بارق منطقة قديمة وموغلة في القدم والتاريخ، حيث يعود تاريخها إلى أكثر من 4000 عام. حسب التوراة وبعض المراجع فإنَّ حويلة ابن يقطان وذريتة أوَّل من سكن شرق تهامة (بارق وما جاورها)، وفي بعض الروايات أوفير ابن يقطان، وأيضاً سكنها الساميون مثل العماليق وغيرهم.
ومن ثمَّ دخلت بارق في بلاد مملكة سبأ خلال القرن الرابع قبل الميلاد تقريباً، تليها مملكة حمير في القرن الأول قبل الميلاد، حتى انهيار سد مأرب ما بين عام 115 ق.م و200م، وعلى إثره نزحت عدَّة قبائل عربية من مملكة سبأ في اليمن شمالاً، ومن هذه القبائل بارق، وهي قبيلة أزدية. وعندما وصل سعد الملقب بـ«بارق» إلى وادٍ في تهامة أعجب بما فيها من أرضٍ خصبة، فاستقرَّ فيها وسُمِّيت بعد ذلك باسمه بارق، وقيل هو أي سعد من سُمِّي بارق نسبةً إلى الأرض التي سكنها أيُّ بلاد بارق.[17][18]
شارك آل بارق مـع قومهم الأزد في حروبهم ضد قريش، وقال شاعرهم سراقة الأكبر بن مرداس في يوم مقتل أبي أزيهر الدوسي قصيدته المشهورة التي مطلعها:[33]
لقد علمت بنـو أسـد بـأنّـا
تقحمنا المعاشر مُعلِمـينـا
ساد بني زهير بن ثعلبة بطنٌ من بارق في الجاهلية بجيلة بعد أن أصابوا دماً في قومهم بارق، فسكنوا أرض بجيلة فحالفتهم بجيلة فبلغوا من العلوُّ والشَّرف والمجد فيهم ما بلغوا.[معلومة 3][34] فكانوا سادتهم وسفراءهم، وكان آخر سيد من بارق الصحابيُّ الجليل عرفجة البارقي.[35] حتى تنازل عام 13 هـ في خبرٍ طويلٍ عن السيادة والقيادة إلى جرير البجلي.[36][37]
بظهور الإسلام بدأت مرحلة جديدة في تاريخ المنطقة، ومع بداية الفتوحات الإسلامية في القرن السابع الميلادي، تمَّت دعوة البلاد المجاورة إلى الدخول في الإسلام. وكانت بارق من أوائل المناطق التي أُرْسِلَ إليها دعاةٌ ليدخلوا سكانها في الدين الجديد، فوفدت القبائل من بارق إلى النبي تبايعه بالإسلام في العام 9 هـ630م (عام الوفود)، وقد تشرَّفوا بخطاب النبي المشهور لهم[42] الذي قال فيه:
هذا كتاب من محمد رسول اللهلبارق، لا تجذ ثمارهم ولا ترعى بلادهم في مربع ولا مصيف إلا بمسألةٍ من بارق. ومن مرَّ بهم من المسلمين في عرك أو جدب فله ضيافة ثلاثة أيام، وإذا أينعت ثمارهم فلابن السبيل اللقَّاط يوسع بطنه من غير أن يقتثم
وفي عصر الخليفة عمر بن الخطاب كانت بارق من القبائل التي استجابت لدعوته في الانضمام إلى الجيوش الإسلامية الموجهة إلى الفتوح الإسلامية في فتح فارسوالشام.[52] وفي شعبان عام 13 هـ الموافق نوفمبر عام 634م قدم على عمر غزاةٌ من قبائل بارق وكنانة في 700 رجل - وعامَّتُهم من بارق -[53][54] يطلبون الجهاد في الشام، فأثنى عليهم عمر ووجَّههم إلى العراق بعد هزيمة المسلمين في موقعة الجسر على يد الفرس. أمَّر عمر على بارق الصحابيَّ الجليل عرفجة بن هرثمة البارقي، فكانوا تحت لواءه في جميع المعارك التي خاضها، وكانت أوَّل مواجهاتهم معركة البويب في 12 رمضان عام 13 هـ، وكان لهم فيها أحسن البلاء. وذكر أن كلَّ واحدٍ منهم كان يقتل عشرةً أو عن عشرة.[55][56]
في عصر الخليفة عثمان بن عفان وامتداداً لعهد عمر واصَلَ رجال بارق الانضمام إلى الجيوش الإسلامية، ومن أبرز رجال بارق الفاعلين في عهد عثمان:
عرفجة بن هرثمة البارقي: كان والياً على الموصل حتى مقتل عمر وظل والياً من بعده، فأمره عثمان بالعودة إلى ساحات القتال في بلاد فارس، لكنه ما لبث أن أعاده مرَّة أخرى والياً على الموصل وأمره بتجنيد المدينة، فقام بتوطين أربعة آلافٍ من العرب بها وظلَّ حاكماً لها حتى مقتل عثمان.[75]
عروة البارقي: كان من صحابة الكوفة الذين ثاروا على سعيد بن العاص لسوء إدارته، وقيل اعتراضاً على عثمان لأنه ولَّى التابعي سعيد بن العاص وهو من أقاربه على [الكوفة وتجاهَلَ الصحابة الأحقَّ بها.[76][77]
عروة بن الجعد البارقي: بعد فشل الثورة نَفَاهُم والي الكوفة سعيد بن العاص منها إلى الشام بأمر عثمان،[78] فكان فيمن حضر فتوحَ الشام ونزلها.[79] وكان مرابطاً ببراز الروز، ومعه عدة أفراسٍ منها فرس أخذه بعشرة آلاف درهم.[80] وبعد عودة عروة والصحابة من الشام دخلوا بقيادة مالك الأشتر إلى قصر الإمارة فور عودتهم، وأخرجوا ثابت بن قيس خليفة الوالي عليه، واستطاع أهل الكوفة على إثر ذلك منع سعيد بن العاص والي الكوفة من العودة إليها.[81][82]
وقتل في هذه المعركة قائدهم عبد الرحمن بن مخنف الأزدي ومرداس البارقي وعدد كبير منهم وفي هذا أنشد سراقة البارقي في رثاءهم:
فَيَا عَينُ بَكِّى مِخنَفاً وَابنَ مِخنَفٍ
وَفُرسَانَ قَومِى قُصرَةً وَأَقَارِبِى
وَمَصرَعِ مِرداسٍ عَلَى حُرِّ وَجهِهِ
وَصُحبَتهِ تَحتَ السُّيُوف البَوَارِق
ناصَرَ أهل بارق زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، لمَّا خرج على هشام بن عبد الملك عام 122هـ، وبويع زيد بن علي من 18 ألف شخصٍ[97] من أهل الكوفة، لكنَّهم خذلوه،[98] فلجأ إلى ديار بارق فنزَلَ فيهم في منزل نصر بن عبد الرحيم البارقي،[99] وقد ذكر أبو حمزة الثمالي أن زيداً كان يتخفَّى في دور بارق وبني هلال قبيل مقتله،[100] فبلغ يوسف بن عمر والي العراق مكانه فقدم فيما يزيد عن عشرة آلاف مقاتلٍ[101] إلى ديار الأزد بين دور بارق ودوس،[102] فخرج زيد لقتالهم في 218 رجل من أنصاره من بارق وشرفاء أهل الكوفة،[103] فكان منهم قتلى كثيرون، ومنهم الشهاب بن عبد الله البارقي وحسان بن قائد البارقي ورجاء بن هند البارقي وعبد العزيز بن أبي عثمان البارقي وحسان بن أبي حسان البارقي الخياط وعبيدة بن الجعد البارقي وعبد اللّه بن أبي عثمان البارقي[104][105][106]
وحسان بن فايد البارقي وقال في ذلك اليوم قصيدة التي مطلعها:[107]
أنا المصاص من صميم بارق
بصارم للهام من فارق
تضاءل شأن أهل بارق بعد هذه المعركة التي قُتل فيها عدد كبير منهم، ولم يعد لهم قوة حقيقية أو تأثير في السياسة العامة ولاسيما بعد القضاء على الحركة الزيدية سنة 122هـ، وكان كثيرٌ منهم مناصراً لها.
تخلَّلت حكم العثمانيين لبارق سيطرة بعض حكام الإمارات على المنطقة لفتراتٍ متفاوتة، مثل الأدارسةوالدولة السعودية الأولى والحكم العشائري لقبائل بارق. ويرجع تأسيس مقرّ الدوائر الحكوميَّة ببارق إلى العهد العثماني، وكان قبلاً على حافَّة سوق ربوع العجمة من بلاد حميضة من قبائل بارق، ثم نُقِلَ في عهد الملك حسين إلى القرية المعروفة بساحل، وما زال بها إلى الآن.[112] وقد حكَمَ العثمانيُّون بارق على مرحلتين، الأولى في الربع الآخير من القرن السادس عشر الميلادي الموافق القرن العاشر الهجري وحتى عام 1809م الموافق 1224هـ، حيث دخلت بارق تحت حكم الدولة السعودية الأولى باتّفاقٍ بين سعود بن عبد العزيز بن محمد وشيخ بارق أحمد بن زاهر.[113][114][115] الذي كان له دورٌ كبيرٌ في إقناع قبائل بارق بالدعوة الوهابية[116] وقد ظلَّت بارق تحت الحكم السعودي لمدَّة سبعة أعوامٍ فقط، حتى سقوط الدولة السعودية الأولى عام 1816م، ولم يتاثَّر سكان بارق بالدعوة الوهابية آنذاك.[117] بعد سقوط الدولة السعودية حاول العثمانيّون استعادة بارق، لكن محاولاتهم باءت بالفشل. وفي شهر شعبان من عام 1254هـ الموافق 1838م ضمن هجمات قوات محمد علي باشا في شبه الجزيرة العربية أرسل أحمد طوسون باشا حاكم الحجاز آنذاك حملة عسكرية، فتقدَّمت الحملة حتى وصلت بارق، وعندها قابلتها مجموعةٌ من قبائل بارق، ونشب القتال على حدود المنطقة بين الحملة الزاحفة ورجال بارق فكانت معركة شديدة طاحنة انتهت باندحار الحملة العثمانية وهزيمتها. ولمَّا وصل الخبر إلى حاكم الحجاز أحمد باشا انسحب من بلاد غامدوزهران خوفاً من ثورة القبائل، وعاد هارباً إلى مكة، وبتلك المعركة تمّ إيقاف الزحف العثماني نحو عسير.[118] عاد العثمانيّون بعد 30 سنة من هزيمتهم في ذي الحجة من العام 1288هـ الموافق 1872م واستطاع رديف باشا القائد العثماني الجديد الاستيلاء على بارق وإخضاعها إلى حكم الدولة العثمانية.[119][120][121] وقد قام أهل بارق في عام 1910م الموافق 1328هـ بثورة ضد العثمانيّين بتحريضٍ من محمد بن علي الإدريسي، الذي دعاهم إلى الخروج عن العثمانيين لأنهم «دولة كفار»، فوفدت بعض قبائل بارق وعلى رأسها الشيخ ابن زعبانٍ إلى الإدريسي تبايعه.[122] فبعَثَ الإدريسي نائبه ابن عرار على بارق أميراً عليهم، وذلك لأهمية بارق لدى الإدريسي،[123] وبعد أقلّ من عام في يوم الخميس 25 جمادى الآخرة من العام 1329هـ الموافق 22 يونيو عام 1911م قَدِمَ الشريف الحسين بن علي بقيادة جيشٍ جرَّار إلى بارق، ونشب القتال بينه وبين قوات الإدريسي المؤلَّفة من قبائل المنطقة،[124] وانتهت المعركة المعروفة “بمعركة سهول” بمقتل مائة وعشرين رجلاً من بارق ومن جملتهم ابن عرار، وجلاء الأدارسة عن بارق، وتمَّت إعادة بارق إلى لواء الدولة العثمانية،[125] فاستولى الجيش العثماني على غنائم المنطقة من المحاصيل وغيرها. وقد جاء على إثر ذلك الشيخ هيازع شيخ قبيلة آل موسى بن علي معتذراً، وكان ذكياً فصيحاً بتأثيره على الشريف الحسين، فتمَّ رفع السلب والنهب عن بارق إكراماً له.[126][127]
عودة الأدارسة
قبيل الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين بن علي[128] ضدَّ الدولة العثمانية - التي كانت تسيطر على الحجاز وشمال اليمن -[128] عادَ دور الإدريسي إلى المنطقة، واستغلَّ انشغال الشريف حسين بن علي بالتجهيز للثورة، فاستدرج أهل بارق إلى صفّه، خصوصاً وأنه كان مقبولاً عند شيوخ قبائلها. وقد بايعه أهل بارق وناصروه في طرد الأتراك، وكان ذلك عام 1916م قبيل قيام الثورة العربية الكبرى. وفيما بعد عَيَّنَ الإدريسيُّ على بارق الشيخ محمد بن هيازع البارقي (45 عام)، وصِفَ من الاستخبارات البريطانية بأنه ذكي وحكيم.[129][130]
الدولة السعودية
في عام 1338هـ دخلت منطقة عسير بالكامل تقريباً تحت حكم الدولة السعودية،[131] باستثناء بارق ومحايل المتمرِّدتين، فأمر الملك عبد العزيز في مطلع العام 1343هـ - بعد استقرار الوضع في عسير - بقوَّةٍ تسير إلى بارق بقيادة عبد الوهاب بن أبو ملحة، بالإضافة إلى 2,500 غازٍ من أعيان عسير، فاستولى هؤلاء على محايل وبعدها على بارق صلحاً.[132] وقد دخلت بارق بذلك تحت الحكم السعودي في مطلع العام 1343هـ الموافق 1924م، وقامت فيها إمارةٌ في نفس العام، ورغم تأخّر انضمامها للكيان السعودي إلا أنَّها كانت ثالث مدن منطقة عسير التي تُقَام بها إمارة والأولى في تهامة عسير، وذلك لرؤية الملك عبد العزيز لأهميّتها.[133][134]
فترة الآمال، وفي هذه الفترة انتشر التعليم بعد أن كان التعليم في المساجد فقط وفي إرسال الأبناء إلى اليمن للتعلُّم، وبتكاتف السكان تم افتتاح مدارس القرعاوي، ومدرسة علي بن أبي طالب في قرية ساحل، وفي منتصف الخمسينيات تم افتتاح مستوصف بارق للرعاية الصحية.[135]
عقد الستينيات (1960- 1969)
فترة الركود، وهي الفترة التي أطاح خلالها الملك فيصلبالملك سعود، وكانت فترة شللٍ على البلد بالكامل،[136] واقتصرت هذه الفترة، على افتتاح مدرسة الرحاب في الخوش، وتعبيد بعض الطرق.[135]
عقد السبعينيات (1970- 1979)
فترة الانتعاش لبارق، حيث تم افتتاح سبعة مدارس، ستة منها للبنين وواحدة للبنات، وتم افتتاح عدد كبير من الدوائر الحكومية منها: الشرطة، والسجون، ومركز الأرصاد الجوية، ومركز الرعاية الصحية في الخوش ومركز الرعاية الصحية في القريحاء،[135] وانتشرت الأسواق حيث بلغت في قرية ساحل في عام 1970 عشرة متاجر،[137][138] وتم هجر الأسواق الأسبوعية لأنَّها لم تعد تفي بالغرض، ولم يبقى منها صامداً إلا سوق الأربعاء، وبدأت في هذه الفترة مع المدارس، انتشار الدعوة الوهابية المستقاة من المذهب الحنبلي، حيث كان سكان بارق على المذهب الشافعي، وبدأ بعض الناس في تقبلها.[117]
عقد الثمانينات (1980- 1989)
الفترة الذهبية لبارق، حيث ظهر التوسع العمراني، وتم في هذه الفترة افتتاح عدد من الدوائر الحكومية منها: الاتصالات والدفاع المدني وقسم الرخص، وانتشرت المدارس في قرى بارق النائية، وافتتحت الأسواق الحديثة، وربطت قرى بارق بعضها ببعض بالطرق الإسفلتية،[135] وفي هذه الفترة كان الانتشار الحقيقي للدعوة الوهابية التي لاقت قبولاً، وخصوصاً بين الشباب، أما كبر السن فقد رفضوها.
عقد التسعينيات (1990- 1999)
فترة الركود، واقتصرت على افتتاح مندوبية التعليم وبعض المشاريع الصغيرة، وهي عبارة عن سفلتة قرى بارق وشبكة من الطرق تربط بارق بالمدن المجاورة، ووصل عدد المدارس في هذه الفترة حوالي 60 مدرسة للبنين والبنات،[135] وفي هذه الفترة حدث سخطٌ كبيرٌ من مواطني بارق على الحكومة لتقصيرها الواضح.
تواصل الركود ومحاولة النهوض، في مطلع الألفية تم افتتاح بلدية بارق وأيضاً افتتاح مكتب التربية والتعليم وجمعية البر الخيرية وأنشأ سد بارق، ووصل عدد المدارس في عام 2010 ما يزيد عن 100 مدرسة، 52 منها للبنين، و49 للبنات،[139] وتم في مطلع العام 2012 إقرار بارق كمحافظة بأمرٍ ملكي،[140] ويتم الآن بناء كليات الملك خالد بتهامة عسير وهي في بارق جنوب البلد بحوالي 20 كيلومتراً، وهو مشروع ضخم جداً.
^بقرة: قرية تقع في الجنوب الشرقي من بارق. - الملصة: قرية تقع غرب بارق بـحوالي 20 كيلو. - يسران: وهي على الأغلب يقصد بها الهمداني قرية سران غرب بارق. - ذات أعشار: وادي أعشار يقع في الشمال الغربي من بارق. - تربان: تصحيف لثربان. - قنوتي: أي وادي قنونا.
^سراة الحجر: وهي اليوم تنومةوالنماص ويقصد بالحجر جد القبائل هناك.- نجدها خثعم: نجدها أي شرقهم جهة نجد وهي ديار قبيلة خثعم وهي اليوم بيشة. - غورهم بارق: أي غربهم، والغور هو المنخفض.
^ما زالوا في حلفهم ببجيلة، وتدعوهم بجيلة بالبارِقَّيةُ: وما زالوا يُلَقَّبون بالبارقية لكنَّهم يجهلون نسبهم: وهم في أعالي الليث. منهم أربعة قبائل: وهم الشَّيَّعة، وبَنُو سهم، وبَنُو مالك، والمروان.