نشأ وتعلم بدمشق في مجالس علمائها ومدارسها.[13] قيل إن لقبه القَرشي نسبة إلى القرش، حيث ذكر ابن أبي أصيبعة أنها قرية قرب مدينة دمشق،[14] وتذكر دائرة المعارف الإسلامية أنه ولد على مشارف غوطة دمشق، وأصله من بلدة قُريشية قرب دمشق.[15] والراجح أنه من قبيلة قريش من بني مخزوم من الخوالد،[2] وورد لقبه في أول طبعة لكتابه «الموجز»: القرشي (بفتح القاف والراء). تعلم في البيمارستان النوري بدمشق، كما كان ابن النفيس معاصرًا لمؤرخ الطب الشهير ابن أبي أصيبعة، صاحب (عيون الأنباء في طبقات الأطباء)، ودرس معه الطب على ابن الدخوار.[16]
كان لابن النفيس مجلس في داره يحضره أمراء القاهرة ووجهاؤها وأطباؤها، كما كان ابن النفيس أعزب فأغدق على بناء داره في القاهرة، وفرش أرضها بالرخام حتى إيوانها. أما عن وصفه، فقد كان نحيفًا طويل القامة أسيل الخدين، ولم تقتصر شهرته على الطب فقط، بل كان يعد من كبار علماء عصره في اللغةوالفلسفةوالفقهوالحديث.
إنجازاته العلمية
في عام 1242م، نشر ابن النفيس أكثر أعماله شهرة، وهو كتاب «شرح تشريحقانونابن سينا»، الذي تضمن العديد من الاكتشافات التشريحية الجديدة، وأهمها نظريته حول الدورة الدموية الصغرى وحول الشريان التاجي، وقد اعتبر هذا الكتاب أحد أفضل الكتب العلمية التي شرحت بالتفصيل مواضيع علم التشريحوعلم الأمراضوعلم وظائف الأعضاء، كما صوّب فيه العديد من نظريات ابن سينا.[21][22][23] بعد ذلك بوقت قصير، بدأ العمل على كتابه الشامل في الصناعة الطبية، الذي نشر منه 43 مجلد في عام 1244، وعلى مدى العقود التالية، كتب 300 مجلد لكنه لم يستطع نشر سوى 80 مجلدًا قبل وفاته،[24] وبعد وفاته حلّ كتابه هذا محل «قانون» ابن سينا موسوعة طبية شاملة في العصور الوسطى، مما جعل المؤرخين يصفونه بأنه «ابن سينا الثاني».[25]
كان ابن النفيس قبل ذلك قد كتب كتابه «شرح الأدوية المركبة»، تعقيبًا على الجزء الأخير من قانون ابن سينا الخاص بالأدوية، وقد ترجمه «أندريا ألباجو» إلى اللاتينية في عام 1520، ونشرت منه نسخة مطبوعة في البندقية في عام 1547،[26][27] والتي استفاد منها ويليام هارفي في شرحه للدورة الدموية الكبرى.[28]
اتصفت آراء ابن النفيس في الطب بالجرأة، فقد فنّد العديد من نظريات ابن سيناوجالينوس وصوّبها.[29]
وقام الباحث الدكتور يوسف زيدان أخيرًا بإعادة تجميع وتحقيق جزء كبير من موسوعة ابن النفيس الشامل في الصناعة الطبية على مدى عشر سنوات، ومن مختلف مكتبات العالم، من بغداد ودمشق، وحتى أوكسفورد وستانفورد وغيرها، لتُنشر بعد ذلك بالتدريج منذ عام 2000م.[30]
إن الدم ينقى في الرئتين من أجل استمرار الحياة وإكساب الجسم القدرة على العمل، حيث يخرج الدم من البطين الأيمن إلى الرئتين، حيث يمتزج بالهواء، ثم إلى البطين الأيسر.[31]
“
كان الرأي السائد في ذلك الوقت، أن الدم يتولد في الكبد ومنه ينتقل إلى البطين الأيمن بالقلب، ثم يسري بعد ذلك في العروق إلى مختلف أعضاء الجسم.[32]
ظل اكتشاف ابن النفيس للدورة الدموية الصغرى (الرئوية) مجهولًا للمعاصرين حتى عثر محيي الدين التطاوي عام 1924، أثناء دراسته لتاريخ الطب العربي على مخطوط في مكتبة برلين رقمه 62243 بعنوان «شرح تشريح القانون»، فعني بدراسته وأعد حوله رسالة للدكتوراه من جامعة فرايبورغبألمانيا موضوعها «الدورة الدموية عند القرشي».[33] ولجهل أساتذته بالعربية، أرسلوا نسخة من الرسالة للمستشرق الألماني مايرهوف (المقيم بالقاهرة وقتها)، فأيد مايرهوف التطاوي.[34] وأبلغ الخبر إلى المؤرخ جورج سارتون الذي نشره في آخر جزء من كتابه «مقدمة إلى تاريخ العلوم».[35]
من أهم مؤلفاته
لقد أحصى يوسف زيدان مؤلفاته فكانت (37) مؤلفًا منها (16) مؤلفًا مفقودًا.[36]
في الطب
لابن النفيس العديد من المؤلفات في الطب، أهمها:
الشامل في الصناعة الطبية أضخم موسوعة طبية كتبها شخص واحد في التاريخ الإنساني، وقد وضع مسودتها بحيث تقع في ثلاثمائة مجلد بيّض منها ثمانين. وتمثل هذه الموسوعة الصياغة النهائية والمكتملة للطب والصيدلة في الحضارة العربية الإسلامية في العصور الوسطى. وهو مطبوع[37]
شرح تشريح القانون: جمع فيه أجزاء التشريح المتفرقة في كتاب القانون لابن سينا وشرحها، وفيه وصف الدورة الدموية الصغرى وهو الذي بيّن أن ابن النفيس قد سبق علماء الطب إلى معرفة هذا الموضوع من الفيزيولوجيا. وهو مطبوع[37]
«الرسالة الكاملية في السيرة النبوية». والمعروف أيضاً باسم «رسالة فاضل بن ناطق». وهو كتاب صغير عارض فيه رسالة حي بن يقظان (في علم الكلام).[40] وهو مطبوع.[37]
بقيَ ابنُ النفيس حتى وفاته في القاهرة،[42] وعندما بلغ الثمانين من العمر مرض ستة أيام مرضًا شديدًا وحاول الأطباء أن يعالجوه بالخمر وهو يقاسي عذاب المرض قائلًا:
«لا ألقى الله وفي جوفي شيءٌ من الخمر.»
ولم يطل به المرض فقد توفيَ في فجر يوم الجمعة الموافق (21 ذي القعدة 687 هـ / 17 ديسمبر 1288م)،[43] وقد أوقف داره وكتبه وكل ما له على المستشفى المنصوري في القاهرة قائلًا: «إن شموع العلم يجب أن تضيء بعد وفاتي».[20][44][45] ويوجد مسجد في مدينة الرحمانيةبمحافظة البحيرة ينسب إليه، به ضريحه.
المراجع
^Loukas M, Lam R, Tubbs RS, Shoja MM, Apaydin N (Ibn al-Nafis (1210–1288) was an Arab physician who contributed much to the advancement of medical knowledge and science in the 13th century.). "Ibn al-Nafis (1210–1288): the first description of the pulmonary circulation.". Am Surg. 74: 440–2. ببمد18481505نسخة محفوظة 20 سبتمبر 2016 على موقع واي باك مشين.
^Peter E. Pormann and E. Savage Smith, Medieval Islamic medicine Georgetown University, Washington DC, 2007, p. 47. See also "Ibn Al-Nafis and the pulmonary circulation", The Lancet1: 1148.
^المنجد في الأعلام - ص 10 - الطبعة السابعة والعشرون مجددة - صادرة عام 2005 عن دار المشرق ش.م.م. بيروت - ISBN 2-7214-2246-4
^George Sarton (cf. Dr. Paul Ghalioungui (1982), "The West denies Ibn Al Nafis's contribution to the discovery of the circulation", Symposium on Ibn al-Nafis, Second International Conference on Islamic Medicine: Islamic Medical Organization, Kuwait) (cf. The West denies Ibn Al Nafis's contribution to the discovery of the circulation, Encyclopedia of Islamic World) نسخة محفوظة 07 نوفمبر 2012 على موقع واي باك مشين.
^Peter E. Pormann and E. Savage Smith, Meideval Islamic medicine Georgetown University, Washington DC, 2007, p. 47-48.
^محمود عبد الفتاح (2012م). علماء غيروا مجرى التاريخ (ط. 1). القاهرة: مركز الراية للنشر والإعلام. ص. 244.
^A.K. Chehade, 1955, Ibn An-Nafis et la découverte de la circulation pulmonaire, Inst. Franç de Damas, p. 27
^يوسف العيش: مخطوطات دار الكتب الظاهرية بدمشق، التاريخ وملحقاته، مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق، مطبعة دمشق، 1947، ص 306
^دكتور بول غليونجي: ابن النفيس، سلسلة أعلام العرب، مطبوعات علماء المسلمون / سوريا والدار المصرية للتأليف والترجمة، طبع مكتبة مصر بالفجالة، ص 80؛ إلا أن ابن أبي أصيبعة لم يترجم له.
^ ابجAlbert Z. Iskandar, "Ibn al-Nafis", in Helaine Selin (1997), Encyclopaedia of the History of Science, Technology, and Medicine in Non-Western Cultures, Kluwer Academic Publishers, ISBN 0-7923-4066-3.
^Dr. Sulaiman Oataya (1982), "Ibn ul Nafis has dissected the human body", Symposium on Ibn al-Nafis, Second International Conference on Islamic Medicine: Islamic Medical Organization, Kuwait (cf. Ibn ul-Nafis has Dissected the Human Body, Encyclopedia of Islamic World). نسخة محفوظة 20 يناير 2013 على موقع واي باك مشين.
^Tarikh llm Tashrih (1967) by Hakim Syed Zillur Rahman, Tibbi Academy, Delhi; Second revised edition 2009 (ISBN 978-81-906070-), Ibn Sina Academy of Medieval Medicine and Sciences, Aligarh
^Stephen Mason (2003), "Religious Reform and the Pulmonary Transit of the Blood", History of Science41, p.459-471, 465.
^Crombie، A. C. (1979) [1959]، Augustine to Galileo (ط. الثانية)، Cambridge: Harvard University Press، ج. 2، ص. 230–1
^C. D. O'Malley (1957), "A Latin translation of Ibn Nafis (1547) related to the problem of the circulation of the blood", Journal of the History of Medicine and Allied Sciences12 (2), pp. 248-249. (cf. Dr. Albert Zaki Iskandar (1982), "Comprehensive Book on the Art of Medicine", Symposium on Ibn al Nafis, Second International Conference on Islamic Medicine: Islamic Medical Organization, Kuwait) (cf. Dr. Albert Zaki Iskandar, Comprehensive Book on the Art of Medicine, Encyclopedia of Islamic World) نسخة محفوظة 07 نوفمبر 2012 على موقع واي باك مشين.
^Dr. Albert Zaki Iskandar (1982), "Comprehensive Book on the Art of Medicine", Symposium on Ibn al Nafis, Second International Conference on Islamic Medicine: Islamic Medical Organization, Kuwait (cf. Comprehensive Book on the Art of Medicine, Encyclopedia of Islamic World) نسخة محفوظة 07 نوفمبر 2012 على موقع واي باك مشين.
^Tatawi, M, Der Lungenkreislauf nach el Koraschi, Dissert. z. Rel.d. med. Doktorwurde, Freiburg im Breisgau, 1924.
^Meyerhof, M., 1935, Isis, No 65, vol. 23, I, p. 100.
^Sarton, G., Introduction to the History of Science, Williams & Wilkins, Baltimore, 1931, II, p. 1100.
^يوسف زيدان، المحرر (1412 هـ). المختصر في علم أصول الحديث النبوي - مقدمة المحقق (ط. 1). القاهرة: الدار المصرية اللبنانية. ص. 80–82. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة)
^ ابجدهودكتور غليونجي: ابن النفيس، ص 100-102.)Arabo 307)
^Brockelman, C., Gesch. d. arab. Lit., Weimar, 1898-1902, I, 493
^مسالك الأبصار في أخبار ملوك الأمصار، لشهاب الدين أحمد بن فضل الله العمري، دار الكتب المصرية بالقاهرة، مخطوط 99م تاريخ، الجزء السابع، ص 225.
^Meyerhof، Max (1993)، "Ibn al-Nafis"، في van Donzel، E. (المحرر)، E. J. Brill's First Encyclopaedia of Islam, 1913-1936، Brill Publishers، ص. 94–95 [95]، ISBN:9004082654، OCLC:15549162
ابن النفيس: الشامل في الصناعة الطبية (مخطوطة دار الكتب المصرية رقم 6057/ل)ومخطوطات جامعة كمبردج رقم1546 ومخطوطة جامعة استانفورد لاين رقم 276
د/محمد بركات ابن النفيس واتجاهات الطبيب العربي الصدر لخدمات الطباعة القاهرة 1990م
د/يوسف زيدان علاء الدين بن النفيس إعادة اكتشاف المجمع الثقافي 1999 الإمارات
Abdel-Halim، R. E. (2008)، "Contributions of Ibn Al-Nafis to the progress of medicine and urology: A study and translations from his medical works"، Saudi Medical Journal، ج. 29، ص. 13–22، PMID:18176669
Bayon، H. P. (1941)، "Significance of the demonstration of the Harveyan circulation by experimental tests"، Isis، ج. 33، ص. 443–453، DOI:10.1086/358600، ISSN:0021-1753