الإمامُ الفَقيه والشَّيخ عُمَر بن عَبدَ الوهَّاب بن عَبدَ الرَّحِيم بن عَبدِ الله بن مُحَمَّد شَمْسُ الدِّين القاضِيُّ العَبَّاسِيُّ الهاشِمِيُّ (1347 - 1425 هـ / 1929 - 2004) هو قاضٍ شرعيّ بحرينيّ وعالمٌ مُسلِمٌ شافِعيٌّ.
ولد الشيخ عُمر في برّ فارس، عام 1929، حيث قام والده الشيخ عبدالوهاب بإخراجه إلى البحرين عام 1939 بسبب ضغوط حكومة الشاه، انتقل للدراسة إلى البصرة العِراقيَّة ومنها إلى كلية الشريعة في جامِعَةُ الأزْهَر المصريَّة عام 1952 ليتخرَّج عام 1956 ويحصل على الشهادة العالمية الأولى باللغة العربيّة والثانية في القضاء الشرعي ويكون بذلك أول بحريني ينال شهادة الدكتوراه من جامعة الأزهر.
استقر به المقام في البحرين فعمل خطيباً لعددٍ من الجوامع ثم قاضيًا في المحكمة الشرعية الثانية عام 1964 حتى ارتقى أخيرًا إلى منصب القاضي في محكمة الاستئناف العليا الشرعيّة منذ سنة 1977 حتى وفاته عام 2004.
و قد روي أن والده قد أنجب عدد من الأبناء الذكور ولكنهم كانوا جميعهم يتوفوا من الصغر حتى ولد الشيخ عمر فسمّاه "عُمر" لأنه عمّر، فهو الإبن الذكر الوحيد للشيخ عبدالوهاب، وله أخت من أم أخرى هي السيدة عائشة.
طفولته
ولد عام 1929 في منطقة دَشْتِي حيث كانت جزءاً من بر فارس، لأسرة من الأسر العربية الهاشمية التي استوطنت الساحل الفارسي على ضفاف الخليج العربي اشتهرت بالعلم والعلماء والقضاة، فقد كان والده الشيخ عبدالوهاب القاضي من مشائخ المنطقة المعروفين في القابنديةودشتي كما ذُكر في كتاب تاريخ لنجة مع عدد من الشخصيات وكذلك كان جده عبدالرحيم ووالده عبد اللّه.[2]
وكان لدى الشيخ عبدالوهاب أملاك وأراضٍ زراعية ونخل وكان يفتح مجلسه للناس فكان كثير الصدقة عظيم الجاه بين الناس، جاء إلى البحرين بعد أن استتبت أحوال ابنه الشيخ عمر ليستقر فيها حتى وفاته في سنة 1392 هـ ما يوافق 1973/1972 م ودُفن في مقبرة المنامة. وتقديرًا ووفاءً لوالده تبرَّع بجميع الأراضي والأملاك التي كان يملكها والده في القابِنديَّة، ودشتي إلى الناس، كما حفر بئر ماء في إحدى الأراضي صدقةً وبرَّاً به.[2]
والدته هي فاطمة جاسم، وقد توفيت في وقتٍ مُبكر من حياته وذلك في 18 سبتمبر 1960 خلال دراسته في جامعة الأزهر.
تعليمه الدراسي
تلقى الشيخ عُمر تعليمه الإبتدائي في منطقة نخل خلفان في قرية صغيرة يقدر عددها بالمئات، وكانت بها مدرسة علمية على النمط القديم، وقد ذكر في سيرته الذاتية أنه تعلم على يد الشيخ أحمد نور الشيخ عبدالله وابن أخيه الشيخ عبدالله بن خنجي، واستمر في التعلم هناك 9 سنوات وما يعادل المرحلة الإبتدائية والثانوية حتى قام والده بإخراجه من إيران بسبب مضايقات الحكومة البهلوية آنذاك لأهل السنة والأقلية العربية في الساحل وتجنيد الشباب في عهد رضا شاه بهلوي ورفع الضرائب، وقد هاجر الكثير من عرب الساحل وعجميّهم بسبب هذه الأسباب، كما أن الغزو البريطاني-السوفييتي على إيران عام 1941 وفي ظروف الحرب العالمية الثانية كانت الأمور تشهد صعوبات وتضييقات كثيرة في المعيشة والحياة.[3][وب 1]
رحل الشيخ عمر إلى مدينة البصرةالعراقية حيث تلقى العلم على عدد من المشايخ منهم الشيخ عبدالوهاب حسون الفضلي والشيخ عبدالمحسن أبا بطين، وقد ذكر أن والده تكفل بنفقات إقامته في البصرة دعماً لتعليمه.[وب 1]
وخلال دراسته في الأزهر التقى مع أول دفعة بحرينية أرسلتها الأوقاف السنية للدراسة هناك، ومنهم الشيخ أحمد المطوع، والشيخ عبدالعزيز المطوع، والشيخ عبدالله الفضالة، والشيخ يوسف بن أحمد الصديقي الذي أصبح من أصدقائه المقربين فيما بعد، ويبدو أن معرفته هناك معهم ومزاملته لهم، هي التي دعته للاستقرار بالبحرين، إضافة إلى أن هناك بعضاً من أهله كان موجوداً بالبحرين من الأساس فكان ذلك بمثابة رسالة الاستقرار خاصةً كونه عربيّ حيث كان العرب يواجهون الاضطهاد من حكومة الشاه وقد تزامن في فترة ما قبل استقلال البحرين من الحماية البريطانية ليكون من المؤسسين للبلاد التي تحتاج للمواهب والكفاءات بتسهيل وتشجيع من أمير البحرين الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة.[وب 1]
شهادة الدكتوراه
التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر لدراسة الدكتوراه وبدعم والده الشيخ عبدالوهاب، ولكن بسبب حرب أكتوبر عام 1973 تم تأجيل مناقشة الأطروحة إلى موعد لاحق، إلا أن وفاة المشرف على رسالة الدكتوراه حالت دون الحصول عليها، ثم تم تحديد مشرف آخر على الرسالة، وفي عام 1974 حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة الأزهر تخصص الحديث، وكان موضوع الأطروحة (موقف الإسلام من المعاهدات الدولية -دراسة مقارنة)، ويعتبر من أوائل البحرينيين الحاصلين على الدكتوراه من جامعة الأزهر، إن لم يكن أول بحريني، إذ لا يعرف شخصاً أخذ الدكتوراه من جامعة الأزهر قبله من البحرينيين.[4][وب 1]
حياته العملية
تولى القضاء ابتداءً من المحكمة الشرعية الثانية في 31 أكتوبر 1964 بسبب تخصصه وبسبب ندرة العلماء في ذلك الوقت في البحرين، فكان من الطبيعي أن يُعرض عليه القضاء، وهي السنة التي استقر فيها في البحرين وتحديداً في منطقة الحد ثم القُضَيْبِيَّة، ثم تدرج في القضاء، إذ عُيِّن وكيلاً للدائرة الشرعية السنية في 29 يونيو 1972.[وب 2] أصبح قاضياً بمحكمة الاستئناف العليا الشرعية في 11 أبريل 1977، واستمر بهذا المنصب حتى توفي سنة 2004.[2] عمل خطيبًا في عدد من جوامع البحرين، ومنها جامع الشيخ حمد وجامع جمعيَّة الإصلاح في المُحرَّق.[وب 1][وب 3]
مؤلفاته
للشيخ عمر عدد من المؤلفات والكتب، بعضها غير مطبوع، ومما عُرف هو رسالة الإسراء والمعراج، وموقف الإسلام من المعاهدات في العلاقات الدولية (وهي رسالة الدكتوراه)،[وب 4] وتفسير القرآن الكريم باللغة الفارسية (لم يكتمل ولم يطبع بعد)، وهو تفسير نادر، إضافة إلى عدد من المخطوطات غير المطبوعة باللغتين العربية والفارسية.[وب 1]
امتلك الشيخ عمر مكتبة ضخمة وثرية بالمعرفة نتيجة حبّه واطّلاعه للكتب والمعرفة، حيث تحتوي مكتبته على المئات من أمهات الكتب المتخصصة في الفقهوالحديثوالتفسير وعلوم اللغة و التاريخ والأدب، كذلك لديه الكثير من الكتب في الفقه الجعفري، كان يشتريها من البحرين ومن السعوديةومصروسوريا وغيرهم، حيث كان شغوفاً بشراء الكتب فكان لا يسافر إلى أي بلد دون شراء عدة كتب للمطالعة والقراءة، وكان يقرأ يومياً في مجلسه العامر حيث كان مجلسه مفتوحاً للجميع وخاصة أصدقائه وضيوفه، وكان يخصص يومياً من ساعة إلى ساعتين للقراءة والمطالعة وكان شغوفاً بحب العلم والتعلم لغاية آخر عمره. كما لديه عدد من المخطوطات القديمة والنادرة والموروثة فبعضها يصل إلى 400 سنة باللغة العربية والفارسية، وبعضها من كتابته، وعمر بعضها يقدر بـ300 سنة. وقد تم جعل مكتبته للوقف من قبل أبنائه الورثة محمّد وعبدالوهاب ضمن مكتبة الشيخ عيسى في منطقة الفاتح كصدقة جارية ولنفع الناس إلا أنها لم تُنشر بعد لاعتبارات.[وب 1]
حياته الشخصية
عاش الشيخ عُمر وعائلته في البحرين في منطقة الحد ثم إلى منزل مستأجر في القضيبية، ثم امتلك فيلا في الجفير، حتى استقر في القضيبية من جديد بعد أن منحه الأمير عيسى بن سلمان آل خليفة أرضاً ليبني بها منزله ويستقر بها، وقد كبرت عائلته وتحسنت أحواله المادية نتيجة عمله كـ قاضي شرعي على مدار 40 عاماً وتجارة شراء وبيع الأراضي على مدار سنوات طويلة.[وب 1]
تزوج الشيخ عُمر من ثلاث سيدات لثلاث جنسيّات مختلفة:
السيدة الفارسيّة: ابنتان.
السيدة المصريّة: 3 بنات.
السيدة السوريّة: ابنتان و ولدان.
أنجب 9 أولاد إجمالاً، منهم 7 بناتٍ، ثم مُحمد وهو أول ذكر يولد له بعد بناته وذلك في عام 1991، ثم عبد الوهَّاب وولد عام 1997.
صفاته
عرف الشيخ عمر بانتهاجه المنهج الوسطي المُعتدل، وكان الناس يقصدونه للتقاضي وحل المشاكل وعقد قرآنهم، كان فصيحاً ويتحدث العربيّة الفصحى في عدة مواطئ، كما كان لا يخشى في الله لومة لائم وكان لديه مرونة لتيسير أمور الناس.[وب 1]
هواياته
كان الشيخ عمر يهوي القراءة ومطالعة الكتب الشرعية والتاريخ والأدب والشعر وكان يهوي مشاهدة المصارعة الحرة والأخبار، وكان يحب السفر خصوصاً في فترة الإجازات، وكان كثير التردد على مصروسوريا وقد أدى فريضة الحجّ مرة واحدة وقد اعتمر حوالي أربعة مرات، كما أنه زار عدة بلدان مثل لبنانوتركياوالأردنوالهند.
طرائفه
كان الشيخ عُمر يخطُب في جامعة الشيخ حمد بالمُحَرَّق، وبعد انتهاء خطبته ذهب مع أحد المصلين بناءً على طلبه قرابة أكثر من ساعة، ومن ثم عاد وأخبر من حوله بأن أحد المصلين كان لديه مشكلة مع زوجته، فذهب معه في محاولة لإصلاح ذات البين وقد تمّ الصلح.[وب 1]
كان معروف أنه يعقد زواج الكثير من أهل البحرين و من دول الخليج لدرجة أنه عقد 15 قرآناً في يوماً واحد![وب 1]
كان يتسوق في محل غذائي مع بعض أولاده، فرد على اتصال هاتفي من قبل سيدة تسأله عن حكم شرعي محرج، فكان يستفسر منها بصوتٍ عالٍ بسبب عدم معرفته الدقيقة بالهاتف النقال وذلك في بدايات انتشاره وكان الناس ينظرون إليه وأولاده يضحكون على طرافة الموقف.
وفاته
ذهب الشيخ عمر في رحلة إجازة مع زوجته وأولاده إلى دمشق، وكان تعبًا بسبب احتشاء عضلة القلب، ليتوفى في 28 يناير 2004 م، المُوافق 6 ذُو الحجَّة 1424 هـ بعد 15 يوم من مجيئه، عن عمر ناهز 75 عامًا وبعد أن عمل في الخُطبة والقضاء 40 عامًا. أعيد على طائرة خاصَّة ودفن في مقبرة المنامة.[وب 1]
^عمر القاضي (1984)، موقف الإسلام من المعاهدات في العلاقات الدولية: دراسة مقارنة (ط. 1)، المنامة: المطبعة الحكومية لوزارة الإعلام، OCLC:21035216، QID:Q126709883