أبو منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي التميمي[7](توفي عام 1037 م) متكلم من أئمة الأصوليين وأعيان فقهاء الشافعية أحد أعلام الأشاعرة في نهاية القرن الرابع وبداية القرن الخامس.[8]
كان البغدادي ماهرا في علوم كثيرة، وفي علم الحساب خاصة. وكان عارفاً بالنحو، وبرع في علوم الدين، فاشتهر اسمه وبعد صيته. ولما مات شيخه الإسفراييني قام مقامه في التدريس بمسجد عقيل، فأملى سنين، واختلف إليه الأئمة فقرؤوا عليه، وكان منهم ناصر المروزي وزين الإسلام القشيري وغيرهما..وقيل إنه كان يدّرس في سبعة عشر فناً. ولما نشبت فتنة التركمان في نيسابور فارقها إلى إسْفَرايين سنة 429 هـ/ 1037 م فابتهج الناس بمقدمه، ولكنه لم يعش فيها إلا زمناً يسيراً فقد مات في السنة ذاتها ودفن إلى جانب شيخه أبي إسحاق.
مولده ونشأته
ولد في بغداد ونشأ فيها ثم رحل مع أبيه إلى خراسان واستقرّ في نيسابور، وتفقه على أهل العلموالحديث، وكان من شيوخه أبو عمرو إسماعيل بن نُجيد النيسابوري شيخ الصوفية بنيسابور (ت 366 هـ) وأبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني أحد الأئمة الثقات في الحديث (ت 365 هـ) وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد الإسفراييني، العالم الفقيه بالأصول (ت 418 هـ).
وينطلق في كتابه «الفرق بين الفرق» من الإجابة عن شرح معنى الخبر المأثور عن النبيﷺ في افتراق الأمة ثلاثاً وسبعين فرقة، منها واحدة ناجية. فيذكر في كتابه الذي قسم مضمونه إلى خمسة أبواب أسماء الفرق التي تنسب إلى الإسلام والمعنى الجامع الذي تعتقده في انتسابها، فيتحدث عن الروافض والخوارج والمرجئة والقدرية والمعتزلة وما توزع عنها من فرق وما تؤمن كل فرقة به، وقد حكم على كل فرقة من الفرق الإسلامية من وجهة النظر الأشعرية إذ نراه يعود في كثير مما كتبه إلى أبي الحسن الأشعري، ويبدو متعصباً للسنية الشافعية، وقد نقل عن كتابه هذا كثير من الباحثين في الشؤون الدينية عبر العصور، ووصف بأنه من أجلّ الكتب الموضوعة في هذا الباب.
أما كتابه «أصول الدين» فقد ذكر فيه خمسة عشر أصلاً من أصول الدين، وشرح كل أصل منها بخمس عشرة مسألة من مسائل العدل والتوحيد والوعد والوعيد، وما يتعلق بها من مسائل النبوات والمعجزات، وأشار في كل مسألة منها إلى أصولها، كما ردّ بقسوة على القدرية والروافض والخوارج وغير ذلك من الملل والنحل، وقد هاجم في كتابه «فضائح المعتزلة» وردّ على الجبّائي وغيره من أئمتهم، وانتصر لأهل السنة، وتحدث عن صفات الله والأحكام الدينية والمحرمات والمباحات والطاعات والمعصيات وتحدث عن الإمامة وذكر شروطها وشروط الزعامة من الأولياء وأهل الكرامة، ودافع في هذا البحث عن وجهة نظر الخلافة السنية.
ويعرض البغدادي في كتابه «مسائل علم الكلام» التي جاء بها أبو الحسن الأشعري ولكن على نحو منظم ومبوب، وقد اعتمد في مسألة بيان حدوث العالم على نظرية الجوهر الفرد، وهي تمثل العقلية الكلامية التي تتأسس عليها طريقة المتكلمين المتقدمين.
والبغدادي يمثل فكر المتكلمين الذين يكتبون في مسائل علم الكلام فيعمدون إلى المقدمات العقلية ثم يتحدثون عن المعتقدات الدينية، والمقدمات عنده صنفان:
صنف يقدم نظرية في العلم وأقسامه وأصنافه،
وصنف يطرح فروضاً نظرية حول العلم والإنسان،
أما المعتقدات الدينية فموضوعها ذات الله وصفاته وأسماؤه وأفعاله والمعاد والثواب والعقاب والقول في الإمامة. والمقدمات بصنفيها هي للدفاع عن وجهة نظر معينة داخل المذهب أو تجاه المذاهب الأخرى.
مكانته العلمية وثناء العلماء عليه
قال أبو عثمان الصابوني: كان من أئمة الأصول وصدور الإسلام بإجماع أهل الفضل والتحصيل بديع الترتيب غريب التأليف والتهذيب تراه الجلة صدرا مقدما وتدعوه الأئمة إماما مفخما ومن خراب نيسابور اضطرار مثله إلى مفارقتها. فارق نيسابور بسبب فتنة وقعت بها من التركمان.[9][13]
وقال عنه عبد الغافر الفارسي هو الأستاذ الإمام الكامل ذو الفنون الفقيه الأصولي الأديب الشاعر النحوي الماهر في علم الحساب العارف بالعروض ورد نيسابور مع أبيه أبي عبد الله طاهر وكان ذا مال وثروة ومروءة وأنفقه على أهل العلم والحديث حتى افتقر صنف في العلوم وأربى على أقرانه في الفنون ودرس في سبعة عشر نوعا من العلوم وكان قد درس على الأستاذ أبي إسحاق وأقعده بعده للإملاء مكانه وأملى سنين واختلف إليه الأئمة وقرأوا عليه.
وقال عنه الإمام فخر الدين الرازي في كتاب «الرياض المونقة» كان يعني أبا منصور الإسفرايني يسير في الرد على المخالفين سير الآجال في الآمال وكان علامة العالم في الحساب والمقدرات والكلاموالفقهوالفرائضوأصول الفقه ولو لم يكن له إلا كتاب التكملة في الحساب لكفاه.[15]
وفاته
مات بإسفرايين في سنة تسع وعشرين وأربع مئة وقد شاخ. واتفق أهل العلم على دفنه إلى جانب الأستاذ أبي إسحاق فقبراهما متجاوران تجاور تلاصق كأنهما نجمان جمعهما مطلع وكوكبان ضمهما برج مرتفع.[15]