ساعد الغضب والاستياء من المعاهدة بتمهيد الطريق لتأسيس استبدادية (دكتاتورية) بينيتو موسوليني بعد ثلاث سنواتٍ.[189]
دخلتِ البرتغال الحربَ إلى جانب الحلفاء في العام 1916 لضمان الحفاظ على مستعمراتها الإفريقية في المقام الأول، والتي كانت مهددةً بفقدانها من قبَل كلٍّ من بريطانيا وألمانيا. اعترفتِ المعاهدة بالسيادةِ البرتغاليةِ على هذهِ المستعمراتِ ومنحتها أجزاءً صغيرةً من المستعمراتِ الألمانيةِ الإفريقيةِ المتاخمةِ لمستعمراتها. وبخلاف ذلك كسبتِ البرتغال نزراً يسيراً من مؤتمر السلام. لم تُحرزِ البتّةَ نصيبَها الموعودَ من التعويضاتِ الألمانيةِ، وذهب المقعد الذي كانت تطمح إليه في المجلس التنفيذي لعصبة الأمم الجديدة -بدلاً من ذلك- إلى إسبانيا المحايدة التي لم تشارك في الحرب. بالمجمل صادقتِ البرتغال على المعاهدة، لكنها لم تجْنِ الكثير من حربٍ كلفتها أكثر من ثمانيةِ آلافِ جنديٍّ، وما يصل إلى مئةِ ألفٍ من رعاياها الأفارقة أبناءِ المستعمَرات.[190]
الشرق الأقصى: الصين واليابان
شعر الكثيرون في الصين بالخيانة عندما جرى تسليم الأراضي الألمانية في الصين (تسينغتاو) لليابان. أدى هذا الشعور بالخيانة إلى مظاهراتٍ واحتجاجاتٍ كبيرةٍ في الصين مثل «حركةِ 4 مايو». كان ثمة استياءٌ كبيرٌ من حكومةِ دوان كيروي التي فاوضت اليابانيين سرّاً بغية الاقتراضِ لتمويل حملاتها العسكرية ضد الجنوب. في 12 يونيو/حزيران من العام 1919 أُجبرتِ الحكومة على الاستقالة، وأمرتِ الحكومة الجديدة وفدها في ڤرساي بعدم التوقيع، رفض ولنچتون كو (بالإنجليزية: Koo) رئيس الوفد الصيني التوقيع على المعاهدةِ وكان الطرفَ الوحيدَ في مؤتمر پاريس الذي لم يُمضِها في حفل التوقيع.[191][192] مما أدى -نتيجةً لذلك- إلى تدهور علاقات الصين مع الغرب.[193]
كان لعالمِ «غير البيض» المحرومين، والمستعمَر غالباً آمالٌ كبيرة بأن النظام الجديد سيَمنح فرصةً غير مسبوقةٍ لإقرار مبدأ المساواة العرقية الذي تعترف به القوى العالمية الرائدة.[194] كان للدبلوماسية اليابانية ذكرياتٌ مريرة عن خطابِ الخطرِ الأصفرِ والغطرسةِ التي تكتسيها الافتراضاتُ حول واجبِ الرجل الأبيض، والذكرياتِ التي تفاقمت بسبب تصاعد التمييز ضد رجال الأعمال، والقيودِ الصارمةِ على المهاجرين الآسيويين، والأحكامِ القضائيةِ المعاديةِ للمصالح اليابانيةِ والتي وَسمت معاملة الدول الغربية لليابانيين.[194] ترأسَ وفدَ اليابان رجلُ الدولةِ العجوز سايونجي كينموشي [رئيس الوزراء السابق]، وكان فيه من المفوضين البارزين البارون ماكينو والسفير تشيندا سوتيمي.
مثلت ڤرساي فرصةً لقلب هذا النقص المفروض والذي تعززت توتراته خاصةً في علاقة اليابان مع الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية. اعتقد اليابانيون أن الثقة في قوتهم الصناعية المتنامية، وغزو ممتلكات ألمانيا في الشرق الأقصى إلى جانب إخلاصهم المؤكد للوفاق [الحلفاء]، سيسمح لهم أخيراً بشغل مكانهم الصحيح بين القوى العظمى المنتصرة.[194] وقد التمسوا دعماً خاصاً من الوفد الأمريكي للحصول على اعترافٍ بمبدأ «المساواةِ العرقيةِ» (بالإنجليزية: Racial Equality) في لجنةِ عصبة الأمم. رفض الدبلوماسيون البريطانيون والأمريكيون والأستراليون مقترحاتهم لتحقيق هذه الغاية. كانوا جميعاً حساسين للضغوط الداخلية في بلادهم؛ كان ويلسون نفسه مُشرِّعاً لسياسات الفصل العنصري في الولايات المتحدة، واعتبر آرثر بلفور -وزير الخارجية البريطاني- الأفارقة أدنى منزلةً من الأوروپيين (كانتِ المساواة صحيحةً فقط بالنسبة لأفرادٍ داخل دولٍ معينة)، فيما كان بيلي هيوز رئيسُ الوزراءِ الأسترالي -المتبني لموقفِ «اصفعْ يابانياً» (بالإنجليزية: Slap a Jap)- مدافعاً صريحاً عن سياسة أستراليا البيضاء.[194][هامش 54]
حظيت محاولة اليابان -التي أيدتها عدة وفودٍ منها المبعوث الصيني ولنچتون كو- بإدراج مبدأ «المساواة العرقية» في المعاهدة بتأييدٍ واسعٍ، ولكنها أجهضت فعلياً عندما رفضتها الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا[194] بالرغم من خطابٍ مقنع بشدةٍ ألقاه ماكينو. كانت اليابان خامس القوى العظمى في الحرب وفيما عدا اهتمامها بمستعمرات ألمانيا في الهادي لم يك لديها مطلب سوى مقترح «المساواة العرقية» الذي قمعه الحلفاء.[هامش 55]
شرعتِ اليابان نفسُها قبل الحرب وأثناءَها في توسّعٍ استعماريٍّ قاريٍّ مكينٍ جرى تسويغ أهدافه بمصطلحات الرؤى الأيديولوجية للآسيويين -مثل الكوريين والصينيين- لكونهم من الثقافةِ والعرق نفسه، على الرغم من أنّ رؤية اليابان لتلك البلدان كانت أبويةً [بمعنى سلطوية] وموجهةً لإخضاعها لمصالحها. سعتِ اليابان إلى قَبولِها كلاعبٍ عالميٍّ يتمتع بمكانةٍ مماثلةٍ للقوى الغربية التقليديّة، وقد تصورت «مبدأ مونرو» (بالإنجليزية: Monroe Doctrine) آسيوياً حيث يُعترفُ بمجالٍ مناسبٍ لمصالحها الجيو-إستراتيجية في آسيا. كانتِ اليابانُ قبل ذلك ببضع سنواتٍ حصلت على دعمٍ بريطاني-فرنسي لمطالبتها بإرثِ الحقوق التي مارستها ألمانيا في كلٍّ من الصين ومنطقةِ الهادي شمالَ خط الاستواء، ومع ذلك أشار خبراء السياسة الأمريكية -غير المحيطين بهذه الاتفاقيات السريةِ- إلى أن اليابانَ تبنتْ نموذجاً پروسياً من شأنهِ أن يهددَ سعيَ الصين للحكم المستقل، وقد لاقت هذه الاعتبارات هوىً في نفس ويلسون.[195]
أمريكا
«العالم يعرف أمريكا أخيراً كمنقذِ العالم!» كانت هذه كلمات الرئيس الأمريكي ويلسون أمام جمهوره،[هامش 56] لكن الحزب الجمهوري -بقيادة السيناتور «هنري كابوت لودج»- المسيطر على مجلس الشيوخ أثبت أن من الممكن بناء تحالف أغلبيةٍ لكن من المستحيل إيجاد تحالف الثلثين الذي كان ضرورياً لتمرير المعاهدة.[196] قاومتِ الكتلة المعارضة المكونة من 12-18 عضواً (أو من يُدعَوْن «المتناقضون») -ومعظمهم من الجمهوريين مع بعض ممثلين عن الديمقراطيين الإيرلنديين والألمان- المعاهدةَ بشدة. أيدت كتلة واحدة من الديمقراطيين المعاهدةَ بقوةٍ حتى مع التحفظات التي أضافها لودج، كما أيدتها مجموعة أخرى من الديمقراطيين لكنها اتّبعت ويلسون في معارضة أي تعديلاتٍ أو تحفظاتٍ، غير أن الكتلة الأكبر بقيادة السيناتور لودج -وتتألف من غالبية الجمهوريين-[197] أرادتِ المعاهدةَ مع تحفظاتٍ لا سيما على المادة العاشرة المتضمنة سلطة «عصبة الأمم» في شنِّ الحرب دون تصويتٍ [أي بدون تفويضٍ] من قبل الكونجرس الأمريكي.[198] كان جميع «المتناقضين» أعداءً لدودين للرئيس ويلسون الذي أطلق جولة نقاشٍ وطنيةً صيفَ عام 1919 لدحضهم، لكنه انهار في منتصفِ الطريقِ بسكتةٍ دماغيةٍ خطيرةٍ دمرت بشكلٍ فعالٍ مهاراتهِ القيادية.[199] كانتِ المعاهدة أقربَ للإقرار في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1919 حيث شكل لودج وجمهوريّوه ائتلافاً مع الديمقراطيين المؤيدين لها. كانوا قريبين من أغلبية الثلثين نحو معاهدةٍ مع تحفظاتٍ، لكن ويلسون رفض هذه التسوية وتبعه من الديموقراطيين عددٌ كافٍ لإنهاء فرص التصديق نهائياً. من بين الجمهور الأمريكي ككل عارض الإيرلنديون الكاثوليك والألمان المعاهدة بشدةٍ قائلين إنها تحابي البريطانيين.[200]
واصلَ الرئيسُ الجمهوري اللاحقُ «وارن چ. هاردينچ» المعارضةَ الأمريكيّة لعصبةِ الأمم. أقر الكونجرس مشروع «نوكس بورتر» الذي يضع حداً للأعمالِ العدائيّةِ بين الولايات المتحدة ودولِ المركز، ووقعه هاردينچ ليغدوَ قانوناً في 2 يوليو/تموز 1921.[201][202] أبرمتِ الولاياتُ المتحدةُ السلام بمعاهداتٍ ثنائيّةٍ لاحقةٍ؛ مع ألمانيا (معاهدة برلين في 25 أغسطس/آب 1921)، والنمسا (معاهدة ڤيينا في 24 أغسطس/آب)، والمجرِ (معاهدة بوداپست في 29 أغسطس/آب)، ولم تنضمَّ إلى عصبة الأمم.
كتبَ صديقُ ويلسونَ ومستشاره للشؤون الخارجية الكولونيل إدوارد ماندل هاوس رئيس لجنة التحقيق وعضوُ الوفدِ الأمريكي في مؤتمر السلام- في مذكراتهِ يومَ 29 يونيو/حزيرانَ 1919 ثانيَ يومِ التوقيعِ:[203]
سأغادرُ پاريسَ بعدَ ثمانيةِ أشهرٍ مصيريّةٍ بمشاعرَ متضاربةٍ. بالنظرِ إلى المؤتمرِ في وقتٍ لاحقٍ ثمةَ الكثيرُ مما يجبُ الموافقةُ عليه، والندمُ عليه. من السهلِ تحديدُ ما كانَ يجبُ فعله، ولكنْ من الأصعبِ العثورُ على طريقةٍ للقيامِ بذلك. بالنسبةِ لأولئكَ ممّن يقولونَ إنَّ المعاهدةَ سيئةٌ ولاينبغي أبداً إبرامُها وأنها ستشركُ أوروپا في صعوباتٍ لا حصرَ لها في تنفيذها، أشعرُ برغبةٍ في الاعترافِ بها، لكنّي أودُّ أن أقولَ ردّاً على ذلكَ أيضاً لايمكنُ تحطيمُ الإمبراطوريات وإقامةُ دولٍ جديدةٍ على أنقاضها دونما إزعاجٍ. إيجاد حدودٍ جديدةٍ هوَ إيجاد مشاكلَ جديدةٍ؛ الواحدُ يتبعُ الاخرَ. وبينما كانَ يجبُ أن أفضّلَ سلاماً مختلفاً إلا أنني أشكُّ كثيراً في إمكانيّةِ صنعه.
تقييمات تاريخية
«بعد الحرب -التي قُصد بها إنهاء الحروب- يبدو أنهم نجحوا في باريس نجاحاً تاماً في تحقيق سلامٍ ينهي السلام»
-أرشيبالد ويفل (فيلد مارشال إيرل ويفل فيما بعد) الذي خدم في حملة فلسطين تحت قيادة اللنبي-
ينقسمُ المؤرخونَ حولَ تأثيرِ المعاهدة، إذِ اعتبرها بعضهم حلاً جيّداً في وقتٍ عصيبٍ، فيما رآها آخرونَ إجراءً كارثيّاً كانَ من شأنِهِ أنْ يُغضبَ الألمانَ ويحفزهمْ سعيِاً للانتقام. إنَّ التأثيرَ الفعليَّ للمعاهدةِ محلُّ خلافٍ أيضاً.[204]
في كتابهِ «التبعاتُ الاقتصاديةُ للسلام» (بالإنجليزية: The Economic Consequences of the Peace) وصفَ جون مينارد كينز (1883-1946) -الممثلُ الرئيسُ لوزارةِ الخزانةِ البريطانيةِ في مؤتمرِ باريسَ- معاهدةَ ڤرسايَ بـ«سلامٍ قرطاجيٍّ»،[هامش 57] وأنها محاولةٌ مضللةٌ لتدميرِ ألمانيا لصالحِ الانتقامِ الفرنسي عوضاً عنِ اتّباعِ المبادئِ الأكثرِ عدلاً من أجلِ سلامٍ دائمٍ. وقال عنِ النقاطِ الأربعة عشر للرئيسِ وودرو ويلسون التي قبلتها ألمانيا عند عقد الهدنة: «أعتقد أن الحملةَ لتأمينِ التكاليفِ العامةِ للحربِ... كانتْ واحدةً من أخطرِ أعمالِ اللاحكمةِ السياسيّةِ على الإطلاق التي كان رجالُ الدولةِ مسؤولينَ عنها».[55] أعربَ كينزُ عنِ اعتقادِهِ أنَّ التعويضاتِ التي طُلبت من ألمانيا كانت أكثرَ بعدةِ مراتٍ مما يمكنُ لها أن تدفعه، وأنها ستؤدي إلى عدمِ استقرارٍ شديدٍ، ورأى أن من شأن التعويضاتِ أن تشلَّ الاقتصادَ الألماني.[55]
عارض الاقتصادي الفرنسي إتيان مانتو هذا التحليلَ في أربعينات القرن الماضي. ألّف مانتو كتاباً نُشر بعد وفاته بعنوان «السلام القرطاجي: أو العواقب الاقتصادية للسيد كينز» في محاولةٍ لدحض ادّعاءاتِ كينز. وفي الآونة الأخيرة جادل الاقتصاديون بأن قصْر ألمانيا على جيشٍ صغيرٍ وفّر لها الكثير من الأموال بحيث كان يمكنها تحمل مدفوعات التعويضات.[205] آنذاك كان رأيُ كينز مدعوماً إلى حدٍّ كبيرٍ، أما اليوم -وعلى الرغم من العديدِ من المؤرخينَ الذين يرون أنّ التعويضاتِ كانَت رَهَقاً- إلا أنّه يُعتقد أنه كان من الممكن أداؤها،[205] لو توفرت فقط الإرادة السياسية والشعبية لذلك. وتعتقد روث هِنيغ أن العديد من الباحثين في معاهدة ڤرساي يرون أنّ شكلها الاقتصادي لم يك بتلك القسوة المفرطة على ألمانيا كما صُوّر. وبينما شُدّدَ على الأضرار والالتزاماتِ في الصحف اليومية لإرضاء ميول الناخبين، فإن الهدف كان تقديم مساعدةٍ لألمانيا لكي تدفع أقساطها فضلاً عن التعديلات التي حدثت بناءً على الطلب الألماني لإعادة هيكلة جدول التعويضات عملياً.[206][207][هامش 58][هامش 59]
لقد جودِلَ -على سبيلِ المثالِ من قبلِ المؤرخِ چرهارد واينبرج في كتابهِ «عالمٌ تحتَ السلاحِ»- أنَّ المعاهدةَ كانت في الواقع مفيدةً للغايةِ لألمانيا. جرى الحفاظُ على الرايخ البسماركي[هامش 60] كوحدةٍ سياسيّةٍ بدلاً من تفككهِ، ونجت ألمانيا إلى حد كبيرٍ من الاحتلالِ العسكري بعد الحربِ (على عكسِ الوضعِ عقبَ الحرب العالمية الثانية). وفي مقالٍ له عامَ 1995 أشارَ واينبرج إلى أنه مع اختفاءِ «النمسا-المجر» وانسحابِ روسيا من أوروبا أضحت ألمانيا القوةَ المهيمنةَ في أوروبا الشرقية.[208]
زعمَ المؤرخُ العسكريُّ البريطانيُّ كوريلي بارنيت أنَّ معاهدةَ ڤرساي كانت «جدَّ متساهلةٍ مقارنةً بشروطِ السلامِ التي كانت ألمانيا نفسُها -عندما كانت تتوقعُ الفوزَ في الحربِ- تفكرُ في فرضها على الحلفاءِ». علاوةً قالَ: «إنها كانت بالكادِ صفعةً على الرسغِ» عندما تُقاطَعُ مع معاهدة بريست-ليتوفسك التي فرضتها ألمانيا على الاتحاد السوفييتي الروسي المهزومِ في مارسَ/آذارَ عام 1918، والتي سلبتْها ثلثَ سكانِ روسيا -وإنْ كانَ معظمهم من غيرِ العرقِ الروسي-، ونصفَ المشاريعِ الصناعيّةِ الروسيّةِ، وتسعةَ أعشارِ مناجمِ الفحمِ الروسيّةِ إلى جانبِ تعويضٍ ستةِ ملياراتِ مارك.[209] في النهايةِ وحتى وفقَ الشروطِ «القاسيةِ» لمعاهدةِ ڤرسايَ جرتْ عودةُ الاقتصادِ الألماني إلى وضعهِ السابقِ على الحرب.
ادّعى بارنيت أيضاً: «من الناحيةِ الاستراتيجيّةِ فإن ألمانيا كانت في الواقعِ في وضعٍ متفوّقٍ بعد المعاهدةِ عما كانتْ عليه في العام 1914م. واجهتِ الحدودُ الألمانيةُ الشرقيةُ كلاً من روسيا والنمسا اللتيْنِ كانتا في الماضي توازنانِ القوةَ الألمانية». يؤكدُ بارنيت أن الحدودَ الشرقيةَ لألمانيا بعدَ الحربِ باتت أكثرَ أمناً، لأن الإمبراطوريةَ النمساويةَ السابقةَ انقسمت بعد الحربِ إلى دولٍ أصغرَ وأضعفَ، ودُمرتْ روسيا بالثورةِ والحربِ الأهليّةِ، وپولندا المستعادةُ حديثاً لم تكنُ حتى لتقابلَ ألمانيا المهزومة. في الغربِ كانت ألمانيا مُوازَنةً فقط مع فرنساوبلجيكا، وكلتاهما كانتا أقلَّ منْ حيثُ عددُ السكانِ والنشاطِ الاقتصادي من ألمانيا. يختمُ بارنيت بالقولِ: «إنه بدلاً من إضعافِ ألمانيا، فإنَّ المعاهدةَ «عززتْ كثيراً» القوةَ الألمانيّةَ».[210] كانَ يجبُ على بريطانيا وفرنسا (وفقاً لبارنيت): «تقسيمُ ألمانيا وإضعافُها بشكلٍ دائمٍ من خلالِ التراجعِ عن عملِ بسمارك وتقسيمِ ألمانيا إلى دولٍ أصغرَ وأضعفَ بحيث لايمكن أبداً تعطيلُ السلامِ في أوروبا مرةً أخرى»،[211] ومن خلالِ الفشلِ في القيامِ بذلكَ -وبناءً عليه عدمُ حلِّ مشكلةِ القوةِ الألمانيّةِ واستعادةِ التوازنِ في أوروبا- فإنَّ بريطانيا «فشلت في هدفِها الرئيس منَ المشاركةِ في الحربِ العظمى».[212]
ورأى المؤرخُ البريطاني لألمانيا الحديثة ريتشارد ج. إيفانز أنَّ اليمينَ الألماني وأحزابَ اليسارِ كذلكَ كانا معارضيْنِ للمعاهدةِ على السواء، وجادلَ بأنه من غير الصحيحِ أنَّ ڤرسايَ تسببت بالنهايةِ المبكرةِ للجمهوريةِ، بدلاً من ذلك أكّدَ أنَّ «الكسادَ الكبيرَ» أوائلَ الثلاثيناتِ هو ما وضعَ حدّاً للديمقراطيّةِ الألمانية [يقصدُ بوصول النازية إلى الحكم]، كما جادلَ بأن ڤرسايَ لم تكنِ السببَ الرئيسَ للاشتراكيّةِ القوميّةِ [النازية]، وأنَّ الاقتصادَ الألماني «تأثرَ بشكلٍ هامشيٍّ فقط بتأثيرِ التعويضات».[213]
أشارتِ المؤرخةُ الأميركيّةُ ذاتُ الأصلِ الپولندي إيڤا طومسون إلى أن المعاهدةَ سمحت للعديدِ من الدولِ في وسطِ أوروبا وشرقها بتحريرِ نفسها منَ الحكمِ الألماني القمعي، وهيَ حقيقةٌ غالباً ما يتجاهلها التأريخُ الغربي الأكثرِ اهتماماً بفهم وجهةِ النظرِ الألمانية، ففي الدولِ التي وجدت نفسها حرةً نتيجةَ المعاهدةِ -كالپولنديين أو التشيك- يُنظر إلى المعاهدةِ على أنها رمزٌ للاعترافِ بالأخطاءِ المرتكبةِ ضدَّ الدولِ الصغيرةِ منْ قبلِ جيرانها العدوانييّنَ الأكبرِ حجماً.[214]
أدى الاستياءُ من المعاهدةِ إلى أرضيةٍ نفسيّةٍ خصبةٍ للصعودِ النهائيِّ للحزبِ النازي،[215] لكنَّ المؤرخَ الأستراليَّ ذا الأصلِ الألمانيَّ يورچن تامْبكه حاججَ بأنه كانَ «تشويهاً غادراً للتاريخ»[هامش 61] القولُ بأنَّ البنودَ منعت نموَّ الديمقراطيّةِ في ألمانيا، وساعدت على نموِّ الحزبِ النازيِّ قائلِاً إنَّ شروطها لم تكُ عقابيّةً كما هوَ معتقدٌ، وإن التضخمَ الألمانيَّ المفرطَ في عشريناتِ القرنِ الماضي كان جزئيّاً سياسةً متعمّدةً لتقليلِ تكلفةِ التعويضاتِ، وكمثالٍ على الحججِ ضد «إملاء-ڤرساي» يقتبسُ من إليزابيث ويسكمان التي سمعت أرملتيْ ضابطينِ في ڤيسبادن تتذمّرانِ من أنّه «بسببِ نفادِ مخزونِهما منَ الجواربِ الكتانيّةِ فقد توجّبَ عليهنَّ غسلُ الكتانِ مرةً كلَّ أسبوعينِ بدلاً من مرةٍ واحدةٍ في الشهر!»[216] [إشارةً ساخرةً للأزمةِ خفيفةِ الوطأةِ التي كانت تُكابدها الشريحةُ الوسطى من المجتمعِ الألماني].
كتبَ المؤرخُ الألمانيُّ ديتليف بُويكِرت أنّ فرسايَ كانت بعيدةً كل البعدِ عنِ «السلامِ المستحيلِ» الذي ادّعى معظمُ الألمانِ أنه كانَ موجوداً خلالَ فترةِ ما بينَ الحربينِ، وعلى الرغم من أنه لا يخلو من العيوبِ فقد كانَ في الواقعِ معقولاً تماماً لألمانيا.[217] بدلاً من ذلك حاججَ بويكِرت بأنه كانَ يُعتقدُ على نطاقٍ واسعٍ في ألمانيا أن فرسايَ كانت معاهدةً غيرَ معقولةٍ تماماً، وكانَ هذا «التصورُ» وليسَ «حقيقةُ» معاهدةِ فرسايَ هوَ المهم.[217] لاحظَ بُويكِرت أنه بسببِ «الآمالِ الألفية» [نسبةً إلى ألفِ سنةٍ] -التي نشأت في ألمانيا خلال الحربِ العالميةِ الأولى وقتما بدا لبعضِ الوقتِ أن ألمانيا كانت على وشكِ غزوِ أوروبا بأسرها- فإنَ أيَّ معاهدةِ سلامٍ سيفرضها الحلفاءُ عقبَ الحربِ على الرايخِ الألماني المهزومِ كانَ من المحتّمِ أن توجدَ ردَّ فعلٍ قوميّاً عنيفاً، ولم يكُ ثمة شيءٌ يمكنُ للحلفاءِ فعله لتجنبِ ردِّ الفعلِ العنيفِ هذا.[217] علقَ بُويكِرت على أن سياسةَ التقاربِ مع القوى الغربيّةِ التي اتّبعها چوستاف اشترِزِمان بين عاميْ 1923و1929 كانت سياساتٍ بناءةً، ولربما سمحت لألمانيا بلعبِ دورٍ أكثرَ إيجابيّةً في أوروپا، وأنه لم يك صحيحاً أن الديمقراطيّةَ الألمانيةَ كانَ محكوماً عليها بالموتِ عامَ 1919 بسبب فرساي.[217] أخيراً جادلَ بُويكِرت بأنَّ «الكساد الكبير» وفي الوقتِ نفسهِ التحولَ إلى سياسةٍ قوميّةٍ للاكتفاءِ الذاتي [السياسة الاقتصادية التي اتبعها هتلر بشأن إعادة البناء] في ألمانيا هوَ ما أنهى جمهوريةَ فايمار، وليسَ معاهدةَ فرساي.[217]
ووفقاً لديڤيد ستيفنسون فقد أبدى معظمُ المعلقينَ -منذ فتحِ الأرشيفاتِ الفرنسيّةِ- ملاحظاتٍ عن ضبطِ النفسِ الفرنسيِّ ومعقوليّةٍ في المؤتمرِ على الرغمِ من أنَّ ستيفنسون أشارَ إلى أنَّ «هيئةَ المحلفينَ كانت خارجَ الخدمةِ»، وأنه «ثمةَ دلائلُ على أنَّ نوّاسَ الحكمِ كانَ يتأرجحُ في الاتجاهِ الآخرِ».[218] [دلالةً على التحيزِ الذي سادَ أروقةَ المؤتمر].
رأى المؤرخ البريطاني إيريك هوبزباوم في تقييمِ المعاهدةِ ونقاطِ ويلسونَ الأربعةَ عشرَ أن «أولَّ ردِّ فعلٍ غربيٍّ على نداء البلاشفة للشعوب لصنع السلام ونشرهمُ المعاهداتِ السريةَ -التي قام فيها الحلفاء بتقسيم أوروبا [والمشرق العربي] فيما بينهم- كانت نقاطَ الرئيس ويلسونَ الأربعة عشرَ التي لعبت بالورقة القومية ضد دعوة لينين العالمية. كان من المفترض أن تُشكِِّلَ منطقةٌ من الدول القومية الصغيرة نوعاً من حزام الحجر الصحي ضد الفيروس الأحمر. .... وكان هذا في الواقع نية صانعي السلام من الحلفاء».[219] وبالمثل رأى جون لويس چاديس: «عندما جعل وودرو ويلسون مبدأ تقرير المصير إحدى هذه النقاط الأربعة عشر كان في نيته تقويض جاذبية البلشفية».[220] وهذا الرأي له تاريخ طويل، ويمكن تلخيصه بملاحظة راي ستانارد بيكر الشهيرة: «لا يمكن فهم پاريس بدون موسكو».[221][هامش 62]
التعديلات المناطقية
«إن النزاعات القومية التي مزقت القارة الأوربية في التسعينات هي دجاجات فرساي القديمة التي تعاد إلى المشواة اليوم» – إيريك هوبزباوم: عصر التطرفات، القرن العشرون الوجيز/ ص 80.
أسفرت معاهدة فرساي عن إنشاء عدة آلافٍ من الأميال من الحدود الجديدة، ولعبت الخرائط دوراً مركزياً في المفاوضات في باريس.[222][223] استقطبتِ الاستفتاءات العامة التي بدأت بسبب المعاهدة الكثير من التعليقات. كتب المؤرخ روبرت بيكهام أن قضية اشلزفيچ-هولشتاين «كانت مبنيةً على تبسيطٍ شاملٍ لتاريخ المنطقة. ... تجاهلت فرساي أي احتمالٍ لوجود طريقةٍ ثالثةٍ، كنوع الاتفاق الذي يمثله الاتحاد السويسري ثنائي اللغة أو حتى بثلاث لغاتٍ. أو خياراتٍ أخرى مثل «دولة اشليسفيغ» ضمن كونفدراليةٍ فضفاضةٍ مع الدنمارك أو ألمانيا، أو منطقة حكمٍ ذاتيٍّ تحت حماية عصبة الأمم».[224] فيما يتعلق بالاستفتاء العام في شرق بروسيا كتب المؤرخ ريتشارد بلانك أنه «لم تُصدر أي مجموعةٍ عرقيةٍ أخرى متنازعٍ عليها -في ظل ظروفٍ غير قسريةٍ- بياناً أحادي الجانب بشأن تفضيلها القومي».[224] كتب ريتشارد ديبو «اعتقدت كلٌّ من برلين ووارسو أن الغزو السوفييتي لبولندا قد أثر على استفتاءات بروسيا الشرقية. بدت بولندا على وشك الانهيار لدرجة أن الناخبين البولنديين قد أدلوا بأصواتهم لصالح ألمانيا».[225]
ذكرَ المؤرخُ الفرنسيُّ ريموند كارتييه أنَّ ملايينَ الألمانِ في إقليمَيْ السوديت، وبوزِن (بوزنان) (في پروسيا الغربيةِ) قد وُضعوا تحت حكمٍ أجنبيٍٍّ في بيئةٍ معاديةٍ، وجرى توثيقُ المضايقاتِ وانتهاكِ الحقوقِ من قبلِ السلطات. ويؤكدُ كارتييه أنه من أصلِ 1,058,000 ألمانيٍّ في بوزن عامَ 1921م هربَ 758,867 من ديارهم في غضونِ خمسِ سنواتٍ بسببِ المضايقاتِ الپولندية. أدت هذهِ الصراعاتُ العرقيّةُ الشديدةُ إلى مطالبَ عامةٍ بإعادةِ ضمِّ الأراضي المقتطعةِ لتغدوَ ذريعةَ هتلر لضمِّ تشيكوسلوڤاكيا عام 1939 وأجزاءٍ من پولندا.[104]
لاحظ بلانك -فيما يتعلق بالاستفتاء في سيليزيا- أنه «بالنظر إلى أن ستين في المئة على الأقل من الناخبين يتحدثون البولندية، فهذا يعني أن نحو بولنديٍّ واحدٍ من أصل ثلاثةٍ قد صوّت لألمانيا»، وأن «معظم المراقبين والمؤرخين البولنديين» استنتجوا أن نتيجة الاستفتاء كانت بسببِ «المزايا الألمانية غير العادلة لشغل الوظيفة والوضع الاجتماعي والاقتصادي»، وزعم بلانك حدوث «إكراهٍ من مختلف الأنواع حتى في مواجهة نظام احتلالٍ متحالفٍ»، وأن ألمانيا منحت أصواتاً لأولئك «الذين وُلدوا في سيليزيا العليا، ولكنهم لم يعودوا يقيمون هناك». خلص بلانك إلى أنه على الرغم من هذه الاحتجاجات «فثمة الكثير من الأدلة الأخرى بما في ذلك نتائج انتخابات الرايخستاغ [البرلمان الألماني] قبل العام 1921 وبعده، والهجرة واسعة النطاق لسكان سيليزيا العليا الناطقين بالبولندية إلى ألمانيا بعد العام 1945 تُدلّل على أن هويتهم مع ألمانيا في العام 1921 لم تكن استثنائيةً ولا مؤقتةً»، و«كان هناك عدد كبير من الألمان والبولنديين -وليس مصادفةً أنهم من نفس الديانة الكاثوليكية- الذين لم يتشاركوا في فضاء الحياة نفسه فحسب، بل جاؤوا أيضاً في كثيرٍ من الحالات ليرَوْا أنفسهم أعضاءً في المجتمع القومي نفسه».[84] زعم الأمير «أوستاشي سابيها» -وزير الخارجية البولندي- عن روسيا السوفييتية «بأنها يبدو تتعمد تأخير مفاوضات» إنهاء الحرب البولندية-السوفييتية «بهدف التأثير على استفتاء سيليزيا العليا».[225] حالما قُسّمتِ المنطقة حاولت كلٌّ من ألمانيا وبولندا «تطهير» حصتيهما من سيليزيا العليا «عن طريق الاضطهاد مما أدى إلى هجرة الألمان إلى ألمانيا، وهجرة البولنديين إلى بولندا، لكن على الرغم من القمع والهجرة فقد بقيت «أوبول سيليزيا» Opole Silesia مختلطةً عرقياً».[82]
وكتب فرانك راسل -فيما يخصُّ استفتاء السار- بأنَّ السكانَ «لم يجرِ ترويعُهم في صناديق الاقتراع»، وأن «النظام الألماني الشمولي [النازي] لم يكُ مكروهاً بالنسبة إلى معظم سكان السار، وأنهم فضّلوه حتى على كفاءة حكمٍ دوليٍّ اقتصاديٍّ وخيّر». وعندما أضحت نتيجة التصويت معروفةً فرَّ 4100 (بما في ذلك ثمانمئة لاجئٍ فروا من ألمانيا سابقاً) من السكان عبر الحدود إلى فرنسا.[226]
الشروط العسكرية والانتهاكات
أراد البريطانيون أثناء صياغة المعاهدة أن تُلغيَ ألمانيا التجنيدَ الإجباري، وأن يُسمح لها بالاحتفاظ بجيشٍ متطوعٍ فقط، وأراد الفرنسيون أن تحتفظ ألمانيا بجيشٍ مجنّدٍ يصل إلى مئتيْ ألف رجلٍ من أجل تسويغ احتفاظهم بقوةٍ مماثلةٍ، وهكذا كان نص المعاهدة على مئة ألف متطوعٍ بمنزلة حلٍّ وسطٍ بين الموقفين البريطاني والفرنسي. من ناحيةٍ أخرى رأت ألمانيا أن هذه الشروط كما لو أنها تتركها بلا حمايةٍ ضد أيِّ عدوٍ محتملٍ.[227] كتب برنادوت إيفرلي شميت أنه «لا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأن حكومات الحلفاء كانت غير صادقةٍ عندما ذكرت في بداية الجزء الخامس من المعاهدة ... أنه -من أجل تسهيل التخفيض العام لتسليح جميع الدول- كان يتعين على ألمانيا نزع أسلحتها أولاً». أدى عدم التصديق الأمريكي على المعاهدة، وعدم انضمام أمريكا إلى عصبة الأمم إلى انعدام رغبة فرنسا في نزع سلاحها، مما دفع ألمانيا إلى الرغبة في إعادة التسلح.[180] جادل شميت بأنه «لو بقي الحلفاء الأربعة متحدين، لكان بإمكانهم إجبار ألمانيا على نزع سلاحها بالفعل، ولكانت تضاءلت إرادة ألمانيا وقدرتها على مقاومة الأحكام الأخرى للمعاهدة».[228]
كتب ماكس هانتكه ومارك شبويرر: «وجد المؤرخون العسكريون والاقتصاديون أن الجيش الألماني تجاوز بشكلٍ ضئيلٍ حدود المعاهدة» قبل العام 1933،[229] وقد وافق آدم توز على ذلك، وكتب: «لوضع هذا في المنظور فإن الإنفاق العسكري السنوي لجمهورية ڤايمار لم يك يُحسب بالمليارات، ولكن بمئات الملايين من مارك الرايخ»؛ فبرنامج جمهورية ڤايمار -على سبيل المثال- للعام 1931 الذي بلغ 480 مليون ماركٍ ألمانيٍّ على مدار خمس سنواتٍ مقارنةً بخطة الحكومة النازية للعام 1933 لإنفاق 4.4 مليار ماركٍ ألمانيٍّ سنوياً.[230] جادل بي. إم. إتش. بيل بأن الحكومة البريطانية كانت على علمٍ بإعادة تسليح ڤايمار لاحقاً، وأعطتِ الاحترام العام للجهود الألمانية من خلال عدم معارضتها،[231] وهو رأي شاركه فيه تشرشل. كتب نورمان ديفيز أنه كانت هناك «رقابة غريبة» على «القيود العسكرية» تتمثل بأنها «لم تُدرجِ الصواريخَ في قائمة الأسلحة المحظورة»، مما أتاح لڤرنر فون براون (بالألمانية: Wernher von Braun)[هامش 63] مجالاً للبحث فيها أفضت -في نهاية المطاف- إلى «خرْقِهِ [الذي] أتى في العام 1943»، وقاد إلى تطوير صاروخ V-2 «ڤي-2»».[232]
صعود النازية
«ليس ثمة شك فعلي مع الأسف حول المنحى المتصاعد للبربرية بعد عام 1914» – إيريك هوبزباوم: عصر التطرفات، القرن العشرون الوجيز/ ص. 108.
أثارتِ المعاهدة الكثيرَ من الاستياء في ألمانيا، والذي استغله «أدولف هتلر» في صعوده إلى السلطة على رأس ألمانيا النازية. كان من الأمور المركزية في هذا الاعتقاد أسطورة «الطعن في الظهر» التي اعتبرتِ الجيشَ الألماني لم يخسرِ الحربَ وإنما خانته جمهورية ڤايمار التي تفاوضت على استسلامٍ غير ضروريٍّ. أدى الكساد الكبير إلى تفاقم المشكلة وقاد إلى انهيار الاقتصاد الألماني،[هامش 64] وعلى الرغم من أن المعاهدةَ ربما لم تكنِ السببَ في الانهيار، إلا أنها كانت كبش فداءٍ مناسباً. اعتبر الألمان المعاهدة بمنزلة إذلالٍ، وتشوّفوا بفارغ الصبر إلى خطاب هتلر الذي أنحى باللائمة على المعاهدة في العلل التي تعاني منها ألمانيا. وعد هتلر بمعاكسة عمليات النهب لقوات الحلفاء، واستعادة الأراضي الألمانية المفقودة، وكبرياء ألمانيا، مما أفضى إلى اعتبار المعاهدة سبباً في الحرب العالمية الثانية.[233][222]
اجتماع اليوم السابق لسريان الهدنة (10-11-1918): يساراً من الأمام إلى الخلف: ناچاي، دي روبيلاند، سونينو، أورلاندو، هاوس، بليس، آرشين كلوس، ڤنيزسلوس، ڤسنيتش. يميناً من الخلف للأمام: بلين، فوش، پيشون، كلمنصو، لويد جورج، بونار لو، ميلنر.
الوفد الألماني الذي رفض التوقيع وانسحب من المؤتمر (1919)، (الأرشيف الاتحادي الألماني).
داخل قاعة المرايا، الترتيبات عشية توقيع المعاهدة (27-6-1919).
"على مائدة السلام": كلمنصو للوفد الألماني: "تفضلوا بأخذ أماكنكم ياسادة"، (تلاحظ المسامير في الكراسي والأغلال على الطاولة). (1919).
مؤتمر السلام يوماً بعد يومٍ. الحج الرئاسي الذي أدى إلى اكتشاف أوروپا. المؤلف: تشارلز تومسون (1858-1925). نشر 1920.
الصحيفة الرسمية لقانون الرايخ الألماني 1919. تنازلَ القيصر ڤيلهلم الثاني في 9-11-1918. وقّع الرئيس "فريدريش إيبرت" على إعلان دستور جمهورية ڤايمار في 11-8-1919.
"السلام": (30-6-1919) "النسر الألماني: سأوقع، لكن ليكن معلوماً أنه ليس بدافع الخوف". رسم ساخر برتغالي.
مظاهرة في برلين ضد معاهدة ڤرساي بشأن بوزن ودانتزيج (1919).
"في انتظار القرار من پاريس": ريشة كليفورد بريمان 1919. رسامو الخرائط في ترقبٍ بعد طول انتظارٍ لما سيتمخض عن مؤتمر باريسَ من حدودٍ جديدةٍ.
"سلام الثامن والعشرين من يونيو/حزيران 1919": القيصر الألماني السابق ڤيلهلم الثاني يوم معاهدة ڤرساي. "أخبار العالم": (29-6-1919) ريشة وليام أوربن.
جواز دانتزيچ الحرة: كتب عليه بالألمانية "مدينة دانتزيچ الحرة"، وتحته شعار المدينة.
حشد ينتظر نتائج الاستفتاء في أوبلن. (الأرشيف الاتحادي الألماني).
حشد أمام خارطةٍ كبيرةٍ تظهر تشيكوسلوڤاكيا، الدولة الجديدة في أوروپا الوسطى.
أراضي إقليم "السوديت" الحدوديّةِ (باللون الأخضرِ) ضمن تشيكوسلوڤاكيا.
الجبل الأسود، وصربيا بإقليميها ذَوَي الحكم الذاتي؛ "فويفودينا" المقتطع من المجر، و"كوسوفو" (المستقل من جانبٍ واحدٍ عام 2008).
"التماس سبب":(24-1-20)، ويلسون والأغلبية في مجلس الشيوخ يتراشقان أوحال الحملة حول المعاهدة وميثاق عصبة الأمم، فيما رجل الشارع منكباً يعلق: تباً!! كيف تتوقعون مني أن أفهم هذا؟! بورت توماس (1881-1964).
خريطةُ ألمانيا عامَ 1947: يتبيّنُ فيها "الممرُّ البولندي" والأراضي التابعةُ لجمهوريةِ ڤايمار (19-1933) التي اقتطعتْ بعدَ الحربِ العالميّةِ الثانيةِ لصالحِ پولندا وروسيا الاتحادية (بالأبيض)، وإقليمُ السارِ في الغربِ بإدارةٍ ثلاثيّةٍ (بالأبيض).
معاهدة ڤرساي في عيون الألمان (حوالي العام 1920). مجهولة الرسام.
مظاهرة ضد معاهدة ڤرساي، برلين (1932)، (الأرشيف الاتحادي الألماني)
رسم فرنسي ساخر عن معاهدة بوخارست (1918)، والتي اشترطتِ الهدنةُ إلغاءها. وفيها القيصر الألماني فيلهلم الثاني يهدد إمرأةً (رومانيا)، ويملي عليها شروط الاستسلام.
الهوامش
^كان افتتاح مؤتمر باريس للسلام في يومٍ ذي دلالةٍ مميزةٍ (18 يناير/كانون الثاني 1919) وهو ذكرى تتويج فبلهلم الأول أول إمبراطورٍ لألمانيا الموحدة في قاعة المرايا بقصر فرساي سنة 1871.
^حسب المؤرخ إريك هوبزباوم فإن اقتصادَيْ بريطانيا وفرنسا خلال الحرب تفوقا «على اقتصاد ألمانيا بكل تقاليدها ونظرياتها حول الإدارة البيروقراطية»، يقول: «كان اقتصاد الحرب الألماني أقل تنظيماً وفعاليةً في حشد جميع الموارد للحرب... وكان بالتأكيد أقل اهتماماً بالسكان الألمان المدنيين، فمواطنو بريطانيا وفرنسا الذين نجَوْا من الحرب العالمية الأولى كانوا -على نحوٍ ما- يتمتعون بوضعٍ صحيٍّ أفضلَ مما كانوا عليه قبل الحرب -حتى عندما كانوا أفقرَ حالاً- كما ارتفع دخل عمالهم الحقيقي، وكان الألمان أكثرَ جوعاً كما تردَّت أجور عمالهم الفعلية». انظر: هوبزباوم: عصر التطرفات-القرن العشرون الوجيز، ص.ص 104-105.
^جاء إعلان أمريكا الحرب على ألمانيا فقط، ولم يشمل بقية دول المركز؛ الدولة العثمانية والنمسا-المجر وبلغاريا، وبذا اتخذت صفة دولة مشاركة في الحرب لا حليفة. بحسب بعض المؤرخين فهذا التصرف منح ويلسون حرية العمل الدبلوماسي لرسم صورة سلام ما بعد الحرب الأمر الذي لم يلقَ ارتياحاً في لندن وباريس. [على الأغلب لأنه يعطي واشنطن دوراً أكبر من العمل وحرية المناورة في المفاوضات مع دول المحور الأخرى، وخاصةً إذا قيس إلى حجم المجهود الحربي الأمريكي الذي كان على جبهةٍ واحدةٍ وفي آخر تسعة عشر شهراً فقط من الحرب].
^أعلنها الرئيس ويلسون بعد بعض التعديلاتِ في الأول من آب/أغسطس 1918 باسم «النقاط الأربعَ عشرةَ». (انظر: الحكومة العربية في دمشق، التجربة المبكرة للدولة العربية الحديثة (1918-1920)، مجموعة مؤلفين، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ط1، بيروت، لبنان، 2020، ص. 131).
^من حيث الرقم المطلق لعدد الوفيات، أما نسبةً إلى عدد السكان فلربما كان الطاعون الأسود (بالإنجليزية: The Black Death) ما بين (46-1350) الأكثر فتكاً في التاريخ حيث يعتقد أن ثلث سكان أوروپا قضَوا نحبهم بسببه، وثبتت أجور اليد العاملة عن النقصان (بسبب قلة الساكنة) إلى نهاية القرن الرابعَ عشر. اشتهرت هذه الجائحة بالإنفلونزا الإسبانية لأن الناس بفيت مدةً طويلةً تسمع بها وتتناقل أخبارها من الصحف الإسبانية فقط، فإسبانيا -المحايدةً التي لم تدخلِ الحربَ- لم تمارس رقابةً على وسائل الإعلام (الصحف)، بخلاف الدول الأخرى التي أخضعت وسائلَ الإعلام فيها لرقابةٍ شديدةٍ بسبب الحرب.
^ثمة تفاسير متعددة لعدد الوفيات الهائل -ففضلاً عما ذكر، وفضلاً عن زراية العناية الصحية لكلٍّ من العسكريين والمدنيين بسبب ظروف الحرب- يُعتقد مثلاً أنه في ظروف الجائحة الموسمية العادية يلزم مرضى الإصاباتِ الشديدةِ المنازلَ بسبب الإنهاك، ويخرج مرضى الحالات الخفيفة إلى العمل والمتاجر. يؤدي هذا الشكل من الاختلاط لانتشار السلالات الضعيفة من الفيروس والحد من انتشار السلالات القوية في المجتمع. في حالة "الإنفلونزا الإسبانية" انعكس الأمر، ذلك أن الحالاتِ الشديدةَ كانت تُخلى من الخطوط الأمامية إلى الخلف في ظروفٍ سيئةٍ جداً من العناية والعزل، ويُبقى على الحالات الخفيفة للرباط على الجبهة، وقد أدى ذلك إضافةً لسرعة العدوى إلى انتشار السلالات الشديدة من الفيروس.
^تحالف الحزبان الرئيسان "المحاقظين" و"الأحرار الدستوريين"، مع جزب "انعمال" لتشكيل الحكومة، فكان لويد جورج من الأحرار رئيس الحكومة، وأرثر بَلفور المحاقظ (رئيس الحكومة بين (02-1905)) وزير الخارجية.
^تخلتِ العائلة المالكة البريطانية عن لقبها الألماني «ساكس كوبورغ غوثا»، واتخذت بدلاَ منه لقب «عائلة ويندسور» منذ العام 1917.
^وهوَ هدفٌ تقليديٌّ للسياسةِ البريطانيةِ في القارةِ.
^كانت الحرب العالمية الأولى -ولأول مرةٍ بهذه المقاييس في التاريخ- حرباً هائلةً من حيث حجم الخسائر والاستهلاك بحبث يمكن القول إن الحروب السابقة بدت تسليةً بالنسية إليها. لقد تمكن نابليون من الانتصار في معركة يينا (1806) وتدمير قوة الجيش البروسي بما لايزيد على 1500 طلقة مدفعيةٍ، وكان مجظوظاً لأن قدرة بلاده الصناعية كانت محدودةً للغاية، وإلى ما قبل الحرب لحظتِ الخطط الفرنسية إنتاج 10-12 ألف قذيفةٍ يومياً، لكنها انتهت أواخر الحرب لإنتاج مئتي ألف قذيفةٍ في اليوم. من هنا أتت العبارة الألمانية "معركة العتاد" (بالألمانية: Materialschlacht) في وصف معارك الجبهة الغربية. (انظر: هوبزباوم: عصر التطرفات، القرن العشرون الوجيز، بيروت، 2011، ص 101).
^مدينة "ترييستي": مرفأٌ إيطاليٌّ هامٌّ على الأدرياتيك، كانتْ محلَّ نزاعٍ على السيطرةِ بينَ يوچوسلاڤياوإيطاليا عقبَ الحرب العالمية الثانية. ذكرها الإدريسي باسمِ "إصطاجانكو": «ومنْ كرادس [(بالإيطالية: Grado)] إلى إصطاجانكو خمسةُ أميالٍ وهيَ مدينة متحضرةٌ كبيرةُ القطرِ عامرةٌ بالأجنادِ والعمّالِ والرّجالِ والتّجارِ والصّناعِ، وهيَ حصينةٌ على نهرٍ كبيرٍ يأتي إليها منْ مسافةٍ قريبةٍ لكنّهُ كبيرٌ ومنهُ شربُهمْ، وهذهِ المدينةُ على آخرِ طرفِ جُونِ البنادقةِ [الجُون: الخليج]، وآخرِ بلادِ البنادقييّنَ وفُرْضةُ [أي منفذُ] بلادِ إيكلاية [(باللاتينية: Aquileia)] وفيها أسطولٌ يغزي». من كتاب "نزهةُ المشتاقِ في اختراقِ الآفاقِ" للشريفِ الإدريسي (493-559)هـ\(1100-1166م). تعرضتِ الأقلية السلاڤونية في المدينة (نحو ربع السكان) لاضطهادٍ وضفوطٍ للتهجير عقب صعود الفاشية (1922).
^مما أسهم في انحياز إيطاليا إلى جانب الحلفاء بدء حملة الدردنيل (19/ 2/ 1915) وما رافقه من نشوةٍ طاغيةٍ لدى أولي الأمر في لندن لدرجة أن الطليان -ولم يكونوا دخلوا الحرب بعد- بدؤوا يطالبون بحصتهم من تقسيم الدولة العثمانية. (انظر: سلام ما بعده سلام، دافيد فرومكين، ص. 152).
^لقب «چراف» Graf (ومؤنثه Gräfin) في ألمانيا لقبُ نبالةٍ خلال العهد القيصري وما قبل يقابل في فرنسا كونت أو قُمُّص (و"كونتيسة"). في العهد الجمهوري منذ 1919 أصبح قانونياً جزءاً من اسم العائلة لمن كان يحمل اللقب في السابق.
^جميع المساحات الواردة هي المساحات الحالية، وربما يكون جرى عليها تعديلٌ طفيفٌ منذ ذلك الوقت.
^يحسب التقديرات كانت مساحة ألمانيا في عام 1914 قبل الحرب العالمية الأولى 540 ألف كم2، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية بلفت 360 ألف كم2.
^كانت كونيچسبرچ -العاصمة البروسية القديمة- مدينةً ألمانيةً خالصةً اشتهرت بممراتها المائية وجسورها، وهي مدينة آخر فلاسفة عصر التنوير "إيمانويل كانط" (1724-1804) أحد أشهر الفلاسفة المثاليين والتي لم يغادرها طيلة حياته.
^تاريخياً كانت ثمة تبعية للدويلات الألمانية لـ"لإمبراطورية الرومانية المقدسة للأمة الجرمانية" تتمثل بشخص الإمبراطور فقط. في القرن التاسع عشر ومن بعد الحروب النابليونية كان ثمة تنافس بين "إمبراطورية النمسا والمجر" و"مملكة بروسيا" على زعامة ألمانيا وتوحيدها، وانتهى الصراع لصالح بروسيا عام 1871. بعد الحرب العالمية الأولى وتحول النمسا من قطبٍ ومركز قرارٍ في أوروبا إلى دولةٍ صغيرةٍ خشي الحلفاء من انسياقها وراء النفوذ الألماني مدعوماً بالروابط اللغوية والثقافية المشتركة، ما يعني هيمنةً ألمانيةً على وسط القارة وشرقها -خاصةً في ظل غياب ثقلٍ روسيٍّ موازنٍ من الشرق- فأجمعوا أمرهم على منع وحدة النمسا وألمانيا. في 13 مارس/آذار 1938 وبعمليةٍ عسكريةٍ تمت سلمياً ضمت ألمانيا النازية النمسا، وبعد يومين أعلن هتلر من ڤيينا ما أسماه «إعادة توحيد» مع «بقية ألمانيا»، ولسبع سنواتٍ حتى نهاية الحرب اتحد البلدان اللذان لم يعرفا طيلة تاريخهما اتحاداً فيما بينهما.
^تقدر أعداد الألمان المُهجّرين من دول أوربا الوسطى والشرقية (بولندا وتشيكوسلوفاكيا بدرجةٍ رئيسةٍ) عقب الحرب العالمية الثانية باثني عشر مليوناً.
^Wilson's Point XIII: "an independent Polish state"... "which should be assured a free and secure access to the sea". كانت بولونيا فقدتِ استقلالها في القرن الثامن عشر وتقاسمتها روسبا وبروسيا والإمبراطورية الجرمانية المقدسة، وكان على البولنديين الانتظارُ مئةً وعشرين سنةً حتى تعيد معاهدة فرساي لهم استقلالهم مجدداً.
^أعلن هتلر الحرب على پولندا في الأول من سبتمبر/أيلول 1939، وردت فرنسا وبريطانيا بإعلانها على ألمانيا في الثالث منه.
^غير أن الألمان أسسوا في الغشرينات هيئةً باسم Troopenamt (مكتب القوات) أناطوا بها مهام هيئة الأركان العسكرىة للالتفاف على المعاهدة.
^في ظل الفوضى التي كانت تعم ألمانيا بعد الحرب في بدايات جمهورية فايمار وتضافراً مع الظروف المعيشية الصعبة وجد الكثير من العاطلين عن العمل متنفساً لآرائهم وتوجهاتهم وطاقاتهم في تأسيس منظماتٍ شبهِ عسكريةٍ تشكلت في غالبيتها من الضباط والجنود المسرَّحين حتى جاوزت مئة منظمةٍ في يناير/كانون الأول 1919 تراوحتِ التقديراتُ في تعداد أفرادها بين نصف مليون ومليون ونصف مليون، وغلب عليها الاتجاه اليميني بسبب انتماء معظم أعضائها السالف للجيش الإمبراطوري، وأسهمت بفعاليةٍ في العنف السياسي الذي ساد المشهد العام في ألمانيا بعد الهدنة، من ذلك مثلاً مساهمتها -بدعمٍ من الحكومة الاتحادية- في القضاء على الجمهورية السوفييتية البافارية وانتفاضة سبارتاكوس الشيوعية.
^كان الألمان أول من استخدم الغازات الكيميائية في الحرب.
^في مارس/آذار 1935 أعلن هرمان غورينغ قائد الطيران عن وجود قوةٍ جويةٍ ألمانيةٍ مجدداً.
^أي ما يُقاربُ 768 مليارَ دولارٍ أمريكيٍّ بتقديراتِ عامِ 2010 (انظر: Why Did World War I Just End?", Claire Suddath, "Time" Site (موقع مجلة تايم)، 27/10/2010. اطلع عليه بتاريخ 11/02/2021.). للمقارنة كان الناتج المحلي الإجمالي السنوي لألمانيا قبل الحرب حوالي 12 مليار دولار.
^للمقارنة كانت التعويضات المفروضة على بلغاريا 100 مليون جنيهٍ استرليني.
^صُنّفتِ الأسناد في ثلاث فئاتٍ: «إيه»، و«بي»، و«سي». توجّب على ألمانيا تسديد الأسناد فئتي «إيه» و«بي» ومجموعها 50 مليار ماركٍ ألماني (12.5 مليار دولارٍ أمريكيٍّ) دونما قيدٍ أو شرط، أما سداد أسناد «سي» -وكانت بلا فوائدَ- فيتوقف على قدرة ألمانيا على الدفع، وتقييم لجنة التعويضات.
^صندوق غرق (بالإنجليزية: sinking fund): هو صندوق يُنشؤه كيان اقتصادي عن طريق تخصيص الإيرادات على مدى فترةٍ زمنيةٍ لتمويل نفقاتٍ رأسماليةٍ مستقبليةٍ، أو لسداد دينٍ طويل الأجل. يُشار إلى اقتراض الأموال عن طريق إصدار السند بالسند العائم، أما الغرق فنقيضه وهو سداد الديون أو الحصول على أصولٍ رأسماليةٍ بدون اقتراضٍ.
^بنهاية الحرب العالمية الأولى كانت ديون بريطانيا تبلغ نحو 109 بالمئة من قيمة ناتجها المحلي الإجمالي، لتغدوَ في العام 1934 قُرابة 200 بالمئة منه. انظر "هل يشهد العالم الأيام الأخيرة للإمبراطورية الأمريكية": "قناة نعرف"، يوتيوب، تاريخ النشر: 7/ 9/ 2021.
^عين هتلر مستشاراً وشكل الوزارة للمرة الأولى في 30 يناير/كانون الثاني عامَ 1933.
^كان تسديد الأقساط مرهوناً بتحقيق ألمانيا الغربية فائضاً تجارياً، بمعنى أنها تلتزم بالتسديد في السنة التي يكون فيها «ميزان المعاملات الجارية» (أو اختصاراً ميزانها التجاري) موجباً.
^المعنى الحرفي لـ«Cordon Sanitaire» (مقتبس من الفرنسية) هو «الطوق الصحي»، ويستخدم على سبيل الاستعارة (بالإنجليزية: Metaphor) ليشيرَ بشكلٍ رئيسٍ لـ«الاحتواء الإيديولوجي». وهو نظام التحالفات الذي أقامته فرنسا في أوروپا بعد الحرب العالمية الأولى، وتمحورت حوله الدبلوماسية الفرنسية فيما بين الحربين، وامتد من فنلندا إلى البلقان، والذي يُطوّق ألمانيا تماماً ويعزل روسيا (الاتحاد السوڤييتي) عن أوروپا الغربية، وهدف إلى تكوين طوقٍ ضاغطٍ على ألمانيا من جهة الشرق بديلٍ عن روسيا، مما أدى إلى عزل دولتين «مريضتين» سياسياً في أوروپا.
^طفل سِفاح راينلاند (بالإنجليزية: Rhineland Bastard) لقب أطلق على الأطفال الذين ولدوا نتيجة علاقاتٍ خارج الزواج مع أفرادٍ من القواتِ الاستعماريةِ الإفريقيةِ. يُذكر أن تقرير القائد العام الأمريكي أورد: "مما لا شك فيه أن حالاتٍ كثيرةً جرى فيها الاعتداء على فتياتٍ ونسوةٍ من قبل القوات الاستعمارية الفرنسية الملونة... حالاتٍ لم يجرِ تضمينها في الأرقام الرسمية... رغبةً طبيعيةً في الابتعاد...". انظر المرجع الأخير.
^لم يُسمح لألمانيا بالانضمام للعصبة، ولكن كان من نتائج الانفراج في السياسة الدولية الذي أحدثته معاهدة لوكارنو تغير المزاج الأوربي ما أدى لانضمامها عام 1926.
^طالب الأمير فيصل بن الحسين ممثل مملكة الحجاز بلجنةٍ لاستطلاع رغبات الشعب في سوريا الطبيعية (بلاد الشام) وأجهضها الحلفاء (بريطانيا وفرنسا على الخصوص وسايرتهما إيطاليا)، وبالنتيجة لم يشارك بها سوى الأمريكان (لجنة كينغ - كراين)، وقد قدمت إلى سوريا وجالت في عدة مدنٍ في كلٍّ من فلسطين وشرق الأردن وسوريا (واستقبلت وفوداً من لبنان لأن السلطة العسكرية الفرنسية منعتها من زيارة لبنان)، واستمعت إلى مطالبِ الشعب ورغباته من سياسيين ووفودٍ شعبيةٍ وجاء تقريرها -الذي نشر عام 1922- مؤكداً على الرغبة الشعبية الساحقة بالاستقلال.
^كانَ من مصلحةِ الولايات المتحدة الأمريكية تحررُ المستعمراتِ لفتحِ أسواقٍ جديدةٍ أمام البضائعِ الأمريكيّةِ، وعلى العموم فإن الحروب جلبت الخير العميم للاقتصاد الأمريكي. يقول إيريك هوبزباوم: "لعل الأثر الاقتصادي الأكثر استمراريةً لكلا الحربين أنه أعطى الاقتصاد الأمريكي هيمنةً عالميةً طوال القرن العشرين.. وفي عام 1914 كان هذا هو الاقتصاد الصناعي الأوسع غير أنه لم يكن الاقتصاد المهيمن آنذاك، إلا أن الحروب -التي عززت من موقعه فيما أضعفت من مكانة منافسيه بصورةٍ نسبيةٍ أو مطلقةٍ- قد حولت أوضاعه الاقتصادية من حالٍ إلى حال".
^كانتِ النظرةُ العامّةُ إلى المستعمراتِ على أنها ممتلكاتٌ وحسبْ.
^أعرب لانسينغ عن رأيه كما يلي: «إذا كان المدافعون عن النظام [الانتداب] يعتزمون من خلال إنفاذه تلافي ظهور الاستيلاء على أراضي العدو كغنائم حربٍ، فقد كانت حيلةً لم تخدع أحداً. وبدا واضحاً منذ بداية البداية (بالإنجليزية: from the very first) أن الدول -التي كانت ستحصل بموجب الممارسة القديمة [أي الاستعمار] على السيادة على أراضٍ محتلةٍ معينةٍ- لن تُحرم من تفويضها على تلك الأراضي. لربما تحتفظ عصبة الأمم في [نظام] الانتداب بحق الإشراف على الإدارة وحتى إلغاء السلطة، لكن هذا الحق سيصبح اسمياً وذا قيمةٍ حقيقيةٍ ضحلةٍ -اللهم إن وُجدت- عندما يكون الانتداب لإحدى القوى العظمى -وكما سيغدو دونما ريب-، والاستنتاج الذي يكاد لا يُقاوم هو أن أبطال النظرية رأوا فيها وسيلةً لإلباس عصبة الأمم -من غير فائدةٍ بيّنةٍ- وبما يسوغ ل[وجود] العصبة بجعلها الوصي على الشعوب غير المتحضرة وشبه المتحضرة والوكيل الدولي لمراقبة ومنع أي انحرافٍ عن مبدأ المساواة في التنمية التجارية والصناعية للأقاليم المنتَدَب عليها.
قد يبدو من المدهش أن القوى العظمى أعطت باستعدادٍ كبيرٍ دعمها للنظام الجديد للحصول على سيطرةٍ محدودةٍ -ظاهرياً- على الأراضي المحتلة، ولم تسعَ للحصول على السيادة الكاملة عليها. ليس من ضرورةٍ لأن نتحرى بعيداً عن سببٍ كافٍ وعمليٍّ للغاية، فإذا قُسّمتِ الممتلكات الاستعمارية لألمانيا -بموجب الممارسة القديمة- بين القوى المنتصرة وجرى التنازل عنها مباشرةً لجهة السيادة الكاملة، فلربما طالبت ألمانيا -وعن حقٍّ- بتطبيق قيمة مثل هذه التنازلات الإقليمية على أي تعويضات حربٍ يحق لتلك القوى [المنتصرة] الحصول عليها. من ناحيةٍ أخرى من المفروض في [عملية] توزيع الانتداباتِ أن تقومَ عصبة الأمم بذلك لصالح سكان المستعمرات، وستُقبل الانتداباتُ من قبل القوى [المنتصرة] [على سبيل] الواجبٍ، وليس بغية الحصول على ممتلكاتٍ جديدةٍ. وهكذا فقدت ألمانيا -في ظل نظام الانتداب- أصولَها الإقليمية -والتي ربما كانت خفّضت تخفيضاً كبيراً ديونَها المالية للحلفاء- فيما حصل هؤلاء [الحلفاء] على الممتلكات الاستعمارية الألمانية من دون فقدان مطالباتهم بالتعويض. عمل الإيثار الظاهر لنظام الانتداب -في التطبيق الفعلي- لصالح المصالح الأنانية والمادية للقوى التي قبلت الانتدابات. والأمر نفسه يمكن أن يقال عن تقطيع أوصال تركيا. ولذلك لا ينبغي أن يكون مفاجئاً أن الرئيس [ويلسون] وجد معارضةً ضئيلةً مقابل تبني نظريته، أو -لكي نكون أكثر دقةً- لنظرية سموتز من جانب رجال الدولة الأوروبيين.» (انظر: لانسينغ، 1921).
^بلغ القتلى الفرنسيون نحو عشرين بالمئة من الرجال في سن الخدمة العسكرية، وبإضافة الأسرى والمشوهين لم ينج من الحرب إلا واحد على الأكثر من كل ثلاثة جنود (انظر هوبزباوم: عصر التطرفات، تاريخ القرن العشرين الوجيز، ص. 71). يجدر الذكر أنه من مجموع 116,000 عاملٍ كانوا في فرنسا بين (14-1918) كان منهم 78.000 من الجزائريين، و54.000 من المغاربة. جرت أيضاً تعبئة 240.000 جزائريٍّ خدم معظمهم جنوداً في فرنسا، وهذا يشكل أكثر من ثلثِ الرجال الفرنسيين الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20-40. انظر: "Gillette & Saydam (1984) P. 50".
ووفقاً للمؤرخ المغربي عبد الله العروي (بالفرنسية: Laroui) فقد جُنّد من الجزائر 173.000 جنديٍّ لقي منهم 25.000 حتوفهم، ومن تونس 56.000 قتل منهم 12.000. وقد ساعد الجنود المغاربة أيضاً في الدفاع عن باريس. انظر: Laroui (1977) PP. 12 & 351.
^علماً أن "بنك سوريا ولبنان الكبير" المخوَّل بإصدار النقد السوري تأسس برساميلَ فرنسيةٍ منذ عام 1919 في پاريس، وبدأت السلطات العسكرية الفرنسية بفرض أوراقه النقدية منذ آذار/مارس 1920، (انظر "صيدا عبر حقب التاريخ: منير الخوري، ص. 324"). وكان أحد شروط إنذار غورو (يوليو/تموز 1920) الذي وُجّه إلى الحكومة العربية في دمشق للاستسلام هو سحب النقد الذي أصدرته (الدينار العربي الذهبي) وفرض الليرة السورية الورقية المصدرَة من قبل بنك سوريا ولبنان.
^يتحدث يوسف الحكيم مثلاً عن نجاح وزارة حقي العظم (1864-1955) الثانية من يونيو/حزيران 1933 إلى مايو/أيار 1934 (بعد إحدى عشرة سنةً من الانتداب الرسمي، وثلاث عشرة سنةً من الاحتلال) بتخفيض دين سوريا من سبعينَ إلى أربعةٍ وعشرين مليون ليرةٍ تركيةٍ من أصل ديون الدولة العثمانية. (انظر "سورية والانتداب الفرنسي": يوسف الحكيم، ص. 236). يذكر أن معاهدة لوزان (1923) -التي عُقدت بديلةً عن معاهدةِ سيڤر- قد ألزمتِ الجمهوريةَ التركيةَ بسداد ثلثي الدين العثماني العام فقط.
^وسرعان ما استخدمت بريطانيا هذه الذريعة عندما قال ونستون تشرشل وزير المستعمرات -في رده على الوفد الفلسطيني الذي قابله في القدس (28 مارس/آذار 1921) للاعتراض على تصريح بلفور والسياسة البريطانية في فلسطين- إنه بما أن وعد بلفور قد صُدِّق عليه من قبل دول الحلفاء، فقد صار حقيقةً ثابتةً (يقصد مقررات مؤتمر سان ريمو لأن صك الانتداب لم يك قد صدر عن عصبة الأمم بعد).
^رفع البحارة الثوار (الثورة الألمانية (18–1919) رايات السوفيات (المجالس العمالية الثورية) والتي عمت أرجاء ألمانيا، وبدأت برلين تخضع لسيطرة الاشتراكييين المتشددين (الراديكاليين) منذ تنحي القيصر، وغدا الحزب الشيوعي الألماني أكبر حزبٍ شيوعيٍّ خارج روسيا السوفياتية بدءاً من العام 1920، إلا أن النظام القديم الذي غدا الآن جمهورياً -بالرغم ذلك كله- سرعان مااستعاد توازنه في مواجهة الاشتراكيين، فأخفق هؤلاء في تحقيق الأغلبية في أول انتخاباتٍ جرت عقب بضعةِ أسابيعَ فقط من الثورة (انظر: هوبزباوم: ص. 138-139)، وذلك يعود إلى الطبيعة المحافظة للشعب الألماني.
^لم تستطع كل من النمسا-المجر وتركيا سوى تسديد القليل من التعويضات أو عدم الدفع على الإطلاق بسبب الوضع الاقتصادي المتردي، وألغيت نتيجة ذلك طلبات التعويض. وخُفّضت تعويضات بلغاريا (100 مليون استرليني) بعد سداد جزءٍ يسيرٍ فقط، ثم ألغيت لاحقاً.
^اعتبر أنه كان على هذه الصيغة أن تكون: " Germany accepts responsibility of Germany and her allies causing all the loss and damage...": "ألمانيا تقبل مسؤولية ألمانيا وحلفائها بالتسبب بكلِّ الخسائر والأضرار..."
^بلغ مجموع ما حصلت عليه أستراليا من تعويضاتٍ عن مشاركتها في الحرب أكثر بقليلٍ من خمسة ملايين ونصف مليون جنيهٍ إسترليني (5,571,720 ₤)، بينما قدرتِ التكلفة الحقيقية لمشاركتها بنحو سبعةٍ وسبعين وثلاثمئةِ مليونٍ (376,993,052 ₤). انظر: Souter (2000)، ص. 354. مثالٌ على الخسائر الفادحة الناجمة عن الحرب.
^يذكر أن إرنست همنغواي في روايته "وداعاً أيها السلاح" خلد مآسيَ الحرب على الجبهة الإيطالية وخاصةً نكسة كابوريتو الأليمة.
^سياسة أستراليا البيضاء: مصطلح يلخص مجموعةً من السياساتِ العرقيةِ التاريخيةِ منذ عام 1901 الهادفةِ لمنع الأشخاص من أصولٍ عرقيةٍ غير أوروپيةٍ -خاصةً الآسيويين وسكان جزر المحيط الهادي- من الهجرة إلى أستراليا. قامتِ الحكومات الأسترالية اللاحقة بتفكيك هذه السياسات تدريجيّاً بين العامين 1949 و1973.
^مما ورد في كلمة ماكينو: «كان الهدف الكامل من الرابطة [عصبة الأمم المقترحة] هو تنظيم سلوك الأمم والشعوب تجاه بعضها بعضاً طبقاً لمعيارٍ أخلاقيٍّ أعلى مما كان سائداً في الماضي، وإقامة العدل في جميع أنحاء العالم»، وفي هذا الصدد كانت أخطاء التمييز العنصري -ولا تزال- مصدر «استياءٍ عميقٍ من جانب أعدادٍ كبيرةٍ من الجنس البشري»، مما أثّر بشكلٍ مباشرٍ على حقوقهم واعتزازهم. وقال إن العديد من الدول قاتلت في الحرب الأخيرة لإنشاء نظامٍ دوليٍّ جديدٍ، وارتفعت آمال مواطنيها الآن إلى آفاقٍ جديدةٍ مع النصر. وبالنظر إلى أهداف الرابطة، وأخطاء الماضي، وتطلعات المستقبل قال ماكينو بأنه ينبغي لقادة العالم المجتمعين في باريس أن يعلنوا صراحةً دعمهم «لمبدأ المساواة بين الدول والمعاملة العادلة لرعاياهم». انظر: Lauren (1978)، ص. 270.
^الرئيس وودرو ويلسون في حديثٍ عن "عصبة الأمم" أمام جمهور مأدبة غداءٍ في بورتلاند.
^«السلام القرطاجي»: استعارة مجازية تعني فرض "سلامٍ" وحشيٍّ للغاية يهدف إلى شلِّ الطرف الخاسر شللاً دائماً. اشتق المصطلح من شروط السلام التي فرضتها الجمهورية الرومانية على الإمبراطورية القرطاجية في أعقاب الحروب البونية (بالإنجليزية: Punic Wars) الثلاث، والتي ربما كانتِ الشروطَ الأفدحَ التي سجلها التاريخ. بعد الحرب البونية الثانية خسرت قرطاجة جميع مستعمراتها، وأجبرت على التجريد من السلاح، ودفعِ جزيةٍ دائمةٍ لروما، ومُنعت من شنِّ حربٍ بدون إذنٍ من روما. في نهاية الحرب البونية الثالثة أحرق الرومان قرطاجة، واسترقّوا سكانها، وقيل بأنهم نثروا الملح على أرضها لئلا تُنبتَ ثانيةً. اشتُهر المصطلح على مستوىً عالميٍّ بعدما استعاره كينز لوصف معاهدة فرساي.
^تقول "سالي ماركس" في مقالةٍ لها في نقد كتاب كينز: «لما يقرب من أربعين عاماً جادل مؤرخو دبلوماسية القرن العشرين بأن معاهدة فرساي كانت أكثر منطقيةً مما توحي به سمعتها، وأنها لم تُسبّبْ في حدِّ ذاتها الكسادَ [أزمة 1929]، أو صعودَ هتلر، أو الحربَ العالميةَ الثانية»(ص. 632). تزعم ماركس أيضاً أن الكتابَ «جدالٌ لامعٌ، لكنه مشوه»(ص. 636)، وأنه «فقدَ عند البحاثة مصداقيّته منذ فترةٍ طويلةٍ»، وأن كينز ندم على كتابته(ص. 656). انظر: ماركس: "أخطاء وأساطير: الحلفاء، وألمانيا، ومعاهدة ڤرساي، 1918-1921"، مجلة التاريخ المعاصر، عدد 85، جزء 3، (سبتمبر/أيلول 2013)، ص ص. 632–659. doi:10.1086/670825. JSTOR 10.1086/670825. S2CID 154166326.
^لا بد من الإشارة إلى أن القطاع المصرفي الأمريكي وجد في نتائج الحرب -عندما خرجت جميع الدول المشاركة على شفير الإفلاس عدا الولايات المتحدة التي غدتِ الأكثرَ ثراءً على مستوى العالم- وجد فيها فرصةً ذهبيةً للاستثمار وإعادة تدوير الرساميل المصرفية بتشجيع تمويل الاقتصادات المدمرة، ومن هنا يأتي تفسيرٌ -ولو جزئيٌّ- للأرقام الفلكية للتعويضاتِ على أنها استثمار مصرفي أمريكي عن طريق إقراض ألمانيا. جدير يالذكر أن روسيا القيصرية والولايات المتحدة في العام 1913 كانتا البلدان الأعلى مديونيةً في العالم، في حين باتتِ الولايات المتحدة عام 1921 أكبرَ دائنٍ على مستوى العالم.
يعتبر المؤرخ "ستيفان آلان شوكر" -مثلاً- بشأن التعويضات (19-1933) أن تدفق رأس المال الأمريكي تجاوز بشكلٍ كبيرٍ المدفوعاتِ الألمانيةَ، بحيث تلقت ألمانيا دعماً بلغ أربعة أضعاف المبلغ الذي اتُفق عليه في خطة مارشال بعد الحرب العالمية الثانية. انظر:
Masood (2018). "Promise to Pay (Vol. I): Banks, Battles & Bellies". K. M. Rizvi (Independently Published). ISBN 978-1-7920-9582-5. مؤرشف من الأصل في 22 يوليو 2021. (بالإنجليزية).
^نسبةً إلى بسمارك المستشار (رئيس الوزراء) الپروسي ما بين (62-1890) الذي يعود له الفضل في إنجاز الوحدة الألمانية.
^بمعنى لايمكن اكتناه أهداف مؤتمر پاريس ومعاهدة فرساي بمنأىً عن الخطر الشيوعي. يقول إيريك هوبزباوم: لم يكن من المستغرب أن تندمج نزعات السلام والثورة الاجتماعية؛ فقد توقع ثلث عينة الرسائل المراقّبة بين تشرين الثاني/نوفمبر 1917 وآذار/مارس 1918 أن يأتيَ السلام من روسيا، وتوقع الثلث الثاني الثورة، فيما توقع عشرون بالمئة منها مزيجاُ من السلام والثورة. وكان واضحاً على الدوام أن الثورة الروسية كان لها أصداءٌ دولية كبيرة، بل إن الثورة الأولى عام 05-1906 قد هزت أركان الإمبراطوريات العتيقة الباقية آنذاك بدءاً من النمسا-هنغاريا مروراً بتركيا وفارس إلى الصين. وتحولت أوربا كلها في عام 1917 إلى كومةٍ من المتفجرات الاجتماعية القابلة للاشتعال. (انظر: إيريك هوبزباوم: عصر التطرفات، القرن العشرون الوجيز، ص. 125). "أعلنت دول قومية جديدة عديدة عن الأمل -الذي كان له ما يسوغه- بأن الحلفاء المنتصرين سوف يفضلونها على مواجهة مخاطر الثورة البلشفية" (انظر: المرجع السابق، ص. 136).
بالنسبة لبريطاتيا فإن عصر السيادة العالمية قد ولى، مع انتصاف القرن التاسع عشر كان نصف الإنتاج الصناعي العالمي بريطانياً، لكنه أضحى اثنين وثلاثين بالمئة عام 1870، وخمسة عشر بالمئة عام 1910. كان الأمن القومي المستند إلى فضاءٍ جيوسياسيٍّ قاريِّ بالاعتماد على الخطوط الحديدية هو خيار كلِّ من الألمان والروس مفابل استراتيجية كل من بريطانيا والولايات المتحدة المعتمدة على السيطرة على البحار والخطوط البحرية، وهكذا كان إيجاد عداءِ استراتيجيِّ بين ألمانيا وروسيا وتغذيته أمراً جوهرياً لا سياسياً فقط بل اقتصادياً أيضاً، وهذا ما يقتضي دولةً ألمانيةً قويةً ومستقرةً. يقول بيجهوت رئيس تحرير الإيكونوميست: "إن روسيا بلغت شأواً بعيداً من القوة يستدعي رهبة أوربا... هي فكرة تعود إلى غصر ما قبل ألمانيا". (سلام ما بعده سلام: ص.ص. 30-31.
^ڤرنر فون براون (12-1975) العالم الألماني الذي كان مسؤولاً عن تطوير برنامج الصواريخ الألماني خلال العهد النازي. آخر تجاربه الصاروخية كانت في سبتمبر/أيلول 1944، وقد التجأ وفريقه للأمريكان في مايو/أيار 1945.
^في العام 1935 وفي غضون سنتين من مجيء هتلر تجاوز الناتج الإجمالي المحلي الألماني لأول مرةٍ منذ الحرب مثيله البريطاني.
^Brundage JF، Shanks GD (ديسمبر 2007). "What really happened during the 1918 influenza pandemic? The importance of bacterial secondary infections". The Journal of Infectious Diseases. ج. 196 ع. 11: 1717–1718, author reply 1718–1719. DOI:10.1086/522355. PMID:18008258.
^Morens DM، Fauci AS (أبريل 2007). "The 1918 influenza pandemic: Insights for the 21st century". The Journal of Infectious Diseases. ج. 195 ع. 7: 1018–1028. DOI:10.1086/511989. PMID:17330793.
^Andrew Price-Smith, Contagion and Chaos, MIT Press, 2009.
^« La demande italienne d’application du pacte de Londres », article du site Prassi Italiana di Diritto Internazionale du Conseil National de la Recherche نسخة محفوظة 03 مارس 2016 على موقع واي باك مشين.
^ ابجعن مصير هؤلاء السكان وحسْبَ الأب لوثار جروب (28 أغسطس/آب 2004) في مقالة «البحث عن الألمان» في الشرق: «لم يبدأ الاضطهادُ مع «الأحدِ الدامي في برومبيرج» قبل 50 عاماً». ومن بين 1,058,000 ألمانيٍّ كانوا مازالوا يعيشون في بوزن وپروسيا الغربية عامَ 1921 وجدَ كارتييه: «بحلولِ عام 1926 هاجرَ 758,867 تحت الضغطِ الپولندي. وبعد مزيدٍ من المحنةِ قدرتْ وزارة الداخليةِ في وارسو عددَ السكان من أصلٍ ألمانيٍّ في 15 يوليو/تموز 1939 بأقلَّ من ثلاثمئةِ ألفِ (300,000) شخص». (الصحيفة العامة الپروسية Preussische Allgemeine Zeitung (بالألمانية)، (28 أغسطس/آبَ 2004)، (Retrieved 22 Seb. 2010 - استرجعتْ في 22 سبتمبر/أيلول 2010).
^BBC News (10 مايو/أيار 2006). What's a little debt between friends? (Technical report) (بالإنجليزية). {{cite tech report}}: تحقق من التاريخ في: |تاريخ= (help) نسخة محفوظة 06 سبتمبر/أيلول 2018 على موقع واي باك مشين.
^"Finds Negro troops orderly on Rhine"(PDF). The New York Times. 20 فبراير 1921. مؤرشف من الأصل(PDF) في 2020-04-12. Undoubtedly many cases have occurred where many girls or women have been assaulted by of the French colored Colonial troops...cases which were not included in official figures...natural desire to keep out...
^ اب"Article 22". The Covenant of the League of Nations [ميثاق عصبة الأمم] (بالإنجليزية). 1924 [1924]. مؤرشف من الأصل في 19 مايو 2019. اطلع عليه بتاريخ 20 أبريل 2009.
^ اب
قسم البحوث والدراسات (24 مايو 2006). "معاهدة سيفر 1920". الجزيرة نت. الدوحة: قناة الجزيرة الإخبارية. مؤرشف من الأصل(HTML) في 2023-02-28. اطلع عليه بتاريخ 2022-03-21. {{استشهاد ويب}}: الوسيط غير المعروف |سنة الوصول= تم تجاهله يقترح استخدام |date= (مساعدة)
يوسف الحكيم (1991) [1983]. سورية والانتداب الفرنسي (ط. 2، نسخة pdf). بيروت: دار النهار للنشر.
فؤاد مفرج (1933). رسالةٌ في الانتدابِ (ط. 1- نسخة pdf). بيروت: مطبعةُ صادرَ.
ستيفن همسلي لونغريغ (دونما تاريخ، الطبعة الإنجليزية 1958). تاريخ سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي [Syria and Lebanon under French Mandate]. ترجمة: بيار عقل (ط. 1، نسخة pdf). بيروت: دار الحقيقة. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة)
بلغات أجنبية
Christopher Arnander; Frances Wood (2016). "Introduction". The Betrayed Ally, China in the Great War. Pen and Sword (بالإنجليزية). New York: The Macmillan Company – via Internet Archive. ISBN:978-147387501-2.
S.L. Bane (1942). The Blockade of Germany after the Armistice (بالإنجليزية). Stanford University Press.
Correlli Barnett (1986). The Collapse of British Power (بالإنجليزية). Prometheus Books. ISBN:978-039103-439-6.
Correlli Barnett (2002). The Collapse of British Power. "Pride and Fall" sequence (بالإنجليزية). London: Pan. ISBN:978-033049181-5.
P.M.H. Bell (1997) [1986]. The Origins of the Second World War in Europe (بالإنجليزية) (الثانية ed.). London: Pearson. ISBN:978-058230-470-3.
Steven Beller (2007). A Concise History of Austria. Cambridge Concise Histories (بالإنجليزية). Cambridge: Cambridge University Press (via Internet Archive). ISBN:978-052147-886-1.
Paul S. Boyer; Clifford E. Clark; Sandra Hawley; Joseph F. Kett; Andrew Rieser (2009). The Enduring Vision: A History of the American People, Volume 2: From 1865 (بالإنجليزية). Oxford and New York: Cengage Learning. ISBN:978-054722-278-3.
Gordon Alexander Craig; Felix Gilbert (1994) [1953]. The Diplomats 1919–1939 (بالإنجليزية). Princeton NJ: Princeton University Press. ISBN:978-0-691-03660-1.
Francis Deak (1942). Hungary at the Paris Peace Conference. The Diplomatic History of the Treaty of Trianon (بالإنجليزية). New York: Columbia University Press.
J. T. Emmerson (1977). The Rhineland Crisis 7 March 1936 A Study in Multilateral Diplomacy (بالإنجليزية). Iowa State: Ames: Iowa State University Press.
Richard Frucht (2004). Eastern Europe: An Introduction to the People, Lands, and Culture (بالإنجليزية) (الأولى ed.). ABC-CLIO. ISBN:978-157607-800-6 – via Internet Archive.
J.F.C. Fuller (1940). The Second World War, 1939-45 A Strategical And Tactical History (بالإنجليزية). Da Capo Press. ISBN:978-030680506-6.
Martin Gilbert; Richard Gott (2000). The Appeasers (بالإنجليزية). Phoenix Press.
Alain Gillette; Abdelmalek Saydam (1984). L'immigration algérienne en France (بالفرنسية) (الثانية ed.). Editions Entente. ISBN:2-7266-0018-2.
Leo Grebler (1940). The Cost of the World War to Germany and Austria-Hungary (بالإنجليزية). Yale University Press.
Gerd Hardach; Richard Gott (1987). The First World War, 1914–1918 (بالإنجليزية). Penguin. ISBN:978-014022-679-9.
Christopher Haigh (1990). The Cambridge Historical Encyclopedia of Great Britain and Ireland (بالإنجليزية) (الأولى ed.). Cambridge: Cambridge University Press. ISBN:978-052139-552-6 – via Internet Archive.
Abdallah Laroui (1977). History of the Maghreb (بالإنجليزية). Translated by Translated by Ralph Manheim. Princeton University Press. ISBN:0-691-03109-6.
Antony Lentin (1992). "Trick or Treat? The Anglo-French Alliance, 1919" (بالإنجليزية). London: Harcourt Brace and Howe.
Herbert S. Levine (1970). Hitler's Free City: A History of the Nazi Party in Danzig, 1925–39 (بالإنجليزية). Chicago: University of Chicago Press.
Link، Arthur S. (1972). Woodrow Wilson and the Progressive Era, 1910–1917. New York: Harper & Row. ص. 252–282.
Gordon Martel (1992). A Companion to Europe 1900–1945 (بالإنجليزية). .Hoboken NJ: Wiley-Blackwell. ISBN:978-1-444-33840-9.
Arno J. Mayer (1967). Politics and Diplomacy of Peacemaking. Containment and Counterrevolution at Versailles, 1918–1919 (بالإنجليزية). New York: Manchester University Press.
C. L. Mowat (1968). The Shifting Balance of World Forces 1898-1945 - The New Cambridge Modern History (Volume XII) (بالإنجليزية) (الأولى ed.). Cambridge: Cambridge University Press. ISBN:978-052104-551-3.
Klaus Jürgen Müller (1987). The Army, Politics and Society in Germany, 1933–1945 (بالإنجليزية). Manchester: Manchester University Press.
C. Paul (1987). The politics of hunger: the allied blockade of Germany, 1915–1919 (بالإنجليزية). Ohio University: USA: Athens, Ohio: Ohio University Press. ISBN:978-0-8214-0831-5.
Robert Shannan Peckham (2003). Rethinking Heritage: Cultures and Politics in Europe (بالإنجليزية) (الأولى ed.). I.B.Tauris. ISBN:978-186064-796-3.
Joseph Reinach (1920). Le rôle de l'impératrice Eugénie en septembre et octobre 1870. Revue d'Histoire du XIXe siècle – 1848 (بالفرنسية). Société d'Histoire de la Révolution de 1848.
Anne Roerkohl (1991). Hungerblockade und Heimatfront: Die kommunale Lebensmittelversorgung in Westfalen während des Ersten Weltkrieges [The hunger blockade and the home front: communal food supply in Westphalia during World War I] (بالألمانية). Stuttgart: Franz Steiner.
Wilfried Rudloff (1998). Die Wohlfahrtsstadt: Kommunale Ernährungs-, Fürsorge, und Wohnungspolitik am Beispiel Münchens 1910-1933 (بGr). Göttingen: Vandenhooeck & Ruprecht.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: لغة غير مدعومة (link)
Judith Ann Schiff (1 Aug 1996). Bibliographical Introduction to "Diary, Reminiscences and Memories of Colonel Edward M. House (بالإنجليزية). Yale University Library and Social Science Statistical Laboratory. {{استشهاد بكتاب}}: |archive-date= requires |archive-url= (help)
Hagen Schulze (1998). Germany: A New History. Cambridge-Massachusetts State: Harvard University Press (Archived from the original on 8 January 2020). مؤرشف من الأصل في 2022-03-20.
Peter Simkins (2002). The First World War: Volume 3 The Western Front 1917-1918 (بالإنجليزية). Osprey Publishing. ISBN:978-184176-348-4.
Louise Chipley Slavicek (2010). The Treaty of Versailles. Milestones in Modern World History (بالإنجليزية). Chelsea House Publications. (ردمك 978160413279)
Gavin Souter (2000). Lion & Kangaroo: the initiation of Australia. Melbourne: Text Publishing. OCLC:222801639.
Spencer C. Tucker; Priscilla Roberts (2005). The Encyclopedia of World War I: A Political, Social, and Military History (بالإنجليزية). Praeger. ISBN:978-185109-420-2.
The Avalon Project (2013). The Versailles Treaty June 28, 1919: Part III (بالإنجليزية). Connecticut State. USA: Yale Law School (Retrieved 2015-12-20).
The Avalon Project. President Woodrow Wilson's Fourteen Points (بالإنجليزية). Connecticut State. USA: Yale Law School.
مؤرشف من الأصل بتاريخ 14 فبراير 2008، مسترجع بتاريخ 3 مايو 2007.
Archived from the original on February 14, 2008. Retrieved May 3, 2007
The Avalon Project. League of Nations (1924). The Covenant of the League of Nations: Article 22 (بالإنجليزية). Connecticut State. USA: Yale Law School.
(مؤرشف من الأصل بتاريخ 19 مايو 2019. اطلع عليه بتاريخ 20 أبريل 2009)
Maria Wardzyńska (2009) [1939]. Operacja niemieckiej policji bezpieczeństwa w Polsce (بالبولندية). Warszawa: Intelligenzaktion, IPN.
Gerhard L. Weinberg (2008) [1995]. Germany, Hitler, and World War II: Essays in Modern German and World History (بالإنجليزية). Cambridge: Cambridge University Press. ISBN:978-052156626-1.
Gerhard Weinberg (2013). Hitler's Foreign Policy 1933–1939: The Road to World War II (بالإنجليزية). New York: Enigma Books.
William C. Widenor (2013). Henry Cabot Lodge and the Search for an American Foreign Policy (بالإنجليزية). California State. USA: University of California Press. ISBN:0-520-04962-4.
Peter J. Yearwood (2009) [1995]. Guarantee of Peace: The League of Nations in British Policy 1914-1925 (بالإنجليزية). Oxford: Oxford University Press. ISBN:978-019922-673-3.
JF. Brundage; GD. Shanks (Dec 2007). "What really happened during the 1918 influenza pandemic? The importance of bacterial secondary infections". The Journal of Infectious Diseases (بالإنجليزية). Vol. 11, no. 196. pp. 1717–1719. DOI:10.1086/522355.
John B. Duff (1968). "The Versailles Treaty and the Irish-Americans". The Journal of American History (بالإنجليزية). 3 (55): 582–598. DOI:10.2307/1891015. JSTOR:1891015.
Noriko Kawamura (Nov 1997). "Wilsonian Idealism and Japanese Claims at the Paris Peace Conference". Pacific Historical Review (بالإنجليزية). Vol. 4, no. 66. pp. 503–526. DOI:10.2307/1891015. JSTOR:3642235.
Paul Gordon Lauren (Summer 1978). "Human Rights in History: Diplomacy and Racial Equality at the Paris Peace Conference". Diplomatic History (بالإنجليزية). Vol. 3, no. 2. pp. 257–278. JSTOR:24909920.
Sally Marks (Summer 1978). "Mistakes and Myths: The Allies, Germany, and the Versailles Treaty, 1918–1921". Journal of Modern History (بالإنجليزية). Vol. 3, no. 85. pp. 632–659. DOI:10.1086/670825. JSTOR:10.1086/670825.
Veselin Mintchev (Jan 1999). "External Migration in Bulgaria". South-East Europe Review (بالإنجليزية). Vol. 3, no. 99. p. 124.
Archived from the original on 17 January 2013. Retrieved 6 August 2018.
DM. Morens; AS. Fauci (Apr 2007). "The 1918 influenza pandemic: Insights for the 21st century". The Journal of Infectious Diseases (بالإنجليزية). Vol. 7, no. 195. p. 1018–1028. DOI:10.1086/511989. PMID:17330793.
Lindsay Rogers (Jul 1964). "The Inquiry: American Preparations for Peace, 1917-1919 by Lawrence E. Gelfand". Geographical Review (بالإنجليزية). 54 (3): 260–462. DOI:10.2307/212676.
Max Rubner (10April 1919). "Von der Blockde und Aehlichen". Deutsche Medizinische Wochenschrift (بالألمانية). Berlin. Vol. 15, no. 45. {{استشهاد بمجلة}}: تحقق من التاريخ في: |تاريخ= (help)
Jeffery K. Taubenberger and David M. Morens. 1918 Influenza: the Mother of All Pandemics. CDC:history نسخة محفوظة 03 سبتمبر 2011 على موقع واي باك مشين.
Bernadotte Schmitt. "The Peace Treaties of 1919-1920". Proceedings of the American Philosophical Society (بالإنجليزية). Vol. 1, no. 104. pp. 101–110. JSTOR:985606.
Zach Shore (Jan 1999). "Hitler, Intelligence and the Decision to Remilitarize the Rhine". Journal of Contemporary History (بالإنجليزية). Vol. 1, no. 34. pp. 5–18.
Kurt Wimer; Sarah Wimer. "The Harding Administration, the League of Nations, and the Separate Peace Treaty". The Review of Politics (بالإنجليزية). Vol. 1, no. 29. pp. 13–14. DOI:10.1017/S0034670500023706.
Lentin, Antony (1992), "Trick or Treat? The Anglo-French Alliance, 1919", History Today, vol. 42 no. 12, ProQuest 1299048769
Antony Lentin (1992). "Trick or Treat? The Anglo-French Alliance, 1919". History Today (بالإنجليزية). Vol. 42, no. 12.
The 'bird flu' that killed 40 million. BBC News. October 19, 2005.
BBC News (19 أكتوبر/تشرين الأول 2005). The 'bird flu' that killed 40 million (Technical report) (بالإنجليزية). {{cite tech report}}: تحقق من التاريخ في: |تاريخ= (help)
Miller, Vol. IV, 209. Document 246. "Outline of Tentative Report and Recommendations Prepared by the Intelligence Section, in Accordance with Instructions, for the President and the Plenipotentiaries 21 January 1919".
Miller. "Document 246". Outline of Tentative Report and Recommendations Prepared by the Intelligence Section, in Accordance with Instructions, for the President and the Plenipotentiaries 21 January 1919 (Technical report) (بالإنجليزية). p. 209.
مواقع الشابكة
قسم البحوث والدراسات (24/5/2006). "معاهدة سيفر 1920". الجزيرة نت. الدوحة: قناة الجزيرة الإخبارية. مؤرشف من الأصل(HTML) في 28 فبراير 2023. اطلع عليه بتاريخ 21-03-2022. {{استشهاد ويب}}: تحقق من التاريخ في: |تاريخ= (مساعدة)
Why Did World War I Just End? " By Claire Suddath, Monday, Oct. 04, 2010", Time. موقع مجلة «تايم». مؤرشف من الأصل في 17 أغسطس 2013. اطلع عليه بتاريخ 01 مارس/آذار 2021.