جدليةالخلقوالتطور (المعروفة أيضاً بمناظرة الخلق ضد التطور أو مناظرة الأصول) هي خلاف ثقافي، سياسي، ولاهوتي مستمر ومتكرر حول أصل الأرض، الإنسانية، وأشكال الحياة الأخرى. كان الاعتقاد السائد لوقت طويل بأن الخلقية صحيحة، لكن منذ منتصف القرن التاسع عشر، أصبح التطوربالانتخاب الطبيعي حقيقة علمية تجريبية مؤكدة.
هذه المناظرة ليست علمية، بل دينية، فالمجتمع العلمي يقبل التطور كحقيقة[1]، وتعتبر الجهود المبذولة عالمياً للحفاظ على النظرة التقليدية من وجهة نظر المجتمع العلمي علماً زائفاً.[2][3][4] رغم أن هذا الجدل يملك تاريخاً طويلاً،[5][6] فإنها اليوم تقهقرت لتصبح بشكل رئيسي متعلقة بما يجعل تعليم العلوم جيداً،[7][8] حيث تركز سياسات الخلقية بشكل رئيسي على تعليم الخلقية في المدارس الحكومية.[9][10][11][12][13] تبرز هذه المناظرة الجدلية في الولايات المتحدة، مقارنة ببقية الدول ذات الأغلبية المسيحية،[14] حيث يمكن تصويرها كجزء من حرب ثقافية.[15] وهناك أيضا جدالات موازية تتواجد في بعض المجتمعات المتدينة، وذلك كما في حالة الأفرع الأكثر أصولية من اليهودية[16]والإسلام.[17] أما في أوروبا وأماكن أخرى، فإن الخلقية أقل انتشاراً (لا سِيَما أن الكنيسة الكاثوليكية والإتحاد الأنغليكاني يقبلان التطور)، وهناك ضغوط أقل بكثير على تعليمها كحقيقة.
يتجاهل الأصوليون المسيحيون أدلة السلف المشترك للإنسان والحيوانات الأخرى كما يتضح من علم الحفريات الحديث، علم الجينات، علم الوراثة، وعلم الأنسجة والتخصصات الأخرى المبنية على استنتاجات البيولوجيا التطورية الحديثة، الجيولوجيا، علم الكونيات، وغيرها من المجالات المرتبطة. فهم يجادلون من أجل الروايات الإبراهيمية عن الخلق، ومن أجل محاولة الحصول على مكان جنباً إلى جنب مع البيولوجيا التطورية في فصول العلوم الدراسية، قاموا بتطوير هيكل كلامي يسمى «علم الخلق». في قضية كيتسمبلر ضد مدارس دوفر، تم كشف الأساس المزعوم للخلقية العلمية ليتضح أنها بأكملها بناء ديني دون استحقاق علمي رسمي.
تعترف الكنيسة الكاثوليكية الآن بوجود التطور. وقد صرح البابا فرانسيس قائلاً: «إن الرب ليس بديميغورس أو ساحر، بل هو الخالق الذي أتى بكل شيء إلى الحياة...التطور في الطبيعة ليس متنافراً مع مفهوم الخلق، لأن التطور يتطلب خلق كائنات تتطور».[18][19][20] اكتُشفت القوانين الجينية التطورية الوراثية لأول مرة من قبل قس كاثوليكي، وهو الراهب الأوغسطيني غريغور مندل، المعروف اليوم بمؤسس علم الوراثة الحديث.
وفقا لاستطلاع أجرته مؤسسة غالوب في عام 2014، فإن أكثر من 4 من كل 10 أمريكيين لا يزالون يؤمنون بأن الرب خلق البشر في هيئتهم الحالية منذ 10 آلاف عام، وهي رؤية تغيرت قليلاً خلال العقود الثلاثة الماضية. كما أن نصف الأمريكيين يؤمنون بأن البشر قد تطوروا، وبينهم أغلبية تقول بأن الرب قاد عملية التطور. ورغم ذلك، فإن النسبة التي تقول بأن الرب لم يتدخل في ازدياد.[21] وفي استطلاع لمركز بيو للأبحاث في عام 2015، وجد أنه «رغم أن 37% ممن يبلغ عمرهم أكثر من 65 سنة يعتقدون بأن الرب خلق البشر في هيئتهم الحالية منذ نحو 10 آلاف عام، فإن 21% فقط من المجيبين من بين 18 إلى 29 عاماً يوافقون على ذلك».[22]
تُصوَّر هذه المناظرة أحياناً على أن طرفيها العلم والدين، وقد ذكرت الأكاديمية الأمريكية للعلوم ما يلي:
«تتقبل اليوم العديد من الطوائف الدينية أن التطور البيولوجي أنتج تنوع الكائنات الحية عبر مليارات السنين من تاريخ الأرض. وقد أصدر الكثيرون تصريحات تشير إلى أن توافق التطور وعقائدهم. ولقد عبَّر العلماء واللاهوتيون في كتاباتهم ببلاغة عن ذهولهم واندهاشهم من تاريخ الكون والحياة على هذا الكوكب، وعبروا عن أنهم لا يجدون أي تعارض بين إيمانهم بالرب والدليل على التطور. أما الطوائف الدينية التي لا تقبل حدوث التطور، فتميل إلى أن تكون تلك الطوائف التي تؤمن بتفسيرات حرفية صارمة لنصوصها الدينية. –الأكاديمية الوطنية للعلوم، العلم، التطور، والخلقية.[23]»
خلفية تاريخية
بدأت جدلية الخلق والتطور في أوروباوأمريكا الشمالية في أواخر القرن الثامن عشر، حينما أدت تفسيرات جديدة لأدلة علم الجيولوجيا إلى نظريات عدة عن كوكب الأرض قديما، وأعطت اكتشافات الانقراضات في التسلسل الجيولوجي الأحفوري دفعة مصداقية للأفكار البدائية عن التطور، ومن أشهرها الأفكار اللاماركية. في إنجلترا، بدت أفكار التغير المستمر هذه كتهديد للنظام الاجتماعي الحالي «الثابت»، وسعت الكنيسة وبجانبها الدولة إلى قمعها.[24] وفي عام 1844 ساهمت آثار التاريخ الطبيعي للخلق المثيرة للجدل والخاصة بروبرت شامبرز في انتشار فكرة تحول الأنواع التدريجي. في بداية الأمر، رفضت المؤسسة العلمية الفكرة بسخرية، وأبدت الكنيسة الإنجليزية ردود فعل غاضبة، لكن الكثير من التوحيديين، الصاحبيين، والمعمدانيين –وهي مجموعات معارضة لامتيازات الكنيسة الرسمية– فضلوا أفكارها عن الرب وتصرفه وفق مثل هذه القوانين الطبيعية.[25][26]
قضايا السياسة العامة
تنامت أهمية جدلية الخلق والتطور في الأعوام الأخيرة، خصوصا كنتيجة للاستراتيجية الجنوبية لاستراتيجي الحزب الديمقراطي كيفن فيليبس، وذلك أثناء فترة إدارة نيكسون وريغان في الولايات المتحدة. فقد رأى أن حركة الحقوق المدنية عزلت الكثير من الفقراء البيض الجنوبيين من حزام الكتاب المقدس، وشرع في الاستيلاء جمهور الناخبين هذا عبر التحالف مع حركة «اليمين الجديد» المسيحي.[27]
تدريس العلوم
روج الخلقيون لفكرة أن نظرية التطور في أزمة[28][29] وانتقد علماء منهم التطور[30] وادعوا أن العدالة والمساواة الزمنية تقتضي تدريس الطلاب عن الجدل العلمي المزعوم.
رد المعارضون، والذين هم الأغلبية الساحقة من المجتمع العلمي ومن المنظمات المختصة بدراسة العلوم،[31] فأنكروا وجود جدلية علمية، إذ أن الجدال موجود وفقا للدين والسياسة فحسب.
قدم قسم البيولوجيا بجامعة جوج ماسون مساقا عن جدلية الخلق/التطور، ويبدو أن الطلاب لما تعلموا المزيد عن البيولوجيا، وجدوا الاعتراضات على التطور أقل إقناعا، مما يشير إلى أن تدريس الجدلية على نحو ملائم، كمساق اختياري في الفلسفة أو تاريخ العلوم أو سياسات العلم والدين، يضعف من انتقادات الخلقيين، ويثبت أن مقاومة المجتمع العلمي لهذا النهج كان من سوء العلاقات العامة.[30]
^Larson 2004، صفحة 258: "Virtually no secular scientists accepted the doctrines of creation science; but that did not deter creation scientists from advancing scientific arguments for their position."
Ruse 1999، صفحة 26: "One thing that historians delighted in showing is that, contrary to the usually held tale of science and religion being always opposed [Conflict thesis] ... religion and theologically inclined philosophy have frequently been very significant factors in the forward movement of science."
^Cantor, Geoffrey and Marc Swetlitz, (editors). Jewish Tradition and the Challenge of Darwinism. University of Chicago Press. 2006. (ردمك 978-0-226-09276-8)
^"Statement on the Teaching of Evolution"(PDF). Washington, D.C.: American Association for the Advancement of Science. 16 فبراير 2006. مؤرشف من الأصل(PDF) في 2006-02-21. اطلع عليه بتاريخ 2014-07-31. Some bills seek to discredit evolution by emphasizing so-called 'flaws' in the theory of evolution or 'disagreements' within the scientific community. Others insist that teachers have absolute freedom within their classrooms and cannot be disciplined for teaching non-scientific 'alternatives' to evolution. A number of bills require that students be taught to 'critically analyze' evolution or to understand 'the controversy.' But there is no significant controversy within the scientific community about the validity of the theory of evolution. The current controversy surrounding the teaching of evolution is not a scientific one.
^Kitzmiller v. Dover Area School District, 04 cv 2688 (M.D. Pa. December 20, 2005). Whether ID Is Science, p. 89, support the view that "ID's backers have sought to avoid the scientific scrutiny which we have now determined that it cannot withstand by advocating that the controversy, but not ID itself, should be taught in science class. This tactic is at best disingenuous, and at worst a canard. The goal of the IDM is not to encourage critical thought, but to foment a revolution which would supplant evolutionary theory with ID."
^ ابAnnas، George J. (25 مايو 2006). "Intelligent Judging — Evolution in the Classroom and the Courtroom". نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين. ج. 354 ع. 21: 2277–2281. DOI:10.1056/NEJMlim055660. ISSN:0028-4793. PMID:16723620. That this controversy is one largely manufactured by the proponents of creationism and intelligent design may not matter, and as long as the controversy is taught in classes on current affairs, politics, or religion, and not in science classes, neither scientists nor citizens should be concerned.