يثرب

يثرب

يَثْرِب هو الاسم السابق للمدينة المنورة قبل الهجرة النبوية للرسول سميت يثرب بهذا الاسم نسبة إلى يثرب ابن قاينة بن مهلائيل بن إرم بن عبيل بن عوض بن إرم بن سام بن نوح. والجدير بالذكر هو كراهية إطلاق هذا الاسم عليها، والأحرى تسميتها باسم المدينة (دون لفظ "المنورة") وطيبة وبأسمائها الأخرى التي أطلقت عليها بعد الهجرة النبوية و تعد مدينة يثرب الحجازية من أمهات المراكز الزراعية في بلاد العرب.[1]

شاع اسم يثرب قديماً ووجد في نقوش وكتابات غير عربية فظهر في جغرافية بطليموس اليوناني باسم يَثْرپا (Γιαθρίμπ) وفي كتاب اسطفان البيزنطي باسم يثرب (YATHRIP) وظهر اسمها في نقش على عمود حجري بمدينة حران (اتربو) (ITRIBO).

استوطنتها قبيلة عبيل بقيادة يثرب التي سميت باسمه ووجدوا فيها أرضاً خصبة وشجراً وماء حتى جاء العماليق وسكنوها بعدهم والعماليق من أحفاد نوح خرجوا من بابل واستوطنوا ما بين تهامة ومكة وبقوا فيها إلى زمن ملكهم السميدع، ثم جاءت جرهم فأخرجتهم من المنطقة وسكنت مكة

اكتسبت يثرب مكانتها المقدسة بعد هجرة الرسول وصحابته وأصبحت المدينة المنورة ثاني الحرمين الشريفين. تكونت فيها أول دولة إسلامية دستورها القرآن وأصبحت أول عاصمة إسلامية لدولة يحكمها رسول مبعوث ومن بعده الخلفاء الراشدون حتى وفاة الخليفة الثالث عثمان بن عفان وكان الخليفة الراشدي الرابع علي بن أبي طالب قد نقل العاصمة من المدينة للكوفة لأسباب سياسية وبعده نقلها معاوية بن أبي سفيان لدمشق ثم نقلها العباسيون لبغداد بعد تأسيسها.

التأسيس

من المستحيل أن نجزم بسنة محددة نؤرخ بها تأسيسها، فنحن لا نعرف على وجه اليقين كم من القرون تفصل بين نوح والهجرة النبوية وما ذكره بعض المؤرخين روايات شفهية لا تستند إلى دليل مرجح. وكل ما يمكن أن نتوقعه هو أنه حدث في عهود سحيقة على أيدي أمم انقرضت، فعبيل أو العماليق، هي من الأمم البائدة، وليس لدينا آثار تساعدنا على تحديد فترة زمنية معينة للتأسيس. ويضع بعضهم تاريخاً تقريبياً يمتد إلى 1600 سنة قبل الهجرة النبوية اعتماداً على أن قبيلة عبيل كانت تتكلم العربية، وأن اللغة العربية وجدت في ذلك التاريخ. ويقترب هذا التحديد من الزمن الذي وجدت فيه كلمة "يثرب" في الكتابات التاريخية عند غير العرب وفي بعض النقوش المكتشفة. فقد ورد اسم يثرب في الكتابات عند "مملكة معين" وذكرت بين المدن التي سكنتها جاليات معينية. ومن المعروف أن المملكة المعينية قامت في جزء من اليمن في الفترة ما بين 1900 و1000 قبل الميلاد. وامتد نفوذها في فترة ازدهارها إلى الحجاز وفلسطين، وعندما ضعف سلطانها كونت مجموعة مستوطنات لحماية طريق التجارة إلى الشمال، وكان هذا الطريق يمر بيثرب. ويتفق هذا التاريخ التقريبي أيضاً مع التاريخ الذي يذكره المؤرخون لوجود العماليق وحروبهم مع بني إسرائيل في شمال الجزيرة العربية وسيناء.[2][3][4]

يثرب في المرحلة الأولى

إن صح أن فرع عبيل هو الذي أنشأ يثرب، فإن الأخبار عن عبيل قليلة جداً، لا تساعدنا على تكوين صورة واضحة. ونفهم من روايات النسابين أن عبيل هو الحفيد الرابع لنوح حسب رواية الطبري، أو الحفيد السادس حسب رواية السهيلي وابن خلدون. وكان يعيش في بابل مع أقاربه من أبناء نوح الآخرين. وقد ذكر في سفر التكوين أن عموبال (عبيل) هو أحد أولاد مقعان (قحطان).[5] ويرى المؤرخون أن بابل وصلت إلى درجة لا بأس بها من التطور الزراعي بعد وفاة نوح، فقد خلفه بعض أبنائه وأصبحوا ملوكاً على المدينة، وعندما خرج فرع (عبيل) بقيادة يثرب بن قاينة من بابل ساروا مدة عشرين يوماً حتى وصلوا إلى موضع المدينة فنزلوها وسموها باسم قائدهم يثرب، وحملوا معهم مدنيّتهم الزراعية وقد أورد السمهودي في كتابه "وفاء الوفا" أبياتاً في رثاء العبيليين نستشف منها أثر تقدمهم الزراعي والرعوي آنئذ تقول الأبيات:

عين جودي على عبيل وهل يرجعمن فات بيضها بالسجام
عمروا يثربا وليس بها شفرولا صارخ ولا ذو سنـام
غـرسوا لينها بمجرى معينثم حفوا النخيل بالآجام


ومع أننا لا نثق بصحة الأبيات، ونتوقع أن تكون من نحل القصاصين، فإن الصورة التي رسمتها للعبيليين متوافقة مع ما يذكره المؤرخون عن أهل بابل ونشاطهم الرعوي والزراعي. إن الأرض الخصبة، ووفرة المياه فيها، ساعدت العبيليين على زراعة النخيل، وتربية الحيوانات في يثرب. ويمكن أن نتصور حياة عبيل في يثرب آنئذ على النحو التالي:

مجموعة من الأسر تسكن قرية صغيرة كثيرة الأشجار والمياه، تربي حيواناتها المدجنة: الإبل والخيل والغنم، وتزرع النخيل وبعض الخضراوات والفواكه الأخرى، وتستمتع بمحصول وافر ونتاج جيد، وفي شبه عزلة عن العالم الخارجي البعيد والمجهول، تحميها الجبال والتلال البركانية التي تحيط بالمنطقة ولا تترك منفذاً إليها سوى بعض الدروب التي يمكن مراقبتها وتحصينها. وقد التمس الدكتور جواد علي ما يثبت وجود قبيلة عبيل في الكتابات القديمة، وأشار إلى وجود اسم عموبال في بعض أسفار التوراة التي تذكر أنه ابن من أبناء يقطان، كما أشار إلى أن المؤرخ بليتوس يذكر اسم موضع يقال له: (أباليتس) (Ablates) أي العبيليين.[6][7]

العماليق

أطلق اسم العماليق على قبائل قديمة انقرضت، وقد أوردت بعض الكتب أخباراً عنهم تمتزج بالأساطير، فاسمهم يوحي إلى الأذهان بضخامة أجسامهم، وقد دفع هذا الإيحاء بعض الرواة إلى المبالغة والتهويل، فنقل لنا السمهودي رواية تزعم أن ضبعاً وأولادها وجدت رابضة في تجويف عين رجل ميت من العماليق، وأنه كانت تمضي أربعمائة سنة لا يموت منهم أحد، ولا شك أن هذه الرواية وأمثالها من صنع قصاصين يحرصون على استثارة جمهورهم بالخوارق والعجائب.

وبعيداً عن تلك المبالغات، فإن كلمة عملاق في اللغة تعني الطويل، ويبدو أن تلك القبائل كانت تتميز بشيء من الطول والجسامة، ويرى بعض المؤرخين الحديثين أن سكان الجزيرة العربية كانوا حتى عام 1600 قبل الهجرة ضخاماً، وبقي لهم أحفاد إلى ما بعد ذلك وعرفوا بهذا الاسم، وإن لم يكونوا يحملون ذلك القدر من الطول ولا يعمرون ما يعمر به أسلافهم. والعماليق في كتب التاريخ العربية من أحفاد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، كانوا يسكنون مع الأحفاد الآخرين لنوح في منطقة الرافدين ثم خرجوا مع مجموعات أخرى، وتكاثر أحفاد نوح حتى زاحم بعضهم بعضاً. وصل العماليق برفقه إخوانهم من طسم وجديس وباقي إخوانهم من ذرية إرم بن سام إلى الجزيرة العربية وقد سبقهم ثمود وعاد وأميم وأوبار وعبيل وأغلبهم شعوب استقرت في الأحقاف حضرموت وظفار والربع الخالي حاليا من جنوب الجزيرة العربية وانتشروا في أنحائها، ثم هاجرت بعضهم من الأحقاف مثل ثمود وعبيل وسكنت قبائلهم الكثيرة في نجد والبحرين وعمان واليمن وتهامة وبلغوا أطراف بلاد الشام، وكان منهم فراعنة مصر أيضاً، ويذكر الطبري أن الذين سكنوا يثرب منهم هم من قبيلة جاسم، ويذكر ابن خلدون قبائل أخرى هي: بنو لَفٍّ وبنو سعد بن هزال، وبنو مطر، وبنو الأزرق. ولا نعرف متى استوطن العماليق في يثرب على وجه التحديد، وربما نزلوها بعد خروجهم من أرض الرافدين. وقد اختلف المؤرخون هل هم الذين أسسوا يثرب أم قبيلة عبيل؟ وهل انتزعوها منهم؟ وهناك من يعتقد أن العماليق هم من عبيل نفسها. والذي يتفقون عليه هو أن وجود العماليق قديم في يثرب سواء في فترة التأسيس أو بعدها مباشرة. ومن المؤكد أن العماليق وجدوا في يثرب قديماً، وأنهم عرب. ويرى الطبري أن جدهم عمليق هو أول من تكلم العربية. كما أن أسفار التوراة ذكرتهم عدة مرات وسمتهم باسمهم العماليق حيناً وباسم الجبارين حيناً آخر. وذكرت أسماء بعض زعمائهم ومدنهم العربية، فقد عاصروا خروج بني إسرائيل من مصر، واصطدموا معهم في معارك عدة بمنطقة سيناء.

وقد أنشأ العماليق في يثرب مجتمعاً زراعياً ناجحاً يحقق الاكتفاء الذاتي وانهمكوا في زراعة أراضيهم الخصبة وتربية ماشيتهم، وعاشوا حياتهم مستمتعين بوفرة محاصيلهم أول الأمر، وعندما نمت التجارة أسهموا فيها، ووصلت قوافلهم إلى غزة، ولكن تجارتهم بقيت محدودة لا تعادل تجارة أهل مكة، وآثروا عليها الزراعة بسبب خصب أراضيهم وكثرة مياههم. وقد درّت عليهم أعمالهم الناجحة أموالاً طائلة. وخافوا من عدوان القبائل الأخرى التي تجدب أرضهم وتشح مواردهم فبنوا الآطام، وهي حصون صغيرة تتسع لعائلة أو بضع عائلات وتحميهم من غارات الأعداء.

وقد عمر العماليق في يثرب ماشاء الله، ثم وفدت عليهم قبائل أخرى ساكنتهم، فالوفرة التي وصل إليها العماليق جعلتهم يقبلون مساكنة الوافدين إليهم ليستفيدوا من العمالة الطارئة، فيخفف عنهم القادمون أعباء العمل في الأرض، ويجد أصحاب الأرض فرصة للتمتع بثرواتهم وما لبث الوافدون أن استثمروا بعض الأراضي التي لم يستثمرها العماليق في المنطقة، وتحولوا إلى ملاّك وأثروا وجاروا العماليق في حياتهم.

وخلال رحلة السنين الطويلة، حصل تزاوج وتمازج بين العماليق والقبائل الوافدة، وظهرت أجيال جديدة تحمل دماءً مختلطة، وما لبث العماليق المتميزون بضخامة الأجسام أن قل عددهم تدريجياً، ولكنهم لم ينقرضوا تماماً، بل بقيت منهم بقية إلى ما بعد وصول اليهود إلى يثرب ويذكر المؤرخ العربي ابن زبالة أن بني أنيف ـ وهم حي أقاموا مع اليهود قبل وصول الأوس والخزرج ـ كانوا منهم. وعندما وصل الإسلام إلى يثرب لم يكن قد بقي منهم إلا أفراد قلائل تميزوا بطول القامة.[8][9][10]

يثرب والمعينيون

وتضمنت بعض النصوص المعينية القديمة اسم يثرب أيضًا، كما ذكره الرحالة بطلميوس السكندري في منتصف القرن الثاني للميلاد، بصيغتي Iathrip- Pa or Jathrippe، وأشار إليه اسطفانوس البيزنطي باسم Iathrippa Polis أي مدينة يثرب، وذلك بما يدل على أنها كانت قد استكملت الطابع المدني وتميزت به عما حولها من أراضي الزراعة ومضارب البدو. وتأيد هذا في تسميتها العربية المدينة التي قد تعبر عن هذا التحول، وتكون عربية الأصل أدي خصب يثرب وثراؤها النسبي إلى كثرة عمرانها، وأدى موقعها الاستراتيجي والظروف التي مرت بها إلى تعدد طوائف سكانها ولعل ما يقال عن تداخل الجماعات ذات الأصول القحطانية والعدنانية في يثرب يشبه ما كانت الحال عليه قديمًا في لحيان وتيماء وغيرها من حيث نزول جاليات تجارية عربية جنوبية معينية وسبئية في أرضها لكي ترعى[11] المصالح التجارية لدولها الجنوبية، ولما طال المقام بها اختلطت وتصاهرت مع السكان الأصليين من العرب الشماليين[12] وتعد المملكة المعينية من أقدم الممالك العربية الجنوبية التي وصلتنا بعض أخبارها عن طريق المكتشفات الأثرية، ظهرت في شمالي اليمن وازدهرت وامتد نفوذها في الفترة ما بين 1300 ـ 630 قبل الميلاد، وقد ذكرها بعض الجغرافيين الغربيين، مثل (تيودورس) الصقلي (وسترابون) الروماني، أما المؤرخون والجغرافيون العرب فلم تصلهم أخبارها. يقول عنها ياقوت الحموي معين: اسم حصن باليمن ومدينة باليمن تذكر في براقش، قال عمرو بن معديكرب:

ينادي من براقش أو - معين فأسمع واتلأب بنا مليع

وتدل الآثار المكتشفة أن المملكة المعينية كانت لها صلات وثيقة مع جاراتها تحولت إلى نفوذ وسيطرة، فامتدت سلطتها من جنوبي اليمن إلى الحجاز وحتى فلسطين. وقد وجد المنقبون كتابات معينية تذكر أن يثرب ومؤان، وعمون، وغزة كانت جزءاً من المملكة المعينية وأرضاً خاضعة لها، وأن ملوك معين كانوا يعينون حكاماً عليها باسمهم ويلقب الحاكم (كبر) أي كبير، ويتولى الحكم باسم الملك، ويجمع الضرائب ويحافظ على الأمن. وهذا يعني أن المعينيين سيطروا على يثرب في فترة تمدد مملكتهم، أي منذ الألف قبل الميلاد، وعينوا عليها حاكماً من أهلها ـ كما كانوا يفعلون في مناطق نفوذهم الأخرى ـ لتأمين طريق تجارتهم البرية، ولم تكن سلطتهم على المدينة تتعدى الضريبة السنوية المفروضة عليهم، فضلاً عن حماية قوافلهم، ولا نجد في الكتابات القليلة عن معين أي ذكر لحروب خاضوها مع أهل يثرب، ولا أحداثاً متميزة. وجل ما نجده إشارات تبين أن سيطرتهم كانت على الحجاز بأكمله، ونظراً لضعف هذه السيطرة ظل المجتمع اليثربي مجتمعاً زراعياً ورعوياً في الغالب، ولم يشهد أية تغييرات كبيرة، اللهم إلا المزيد من الاستقرار والانتعاش والفوائد التي تأتي بها قوافل التجارة العابرة.[13]

يثرب في عهد مملكة سبأ

الازد

وللتوسع في هذا الموضوع كتاب الخملاني ص196 ف77

يثرب والكلدانيون

ظهرت الدولة الكلدانية في العراق وكانت عاصمتها بابل، وقد ازدهرت ومدت نفوذها إلى مناطق واسعة في القرن السابع قبل الميلاد ووصلت في فترة من الوقت إلى الحجاز. وقد عثر في خرائب مسجد حـّران الكبير على نقش يتحدث عن أعمال الملك الكلداني نبو نيد، وفيها أنه خرج إلى شمالي الجزيرة العربية واستولى على تيماء واستقر بها، ثم استولى على المدن المجاورة وضمها إليه، وهي: مدينة ددانو وهي مدينة قديمة معروفة ذكرتها الأسفار العبرانية، ومدينة بداكوا وهي فدك، ومدينة خبرا وهي خيبر، واتريبوا وهي يثرب. وظلت خاضعة لحكم هذا الملك عشر سنوات. ونبو نيد هو آخر ملوك الدولة البابلية الكلدانية، حكم 16 سنة من سنة 556 ـ 539 ق.م، قضى عشر سنوات منها شمالي الجزيرة العربية، تاركاً عاصمته بابل تحت حكم ابنه (بلشازار) ثم عاد إلى بابل ليدهمهم الملك الفارسي قورش سنة 539 ق.م، وينهي دولتهم ويجعلها ولاية تابعة لإمبراطوريته. وقد صالح أهل يثرب الملك نبو نيد ودخلوا في طاعته سلماً بعد أن ضعف سلطان الدولة السبئية ودفعوا الضرائب التي كان يجبيها السبئيون منهم إليه.

أحضر نبو نيد معه بعض القبائل الكلدانية والأسرى اليهود إلى المنطقة، وأسكنهم فيها وأعطاهم بعض الأملاك التي نزعها من أصحابها العرب وحماهم بقطعات من جيشه، وكان يخطط لإلحاق المنطقة كلها بمملكته. ولكن الخطة لم تنجح ومات مشروعه مع عودته إلى بابل، غير أن أكثر المستوطنين الجدد بقوا في المنطقة وامتزجوا مع أهلها، ويستدل الدكتور جواد علي على ذلك بوجود بعض الألفاظ الكلدانية في لغة أهل يثرب والمناطق الأخرى التي تقع إلى الشمال منها وخاصة في الزراعة.[14]

يثرب والرومان

ظهرت الدولة الرومانية قبل الميلاد بعدة قرون، واشتدت قوتها فاستولت على ممالك الإغريق (اليونانيين القدماء) ومدت نفوذها إلى بقية أوروبا وغربي آسيا وشمالي أفريقيا. ولكن الرومان لم يستطيعوا التوغل في جزيرة العرب في فترة امتدادهم العسكري الكبير، لأن الصحراء الواسعة تشكل العقبة الكبيرة لجيوشهم النظامية الجرارة. ويذكر التاريخ الروماني محاولة واحدة قامت فيها حملة رومانية باختراق الجزيرة العربية إلى جنوبها للوصول إلى مناطق الذهب في أرض اليمن، وقد جرت هذه المحاولة في عهد الإمبراطور (أغسطس) عام 25 ق.م حيث أمر هذا الإمبراطور واليه على مصر (أوليوس غالوس) بإعداد الحملة وقيادتها، ورافق الحملة جغرافي معروف هو (سترابون) صديق القائد (غالوس) وكتب عنها، فوصلتنا أخبارها شبه كاملة.

خرجت الحملة بعشرة آلاف محارب روماني وألف قبطي وخمسمائة إسرائيلي، يرشدها أحد قواد الأنباط، وأبحرت من الساحل المصري للبحر الأحمر ووصلت إلى ميناء (لويكة كومة) التي يقدر دكتور جواد علي أنها ينبع[15]، بينما يرى فؤاد حمزة أنها مويلح.[16] بعد أن خسرت عدداً كبيراً من السفن والرجال، وفتك المرض بعدد آخر لفساد الطعام والماء وسوء الغذاء، فاضطرت إلى قضاء الصيف والشتاء فيه حتى استراح الجيش وتعافى من المرض. بعدها تحركت الحملة إلى نجران، واجتازت عدة مدن وحاربت أهلها حتى بلغت مدينة مرسيبا (مأرب) ومنها عادت إلى مدائن صالح ثم أبحرت عائدة إلى مصر، ولم تحقق الحملة أهدافها ولم تحصل على الذهب الذي خرجت لأجله، كما أنها لم تلحق المدن التي احتلتها بالدولة الرومانية. وقد تعددت الآراء حول الطريق التي سلكتها الحملة بعد نزولها في ينبع أو مويلح، ومن بين تلك الآراء رأي يفيد أن الحملة سارت في طريق (إضم) إلى يثرب لكي تتجنب الاصطدام بالقبائل التي تسكن على الطريق التجاري بين ينبع والجنوب، وأنها تابعت طريقها من يثرب إلى نجد، ومنها سارت في طريق اليمن إلى نجران.

وذكر سترابون أن ملك تلك المنطقة (ربما كان شيخ قبيلة) يدعى الحارث قد رحب بالرومانيين وساعدهم في اجتياز الطريق. وبناء على هذه الرواية (وهي أرجح الروايات) فإن الحملة قد مرت بيثرب واستراحت فيها قليلاً وتزودت بما يلزمها من الماء والطعام، فسترابون يذكر أن المنطقة كانت كثيرة العيون. ولا شك أن ذكاء الحارث وحسن تعامله مع قائد الحملة قد أفاد يثرب وبقية المدن التي مرت بها، فلم يتعرض الجيش لها بسوء، وربما يكون الحارث قد تفاهم مع شيوخ المنطقة ورؤسائها كي يتجنبوا الصدام مع الحملة. وعلى أية حال فإن الحملة لم تترك أثراً في يثرب أو في حياة اليثربيين، حتى إننا لا نجد لها ذكراً في كتابات المؤرخين القدماء، بل إن الرومانيين عامة لم يؤثّروا في حياة يثرب وأبنائها على الإطلاق. وكان مرور الجيش الروماني في هذه الحملة هو العلاقة الوحيدة والعابرة معهم.[16][17]

اليهود في يثرب

تذكر المصادر التاريخية روايات كثيرة مختلفة لوجود اليهود في يثرب في العصر الجاهلي وتجمع على أنهم جاؤوا إليها من خارج الجزيرة العربية في عدة هجرات متوالية:

الأولى في سنة 589 ق.م، عندما اقتحم بختنصر البابلي منطقة الشام وسبى معظم أهلها فهرب جماعة منهم وساروا إلى بلاد الحجاز ونزلوا يثرب. الهجرة الثانية ما بين عامي 66 - 70م عندما هاجم القائد الروماني تيتوس فلسطين ودمر المنطقة ثانية وشتتهم وأغرق عدداً كبيراً منهم في بحيرة لوط ففر الناجون إلى الحجاز ووصلوا يثرب وأقاموا فيها مع من سبقهم. الهجرة الثالثة عام 132م عندما أرسل الإمبراطور الروماني هارديان جيشاً إلى فلسطين فأخرجهم منها ومنعهم من دخولها نهائياً وفر من نجا منهم إلى جزيرة العرب.

وكانت يثرب عندما جاءها أشتات اليهود الهاربين عامرة بمجتمع يضم قبائل عربية بعضها بقية من العماليق وبعضها قبائل توافدت من أطراف يثرب القريبة والبعيدة. وأول من وصل يثرب من اليهود ثلاث قبائل هم بنو قريظة وبنو النضير وبنو قينقاع، ثم تبعتهم قبائل أخرى. ونزلت بنو النضير عند وادي بطحان وبنو قريظة عند وادي مهزور وبنو قينقاع في الوسط، ثم انتشروا في أخصب بقاع المنطقة. وقد سالموا العرب المقيمين في يثرب أول الأمر وأحسنوا التعامل معهم وانهمكوا في زراعتهم وبعض الصناعات التي كانوا يتقنونها، ودفعوا لرؤساء القبائل المجاورة إتاوة مقابل عدم مهاجمتهم، وأقاموا تجمعات مغلقة وبنوا الحصون والآطام، وجمعوا ثروات كبيرة وكان أحبارهم يختصون بالأمور الدينية ويحكمون فيما يقع بينهم من خصومات. وقد اهتموا بزراعة النخل واتسعت زراعتهم وكثرت آطامهم وانتشرت في الأطراف الشرقية والجنوبية من يثرب، ولم يتحمسوا لنشر عقيدتهم بين القبائل العربية الوثنية واكتفوا ببعض الأفراد والأفخاذ التي مالت إليهم ثم تهودت تدريجياً وما لبثوا أن سيطروا على الحركة الاقتصادية وأشاعوا القروض الربوية الفاحشة. وعندما وصلت قبيلتا الأوس والخزرج المهاجرتين من اليمن، كانوا المتنفذين في يثرب، فطلبوا منهم أن يسمحوا لهم بالنزول في المناطق المجاورة لمزارعهم، وكان اليهود في حاجة إلى الأيدي العاملة لاستثمار مزارعهم وثرواتهم المتزايدة، فسمحوا لهم بالنزول في المناطق غير المأهولة من يثرب، واستخدموهم في مزارعهم.[18]

الأوس والخزرج

يتفق المؤرخون على أن الأوس والخزرج قبيلتان قحطانيتان، جاءتا من مملكة سبأ في اليمن على إثر خراب سد مأرب، وعندما وصلتا إلى يثرب أعجبتا بما فيها من أرض خصبة وينابيع كثيرة، وقد كان سكانها (وخاصة اليهود) في حاجة إلى الأيدي العاملة لاستثمار الأراضي، فسمحوا لهم بالنزول قريباً منهم بين الحرة الشرقية وقباء، وكانت ظروف عملهم أول الأمر قاسية وبمرور الزمن تحسنت أحوالهم، فبدأ اليهود يخافون من منافستهم، فتداعى عقلاء الطرفين إلى عقد حلف ومعاهدة يلتزمان فيها بالسلام والتعايش والدفاع عن يثرب إزاء الغزاة، فتحالفوا على ذلك والتزموا به مدة من الزمن، ازداد خلالها عدد الأوس والخزرج ونمت ثرواتهم، ففسخ اليهود الحلف وقتلوا عدداً منهم وعملوا على إذلالهم، وبقي الأوس والخزرج على تلك الحال إلى أن ظهر فيهم مالك بن العجلان الذي استنجد بأبناء عمومته الغساسنة في الشام فاستجابوا له وأرسلوا جيشاً كسر شوكة اليهود فعادوا إلى الوفاق وعاشوا فترة أخرى حياة متوازنة، فعندما هاجم تبع بن حسان يثرب وأراد تخريبها، وقف الجميع في وجهه حتى رجع عن قصده وصالحهم، وفي هذه المرحلة من الوفاق تحرك أبناء الأوس والخزرج خارج الحزام الذي كانوا محتبسين فيه، وبنوا المنازل والآطام في سائر أنحاء يثرب، وتوسعوا في المزارع، وصار لكل بطن من بطونهم مواقع كثيرة، حينئذ خطط اليهود لاستعادة سلطتهم عليهم بطريقة جديدة ترتكز على التفريق بينهم وضرب بعضهم ببعض، فأعادوا التحالف معهم، وجعلوا كل قبيلة منهم تحالف واحدة من القبيلتين الأوس والخزرج تمهيداً لإيقاع الفتنة بينهم، فتحالف بنو النضير وبنو قريظة مع الأوسيين، وتحالف بنو قينقاع مع الخزرجيين، وبدأت كل فئة يهودية تسعر النار في حليفتها على الطرف الآخر وتذكي العداوة والشقاق بينهما، ونجحوا في إشعال الحروب الطاحنة التي استمرت قرابة مائة وعشرين عاماً بينهما، ولم تنته حتى جاء الإسلام فأطفأها.

المعارك بين الأوس والخزرج

بدأت المعارك بين الأوس والخزرج بحرب سمير وانتهت بحرب بعاث قبل الهجرة بخمس سنوات وما بين هاتين الحربين نشبت أكثر من عشرة حروب، وكان لليهود دور في إثارتها وإذكائها وأهم تلك الحروب والوقائع ما يلي: حرب سمير، وحرب حاطب، ووقعة جحجبا وموقعة السرارة وموقعة الحصين بن الأسلت وموقعة فارع ويوم الربيع وموقعة الفجار الأولى والثانية وموقعة معبس ومضرس.

وكان آخرها وأشدها حرب بعاث، وقد استعد لها كل من الأوس والخزرج أكثر من شهرين بسبب الأحقاد المتراكمة وتحالف الأوس مع بني قريظة وبني النضير، بينما تحالف الخزرجيون مع مزينة وأشجع وخالفهم عبد الله بن أبي ابن سلول، والتقى الطرفان في منطقة تسمى بعاث، واقتتلوا قتالاً شديداً، وتضعضع الأوسيون وحلفاؤهم وقتل عدد كبير منهم وبدؤوا بالفرار ولكن قائدهم حضير الكتائب ثبتهم، فقاتلوا بشجاعة وهزموا الخزرجيين وحلفاءهم، وهموا أن يقضوا عليهم نهائياً حتى صرخ رجل من الأوس: «يا معشر الأوس انسحبوا ولا تهلكوا إخوانكم، فجوارهم خير من جوار الثعالب» -ويقصد اليهود الماكرين-. وبعد تلك الواقعة سئموا الحرب وكرهوا الفتنة وأجمعوا أن يتوجوا عبد الله بن أبي ابن سلول ملكاً عليهم ليستتب الأمن وتنتهي الفتن. وشاء الله أن تحدث بيعة العقبة الأولى ثم تليها العقبة الثانية في مكة وشارك فيها أفراد من القبيلتين المتصارعتين، فكانت بداية لتأليف القلوب وجمعها على الإسلام. ثم حدث أن أحد اليهود أثار هذه الفتنة مرة أخرى في أحد مجالس الأوس والخزرج في عهد الرسول فلما علم الرسول جاء مستعجلا وقد كادوا يضربون رقاب بعضهم البعض فقال لهم: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟!» وكذلك عاشت هاتان القبيلتان تحت نور الإسلام في رخاء وألفة ووئام.

مراجع

  1. ^ محمد بيومي مهران، دراسات في تاريخ العرب القديم، الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، ص. 383، QID:Q121254644 – عبر المكتبة الشاملة
  2. ^ دائرة المعارف الإسلامية، الطبعة الألمانية، الجزء 3، الصفحة 183.
  3. ^ المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الجزء 2، الصفحة 119، والجزء 4، الصفحة 128.
  4. ^ قصة الحضارة، الجزء 2، الصفحة 321.
  5. ^ انظر: الإصحاح الأول آية 22، والإصحاح العاشر آية 28.
  6. ^ المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الجزء: 1، الصفحة: 343 وما بعدها. وتاريخ الطبري، الجزء:1.
  7. ^ وفاء الوفا، الجزء: 1، الصفحة: 156.
  8. ^ تاريخ الطبري، 1/203 ـ وفاء الوفا، 1/ 157 ـ 162.
  9. ^ التاريخ الإسلامي، محمود شاكر، 1/82 ـ تاريخ ابن خلدون، 2/21 ـ 30.
  10. ^ المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، 1/585.
  11. ^ عبد العزيز صالح، تاريخ شبه الجزيرة العربية في عصورها القديمة، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، ص. 184، QID:Q121254444 – عبر المكتبة الشاملة
  12. ^ عبد العزيز صالح، تاريخ شبه الجزيرة العربية في عصورها القديمة، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، ص. 185، QID:Q121254444 – عبر المكتبة الشاملة
  13. ^ المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 2/119 - 121 ـ معجم البلدان 5/160
  14. ^ المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، 1/ 607 ـ 619.
  15. ^ المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 2/45.
  16. ^ ا ب قلب جزيرة العرب 257.
  17. ^ المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 2/51-72.
  18. ^ وفاء الوفاج1/159-165

Read other articles:

American judge (1821–1867) George Morison RobertsonSpeaker of the House of RepresentativesIn office1852–1853Preceded byWilliam Little LeeSucceeded byAsa G. ThurstonIn office1855 – January 3, 1859Preceded byAsa G. ThurstonSucceeded byJames W. AustinAssociate Justice of the Supreme Court of HawaiiIn officeJanuary 10, 1855 – December 24, 1863Appointed byKamehameha IIIIn officeFebruary 16, 1864 – March 12, 1867Appointed byKamehameha VMinister of the InteriorIn...

 

Kematian Sophonisba, oleh Giambattista Pittoni (1730-an) Sofonisba (juga dieja Sophonisba, Sophonisbe, Sophoniba; di dalam bahasa Punisia, ???????????????????????? Ṣap̄anbaʿal) (203 SM) merupakan seorang bangsawati Kartago yang hidup selama Perang Punisia Kedua, dan putri Hasdrubal Gisco Gisgonis (putra Gisco). Di dalam sebuah tindakan yang menjadi legendaris, Sophonisba meracuni dirinya sendiri daripada dipermalukan di dalam sebuah Kemenangan Romawi. Galeria Sophonisba, oleh Andrea Mante...

 

101: The Airborne Invasion of NormandyNhà phát triểnInteractive SimulationsNhà phát hànhEmpire InteractiveNền tảngWindowsPhát hànhTháng 10 năm 1998Thể loạiChiến thuật theo lượt, wargame máy tínhChế độ chơiChơi đơn 101: The Airborne Invasion of Normandy là một wargame máy tính do hãng Interactive Simulations phát triển và Empire Interactive phát hành vào năm 1998.[1] Các thành viên chủ chốt của nhóm trước đây đã từng l

Cementerio de Bab al-Saghir Vista del CementerioLocalizaciónPaís  SiriaLocalidad Damasco  SiriaCoordenadas 33°30′16″N 36°18′13″E / 33.504307, 36.303648CaracterísticasTipo Cementerio[editar datos en Wikidata] El Cementerio de Bab al-Saghir[1]​ (en árabe: باب الصغير) también llamado Goristan-e-Ghariban, es un antiguo cementerio y una calle en la ciudad de Damasco, capital del país asiático de Siria, con tumbas a ambos lados de ...

 

Locatie van de Romeinse Maasbrug bij Cuijk De Romeinse Maasbrug bij Cuijk was een brug over de Maas bij Cuijk, gebouwd door de Romeinen. De brug werd gebouwd eind 4e eeuw n.Chr. De resten van de brug werden ontdekt in 1992. Een groot deel van het hout kon gedateerd worden en blijkt te zijn gekapt in de winter van 368 op 369, onmiddellijk na de order van keizer Valentinianus om de Rijngrens te versterken. De brug was waarschijnlijk hetzelfde geconstrueerd als de Trierse Moezelbrug. Hierbij zij...

 

Гней Корнелій ЛентулНародився до 61 до н. е.РимПомер після 18 до н. е.Громадянство Римська імперіяДіяльність політик, військовослужбовецьСуспільний стан патрицій[d]Посада консулТермін 18 рік до н. е.Попередник Квінт Лукрецій ВеспілонНаступник Гай Юній СіланРід Корнел...

Gary James redirects here. For the American football player, see Garry James. This article has multiple issues. Please help improve it or discuss these issues on the talk page. (Learn how and when to remove these template messages) This biography of a living person needs additional citations for verification. Please help by adding reliable sources. Contentious material about living persons that is unsourced or poorly sourced must be removed immediately from the article and its talk page, espe...

 

Not to be confused with Sacramento Valley. Metropolitan area in California, United StatesGreater Sacramento Sacramento–RosevilleMetropolitan areaSacramento, California in October 2008CountryUnited StatesStateCaliforniaPrincipal citiesSacramento – Arden-Arcade – Roseville – Yuba City – South Lake Tahoe – TruckeeArea • Metro21,429.2 sq mi (55,501.37 km2)Elevation0–10,886 ft (0–3,318 m)Population (2020)[1] • Urban1,723...

 

Zoo in from Cape Town, South Africa Tygerberg ZooA suni at the Tygerberg Zoo in 200733°49′11″S 18°46′40″E / 33.819703°S 18.777825°E / -33.819703; 18.777825Date opened1979Date closed2012LocationApprox. 40 mi (64 km) from Cape Town, South Africa[1]Land area24 ha (59 acres) Tygerberg Zoo was a 24-hectare (59-acre) zoo near Stellenbosch, South Africa, which was the only zoo in the Western Cape province and the closest to Cape Town. Establ...

University in Punjab Sri Guru Ram Das University of Health Sciences, Sri AmritsarMottoDissection to reconstruction-Producing ExcellenceTypePrivateEstablishedNovember 2016Officer in chargeRoop SinghChancellorGobind Singh LongowalVice-ChancellorDaljit SinghDeanA P SinghLocationMehta Road, Vallah, Amritsar, IndiaCampusRuralWebsitewww.sgrduhs.in 31°38′05″N 74°57′59″E / 31.634752°N 74.9663668°E / 31.634752; 74.9663668 Sri Guru Ram Das University of Health Scienc...

 

Steamboat Sue H. Elmore sometime between 1900 and 1917. History NameSue H. Elmore, later Bergen, and Cuyamaca OwnerPacific Navigation Co., others later Port of registryAstoria, Oregon, other places later BuilderJoseph Supple, Portland, Oregon LaunchedJune 30, 1900 Maiden voyageSep. 21, 1900 Out of serviceearly 1950s Identification116997 Noteswooden construction General characteristics TypeCoastal passenger, freighter, tow and tug Tonnage232 gross tons; 131 net tons Length90.7 ft (27.65&#...

 

Ethnic Turkmen dynasty of chieftains based in the Keserwan region of Mount Lebanon (1306-1591) Banu AssafChieftains and Tax Collectors of KeserwanCountryMamluk Sultanate Ottoman EmpireFounded1306FounderUnknown Assaf (first head of dynasty during Ottoman rule)Final rulerMuhammad ibn MansurTitlesEmirDissolution1591 The Assaf dynasty (also called Banu Assaf) were a Sunni Muslim and ethnic Turkmen dynasty of chieftains based in the Keserwan region of Mount Lebanon in the 14th–16th centuries. Th...

American TV series or program Pretty HurtsGenreRealityCountry of originUnited StatesOriginal languageEnglishNo. of seasons1No. of episodes10ProductionExecutive producersJulie AuerbachGary AuerbachTina GazzerroDouglas SegalChristopher WilleyDave MaceProduction locationLos AngelesProduction companyGo Go Luckey ProductionsOriginal releaseNetworkLogoReleaseMay 7 (2011-05-07) –July 19, 2011 (2011-07-19) Pretty Hurts is an American reality television series from the LGBT-inter...

 

Commune in Occitanie, France Commune in Occitania, FranceAjacCommuneA general view of Ajac Coat of armsLocation of Ajac AjacShow map of FranceAjacShow map of OccitanieCoordinates: 43°02′55″N 2°08′17″E / 43.0486°N 2.1381°E / 43.0486; 2.1381CountryFranceRegionOccitaniaDepartmentAudeArrondissementLimouxCantonLa Région LimouxineIntercommunalityLimouxinGovernment • Mayor (2020–2026) Gérard Chaumond[1]Area15.29 km2 (2.04 sq&#...

 

Pakistani entertainment TV channel This article has multiple issues. Please help improve it or discuss these issues on the talk page. (Learn how and when to remove these template messages) The topic of this article may not meet Wikipedia's general notability guideline. Please help to demonstrate the notability of the topic by citing reliable secondary sources that are independent of the topic and provide significant coverage of it beyond a mere trivial mention. If notability cannot be shown, ...

Species of cartilaginous fish Chupare stingray Conservation status Endangered (IUCN 3.1)[1] Scientific classification Kingdom: Animalia Phylum: Chordata Class: Chondrichthyes Order: Myliobatiformes Family: Potamotrygonidae Genus: Styracura Species: S. schmardae Binomial name Styracura schmardae(Werner, 1904) Synonyms Himantura schmardae (Werner, 1904) Trygon schmardae Werner, 1904 The chupare stingray or Caribbean whiptail stingray (Styracura schmardae) is a species of sting...

 

X&Y

X&Y Студийный альбом Coldplay Дата выпуска 6 июня 2005 Дата записи 2004—2005 Жанры Рокальтернативный рок[1]спейс-рок[2] Длительность 62:30 Продюсеры ColdplayКен НельсонДантон СапплКармен Риццо Страна  Великобритания Язык песен английский Лейблы CapitolParlophone Профессиональны...

 

No debe confundirse con Aeródromo de El Fuerte, un pequeño campo de aviación en el municipio de El Fuerte. Aeropuerto Internacional de Los Mochis IATA: LMM OACI: MMLM FAA: LocalizaciónUbicación Los Mochis, MéxicoElevación 5Sirve a Los MochisDetalles del aeropuertoTipo PúblicoOperador Grupo Aeroportuario del PacíficoEstadísticas (2022)Movimiento de pasajeros 424,000Ranking en México 37° Pistas DirecciónLargoSuperficie09/272,000AsfaltoMapa LMM Situación del aeropuerto en SinaloaSi...

BuranDesaKantor Desa BuranNegara IndonesiaProvinsiJawa TengahKabupatenKaranganyarKecamatanTasikmaduKode pos57722Kode Kemendagri33.13.10.2001 Luas... km²Jumlah penduduk... jiwaKepadatan... jiwa/km² Buran adalah desa di kecamatan Tasikmadu, Karanganyar, Jawa Tengah, Indonesia. Pembagian wilayah Desa Buran terdiri dari beberapa dukuh/dusun : Buran Kulon Buran Wetan Jongkang / Jungkang Kranggan Ngamban Nglinggo Pendidikan Lembaga pendidikan formal yang terletak di Desa Buran, antara l...

 

10th episode of the 2nd season of Rugrats Reptar on IceRugrats episodeTitle cardEpisode no.Season 2Episode 10aDirected byHoward E. BakerWritten byPeter GaffneyProduction code023A[1]Original air dateNovember 15, 1992 (1992-11-15)Guest appearanceJohn Schuck as ReptarEpisode chronology ← PreviousBeach Blanket Babies Next →Family Feud List of episodes Reptar on Ice is the first segment of the 10th episode of the second season of the animated television se...

 

Strategi Solo vs Squad di Free Fire: Cara Menang Mudah!