يرجع فضل تأسيسها إلى زيري بن مناد الصنهاجي في 324هـ/936م ووقع اختيار مكانها لوفرة المياه وإطلالها على سفوح الجبال الدائرة بها، زارها رحالة وعلماء أجلاء كما كانت الحياة العلمية فيها رائجة، جلبت لها أشهر البنائين من أفريقياوالمسيلة. كما شيدت بها القصور والإقامات والحمامات نذكر منها قصر بنت السلطان الذي ما زالت بعض أطلاله شاهدة عليه. أجريت بها حفريات من 1950 إلى 1993 كشف النقاب عن كثير من الأسرار. وهي لحد الساعة موجودة اطلالها ومحروسة لكنها دون بحث أو اهتمام من طرف المختصين. وقد بنيت هذه المدينة قبل أن تبنى المدن الثلاث العاصمة ومليانةوالمدية لان مؤسس العاصمة انطلق من اشير ليقيم العاصمة الحالية (الجزائر) واخوه توجه إلى بجاية ليؤسس مدينة بجاية.
ماعرفت به آشير من إستراتيجية الموقع وحصانتها الطبيعية وكونها نقطة وصل بين الشرق والغرب، من أفريقيا إلى تيهرت وعلى الطريق التي تصل تلمسانبالأوراس.جعلها عاصمة إستراتيجية لكونها منطقة آهلة بالحركة لكن طبيعتها قاسية ومسالكها وعرة.
بلغت مدينة آشير خلال الحكم الزيري درجة الذروة في الازدهار العلمي والاجتماعي، جذبت العلماء من كل جهة وقصدها الشعراء والرحالة من كامل الأمصار، كما شهدت الحياة الدينية والروحية إشعاعا فائقا.
عززت منطقة آشير تطورها وازدهارها لتصبح مركز إشعاع في المغرب، وبعد زوال الحكم الزيري في القرن الحادي عشر حلت محلها شعوب ودول أخرى منها: الهلاليونوالمرابطون بقيادة يوسف بن تاشفين، ثم الحفصيون في القرن الثاني عشر تحت قيادة أبو زكريا الحفصي على رأس جيش كبير ومجهز قاصدا المنطقة.
تعد مدينة اشير من الحواضر التاريخية الهامة تستوجب الوقوف عندها لما لعبته من أدوار حضارية هامة ولعل الآثار المتبقية دليل على عمق واصالة المنطقة.
تقع مدينة أشير الأثرية بمنطقة الكاف الأخضر ناحية عين بوسيف ولاية المدية، تم تأسيسها على يد زيري بن مناد عام 324/ه الموافق 939م.و يعود الفضل في تسليمه زمام مقاليد الحكم إلى الخليفة الفاطمي الذي سمح له بتدعيم سلطانه فوقع اختياره على مدينة اشير لتكون عاصمة مملكته التي كانت حصنا منيعا ومستودعا للعدة كما كانت تزخر بثروات هائلة.. اكتفى مؤسس الدولة الزيرية بمساحة قليلة في أعلى صخرة... ثم بدا يوسع مملكته شيئا فشيئا إلى أن بسط نفوده على مساحة فسيحة تفوق 35 هكتارا غير أن أغلب المؤرخين يؤكدون أن بناء مدينة أشير مر بمراحل ثلاث: أولها اختيار موقع وتلاه بناء الاسوار وفي المرحلة الثالثة والأخيرة شيدت فيها القصوروالحمامات لتصبح مدينة اشير عاصمة مند القرن العاشر تدار فيها شؤون المغرب الأوسط من خلال قلعتها وحصنها المنيع ’
وفي هذا العهد امسك السلطان زيري زمام الحكم بيد من حديد وضربت السكة باسمه كما عرفت ذات الفترة...توافد العديد من الامراء الذين لم يفارقوها الا في فترة المتقطعة.... فمند اقامتهم لم تنقل عائلاتهم إلى مملكتهم دفعة واحدة بل
تمت على مراحل والملاحظ ان منطقة اشير لم تعرف الثقافة والازدهار الاجتماعي طريقا لها في عهد زيري بن مناد عند بنائه لمدينة اشير الاثرية التي كانت حصنا منيعا وقفت بوجه الغزاة والاجانب الطامعين. كانت هناك حضارة مزدهرة في جميع المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية ميزت الرقعة الجغرافية «الكاف الأخضر» والتي تزخر بوجود الحفريات التي تعد خير شاهد على الازدهار فآثار القصر الزيري مازالت قائمة إلى يومنا هدا... خاصة وأن زيري حرص على نقل سكان مدن أخرى اليها واستقطب حتى الفنانين والبنائين من المدن المجاورة حيث احاطوها باسوار عريضة مما جعلها تمتاز بموقع جغرافي ممتاز تتحكم في جميع الطرق الرابطة بين السواحل والجبال وتراقب جل السهول ونظرا لعراقتها واصولها التاريخية وذكر اثارها في العديد من المؤلفات جاء ذكر تنقل سكان أمصار أخرى إلى مدينة أشير لتعميرها في كتاب «العبر» ابن خلدون ثم بلغه...أن زناته اجتمعوا في تلمسان فرحل إليهم فهربوا ونزل على المدينة فحاصرها حتى رضخ أهلها إلى حكمه ونقلهم إلى أشير التي اشتهرت بالفقهاء والعلماء من بينهم:أبو عمران الاشيري.... والحديث عن مكانة أشير تجرنا للحديث عن العلامة ابن خلدون الذي اختار إحدى قلاعها للإقامة والتفرغ للتأليف كما نزل بها المهدي ابن تومرت أثناء عودته من ملالة إلى المغرب ونذكر على سبيل المثال: ابن حوقلوالادريسي...و بقيت مدينة أشير قبلة العلماءوالفقهاء لمدة... وفي اطار الاهتمام بالمعالم الأثرية تم تصنيف أشير كمعلم أثري حيث تم وضع سياج لحماية الآثار والقيام ببعض الترميمات.
وفقًا لوصف شاباسيير للموقع في عام 1869[1]، فإن الاسم الذي ينسبه سكان أولاد علي (أغاليق الدوير) إلى الأطلال المعنية هو المنزه. في قمة الكاف الأخضر، على ارتفاع حوالي 1500 متر، كانت هناك أطلال لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق طريق طريق غير سالك يؤدي من دشرة الحاج أويل نيس، بين وادي المزيب وجبال شابيت بو جميل وحجر السبع.
من المكان المسمى المنزه، يمتد المنظر من المكان المسمى المنزه على الدوير، ونفطة، وأولاد معروف، وعبيد، والربيع، وأولاد أحمد بن يوسف، وكل بني سليمان، وأولاد زنيم، وجواد، وديرة، وأخيراً العدوة، ويغطي أفقاً يبلغ حوالي مائة كيلومتر، ولا يفصل النقطة (ج) عن قمة الكاف التي تهيمن على الجنوب بأكمله سوى 440 متراً.
الموقع رائع واستثنائي؛ فالمنحدرات التي تعدّ موطناً للعديد من الخنازير البرية والضباع، تضفي على هذا الموقع طابعاً خلاباً لا يمكن إنكاره. يزيد تقشف الأطلال وعزلتها من قيمة المنظر البانورامي الهائل المرئي من جميع الجهات. تشكل الصخور الكبيرة المتصلة ببعضها البعض بواسطة حجارة منخفضة السياج الطبيعي للمؤسسة العسكرية، والتي سنرسم شكلها وتفاصيلها بإيجاز، تاركين للقارئ تفسير الوظيفة الحقيقية لهذه الأطلال التي لم يتم بحثها للأسف.
إن المدخل الوحيد إلى الأطلال، الذي يمكن الوصول إليه باستخدام اليدين والقدمين، هو عند النقطة S، وهي فتحة تُركت خالية بعد تدمير السور المحيط بها، حيث تراكمت مع مرور الزمن مخلفات الهدم التي تغطيها كتلة متراصة من التراب، تتخللها شجيرات. أول ما تجدر ملاحظته هو أن قاعدة البناء، عند سفح الصخور الداعمة، تحتوي على كمية كبيرة من الحطام الفخاري وتحرثها الخنازير البرية بانتظام. ومن اللافت للنظر أيضًا أن الاكتشافات الحجرية المهمة الوحيدة التي تم العثور عليها كانت في النقطة (ب) على المخطط.
هذا هو الجزء الجنوبي من السور الظاهري الأول، ويمثل نهاية معقل تخترق فيه بقايا جدران مستعرضة الأرض في ثلاثة أماكن متوازية؛ هذا المعقل المغلق تماماً عند النقطة (د) بكتلة صخرية منحوتة في الأصل على شكل درج، وقد أغلق من الشرق بالجدار الضخم R (بعرض 1.60 متر عند القمة وحوالي 2.30 متر عند القاعدة)، والذي دمر جزئياً كما ذكرنا سابقاً. في أحد الأطراف الجنوبية لحصن السور الثاني، لم يعد الأساس الحجري مرئيًا واستُبدل على الصخر بتجويف منحوت بعرض 1.25 مترًا وطول 12 مترًا تقريبًا، وهو نفس عرض الجدران عند قمتها.
يبلغ طول المبنى 13 متراً من الشرق إلى الغرب، مع ملحقات يبلغ طول كل منها 3.80 متر، ويبلغ سمك الجدران 1.15 متر، ويكمل الشكل جدارين فاصلين والأبواب المبينة على المخطط، وهي مغلقة من الشرق بمشكاة أو قبة نصف قطرها 3 أمتار (إما لأن الزمن قد دمرها أو لأن الإنسان قد غير تصميمها، فلم يجد أثراً لأبواب تتيح الوصول إلى الخارج).
ويوجد نوع من السور المضاد الذي يتشكل على عمق 5 أمتار تحت مستوى المبنى يغلق هذا الجزء من البناء في أعلى الحافة الصخرية، التي يتبع شكلها المتعرج نفس الحافة حتى نهايتها الشمالية. عند النقطة K، التي يبدو أنها كانت تستخدم كصهريج لتجميع المياه والثلوج من الجزء العلوي (السور الثاني) الذي لا تقل مساحته عن 2360 مترًا مربعًا، ثم يعود السور إلى الجهة الشرقية الجنوبية، عند L و M، حيث قام العرب تحت شجرة بلوط ذات ثلاثة جذوع بحفر لم يتمكنوا من مواصلته, ولكن كان الهدف منه هو السماح لهم بالدخول تحت الصخرة الضخمة I (التي لا بد أنها كانت بمثابة نقطة مراقبة ولا تزال تحمل آثار الختم)، ويبدو أيضاً أنها تغطي ممراً تحت الأرض أو صهريجاً آخر يقع مدخله المسدود تماماً بين الجدارين اللذين لا يزالان قائمين في الزاوية الشمالية الشرقية من المبنى.
ومن شأن الجدار المنتظم تماماً أن يواصل خط الدفاع حتى الريدان الصغير الذي تمتد عليه شجرة بلوط متقزمة تمتد جذعها الرفيع الذي تقضم أغصانه ماعز الدوارس المجاورة. عند النقطة (س)، كما هو الحال عند النقطة (هـ) من السور، لا تحمل الصخرة أي آثار بناء، إلا أنها تختلف هنا في أن ثماني درجات يبلغ طولها 1.70 متر وعرضها 30 سم وعمقها 15 سم قد حُفرت فيها، ولا شك أن ذلك لتمكين الحيوانات من السير بأمان على هذه الصخرة الزلقة العارية. كما ذكر أعلاه، فإن البناء مصنوع من الملاط وأنقاض الحجر الرملي المقطوع، وهي وحدات صغيرة يبلغ متوسط طولها 20 × 20 سم.
وسيكون من السهل إجراء الحفريات التي ستوفر بلا شك مفتاح اللغز الذي كنا نحاول تخمينه، حيث أن الأرض لا تترك أثراً يذكر لهذا النوع من الهدم الذي سرعان ما تغطي أبعاده الصغيرة التي يسهل محوها بالتراب ثم بالأحراش.
آشير عاصمة بني زيري
يذكر ان بلقين بن زيري بعد ذهاب الفاطميين من تونس وتاميرهم له على أفريقية أتاه الخبر عن تاهرت أن أهلها قد عصوا وخالفوا وأخرجوا عامله فرحل إلى تاهرت فقاتلها فظفر بأهلها ودمرها فأتاه الخبر بها أن زناتة قد نزلوا على تلمسان فرحل إليهم فهربوا منه وأقام على تلمسان فحصرها مدة ثم نزلوا على حكمه فعفا عنهم إلا أنه نقلهم إلى مدينة أشير فبنوا عندها مدينة سموها تلمسان.[2]
جميع المباني التي تشكل القلعة التي بنيت في جميع الاحتمالات، في الوقت نفسه أن مدينتي أشير والبنية (بلدية الكاف الأخضر حاليا) والذين هم في نفس المنطقة.
أشير في الجهة الجنوبية من الكاف الأخضر والبنية جنوب اشير ولا تفصل المسافة بينهما سوى 500 م.
هذه الأخيرة تحتل المنحدرات إلى الشمال الغربي من جبل الكاف الأخضر الذي يشكل واسعة في هضبة تطل على وادي الحود.
في الماضي المدن الثلاث هي ذات صلة وربما لنفس الفترة.
وهي أنقاض (أشير) و (البنية) وتشهد هذه المدن التي كانت مزدهرة وعدد السكان والتقييم من السكان لا يمكن أن يتم على وجه الدقة إذا ما وضع في الاعتبار أن الأشخاص الذين كانوا تقتصر على داخل أسوار محصنة.
العديد من الخرائب وعزل المجموعة التي يتم العثور عليها في أنحاء الجدران داخل دائرة نصف قطرها عدة كيلومترات، وتبين أن هذه المدن والضواحي التي كانت تحيط بها المزارع والحدائق.
وتدعى القلعة المنزه بنت السلطان تحتل كامل أعلى قمة جبل صخري طفيفة في الضواحي بالأرض التي هي، تقريبا في جميع أنحاء المنطقة المحيطة، وعرة وغير سالكة.
على الحصول على بعض النقاط التي كان من الممكن تحصينات ملأت الفجوات التي تركت الطبيعة.
المنزه بنت السلطان الموجهة نحو الجنوب إلى الشمال، ويميل قليلا نحو الشرق من ارتفاع يبلغ نحو 1 300 م هو عمودي على الارتفاعات المتطاولة من الكاف الأخضر واضح عن الكتلة الرئيسية، وهي أعلى بنحو 150 مترا في المتوسط.
موقفه بصراحة دفاعية يقودها تخفيضات كبيرة في الشمال والغرب والشرق، ولكنه أقل وضوحا في الجنوب.يمكن أن ترى منها جبال شفه للشمال وجبل ديرة وجبل كاف آفول ومدينة الشلالة شرقا.
استلم حماد ابن بلقين الحكم في أشير بعد أن قمع فتنة عام 391 هجري / 1000 ميلادي التي تزعمها خمسة من أخوته ضد ابن عمه باديس أمير إفريقية، وأخذ عهداً من ابن عمه «بعدم استعادة السلطة وإطلاق يده في امتلاك أشير والمغرب الأوسط وكل بلد يفتحه». (عبد الرحمن ابن خلدون، تاريخ البربر).
اغتنم حماد ابن بلقين فرصة الاستقلال هذه لكي يؤسس عاصمته: القلعة، وفي الوقت نفسه السلالة الحمادية.
استخلف آل زيري بن مناد الصنهاجي عن العبيديين المغرب الذي كان يشعل نارا بالفتن الناشئة عن النزاع القائم بين العبيديين والأمويين، وما كادوا يتغلبون على الأمويين حتى بدأ الخلاف بينهم، وبعد موت بولوغين تولى ابنه المنصور الحكم بدولته الزيرية وجعل حماد على رأس أشير والمسيلة) (حتى يرد هذا الأخير قبيلة زناته المتحالفة مع الأمويين.
بعد موت المنصور خلفه ابنه باديس الذي أبقى عمه حماد في عمله وأفراده فيه عام 387هـ، وكان باديس يستقدم عمه حماد على صبره ليطفئ الثورات، وفي سنة 395هـ خلفه لمحاربة زناته واشترط عليه حماد ولاية المغرب الأوسط وكل ما يتم فتحه على يديه، فقبل الشرط، وفي سنة 398هـ يختط حماد مدينته الجديدة (القلعة) وكان ينزل بها وبأشير.
هكذا ظل في المغرب الأوسط يقاتل زناته وينتصر عليها في أكثر من مرة فعظم صيته، وبلغ باديس فخشي أن يخرج عن طاعته وبعد تعيين المعز باديس 403هـ ولي للعهد لأبيه، أراد المعز أن يختبر حماد فأرسل إليه بأن يتنازل له عن مدينة قسنطينة والمدن المجاورة لها فأبى حماد ذلك ودخل في حرب أسفرت في الأخير عن تأسيس الدولة الحمادية.
كان آل زيري يبدون الولاء للعبيديين لكن الحقيقة كانت عكس ذلك وبدخول حماد قطع كل صلته معهم وادعى صراحة ولاءه لبني العباس.
وإثر هذا جهز باديس الجيش لقتال حماد الذي استطاع الانتصار عليه، فخرج باديس شخصيا لقتال عمه حماد فانتصر عليه حتى حاصره في القلعة.
وبينما كان حماد محاصراً، توفي باديس واستخلفه المعز، وسار المعز لقتال حماد سنة 408هـ وأخرجه من باغاي وجرح حماد واستطاع أن ينجو بنفسه.) (
مال حماد بعد هذه الواقعة إلى السلم وأرسل إلى المعز يعرض عليه طاعته فتم الصلح بينهما واستبقى المعز حماد على ملكه السابق.
هذا الوضع المتأزم والصراع الدائم على السلطة أدى إلى عقد اتفاقيات بين طرفي النزاع مما يؤكد أهمية الاحتماء، فسمح ذلك بإيجاد طرق دفاعية لحماية العاصمة الجديدة قلعة بني حماد.
يمكننا أن نتساءل لماذا لم تتخذ أشير كعاصمة للدولة الحمادية رغم ما عرفت به من إستراتيجية الموقع وحصانتها الطبيعية وكونها نقطة وصل بين الشرق والغرب، من أفريقية إلى تيهرت وعلى الطريق التي تصل تلمسان بالأوراس. فيمكن أن يكون إبعادها كعاصمة إستراتيجية يعود لكونها منطقة آهلة بالحركة ثم أن القبائل الرحل الآتية من الشرق تهددها باستمرار، والمدينة تطل على أراضي زناته إلى جانب أن أشير كانت عاصمة الزيريين، كل هذا جعل حماد في اعتقادنا يبادر بإنشاء عاصمة جديدة ليبرهن في ذلك على استقلاله التام. كما أن الموقع الجديد يقع في موطن صنهاجة وهو يعرفه جيدا بأن طبيعته قاسية ومسالكه وعرة ويكمن حمايته بسهولة وبإعداد قليلة من الجند كونه موقع محصن طبيعياً.
بعد وفاة باديس بويع ابنه المعز 454هـ/1062م) (كخليفة لوالده الذي واصل مشواره الحربي ضد حماد إذ بمجرد وفاة باديس، قام حماد بالزحف على أشير التي خرجت عن سيطرته وكان ذلك الوقت بها كرامة الوصي المؤقت على عرش أفريقية بعد وفاة باديس، حيث تفاجأ بحماد على رأس قوة تعدادها 1500 مقاتل وقد انتهت بهزيمة كرامة وعودته إلى القيروان.)
وبعدها بعث حماد إلى باغاية أخاه إبراهيم ليلتقي بأيوب بن يطوفت ليحمل سلام حماد، ويعلن إليه أن ما حدث كان بقضاء الله (الحرب بينهما) وأنه وأخاه على طاعة المعز بن باديس وأخبره أن حماد يطلب الصلح منه، ويبعث له من يثق به من أجل أن يخلفه ويأخذ العهود المكتوبة ليطمئن، فصدقه أيوب وبعث معه أخاه حمامة وحبوس بن القائم بن حمامة وتبعهما غلام أيوب يورين، فغدر حماد بهم وجردهما من الثياب وألبسهم ثياب رثة، وقتل غلام أيوب الذي كان عنده أعز من الولد.) (
ثم زحف حماد لمحاصرة باغاية فبلغ الخبر بذلك المعز فزحف إليه وسارع بالعساكر إلى حماد وقاتله حتى هزمه وقتل أصحابه وأسر أخاه إبراهيم) (سنة 408هـ/1017م.
ونتيجة لانهزام حماد وتفرق أصحابه عنه طلب الصلح من المعز، ولكن المعز اشترط عليه أن يبعث ابنه كضمان على صدق نواياه، فبعث حماد ابنه القائد عام408هـ/ 1017م فعقد له المعز الصلح، واستقل حماد بذلك بعمل المسيلة وطبنةومقرة ومرسى الدجاج وسوق حمزة وزواوة، ()وزاد النويري عليها مدينة دكة.()
وهكذا انتهت الحرب بينهما وانقسمت صنهاجة إلى دولتين: دولة آل زيري ودولة بني حماد ملوك القلعة.
وهكذا نعتبر تاريخ 408هـ/1017م هو التاريخ الفعلي لتأسيس قلعة بني حماد بعد الاعتراف الزيري بها.
المصادر
^Chabassière, Le Kef el-Akhdar et ses ruines, Revue Africaine, 1969, p. 116-121.
^الكامل في التاريخ الجزء الخامس "ذكر مسير المعز لدين الله العلوي من الغرب إلى مصر" (180 من 309)