الصَّلَاةُ عَلَى النَّبيّمُحمَّد بنِ عَبدِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وتُسمَّى أيضًا التَّصْلِيَةُ[1] ويُرمز لها بـ«صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم»، هي إحدى العبادات الواجبة على المسلمين وفقا للآية القرآنية ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ٥٦﴾ [الأحزاب:56] والمرادُ بها تعظيمُ نبي الإسلاممحمدصلى الله عليه وسلم من قبل المسلمين في الدنيا بإعلاءِ ذكره، وإظهارِ مثوبتهِ، وتشفيعِه في أمَّتِه، وسلامتهُ من كل نقص، والدعاء لمضاعفة أجره.[2] تكون صلاة المسلم على النبي بتلاوته للصلاة التي لها عدّة صيغ منها صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاصّة عند المسلمين السنة الذين يستخدمون كذلك صيغة «صَلَّىٰ ٱللَّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وصَحبِهِ وَسَلَّمَ»، و«صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ»، وفي صلاتهم يتلون الصلاة الإبراهيمية في التشهد الأخير. أما الشيعة إذا ذكروا اسم النبي محمد يقولون «صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ» وحسب قولهم لا يبترون الصلاة ويسمون عبارة صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصلاة البتراء[3]
معنى الصلاة على النبي
يختلف معنى كلمة «الصلاة» عند المسلمين باختلاف أماكن استخدامها، وكلّها في النهاية راجعة في أصل اللغة لـ «الدعاء» كما ورد في المعجم الوسيط،[4] ومن هذه الاستخدامات:
الصلاة من الله على البشر: تكون رحمة مقرونة بالتعظيم، ورفع درجاتهم، وذكرهم بالثناء في الملأ الأعلى كما في الآية ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ٤٣﴾ [الأحزاب:43].
الصلاة من الملائكة على المؤمنين: تكون استغفار ودعاء لهم عند الله.
الصلاة من المؤمنين على المؤمنين: دعاء أيضًا كما في الأية ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ١٠٣﴾ [التوبة:103].
الصلاة من البشر إلى الله: العبادة المخصوصة المبينة حدود أوقاتها في الشريعة الإسلامية كما في الآية ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ٢﴾ [الكوثر:2].
قال العز بن عبد السلام: «ليست صلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم شفاعة منا له، فإن مثلنا لا يشفع لمثله، ولكن الله أمرنا بالمكافأة لمن أحسن إلينا وأنعم علينا، فإن عجزنا عنها كافأناه بالدعاء، فأرشدنا الله لما علم عجزنا عن مكافأة نبينا إلى الصلاة عليه؛ لتكون صلاتنا عليه مكافأة بإحسانه إلينا، وأفضاله علينا، إذ لا إحسان أفضل من إحسانه صلى الله عليه وسلم، وفائدة الصلاة عليه ترجع إلى الذي يصلي عليه دلالة ذلك على نضوج العقيدة، وخلوص النية، وإظهار المحبة والمداومة على الطاعة والاحترام.».
قال أبو العالية: «صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه عند ملائكته، وصلاة الملائكة عليه الدعاء».
قال ابن حجر في كتابه الجوهر المنظم معنى الصلاة والسلام: «أن الصلاة من الله سبحانه وتعالى هي الرحمة المقرونة بالتعظيم ومن الملائكة والآدميين سؤال ذلك وطلبه له صلى الله عليه وسلم».
حكم الصلاة على النبي
اتفق علماء أهل السنة على استحباب الصلاة والسلام على النبي محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال ابن عطية: «الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل حال واجبة وجوب السنن المؤكدة التي لا يسع تركها ولا يغفلها إلا من لا خير فيه». واختلفوا في وجوبها على عدة أقوال أشهرها:[5]
واجبة في العمر مرة واحدة، قال المفسر القرطبي: لا خلاف في وجوبها في العمر مرةً، وأَنها واجبة في كل حين وجوب السنن المؤكدة.
واجبة في الصلاة في التشهد الأخير: وهو قول الشافعية وبعض المالكية.
واجب الإكثار منها من غير تحديد.
واجبة عند سماع ذكر النبي من غيره أو ذكره بنفسه، نقل ذلك عن الطحاوي.
حديث: «أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة».[6]
حديث: «من ذُكرتُ عنده فخطئ الصلاة عليّ خطئ طريق الجنّة».[7]
حديث: «البخيل من ذُكرتُ عندَه ثم لم يصلّ عليّ».[8]
حديث: «إنَّ من أفضل أيَّامكم يوم الجمعة، فيه خُلق آدم وفيه قُبض وفيه النَّفخة وفيه الصَّعقة، فأكثروا عليَّ من الصَّلاة فيه فإنَّ صلاتكم معروضةٌ عليَّ، قالوا: يارسول الله وكيف تعرض صلاتُنا عليك وقد أرمت - يقولون بليت - ؟ فقال: إن الله عزَّ وجلَّ حرَّم على الأرض أجساد الأنبياء».[9]
حديث أبي هريرة: «مَن صَلَّى عَلَيَّ واحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عليه عَشْرًا»، وحديث أنس بن مالك: «من ذُكرتُ عِندَه فليُصلِّ عليَّ، فإنَّهُ من صلَّى عليَّ مرةً صلَّى اللهِ عزَّ وجلَّ عليْهِ عشرًا»، ورد هذا الحديث بروايات أخرى منها: «من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى اللَّهُ عليهِ عشرَ صلواتٍ، وحُطَّت عنهُ عَشرُ خطيئاتٍ، ورُفِعَت لَهُ عشرُ درجاتٍ».[11]
حديث: «من صلَّى عليَّ صلاةً لم تزلِ الملائكةُ تصلِّي عليه ما صلَّى عليَّ، فليُقلَّ عبدٌ منكم أو ليُكثِرْ».[12]
حديث: «صعِد النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المنبرَ، فقال: آمين، آمين، آمين، فلمَّا نزل سُئل عن ذلك، فقال: أتاني جبريلُ، فقال: رغِم أنفُ امرئٍ أدرك رمضانَ فلم يُغفرْ له، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين، ورغِم أنفُ امرئٍ ذُكِرتَ عنده فلم يُصلِّ عليك، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين، ورغِم أنفُ رجلٍ أدرك والدَيْه أو أحدَهما فلم يُغفرْ له، قُلْ: آمين، فقلتُ: آمين».[13]
حديث: «من صلى عليَّ حين يصبح عشرًا، وحين يمسي عشرًا، أدركته شفاعتي يوم القيامة».[14][15]
حديث: «ما جَلَس قومٌ مجلسًا لم يذكروا اللهَ فيه ولم يُصلُّوا على نبيِّهم إلَّا كان عليهم تِرةٌ فإن شاءَ عذَّبَهم وإن شاءَ غفَر لهم».[16]
حديث: «إذا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ، فَقُولوا مِثْلَ ما يقولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فإنَّه مَن صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عليه بها عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الوَسِيلَةَ، فإنَّها مَنْزِلَةٌ في الجَنَّةِ، لا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدٍ مِن عِبادِ اللهِ، وأَرْجُو أنْ أكُونَ أنا هُوَ، فمَن سَأَلَ لي الوَسِيلَةَ حَلَّتْ له الشَّفاعَةُ».[17]
دأب علماء الصوفية على كتابة صيغ متنوعة للصلاة والسلام على النبي محمد اجتهادًا منهم أو إلهامًا من الله أو تلقيًا من رسول الإسلام محمد في المنام، والتي اعترض عليها السلفية بدعوى أنها «بدع في دين الإسلام وأنها لم ترد لا في الكتاب ولا في السنة». ومن هذه الصيغ المشهورة:[43]
صلاة الفاتح، وهي عن الشيخ شمس الدين محمد بن أبي الحسن البَكْري: اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الْفَاتِحِ لِمَا ُأَغْلِقَ وَالْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ نَّاصِرِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ وَالْهَادِي إِلَى صِرَاطِكَ الْمُسْتَقِيمِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ حَقَّ قَدْرِهِ وَمِقْدَارِهِ الْعَظِيمِ.
صلاة النور الذاتي، وهي عن الشيخ أبي الحسن الشاذلي: اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النُّورِ الذَّاتِي وَالسِّرِّ السَّارِي فِي سَائِرِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ.
وقد أورد أحمد فريد المزيدي في مقدمة تحقيقه لكتاب (محاسن الأخبار في فضل الصلاة على النبي المختار) لمحمد بن شعيب الأبشيهي (المتوفى بعد سنة 1030 هـ) مائة وسبع وستون (167) كتاباً صُنّف في فضل الصلاة على النبي ﷺ، ثم قال في النهاية: «وغيرها كثير جداً».[46]
^أفضل الصلوات على سيد السادات، تأليف: يوسف النبهاني، ص18.
^من حديث عبد الله بن مسعود ذكره ابن حبان في "بلوغ المرام" (455) وقال: صحيح.
رواه الترمذي وحسنه، وصححه الألباني
تحفة المحتاج (1/ 527) حكم ابن الملقن صحيح أو حسن حسب شرطه.
^الرواة: الحسين بن علي، وابن عباس، وأبو جعفر الباقر، وراه بألفاظ قريبة: محمد بن علي ابن الحنفية، علي بن أبي طالب، عبد الله بن عباس، محمد الباقر بن علي بن الحسين.
رواه المنذري في الترغيب والترهيب، وقال: إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.
الألباني "صحيح الجامع" قال: صحيح وبلفظ أخر في صحيح الترغيب قال: صحيح لغيره.
^* رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، وصححه أحمد شاكر.
رواه الترمذي (3546) وقال: حسن صحيح غريب، وحسنه ابن حجر في "الفتوحات" (3/ 325) وصححه الألباني في "الإرواء" (5).
الراوي أوس بن أبي أوس، صحيح أبي داود (1047)، قال الألباني: صحيح.
^* قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وحسنه المنذري في "الترغيب والترهيب"، وحسنه الحافظ في "الفتح" (11/ 168)، وأشار البيهقي في "الشعب" (2/ 215) إلى تقويته، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1670)
^رواه الترمذي في سننه (3380) واللفظ له، وقال: حسن صحيح، وأخرجه أبو داود (4856)، والنسائي في "السنن الكبرى" (10238)، وأحمد (9583)، والبغوي في "شرح السنة" باختلاف يسير
^أفضل الصلوات على سيد السادات، تأليف الشيخ يوسف النبهاني.
^ذكر العزفي وأبو العباس بن منديل في تحفة المقاصد أن الأمام الشافعي رُئِيَ في المنام فقيل له: مافعل الله بك؟ فقال الشافعي: غفر لي، فقيل له: بماذا؟ قال: بخمس كلمات كنت أصلي بهنّ على النبي