أعطت الثقافة اليونانية الكلاسيكية الكثير من الأهمية للمعرفة. لم يكن العلم والدين منفصلين وكان الاقتراب من الحقيقة يعني الاقتراب من الإله. في هذا السياق، فهموا أهمية الرياضيات كأداة للحصول على معرفة أكثر موثوقية («إلهية»).[5] تمكنت الثقافة اليونانية، في بضعة قرون ومع عدد محدود من السكان، من استكشاف وإحراز تقدم في العديد من مجالات العلوم والرياضيات والفلسفة والآداب والمعرفة بشكل عام.
من المعروف أن العصور القديمة الكلاسيكية في منطقة البحر المتوسط بدأت في القرن الثامن قبل الميلاد[6] (ما يقرب من أقدم شعر مسجل من هوميروس) وانتهت في القرن السادس الميلادي.
تعتبر الفترة التاريخية في اليونان القديمة فريدة من نوعها في تاريخ العالم، حيث كانت الفترة الأولى موثقة مباشرة في علم التأريخ، في حين أن بدايات التاريخ القديم أو تاريخ فجر التاريخ معروف بأدلة أكثر ظرفية، مثل حوليات أو قوائم الملك، والأبيغرافيا.
خلّف هيرودوت مؤلفون مثل ثوسيديديس، كسينوفون، ديموستيني، أفلاطونوأرسطو. كان معظم هؤلاء المؤلفين إما من الأثينيين أو المؤيدين لأثينا، وهذا هو السبب في أنه يُعرف أكثر بكثير عن تاريخ وسياسة أثينا من العديد من المدن الأخرى. ويقتصر نطاقها على مزيد من التركيز على التاريخ السياسي والعسكري والدبلوماسي، متجاهلاً التاريخ الاقتصادي والاجتماعي.[10]
في القرن الثامن قبل الميلاد، بدأت اليونان في الخروج من العصور المظلمة التي أعقبت سقوط الحضارة الموكيانية. فقد فقدت القراءة والكتابة ونسيت الكتابة الموكيانية، لكن اليونانيين تبنوا الأبجدية الفينيقية، وتم تعديلها لإنشاء الأبجدية اليونانية. من الممكن أن تكون الأشياء المكتوبة بالفينيقية متوفرة في اليونان منذ القرن التاسع قبل الميلاد، لكن أول دليل على الكتابة اليونانية يأتي من الكتابة على الجدران وعلى الفخار اليوناني جاء من منتصف القرن الثامن.[11] تم تقسيم اليونان إلى العديد من مجتمعات الحكم الذاتي الصغيرة، وهو نمط فرضته الجغرافيا اليونانية إلى حد كبير: حيث يتم فصل كل جزيرة ووادي وسهل عن جيرانه عن طريق البحر أو السلاسل الجبلية.[12]
حرب ليلانتين (حوالي 710 - 650 ق.م) هي أقدم حرب موثقة من العصر اليوناني القديم. ووقعت بين البوليس الهامة (دولة مدينة) من خالكيذاوإريتريا على سهل ليلانتين الخصب في وابية. يبدو أن كلا المدينتين قد عانت من التدهور نتيجة للحرب الطويلة، على الرغم من أن خالكيذا كانت المنتصر الأقوى.
نشأت طبقة تجارية في النصف الأول من القرن السابع قبل الميلاد، والتي ظهرت بسبب ظهور العملات في حوالي 680 ق.م.[13] ظهر التوتر بسبب هذه الطبقة في العديد من دول المدن. فالأنظمة الأرستقراطية التي تحكم عمومًا البوليس كانت مهددة بالثروة الجديدة من التجار الذين كانوا بدورهم يرغبون في السلطة السياسية. منذ عام 650 ق.م، كان على الأرستقراطيين أن يحاربوا كي لا تتم الإطاحة بهم واستبدالهم بالطغاةالشعبويين. هذه الكلمة مستمدة من الطغيان اليوناني المُحقر الذي يعني «الحاكم غير الشرعي»، وكان هذا ينطبق على كل من القادة الجيدين والسيئين على حد سواء.[14][15]
يبدو أن تزايد عدد السكان والنقص في الأراضي أدى إلى نشوب صراع داخلي بين الفقراء والأغنياء في العديد من دول المدن. في إسبرطة، أدت الحروب الميسينية إلى غزو ميسينيا وإستعباد الميسينيين، وذلك ابتداء من النصف الأخير من القرن الثامن قبل الميلاد، وهو عمل لم يسبق له مثيل في اليونان القديمة. سمحت هذه الممارسة بحدوث ثورة اجتماعية.[16] السكان الذين تم إخضاعهم، الذين عرفوا فيما بعد باسم «هيلوتس»، تم استعبادهم وتشغيلهم من أجل أسبرطة، في حين أصبح كل مواطن من مواطني أسبرطة جنديًا من الجيش الأسبرطي في دولة عسكرية بشكل دائم. حتى النخبة كانت مضطرة للعيش والتدرب كجنود. هذه القواسم المشتركة بين المواطنين الأغنياء والفقراء عملت على نزع فتيل الصراع الاجتماعي. هذه الإصلاحات، المنسوبة إلى ليكرجوس أسبرطة، ربما كانت قد اكتملت في 650 ق.م.
عانت أثينا من أزمة أراضي وزراعة في أواخر القرن السابع قبل الميلاد، مما أدى مرة أخرى إلى صراع أهلي. أقام الأركون المسمى[الإنجليزية] (رئيس القضاة) دراكو إصلاحات صارمة على القانون في 621 ق.م (ومنه تأتي الصفة «داركوني» والتي تعني شديد القسوة)، ولكن فشلت هذه الإصلاحات في قمع الصراع. في نهاية المطاف، الإصلاحات المعتدلة لسولون (594 ق.م)، التي حسّنت أحوال الكثير من الفقراء، ولكنها ترسخ الأرستقراطية في السلطة بقوة، أعطت أثينا بعض الاستقرار.
بحلول القرن السادس قبل الميلاد، ظهرت العديد من المدن كمهيمنة في الشؤون اليونانية: أثينا، أسبرطة، كورنث، ثيفا. وكان كل واحد منهم قد أخضع المناطق الريفية المحيطة والبلدات الأصغر تحت سيطرته، وأصبحت أثينا وكورنث قوى بحرية وتجارية كبرى كذلك.
أدت الزيادة السريعة في عدد السكان في القرنين الثامن والتاسع قبل الميلاد إلى هجرة العديد من الإغريق لتشكيل المستعمرات في العصور القديمة في ماجنا غراسيا (جنوب إيطالياوصقلية) وآسيا الصغرى وأبعد من ذلك. لقد توقفت الهجرة في القرن السادس قبل الميلاد عندما أصبح العالم اليوناني ثقافياً ولغوياً أكبر بكثير من مساحة اليونان الحالية. لم تكن المستعمرات اليونانية خاضعة لسيطرة سياسية من قبل المدن المؤسسة لها، على الرغم من أنها احتفظت في كثير من الأحيان بروابط دينية وتجارية معها.
في هذه الفترة، كان هناك تنمية اقتصادية ضخمة في اليونان، وكذلك في مستعمراتها في الخارج التي شهدت نموا في التجارة والتصنيع. كان هناك تحسن كبير في مستويات المعيشة للسكان. تقدر بعض الدراسات أن متوسط حجم الأسرة اليونانية، في الفترة من 800 ق.م إلى 300 ق.م، زاد خمس مرات، مما يشير إلى زيادة كبيرة في متوسط دخل السكان.
في النصف الثاني من القرن السادس قبل الميلاد، سقطت أثينا تحت طغيان بيسيستراتوس ثم من بعده أبنائه هيبياس الأثينيوهيبارخوس. ومع ذلك، في 510 ق.م، وبتحريض من الأرستقراطي الأثيني كليسثنيس، ساعد الملك الإسبرطي كليومينس الأول الأثينيون على إسقاط الطغاة. بعد ذلك، انقلبت كل من أسبرطة وأثينا على بعضهما البعض، وفي ذلك الوقت قام كليومينس الأول بتثبيت إيساغوراس[الإنجليزية] كقائد أركون. حريص على منع أثينا من أن تصبح دمية لإسبرطة، رد كليسثنيس بتقديم اقتراح لزملائه المواطنين أن تقوم أثينا بثورة حيث فيها: أن جميع المواطنين يشاركون في السلطة السياسية، بغض النظر عن وضعهم: أن تصبح أثينا «ديمقراطية». بحماس شديد أخذ الاثينيون هذه الفكرة، بعد أن أطاحوا بإيساغوراس ونفذوا إصلاحات كليسثنيس، كانوا قادرين بسهولة على صد غزو ثلاثي من قبل إسبرطة يهدف إلى استعادة إيساغوراس.[17] لقد عالج ظهور الديمقراطية الكثير من أمراض أثينا وأدى إلى "العصر الذهبي[الإنجليزية]" للأثينيين.
في عام 499 ق.م، تمردت الدول الأيونية تحت الحكم الفارسي ضد الطغاة المدعومين من الفرس الذين حكمومهم.[18] بدعم من القوات المرسلة من أثينا وإريتريا، تقدموا حتى سارد وأحرقوا المدينة، قبل أن يتم إرجاعهم بفعل الهجوم المضاد للفرس.[19] استمر التمرد حتى عام 494، عندما هزم الثوار الأيونين.[19] لم ينس دارا أن الأثينين ساعدوا الثورة الأيونية، وفي عام 490 قام بتجميع أسطول حربي للسيطرة على أثينا.[20] على الرغم من كثرة الجيش الفارسي، الاثينيين -بدعم من حلفائهم من بلاتايا- هزموا القوات الفارسية في معركة ماراثون، وانسحب الأسطول الفارسي.[21]
بعد عشر سنوات، تم إطلاق حملة ثانية من قبل ابنه خشايارشا.[22] قُدمت دول المدن في شمال ووسط اليونان إلى القوات الفارسية دون مقاومة، ولكن تحالفًا من 31 دولة مدينة يونانية، بما في ذلك أثينا وأسبرطة، عزمت على مقاومة الحملة الفارسية.[22] في الوقت نفسه، تم غزو صقلية اليونانية من قبل قوة القرطاجيين.[22] في عام 480 ق.م، وقعت المعركة الكبرى الأولى للغزو في ثيرموبيلاي، حيث قامت قوة صغيرة من اليونانيين، يقودها ثلاثمائة جندي أسبرطي، بالصد عن ممر مهم في قلب اليونان لعدة أيام. في نفس الوقت، هزم جيلو[الإنجليزية]، الطاغية في سرقوسة، الغزو القرطاجي في معركة حميرا.[23]
هزم الفرس من قبل قوة بحرية أثينية في معركة سلاميس، وفي 479 هزم على الأرض في معركة بلاتيا.[24] استمر التحالف ضد بلاد فارس، في البداية بقيادة الإسبرطي بوسانياس ولكن من 477 بقيادة أثينا،[25] وبحلول عام 460، طُردت بلاد فارس من بحر إيجة.[26] خلال هذه الفترة من الحملات، تحول الحلف الديلي تدريجياً من تحالف دفاعي من الولايات اليونانية إلى إمبراطورية أثينا، حيث تمكنت القوة البحرية المتنامية في أثينا من إجبار دول التحالف الأخرى على الامتثال لسياساتها.[27] أنهت أثينا حملاتها ضد فارس في عام 450 ق.م، بعد هزيمة كارثية في مصر في عام 454 ق.م، ووفاة كيمون في مواجهة الفرس في قبرص في 450.[28]
في حين أن النشاط الأثيني ضد الإمبراطورية الفارسية قد انتهى، إلا أن الصراع بين إسبرطة وأثينا كان يتزايد. كانت إسبرطة متشككة من القوة الأثينية المتزايدة الذي مولها الحلف الديلي، وزادت التوترات عندما عرضت أسبرطة المساعدة لأعضاء الحلف الراغبين في التمرد على الهيمنة الأثينية. تفاقمت هذه التوترات في عام 462، عندما أرسلت أثينا قوة لمساعدة إسبرطة في التغلب على ثورة الهيلوتس، لكن مساعداتهم رفضت من قبل الإسبرطيين.[29] في عام 450، سيطرت أثينا على بيوتيا، وحصدت انتصارات على أجانيطس وكورنث.[28] ومع ذلك، فشلت أثينا في تحقيق فوز حاسم، وفي 447 فقدت بيوتيا مرة أخرى.[28] وقعت أثينا وأسبرطة على سلام الثلاثين عام في شتاء 446/5، منهياً الصراع.[28]
على الرغم من السلام في 446/5، انخفضت العلاقات الأثينية مع أسبرطة مرة أخرى في 431، وفي 430 اندلعت الحرب مرة أخرى.[30] يُنظر إلى المرحلة الأولى من الحرب تقليديًا على أنها سلسلة من الغزوات السنوية لاتيكا من قبل أسبرطة، والتي لم تحرز تقدمًا يذكر، في حين نجحت أثينا ضد الإمبراطورية الكورنثية في شمال غرب اليونان، وفي الدفاع عن إمبراطوريتها الخاصة، على الرغم من المعاناة من الطاعون والغزو الإسبرطي.[31] نقطة التحول في هذه المرحلة من الحرب عادة ما ينظر إليها على أنها الانتصارات الأثينية في بيلوس[الإنجليزية] و سفاكتيريا[الإنجليزية].[31] دعت أسبرطة من أجل السلام، لكن الأثينيين رفضوا الاقتراح.[32] الفشل الأثيني لاستعادة السيطرة في بيوتيا في دليوم ونجاحات براسيداس في شمال اليونان في 424، أدي إلي تحسين موقف أسبرطة في سفاكتيريا.[32] بعد وفاة كليون وبراسيداس، أقوى المعترضين على السلام في الجانبين الأثيني والإسبرطي على التوالي، تم الاتفاق على معاهدة سلام في 421.[33]
على الرغم من ذلك، لم يدم السلام، وفي عام 418 هُزم تحالف بين أثينا وأرغوس من قبل أسبرطة في مانتينيا.[34] في 415 أطلقت أثينا حملة بحرية ضد صقلية؛[35] انتهت الحملة في كارثة مع مقتل الجيش بأكمله تقريبا.[36] بعد الهزيمة الأثينية في سرقوسة مباشرة، بدأ حلفاء أثينا الأيونيين التمرد ضد الحلف الديلي، بينما في نفس الوقت بدأت بلاد فارس مرة أخرى في التدخل في الشؤون اليونانية على الجانب الإسبرطي.[37] في البداية، استمر الموقف الأثيني قويًا نسبيًا، حيث فاز بمعارك مهمة مثل تلك في كيزيكوس[الإنجليزية] في 410 وأرغينوز في عام 406.[38] ومع ذلك، في 405 هزمت إسبرطة أثينا في معركة أيجوسبتيمي[الإنجليزية]، وبدأت في حصار ميناء أثينا،[39] مع عدم وجود إمدادات الحبوب وخطر المجاعة، دعت أثينا من أجل السلام، ووافقت على تسليم أسطولها والانضمام إلى الرابطة البيلوبونيزية بقيادة أسبرطة.[40]
وهكذا دخلت اليونان القرن الرابع قبل الميلاد تحت هيمنة إسبرطة، لكن من الواضح منذ البداية أن هذه الهيمنة كانت ضعيفة. وعنت الأزمة الديموغرافية أن إسبرطة كانت فوق طاقتها، وبحلول عام 395 ق.م، شعرت أثينا وآرغوس وثيفا وكورنث بالقدرة على تحدي هيمنة أسبرطة، مما أدى إلى نشوب حرب كورنثية (395-387 ق.م). حرب أخرى من ورطة، وانتهت مع استعادة الوضع الراهن، بعد تهديد التدخل الفارسي بالنيابة عن إسبرطة.
استمرت هيمنة أسبرطة 16 سنة أخرى، حتى، عندما حاولت فرض إرادتهم على ثيفا، هُزمت أسبرطة في ليوكترا في 371 ق.م. ومن ثم قاد جنرال ثيفا إبامينونداس القوات إلي البيلوبونيز، وعندها انشقت دول المدن الأخرى عن قضية أسبرطة. وبالتالي كانت ثيفا قادرة على المسير إلى ميسينيا وتحريرها.
حُرمت أسبرطة من أراضيها ومسانديها، وأصبحت إثر ذلك قوة من الدرجة الثانية. كانت الهيمنة الثيفية[الإنجليزية] التي أنشئت على هذا النحو قصيرة الأجل؛ في معركة مانتينيا[الإنجليزية] في 362 ق.م، فقدت ثيفا قائدها الرئيسي، إبامينونداس، والكثير من قوتها، على الرغم من أنهم كانوا المنتصرين في المعركة. في الواقع كانت كل مثل هذه الخسائر لجميع الدول المدن الكبرى في مانتينيا أن لا شيء يمكن أن يقيم الهيمنة في أعقاب ذلك.
تزامنت حالة الضعف في قلب اليونان مع صعود مقدونيا، بقيادة فيليب الثاني. في عشرين سنة، قام فيليب بتوحيد مملكته، ووسعها شمالا وغربا على حساب القبائل الإيليرية، ثم غزا ثيساليا وتراقيا. نشأ نجاحه من إصلاحاته المبتكرة للجيش المقدوني[الإنجليزية]. تدخّل فيليب مراراً وتكراراً في شؤون دول المدن الجنوبية، وبلغت ذروتها في الغزو الحاصل عام 338 ق.م.
هزيمة حاسمة في جيش ثيفا وأثينا المتحالفان في معركة خيرونيا (338 ق.م)، جعلته بحكم الأمر الواقعالمهيمن علي جميع اليونان، باستثناء أسبرطة. أجبر غالبية الدول المدينة على الانضمام إلى تحالف كورنث، وتحالفهم معه، ومنعهم من خوض الحرب مع بعضهم البعض. ومن ثم دخل فيليب الحرب ضد الإمبراطورية الأخمينية ولكن تم اغتياله من قبل بوسانياس الأورستايسي[الإنجليزية] في وقت مبكر من الصراع.
أكملالإسكندر الأكبر، ابن وخليفة فيليب الحرب. هزم الإسكندر دارا الثالث الفارسي ودمر بالكامل الإمبراطورية الأخمينية وضمها إلى مقدونيا وكسب لنفسه لقب «الأكبر». عندما توفي الإسكندر في 323 ق.م، كانت القوة والنفوذ اليوناني في أوجها. ومع ذلك، كان هناك تحول أساسي بعيداً عن الاستقلال الشرس والثقافة الكلاسيكية للبوليس، وبدلا من ذلك نحو الثقافة الهلنستية النامية.
استمرت الفترة الهلنستية من عام 323 ق.م، والتي شهدت نهاية حروب الإسكندر الأكبر، إلى ضم اليونان من قبل الجمهورية الرومانية في 146 ق.م. على الرغم من أن إقامة الحكم الروماني لم يكسر استمرارية المجتمع والثقافة الهلنستية، التي ظلت دون تغيير إلى حد كبير حتى ظهور المسيحية، إلا أنها شكلت نهاية الاستقلال السياسي اليوناني.
خلال الفترة الهلنستية، انخفضت أهمية «اليونان الأصلية» (منطقة اليونان الحديثة الآن) داخل العالم الناطق باللغة اليونانية بشكل حاد. كانت المراكز الكبرى للثقافة الهلنستية هي الإسكندريةوأنطاكية، عاصمة المملكة البطلميةوالإمبراطورية السلوقية، على التوالي.
غزوات الإسكندر كان لها عواقب عديدة على دول المدن اليونانية. اتسعت آفاق اليونانيين بشكل كبير وأدت إلى هجرة مطردة، خاصة للشباب والطموحين، إلى الإمبراطوريات اليونانية الجديدة في الشرق.[41] هاجر العديد من اليونانيين إلى الإسكندرية وأنطاكية والعديد من المدن الهلنستية الجديدة الأخرى التي تأسست في أعقاب حروب الإسكندر، بعيدًا وحتى أبعد إلي أفغانستانوباكستان الآن، حيث نجت المملكة الإغريقية البختريةوالمملكة الهندية الإغريقية حتى نهاية القرن الأول قبل الميلاد.
شكلت دول المدينة داخل اليونان نفسها في اثنين من التحالفات. اتحاد آخاين (بما في ذلك ثيفاوكورنثوآرغوس) والاتحاد الأيتوليي (بما في ذلك أسبرطة وأثينا). لفترة طويلة من الفترة حتى السيطرة الرومانية، كانت هذه التحالفات عادة في حالة حرب مع بعضها البعض، و/أو متحالفين مع مختلف الجوانب في الصراعات بين ملوك طوائف الإسكندر (الدول الخليفة لإمبراطورية الإسكندر).
انخرطت المملكة الأنتيغونية في حرب مع الجمهورية الرومانية في أواخر القرن الثالث. على الرغم من أن الحرب المقدونية الأولى كانت غير حاسمة، استمر الرومان، على نحو نموذجي، في شن الحرب على مقدونيا حتى تم استيعابها بالكامل في الجمهورية الرومانية (بحلول عام 149 ق.م). في الشرق تحللت الإمبراطورية السلوقية المفككة تدريجيًا، على الرغم من بقاء ردفها حتى عام 64 ق.م، في حين استمرت المملكة البطلمية في مصر حتى 30 ق.م، عندما غزاها الرومان أيضًا. نما الاتحاد الأيتوليي حذراً من التدخل الروماني في اليونان، ووقف مع الـ السلوقين في الحرب الرومانية-السلوقية، عندما انتصر الرومان، تم استيعاب الاتحاد بشكل فعال في الجمهورية. على الرغم من أن اتحاد آخاين قد تفوق على كل من الاتحاد الأيتوليي ومقونيا، إلا أنه سرعان ما هزم وتم ضمه من قبل الرومان في 146 ق.م، وبذلك وضع حد لاستقلال اليونان بأسرها.
وقعت شبه الجزيرة اليونانية تحت السيطرة الرومانية بعد معركة كورنث في 146 ق.م. أصبحت مقدونيامقاطعة رومانية بينما أصبح جنوب اليونان تحت إشراف بريفيكتوس مقدونيا. ومع ذلك، تمكنت بعض البوليس اليونانية م الحفاظ على استقلال جزئي وتجنب الضرائب. تمت إضافة جزر بحر إيجه إلى هذه الأراضي في عام 133 ق.م. ثارت أثينا ومدن يونانية أخرى في 88 ق.م، وسُحقت شبه الجزيرة الرومانية من قبل الجنرال سولا الروماني. الحروب الأهلية الرومانية دمرت المنطقة حتى أكثر من ذلك، حتى نظم أغسطس شبه الجزيرة كمقاطعة آخايا في 27 ق.م.
أراضي اليونانجبلية، ونتيجة لذلك، تألفت اليونان القديمة من العديد من المناطق الأصغر في كل منها لهجتها الخاصة وخصائصها الثقافية وهويتها الخاصة. كانت النزعة الإقليمية والصراعات الإقليمية سمة بارزة في اليونان القديمة. تميل المدن إلى أن تكون موجودة في الوديان بين الجبال، أو في السهول الساحلية، وتسيطر على منطقة معينة من حولها.
خلال العصر القديم، تجاوز عدد سكان اليونان بنسبة أقل من قدرة الأراضي الصالحة للزراعة المحدودة (وفقا لأحد التقديرات، يزداد عدد سكان اليونان القديمة بنسبة أكبر من عشرة بالمائة خلال الفترة من 800 ق.م إلى 400 ق.م، مما زاد من عدد السكان من 800,000 إلى مجموع السكان المقدر من 10 إلى 13 مليون نسمة).[44]
ومنذ حوالي 750 ق.م بدأ اليونانيون 250 سنة من التوسع، وأقاموا مستعمرات في كل الاتجاهات. قإلى الشرق، استعمروا أولاً سواحل بحر ايجه في آسيا الصغرى، تليها قبرص وسواحل تراقياوبحر مرمرة والساحل الجنوبي للبحر الأسود.
وكانت بداية بعض الدول كمستعمرات يونانية مثل سيراكيوز الحديثة، نابولي، مرسيلياوإسطنبول سرقوسة (Συρακούσαι)، نيابوليس (Νεάπολις)، مارسيليا (Μασσαλία)وبيزنطة(Βυζάντιον). وقد لعبت هذه المستعمرات دورا هاما في انتشار النفوذ اليوناني في جميع أنحاء أوروبا، كما ساعدت أيضا في إنشاء شبكات تجارية طويلة المسافة بين المدن اليونانية، لتدعيم الاقتصاد في اليونان القديمة.
السياسة والمجتمع
الهيكل السياسي
تألفت اليونان القديمة من عدة مئات من الدول المدينة المستقلة نسبياً (البوليس). كان هذا وضعًا مختلفًا عن الوضع في معظم المجتمعات المعاصرة الأخرى، التي كانت إما قبائل أو ممالك تتحكم في مناطق كبيرة نسبياً. مما لا شك فيه أن جغرافيا اليونان - المقسمة والشبه مقسمة إلى أجزاء من التلال والجبال والأنهار - ساهمت في الطبيعة المجزأة لليونان القديمة. من ناحية، لم يكن لدى اليونانيين القدامى أدنى شك في أنهم «شعب واحد». لديهم نفس الدين، نفس الثقافة الأساسية، واللغة نفسها. علاوة على ذلك، كان اليونانيون مدركين جدًا لأصولهم القبلية. كان هيرودوت قادرًا على تصنيف دول المدينة على نطاق واسع عن طريق القبيلة. ومع ذلك، وعلى الرغم من وجود هذه العلاقات ذات المستوى الأعلى، يبدو أنها نادراً ما لعبت دوراً رئيسياً في السياسة اليونانية. تم الدفاع بقوة عن استقلال البوليس. نادراً ما فكر اليونانيون القدماء في التوحيد. حتى عندما، حدث الغزو الفارسي الثاني لليونان، تحالفت مجموعة من الدول المدينة للدفاع عن اليونان، ظلت الغالبية العظمى من البوليس محايدة، وبعد الهزيمة الفارسية، عاد الحلفاء بسرعة إلى الاقتتال الداخلي.[45]
وهكذا، فإن الخصائص الرئيسية للنظام السياسي اليوناني القديم كانت في المقام الأول تتمثل في: طبيعتها المجزأة، ولا يبدو أن هذا له أصل قبلي، وثانياً، التركيز الخاص على المراكز الحضرية في الدول الصغيرة. وتتضح خصوصيات النظام اليوناني كذلك من خلال المستعمرات التي أقاموها في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط، والتي، على الرغم من أنها قد تنتسب لبعض البوليس (دولة مدينة) اليونانية على أنها «الأم» (وتبقى متعاطفة معها)، كانت مستقلة تماما في التأسيس عنها.
ربما سيطر جيران أكبر حجماً على البوليس الأصغر حتماً، ولكن يبدو أن الغزو أو الحكم المباشر لدولة مدينة أخرى كان نادراً للغاية. وبدلاً من ذلك، جمع البوليس أنفسهم في إتحادات، والتي كانت عضويتها في حالة مستمرة من التقلب. وفي وقت لاحق في الفترة الكلاسيكية، سوف تصبح الإتحادات أقل وأكبر، تهيمن عليها مدينة واحدة (خاصة أثينا وأسبرطة وثيفا)؛ حيث غالباً ما تظطر البوليس إلى الالتحاق تحت تهديد الحرب (أو كجزء من معاهدة سلام). حتى بعد أن قام فيليب الثاني المقدوني «بغزو» قلب اليونان القديمة، لم يحاول ضم الإقليم، أو توحيده في مقاطعة جديدة، ولكن ببساطة أجبر معظم البوليس للانضمام إلى الرابطة الكورنثية الخاصة به.
في البداية يبدو أن العديد من المدن اليونانية كانت ممالك صغيرة. كان هناك في كثير من الأحيان مسؤول في المدينة يحمل بعض الوظائف الاحتفالية المتبقية للملك (بازيليوس)، على سبيل المثال، بازيليوس أركون[الإنجليزية] في أثينا.[46] ومع ذلك، وبحلول العصر القديم والوعي التاريخي الأول، فإن معظمهم قد أصبحوا بالفعل من الأوليغارشية الأرستقراطية. من غير الواضح بالضبط كيف حدث هذا التغيير. على سبيل المثال في أثينا، بحلول 1050 ق.م تم تقليص الملكية إلى رئيس قضائي مستقل وراثي (أركون). بحلول عام 753 ق.م، أصبح هذا الأمر عبارة عن أركون يتم انتخابه كل عشر سنوات. وأخيراً بحلول عام 683 ق.م، أركون مُنتخب سنوياً. من خلال كل مرحلة كان يمكن نقل المزيد من السلطة إلى الطبقة الأرستقراطية ككل، وبعيداً عن الفرد الواحد.
حتمًا، مكنت هيمنة السياسة وما يصاحبها من تجميع للثروة من قِبل مجموعات صغيرة من العائلات من حدوث اضطراب اجتماعي في العديد من البوليس. وفي العديد من المدن، سيطر طاغية (ليس بالمعنى الحديث للأوتوقراطية القمعية) على المدينة وفقاً لرغبتهم الخاصة. في كثير من الأحيان يتم إنشاء جدول أعمال شعبوي من شأنه أن يساعد على إدامته في السلطة. في نظام ممزق بالصراع الطبقي، كانت الحكومة المدارة من قبل «رجل قوي» هي الحل الأفضل في كثير من الأحيان.
أثينا سقطت تحت حكم الطغاة في النصف الثاني من القرن السادس. عندما انتهى حكم الطغاة، أسس الأثينيون أول ديمقراطية في العالم كحل جذري للحيلولة دون استعادة الطبقة الأرستقراطية السلطة. كان مجلس المواطنين (الإكيلازيا)، والذي يستخدم لمناقشة سياسة المدينة، موجودًا منذ إصلاحات دراكو في عام 621 ق.م؛ سُمح لجميع المواطنين بالحضور بعد إصلاحات سولون (أوائل القرن السادس)، لكن أفقر المواطنين لم يتمكنوا من مخاطبة الجمعية أو الترشح للمناصب. مع تأسيس الديمقراطية، أصبحت الجمعية هي الآلية القانونية للحكومة؛ حيث يتمتع جميع المواطنين بامتيازات متساوية في الجمعية. ومع ذلك، فإن غير المواطنين، مثل الميتك [الإنجليزية] (الأجانب الذين يعيشون في أثينا) أو العبيد، لم يكن لديهم حقوق سياسية على الإطلاق.
بعد نهوض الديمقراطية في أثينا، أسست الدول المدينة الأخرى الديمقراطية. ومع ذلك، احتفظ المدن المدينة بالعديد من أشكال الحكم التقليدية أكثر. كما في كثير من الأحيان في مسائل أخرى، كانت أسبرطة استثناء ملحوظا لبقية اليونان، حيث لم يحكمها خلال تلك الفترة كلها شخص واحد، ولكن اثنين من الملوك الوراثيين. كان هذا شكلا من أشكال الحكومة الثنائية. كان ملوك أسبرطة[الإنجليزية] ينتمون إلى الآغاديين والإرتبانديين، المنحدرين على التوالي من إوريسثينيسوبروكليس. ويُعتقد أن مؤسسي السلالات الحاكمة هم توأمين من أبناء أرسطوديموس[الإنجليزية]، حاكم هيراكليد[الإنجليزية]. ومع ذلك، فإن صلاحيات هؤلاء الملوك كانت تحت مراقبة كل من مجلس الشيوخ (جيروسيا[الإنجليزية]) والقضاة المعينين على وجه التحديد لمراقبة الملوك (أفورر[الإنجليزية]).
البنية الاجتماعية
فقط الرجال الأحرار، المولودين في المدينة، الذين يملكون أراض حرة، يمكن أن يكونوا مواطنين يحق لهم الحصول على الحماية الكاملة للقانون في الدولة المدينة. في معظم دول المدن، على عكس الوضع في روما، لم يكن البروز الاجتماعي يسمح بحقوق خاصة. في بعض الأحيان كانت العائلات تسيطر على الوظائف الدينية العامة، ولكن هذا لم يمنح في العادة أي سلطة إضافية في الحكومة. في أثينا، تم تقسيم السكان إلى أربعة طبقات اجتماعية على أساس الثروة. يمكن للناس تغيير الطبقات إذا كسبوا المزيد من المال. في أسبرطة، كان جميع المواطنين الذكور يدعون هومويايي[الإنجليزية]، أي «الأقران». ومع ذلك، فإن الملوك الأسبرطيين، الذين خدموا كقائدين عسكريين ودينيين مزدوجين في الدولة المدنية، جاءوا من عائلتين.
لم يكن للعبيد أي قوة أو وضع اجتماعي. كان لديهم الحق في امتلاك عائلة وملكية خاصة، مع مراعاة إرادة وأذن سيده، لكن ليس لديهم حقوق سياسية. بحلول عام 600 ق.م، انتشرت العبودية في اليونان. بحلول القرن الخامس قبل الميلاد، شكل العبيد ثلث مجموع السكان في بعض الدول المدينة. بين أربعين وثمانين في المائة من سكان أثينا الكلاسيكية كانوا عبيدًا.[47] العبيد خارج أسبرطة لم يثوروا تقريباً لأنهم كانوا مكونون من العديد من الجنسيات وكانوا متناثرين جدا لكي يتم تنظيمهم. ومع ذلك، على عكس الثقافة الغربية في وقت لاحق، لم يفكر اليونانيون القدماء من حيث العرق.[48]
كانت معظم العائلات تملك العبيد كخدم وعمال منزليين، وحتى العائلات الفقيرة ربما كانت تملك بعض العبيد. لم يُسمح للمالكين بضرب أو قتل عبيدهم. وكثيرًا ما وعد الملاك بتحرير العبيد في المستقبل لتشجيع العبيد على العمل بجد. على عكس روما، لم يصبح الرجال المحررين مواطنين. وبدلاً من ذلك، كانوا يُخلطون بين سكان الميتك[الإنجليزية]، والتي شملت أشخاصًا من دول أجنبية أو دول مدن أخرى سمح لهم رسميًا بالعيش في الولاية.
كانت الدول المدن تملك العبيد بشكل قانوني. كان لدى هؤلاء العبيد العموميين قدر أكبر من الاستقلالية من العبيد الذين تملكهم العائلات، ويعيشون بمفردهم ويؤدون مهام متخصصة. في أثينا، تم تدريب العبيد العموميين على البحث عن العملات المزيفة، في حين عمل عبيد المعبد كخدم لإله المعبد، وكان العبيد السكوثيون يستخدمون في أثينا كقوة شرطة يرتبون المواطنين إلى وظائف سياسية.
كان لدى أسبرطة نوع خاص من العبيد يدعى الهيلوتس. كان الهيلوتس من الميسينين استعبدوا خلال الحروب الميسينية من قبل الدولة ومكلفين للعائلات حيث أجبروا على البقاء. قام الهيلوتس بجمع الطعام والقيام بالأعمال المنزلية حتى تتمكن النساء من التركيز على تربية الأطفال الأقوياء بينما يمكن للرجال أن يكرسوا وقتهم للتدريب كهوبليت. عاملهم أسيادهم بقسوة (كان على كل رجل اسبرطي أن يقتل واحداً من الهيلوتس كطقس مرور)، وكثيراً ما لجأت الهيلوتس إلى ثورات العبيد.
بالنسبة لمعظم التاريخ اليوناني، كان التعليم خاصاً، ماعدا في إسبرطة. خلال الفترة الهلنستية، أنشأت بعض الدول المدينة المدارس العامة. فقط العائلات الثرية يمكنها تحمل تكاليف المعلم. تعلم الأولاد القراءة والكتابة واقتباس الأدب. كما تعلموا الغناء واللعب على الآلات الموسيقية وتم تدريبهم كرياضيين للخدمة العسكرية. لقد درسوا ليس من أجل وظيفة فقط بل من أجل أن يصبحوا مواطنين فعالين. كما تعلمت الفتيات القراءة والكتابة والقيام بعمليات حسابية بسيطة حتى يتمكنوا من إدارة الأسرة. ولكنهم تقريباً لم يتلقوا التعليم بعد مرحلة الطفولة.
ذهب الأولاد إلى المدرسة في سن السابعة، أو ذهبوا إلى الثكنات، إذا عاشوا في أسبرطة. كانت هناك ثلاثة أنواع من التعليم: اللغة والحساب، وجمعيات الموسيقى والرقص، والألعاب الرياضية.
تم رعاية الأولاد من العائلات الثرية الذين يحضرون دروس المدرسة الخاصة من قبل بواغوغوس (باللاتينية: paidagogos)، وهو عبد منزلي تم اختياره لهذه المهمة وهي مرافقة هذا الصبي أثناء النهار. عقدت الدروس في المنازل الخاصة للمدرسين وشملت القراءة والكتابة والرياضيات والغناء ولعب الغنائي والناي. عندما يصبح الولد في عمر 12 عامًا، يبدأ التعليم يتضمن رياضة مثل المصارعة والجري والرمي ورمي الحربة. في أثينا، يلتحق بعض الشباب الأكبر سناً بالأكاديمية من أجل التخصصات الأدق مثل الثقافة والعلوم والموسيقى والفنون. تنتهي الدراسة في سن 18، يليها التدريب العسكري في الجيش عادة لمدة سنة أو سنتين.[49]
يواصل عدد قليل من الأولاد تعليمهم بعد الطفولة، كما هو الحال في التأهيل البدني في أسبرطة. جزء مهم من تعليم المراهق الثري كان الإرشاد مع أحد الشيوخ، والذي في بعض الأماكن والأوقات ربما كان قد شمل الحب. تعلم المراهق من خلال مشاهدة معلمه يتحدث عن السياسة في الأغورا، ومساعدته في أداء واجباته العامة، والتدرب معه في صالة للألعاب الرياضية وحضور حفلات الشراب معه. ياصل أغنى الطلاب دراستهم من خلال الدراسة مع المعلمين المشهورين. بعض من أعظم هذه المدارس في أثينا شملت ليسيوم[الإنجليزية] (ما يسمى المدرسة المشائية التي أسسها أرسطو من ستاجيرا) والأكاديمية الأفلاطونية (التي أسسها أفلاطون الأثيني). نظام تعليم الأغنياء في اليونان يسمى أيضاً بايديا.
في خلال ارتفاعها الاقتصادي، في خلال القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد، كانت اليونان القديمة هي الاقتصاد الأكثر تقدمًا في العالم. وفقا لبعض المؤرخين الاقتصاديين، كان الاقتصاد اليوناني واحداً من أكثر اقتصادات ما قبل الفترة الصناعية تقدماً. ويتجلى ذلك في متوسط الأجر اليومي للعامل اليوناني الذي بلغ، قياساً بالقمح، حوالي 12 كغم. كان هذا أكثر من ثلاثة أضعاف متوسط الأجر اليومي لعامل مصري خلال الفترة الرومانية، والذي بلغ حوالي 3.75 كجم.[50]
الحرب
على الأقل في العصر القديم، أدت الطبيعة المجزأة لليونان القديمة، مع العديد من الدول المدن المتنافسة، إلى زيادة تواتر الصراع، لكنها حدت من نطاق الحرب. بسبب عدم قدرتها على الحفاظ على الجيوش المهنية، اعتمدت دول المدينة على مواطنيها للقتال. أدى هذا إلى تقليل الفترة المحتملة للحملات، حيث يحتاج المواطنون إلى العودة إلى مهنهم (خاصة في حالة المزارعين مثلاً). وبالتالي، اقتصرت الحملات في كثير من الأحيان على الصيف. عندما وقعت المعارك، كانت عادة ما تكون مرة واحدة وتهدف إلى أن تكون حاسمة. كانت الخسائر طفيفة مقارنة بالمعارك اللاحقة، ونادراً ما كانت تصل إلى أكثر من 5٪ من الجانب الخاسر، لكن القتلى غالباً ما ضموا أبرز المواطنين والجنرالات الذين قادوا من الجبهة.
تغير حجم ونطاق الحرب في اليونان القديمة بشكل كبير نتيجة الحروب الفارسية اليونانية. كانت محاربة الجيوش الهائلة للإمبراطورية الأخمينية تتخطى قدرات دولة مدينة واحدة. وقد تحقق الانتصار النهائي لليونانيين من خلال تحالفات دول المدن (تغير التكوين الدقيق بمرور الوقت)، مما سمح بتجميع الموارد وتقسيم العمل. على الرغم من أن التحالفات بين دول المدن وقعت قبل هذا الوقت، إلا أنه لم يشاهد أي شيء على هذا النطاق من قبل. أدى صعود أثيناوأسبرطة باعتبارهما قوى بارزة خلال هذا الصراع مباشرة إلى الحرب البيلوبونيسية، التي شهدت مزيدا من التطور لطبيعة الحرب والاستراتيجية والتكتيكات. خِيضت بين تحالفات المدن التي تهيمن عليها أثينا وأسبرطة، زادت القوى العاملة والموارد المالية زيادة الحجم، وسمحت بتنويع الحرب. وقد ثبت أن المعارك المتقطعة خلال الحرب البيلوبونيسية غير حاسمة وبدلاً من ذلك كان هناك اعتماد متزايد على الاستراتيجيات الاحتجاجية والمعارك البحرية والحصار البحري والحصار الأرضي. هذه التغييرات زادت بشكل كبير من عدد الضحايا وتعطل المجتمع اليوناني. امتلكت أثينا واحدة من أكبر أساطيل الحرب في اليونان القديمة. كان لديها أكثر من 200 سفينة ثلاثية المجاديف كل مدعوم من 170 مجندين كانوا يجلسون في 3 صفوف على كل جانب من جوانب السفينة. كان باستطاعة المدينة شراء مثل هذا الأسطول الكبير - كان لديها أكثر من 34.000 مجداف - لأنها كانت تمتلك الكثير من مناجم الفضة التي كان يعمل بها العبيد.
لم يبدأ أي من المنطق أو التحقيق مع الإغريق. إن تحديد الفرق بين السعي الإغريقي إلى المعرفة وأسئلة الحضارات القديمة، مثل المصريين القدماء والبابليين، كان منذ فترة طويلة موضوع دراسة قام بها نظراء الحضارة.
بعض الفلاسفة المعروفين في اليونان القديمة كانوا أفلاطونوسقراط، من بين آخرين. لقد ساعدوا في المعلومات حول المجتمع اليوناني القديم من خلال كتابات مثل الجمهورية، والذي كتبه أفلاطون.
كان الأدب اليوناني الأقدم هو الشعر، وكان يتألف من الأداء بدلاً من الاستهلاك الخاص.[51] الشاعر اليوناني الأول المعروف هو هوميروس، على الرغم من أنه كان بالتأكيد جزءًا من تقاليد الشعر الشفهي الموجودة.[52] شعر هوميروس، على الرغم من أنه تم تطويره في نفس الوقت الذي طور فيه اليونانيون الكتابة، كان يمكن أن يتكون شفوياً. كان الشاعر الأول الذي يؤلف عملهم كتابةً هو أرخيلوخوس، وهو شاعر غنائي[الإنجليزية] من منتصف القرن السابع قبل الميلاد.[53] تطور شعر المأساة[الإنجليزية]، حول نهاية الفترة القديمة، مع عناصر من جميع أنحاء الأنواع الموجودة مسبقا من الشعر القديم.[54] نحو بداية الفترة الكلاسيكية، بدأت الكوميديا بالتطور - أقرب تاريخ مرتبط بهذا النوع هو عام 486 ق.م، عندما أصبحت مسابقات الكوميديا حدثًا رسميًا في مدينة ديونيسيا في أثينا، على الرغم من أن أول كوميديا قديمة تم الحفاظ عليها هي «أهل أخارناي» من أريستوفان، أنتجت في عام 425 ق.م.[55]
مثل الشعر، كان للنثر اليوناني أصوله في العصر القديم، وأقدم كتاب الفلسفة اليونانية والتاريخ والأدب الطبي يعود تاريخه إلى القرن السادس قبل الميلاد.[58] برز النثر لأول مرة كنمط الكتابة الذي تبناه فلاسفة ما قبل سقراطأناكسيماندروأنكسيمانس - على الرغم من أن طاليس، يعتبر الفيلسوف اليوناني الأول، على ما يبدو أنه لم يكتب أي شيء.[59] بلغ النثر مرحلة النضوج في العصر الكلاسيكي،[58] ونوع النثر اليوناني الرئيسي - الفلسفة والتاريخ والبلاغة والحوار - تطورت في هذه الفترة.[60]
شهدت الفترة الهلنستية تحول المركز الأدبي للعالم اليوناني من أثينا، حيث كان في الفترة الكلاسيكية، إلى الإسكندرية. وفي الوقت نفسه، كان الملوك الهلنستانيون الآخرون مثل أنتيغونوسوالأتالوس هم رعاة المبتعثين والأدب، حيث قاموا بتحويل بيلاوبيرغامون على التوالي إلى مراكز ثقافية.[61] كان ذلك بفضل هذه الرعاية الثقافية من قبل الملوك الهلنستيين، وخاصة متحف الإسكندرية، الذي يضمن بقاء الكثير من الأدب اليوناني القديم.[62] كانت مكتبة الإسكندرية، وهي جزء من المتحف، هدفًا غير متصور سابقًا وهو جمع نسخ من جميع المؤلفين المعروفين باللغة اليونانية. تقريبا جميع الأدبيات الهلينستية غير الفنية المتبقية هي الشعر،[62] ويميل الشعر الهلنستي إلى أن يكون فكريًا للغاية،[63] مزاجاً أنواع وتقاليد مختلفة، ومتجنباً الروايات الخطية.[64] شهدت الفترة الهلنستية أيضًا تحولًا في الطرق التي يتم بها استهلاك الأدب - بينما في الفترات القديمة والكلاسيكية كان الأدب يلقي على العامة، في الفترة الهلنستية كان يقرأ بشكل خاص بشكل عام.[65] في الوقت نفسه، بدأ الشعراء الهلنستانيون الكتابة للاستهلاك الخاص، وليس العام.[66]
مع انتصار أوكتافيان في أكتيوم في عام 31 ق.م، بدأت روما تصبح مركزًا رئيسيًا للأدب اليوناني، حيث جاء مؤلفون يونانيون مهمون مثل سترابووديونيسيوس الهاليكارناسوسي إلى روما.[67] كانت فترة الابتكار الأعظم في الأدب اليوناني في روما هي «القرن الثاني الطويل» من حوالي 80 م إلى حوالي 230 م.[68] كان هذا الابتكار مميزًا بشكل خاص في النثر، مع تطور الرواية وإحياء البروز لعرض الخطابة التي يرجع تاريخها إلى هذه الفترة.[68]
كانت الموسيقى موجودة بشكل شبه عالمي في المجتمع اليوناني، من الزيجات والجنازات إلى الاحتفالات الدينية، والمسرح، والموسيقى الشعبية، وتلاوة الشعر الملحمي. هناك أجزاء كبيرة من الترميز الموسيقي اليوناني الفعلي بالإضافة إلى العديد من الإشارات الأدبية إلى الموسيقى اليونانية القديمة. يصور الفن اليوناني الآلات الموسيقية والرقص. كلمة الموسيقى مشتقة من اسم ميوزات (Muses)، بنات زيوس الذين كانوا آلهة للفنون.
طور اليونانيون علم الفلك إلى مستوى متطور للغاية، وعاملوه كفرع من الرياضيات. تم تطوير أول نماذج هندسية ثلاثية الأبعاد لشرح الحركة الظاهرية للكواكب في القرن الرابع قبل الميلاد من قبل إيودوكسوس من كنيدوس و كاليبوس[الإنجليزية]. اقترح هيرقليديس بونتيكوس[الإنجليزية] الأصغر سناً المعاصر أن الأرض تدور حول محورها. في القرن الثالث قبل الميلاد، كان أرسطرخس الساموسي أول من اقترح نظاما مركزياً. أرخميدس في أطروحته حسابات الرمل[الإنجليزية] يُحيي فرضية أرسطرخس «أن النجوم الثابتة والشمس تبقى غير متأثرة، بينما تدور الأرض حول الشمس على محيط الدائرة». وإلا، فإن الأوصاف المجزأة لفكرة أرسطرخس تبقى فقط.[69] قدر إراتوستينس، مستخدمًا زوايا الظلال التي تم قياسها في مناطق منفصلة على نطاق واسع، محيط الأرض بدقة كبيرة.[70] في القرن الثاني قبل الميلاد قدم هيبارخوس من نيقيا عددًا من المساهمات، بما في ذلك أول قياس لـ المبادرة وأول قاموس مجمع للنجوم الذي اقترح فيها النظام الحديث للمقاييس الظاهرية.
إن آلية أنتيكيثيرا، وهي أداة لحساب حركات الكواكب، التي تعود إلى حوالي عام 80 ق.م، كان أول سلف للحاسوب الفلكي. تم اكتشافه في حطام سفينة قديمة غارقة قبالة جزيرة أنتيكيثيرا اليونانية، بين كيثيراوكريت. أصبح هذا الجهاز مشهوراً لاستخدامه ترس تفاضلي، كان يُعتقد سابقاً أنه اخترع في القرن السادس عشر، وصغر أجزائه وتعقيدها، يقارن بالساعة التي صنعت في القرن الثامن عشر. يتم عرض الآلية الأصلية في المجموعة البرونزية للمتحف الأثري الوطني في أثينا، مصحوبة بنسخة طبق الأصل.
اكتشف الإغريق أيضاً العديد من الاكتشافات الهامة في المجال الطبي. أبقراط كان طبيبا في الفترة الكلاسيكية، ويعتبر واحدا من أبرز الشخصيات في تاريخ الطب. يشار اليه باسم «والد الطب»[71][72] تقديرا لمساهماته الدائمة في هذا المجال كمؤسس مدرسة أبقراط للطب. أحدثت هذه المدرسة الفكرية ثورة في الطب في اليونان القديمة، مما جعلها تخصصًا متميزًا عن المجالات الأخرى التي ارتبطت بها تقليديًا (خصوصًا الطقوسوالفلسفة)، مما جعل الطب مهنة.[73][74]
لقد أثر فن اليونان القديم تأثيراً هائلاً على ثقافة العديد من البلدان منذ العصور القديمة وحتى يومنا هذا، وخاصة في مجالات النحتوالهندسة المعمارية. في الغرب، استمد فن الإمبراطورية الرومانية إلى حد كبير من النماذج اليونانية. في الشرق، بدأت غزوات الإسكندر الأكبر عدة قرون من التبادل بين الثقافات اليونانية ووسط آسيا والهند، مما أدى إلى الفن البوذي اليوناني، مع تأثيرات تصل إلى اليابان. بعد عصر النهضة في أوروبا، ألهمت الجمالية الإنسانية والمعايير الفنية العالية للفن اليوناني أجيالًا من الفنانين الأوروبيين. في القرن التاسع عشر، سيطر التقليد الكلاسيكي المستمد من اليونان على فن العالم الغربي.
^Wayne C. Thompson؛ Mark H. Mullin. Western Europe, 1983. Stryker-Post Publications. ص. 337. مؤرشف من الأصل في 2019-10-07. for ancient Greece was the cradle of Western culture ...
^Grammaticos، P. C.؛ Diamantis، A. (2008). "Useful known and unknown views of the father of modern medicine, Hippocrates and his teacher Democritus". Hellenic journal of nuclear medicine. ج. 11 ع. 1: 2–4. PMID:18392218.