الشيخ صفي الدين الهندي الأرموي (644هـ - 715هـ = 1246م - 1315م) هو إمام وفقيه أصولي شافعي ومتكلم على مذهب الأشاعرة. ولد بالهند سنة 644هـ، وخرج من دهلي سنة 667هـ فزار اليمن فأكرمه الملك المظفر وأعطاه تسعمائة دينار، وقيل: أربعمائة دينار، ثم حج فأقام بمكة ثلاثة أشهر ورأى بها ابن سبعين وسمع كلامه، ثم سافر إلى مصر والروم، واستوطن دمشق سنة 685هـ، وولي بها مشيخة الشيوخ، وانتصب للإفتاء والإقراء في الأصول والمعقول، ووقف كتبه بدار الحديث الأشرفية، وناظر ابن تيمية، فقال له الصفي الهندي في أثناء البحث والمناظرة: «ما أراك يابن تيمية إلا كالعصفور، حيث أردت أن أقبضه من مكان فر إلى مكان آخر».[1][2][3]
درس على سراج الدين الأرموي، وسمع من الفخر بن البخاري، وغيره.
أخذ عنه أكابر العلماء بدمشق؛ كابن المرحل، وابن الزملكاني، وابن الفخر المصري، وصدر الدين بن الوكيل وغيره.[4]
مولده: ببلاد الهند، سنة أربع وأربعين وست مائة، ورحل إلى اليمن سنة سبع وستين، ثم حج، وقدم إلى مصر، ثم سار إلى الروم، واجتمع بسراج الدين، ثم قدم دمشق سنة خمس وثمانين، واستوطنها، ودرس بالأتابكية، والظاهرية الجوانية، وشغل الناس بالعلم. توفي بدمشق، سنة خمس عشرة وسبع مائة. وكان خطه في غاية الرداءة، وكان رجلاً ظريفاً ساذجاً، فيحكى أنه قال: وجدت في سوق الكتب مرة كتاباً بخط ظننته أقبح من خطي، فغاليت في ثمنه، واشتريته لأحتج به على من يدعي أن خطي أقبح الخطوط، فلما عدت إلى البيت وجدته بخطي القديم.
وقال عنه في (معيد النعم ومبيد النقم): «وكذلك حَكى لنا بعض مشايخنا عن الشيخ العلّامة صفي الدين الهندي إمام المتكلمين في عصره أنه جاءه حِمْل زيت، فأمسكه المكَّاسون في الطريق على المكْس، فكتب إليهم كتابًا يُتعجَّب من ذكره، مشتملًا على أنواع الجدل والسبْر والتقسيم».[6]
كان قيما لفن الكلام، عارفا بغوامضه التي خفيت عن السيف والإمام، لو رآه ابن فورك لانفرك، أو الباقلاني لقلا معرفته، ووقع معه في الدرك، أو إمام الحرمين لتأخر عن مقامه، أو الغزالي لما نسج "المستصفى" إلا على منواله ولا رصفه إلا على نظامه، أو ابن الحاجب لحمل العصا أمامه، وجعله دون الناس إمامه. مع سلامة باطن تنعته يوم حشره، وديانة طواها الحافظان له إلى يوم نشره، ومودة لا تنسى عهودها، ولا تجفو على كبره مهودها، وانعطاف على الفقراء وحنو، وبراءة من الكبرياء والعتو. أقرأ الكبار وأفادهم، وأفاض عليهم فضلة فضله وزادهم.
ولم يزل على حاله إلى أن تكدر للصفي مورد حياته، وناداه الموت بإغفال شياته، فبات الدين وقد ثلم هنديه، وثل عرش الأصول بل هد نديه. وتوفي ليلة الثلاثاء تاسع عشري صفر سنة خمس عشرة وسبع مئة بمنزله بالمدرسة الظاهرية بدمشق، ودفن في مقابر الصوفية.
ومولده في ليلة الجمعة ثالث شهر ربيع الآخر سنة أربع وأربعين وست مئة بالهند.
وكان له جد لأمه فاضل من أهل العلم هو شيخه، قرأ عليه ومات سنة ستين وست مئة، وخرج من دهلي البلد المشهور بالهند في شهر رجب سنة سبع وستين وست مئة، ودخل اليمن، وأقام بمكة نحوا من ثلاثة أشهر، واجتمع بابن سبعين.
ولما كان باليمن أكرمه المظفر وأعطاه أربع مئة دينار. ثم إنه ركب البحر، ودخل الديار المصرية في سنة سبعين، وخرج منها، ودخل البلاد الرومية وأقام بها إحدى عشرة سنة، منها خمسة بقونية، وخمسة بسيواس، وسنة بقيصرية. ودرس بقونية وسيواس، واجتمع بالقاضي سراج الدين الأرموي وأكرمه وأخذ عنه المعقول.
وخرج من الروم سنة خمس وثمانين وست مئة، وقدم دمشق وأقام بها واستوطنها وعقد حلقة الإشغال بالجامع الأموي وقرأ عليه الأعيان وفضلاء الناس، ودرس في دمشق بالروحانية والدولعية والأتابكية والظاهرية. وكان مقصودا بالاستفتاء، ويكتب كثيرا في الفتاوى. وكان فيه خير وديانة وبر للفقراء يفطر في شهر رمضان عشرة من الفقراء الضعفاء.
وصنف في أصول الدين كتاب "الفائق"، وكان يقوم في الليل فيتوضأ ويلبس أفخر ثيابه، وعلى ما قيل حتى الخف والمهماز، ويصلي ورده في جوف الليل، وكان يحفظ ربع القرآن لا غير. قيل عنه إنه قرأ يوما في الدرس: "المص"، مصدر يمص مصا، ولم ينطق بها حروفا مقطعة كما هو لفظ التلاوة.
وممن تخرج عليه الشيخ صدر الدين بن الوكيل وغيره، وأظن الشيخ كمال الدين بن الزملكاني أيضا، وكان في بعض مدارسه ناظر لا ينصفه، فقال: هذه المدرسة يعمل فيها بآيتين من كتاب الله تعالى، المدرس: "ليس لك من الأمر شيء"، والناظر: "لا يسأل عما يفعل". ولما عقد بعض المجالس للعلامة تقي الدين بن تيمية عين صفي الدين الهندي لمناظرته، فلما وقع الكلام قال لابن تيمية: أنت مثل العصفور تنط من هنا إلى هناك. وقيل: إن الشيخ تقي الدين ذكر ما هو المشهور في سبب تسمية المعتزلة بهذا الاسم، وهو أن واصل بن عطاء لما اعتزل حلقة الحسن البصري سمي بذلك معتزلا، فيقال إن الشيخ صفي الدين قال: لا نسلم. فقال الحاضرون: ما يقال في نقل التاريخ لا نسلم، وكان ذلك سبب نصرة ابن تيمية. ومنها أن قاضي القضاة نجم الدين بن صصرى قال لابن تيمية: هذا الكلام الذي يثلج الصدر. فقال له الشيخ كمال الدين بن الزملكاني: والله تسخر وجه الشافعية بتلك الحاجة لما كنت أنت حاكمهم، فقال لابن صصرى: لي يقال هذا الكلام؟ اشهدوا علي أني عزلت نفسي من القضاء، فانفصل المجلس على غضب ابن صصرى.
قلت: وما أنصف تقي الدين الهندي في قوله، لعله كان عنده سبب آخر لتسمية المعتزلة غير ذلك، إذ هو ممكن. وما رأيت أضعف ولا أوحش من خطه ومن خط الشيخ شمس الدين بن الأكفاني، وقد تقدم ذكره. وقيل إنه أجري بين يديه ذكر خطه، فقال له بعض الطلبة: والله يا سيدي ما رأينا أوحش من خطك. فقال: والله البارحة رأيت كراسا أوحش من خطي. فقالوا له: هذا يمكن. فقام وأتى بالكراسة فإذا بها أوحش من خطه، واعترفوا بذلك، ثم إن ذلك الطالب تتبع الكلام إلى آخره فوجد آخره: وكتب محمد بن عبد الرحيم الأرموي. فقالوا: هذه بخطك، فأعجبه ذلك، وضحك.
وقال عنه في (الوافي بالوفيات): «الشيخ صفي الدين الهندي محمد بن عبد الرحمن بن محمد الأرموي العلامة الأوحد، الشيخ صفي الدين الهندي الشافعي الأصولي، نزيل دمشق، ومدرس الظاهرية، وشيخ الشيوخ، ولد بالهند سنة أربع وأربعين، وتفقه هناك بجده لأمه، ثم رحل من دلهي سنة سبع وستين إلى اليمن، فأعطاه صاحبها أربعمائة دينار، فحج وخاطب ابن سبعين وقدم مصر، ثم سار إلى الروم فأقام بقونية وسيواس مدة. وأخذ عن سراج الدين الأرموي المعقول، وقدم دمشق سنة خمس وثمانين وسمع من الفخر علي وأقرأ الأصول والمعقول، وصنف (الفائق في أصول الدين) وأفتى، وكان يحفظ ربع القرآن، وفيه دين وتعبد، وله أوراد درس بالرواحية، وأشغل بالجامع، وكان حسن العقيدة، ويكتب خطا ردئاً إلى الغاية، توفي سنة خمس عشرة وسبعمائة».[8]
وقال في موضع آخر: «وفي يوم الأربعاء تاسع جمادى الآخرة درس ابن صصرى بالأتابكية عوضا عن الشيخ صفي الدين الهندي. وفي يوم الأربعاء الآخر حضر ابن الزملكاني درس الظاهرية الجوانية عوضا عن الهندي أيضا، بحكم وفاته، كما ستأتي ترجمته».[2]
وقال أيضاً في موضع آخر: «وفي يوم الاثنين ثامن رجب حضر القضاة والعلماء، وفيهم الشيخ تقي الدين ابن تيمية عند نائب السلطنة بالقصر، وقرئت عقيدة الشيخ تقي الدين "الواسطية"، وحصل بحث في أماكن منها، وأخرت مواضع إلى المجلس الثاني، فاجتمعوا يوم الجمعة بعد الصلاة ثاني عشر الشهر المذكور، وحضر الشيخ صفي الدين الهندي، وتكلم مع الشيخ تقي الدين كلاما كثيرا، ولكن ساقيته لاطمت بحرا، ثم اصطلحوا على أن يكون الشيخ كمال الدين بن الزملكاني هو الذي يحاققه من غير مسامحة، فتناظرا في ذلك، وشكر الناس من فضائل الشيخ كمال الدين بن الزملكاني، وجودة ذهنه، وحسن بحثه، حيث قاوم ابن تيمية في البحث، وتكلم معه، ثم انفصل الحال على قبول العقيدة، وعاد الشيخ إلى منزله معظما مكرما...».[2]
له مصنفات، منها:[1]
وغيرهم في غيرها من الكتب.[11][10]
توفي بدمشق سنة 715هـ ليلة الثلاثاء 26 أو 29 صفر، ودفن بمقابر الصوفية.[2][11]
{{استشهاد ويب}}
|مسار أرشيف=