تحتاج هذه المقالة إلى الاستشهاد بمصادر إضافية لتحسين وثوقيتها. فضلاً ساهم في تطوير هذه المقالة بإضافة استشهادات من مصادر موثوق بها. من الممكن التشكيك بالمعلومات غير المنسوبة إلى مصدر وإزالتها. بحاجة للاستشهاد بمعجم مطبوع بدلاً عن قاعدة بيانات معجمية على الإنترنت.
الفيزيولوجيا هي علم وظائف الكائنات الحية، أي شرح العوامل الفيزيائية والكيميائية المسؤولة عن أصل الحياة وتطورها وتقدمها. ويتصف كل نوع من أنواع الأحياء - ابتداءً من الفيروسات حتى أكبر الأشجار أو الإنسان المعقد نفسه - بخواص وظيفية خاصة به. ولهذا يقسم حقل الفيزيوجيا إلى الفيزيولوجيا الفيروسية viral physiology، والفيزيولوجيا الجرثومية bacterial physiology، والفيزيولوجيا الخلوية cellular physiology، والفيزيولوجيا النباتية plant physiology، والفيزيولوجيا البشرية human physiology، وإلى عدة فروع ثانوية أخرى.[1]
الفيزيولوجيا البشرية
تعنى الفيزيولوجيا البشرية بالمميزات والآليات الخاصة التي تجعل من جسم الإنسان كائناً حياً. وتبقى حقيقة بقاء الإنسان حياً خارج نطاق سيطرة الإنسان نفسه؛ لأن الجوع هو الذي يحفز الإنسان على تناول الطعام، والخوف هو الذي يدفع الإنسان للبحث عن ملجأ يحتمي به، والإحساس بالبرد هو الذي يحمل الإنسان على تدفئة جسمه. كما أن هناك دوافع حيوية هامة تدفع الإنسان للبحث عن الرفقة والتكاثر. ولذلك فالإنسان ليس إلا مجرد آلة أتوماتيكية، وأن كل حقائق الإحساس والشعور والمعرفة بأن الإنسان مخلوق حي ما هي إلا مجرد مظاهر لهذه الحياة الأتوماتيكية. ولكن هذه الخواص كلها هي آليات تمكن الإنسان من البقاء حياً تحت الظروف المتباينة العديدة، ومن دونها تكون الحياة مستحيلة.
الخلايا كوحدات حية للجسم
الوحدة الحية الأساسية للجسم الحي هي الخلية، وتتكون كل خلية منعضو[ ؟ ] من أعضاء الجسم من تجمعات عديدة من مختلف أنواع الخلايا المتماسكة مع بعضها البعض بواسطة البنيات السائدة بين الخلايا. ويتكيف كل نوع من أنواع الخلايا للقيام بوظيفة معينة خاصة به؛ فمثلاً تقوم خلايا الدم الحمراء - التي يبلغ عددها في الجسم حوالي 25 تريليون[ ؟ ] خلية - بنقل الأكسجين من الرئتين إلى الأنسجة. وبالرغم من أن هذه الخلايا هي الأوفر عدداً من بين خلايا الجسم الأخرى؛ فقد يحتمل وجود 75 تريليون خلية أخرى فيه، وبهذا يبلغ عددها الإجمالي في الجسم كله حوالي 100 تريليون خلية. وبالرغم من أن خلايا الجسم المتعددة تختلف كثيراً عن بعضها البعض، إلا أن لجميعها صفات أساسية متشابهة؛ فمثلاً الأكسجين يتحد في كل خلايا الجسم مع السكرياتوالدهونوالبروتين لإطلاق الطاقة الضرورية لوظائفها، وبالإضافة لذلك تتشابه عمليات تحويل المواد الغذائية إلى طاقة في كل الخلايا وتنقل جميع هذه الخلايا نتاجاتها النهائية التي تتولد عن عملياتها الكيميائية إلى السوائل المحيطة بها.
وتتمكن جميع الخلايا تقريباً من التكاثر، وعندما يُتلف أي نوع منها - لسبب أو آخر - تتمكن الخلايا المتبقية من نوعها من إعادة توليد خلايا جديدة لتقوم بتعويض الأعداد التالفة منها.[2]
السائل خارج الخلايا - المحيط الداخلي
يكون السائل حوالي 56 % من جسم الإنسان البالغ. وبالرغم من أن معظم هذا السائل يوجد داخل الخلايا ويسمى (السائل داخل الخلايا - intracellular fluid)، فإن حوالي ثلث هذا السائل يوجد خارج الخلايا ويسمى السائل خارج الخلايا (السائل البراني). ويدور هذا السائل الأخير بحركة مستمرة خلال الجسم، وينتقل بسرعة عن طريق دوران الدم ثم يمتزج بين الدم والسوائل النسيجية بخاصية الانتشار diffusion خلال جدران الشعيرات الدموية.
ويحتوي السائل خارج الخلايا على الأيوناتوالمواد الغذائية التي تحتاجها الخلايا لإدامة حياتها. وبهذا تعيش كل الخلايا بصورة أساسية في نفس المحيط وهو المحيط السائل خارج الخلايا، ولهذا سمي هذا السائل (المحيط الداخلي - internal environment ) للجسم. وقد استعمل هذا الاصطلاح قبل مئة عام من قبل عالم الفيزيولوجيا الشهير كلود برنارد.
يستعمل علماءالفيزيولوجيا اصطلاح الاستتباب استتباب بمعنى المحافظة على الظروف الثابتة أو الساكنة في المحيط الداخلي للجسم.[3] وتقوم كل أعضاء الجسم وأنسجته بصورة أساسية بوظائف تساعد في المحافظة على هذه الظروف الثابتة؛ فمثلاً تزود الرئتانالأكسجين باستمرار للسائل خارج الخلايا ليعوض عما تستعمله الخلايا منه، كما تقوم الكليتان بالمحافظة على تركيزات أيونية ثابتة، ويوفر الجهاز الهضميالمواد الغذائية الضرورية للجسم .
جهاز نقل السائل خارج الخلايا - جهاز الدوران
ينقل السائل خارج الخلايا خلال كل أقسام الجسم بمرحلتين مختلفتين؛ تشمل المرحلة الأولى دوران الدم خلال جهاز الدوران، وتشمل المرحلة الثانية حركة السائل بين الأوعية الشعرية الدموية وبين الخلايا. فكل الدم الموجود في الدوران العام للدم يجتاز هذا الجهاز كله بمعدل مرة واحدة في الدقيقة عند الراحة وحوالي ست مرات في الدقيقة عندما يكون المرء شديد النشاط .
وعند مرور الدم خلال الأوعية الدموية الشعرية يحدث تبادل مستمر للسائل خارج الخلايا بين الجزء البلازمي من الدم والسائل الخلالي interstitial fluid الذي يملأ الأحياز الخلالية intercellular spaces المنتشرة بين الخلايا. فالأوعية الدموية سميمة ( أي ذات مسامات ) بحيث تنتشر خلالها كميات كبيرة من السائل والمواد المذابة فيه خروجاً ودخولاً بين الدم[4] والأحياز النسيجية. وتسبب عملية الانتشار هذه الطاقة الحركية لجزيئات البلازما[ ؟ ] والسائل الخلالي. وهذا يعني أن السائل والجزيئات المذابة فيه تبقى متحركة ومتراقصة باستمرار بكل الاتجاهات سواء ضمن السائل نفسه أو عبر المسامات وخلال الأنسجة نفسها. ومن الملاحظ أنه لا توجد أية خلية على بعد يزيد على 50 ميكروناً من وعاء شعري دموي مما يضمن انتشار كل المواد تقريباً من الوعاء الدموي الشعري إلى الخلية خلال بضع ثوان فقط . وبهذا يتم اختلاط السائل خارج الخلايا في أي موقع في الجسم سواء كان في البلازما[ ؟ ] أو في الأحياز الخلالية باستمرار مما يحافظ على تجانسه التام والمستمر تقريباً.
لا يتمكن الجسم من دون الجهاز العضلي الهيكلي من التحرك للموقع المناسب وفي الوقت المناسب للحصول على الغذاء الضروري لوظائفه الحيوية. كما يوفر هذا الجهاز الحركة[ ؟ ] للوقاية[ ؟ ] من عوامل المحيط الخارجي الضارة؛ ومن دون ذلك كله يتعرض الجسم وكل وظائفه الاستتبابية للتلف والخراب السريع.[8]
لا يعتبر التكاثر أحياناً وظيفة استتبابية، ولكنه قد يساعد في الحفاظ على حالات التوازن بتوليد أفراد جدد ليحلوا محل الأفراد المتوفين. وقد يكون هذا استعمالاً غير واقعي لمصطلح (الاستتباب)؛ ولكنه يوضح عند التحليل العام للوظائف بأن الجسم منظم بصورة عامة كي يعمل على تنظيم تلقائية الحياة وإدامتها.
لما كان الأكسجين أحد المواد الرئيسية التي تحتاجها العمليات الكيميائية في خلايا جسم الكائن الحي فلا بد من أن تكون للجسم آلية تحكم خاصة تحافظ على تركيز ثابت له تقريباً في السائل خارج الخلايا. وتعتمد هذه الآلية بصورة رئيسية على الخواص الكيميائية للهيموجلوبين الموجود في كافة خلايا الدم الحمراء؛ وعندما يمر الدم في الشعيرات الدموية في الأنسجة فإن الهيموجلوبين - وبسبب ألفته القوية للأكسجين - لا يطلق جزيئات الأكسجين في سائل الأنسجة إذا كانت الكمية الموجودة من الأكسجين فيه كبيرة. أما إذا كان تركيز الأكسجين قليلاً، فعندها يقوم الهيموجلوبين بإطلاق كمية كافية من الأكسجين لإعادة تركيز الأكسجين في الأنسجة إلى مستواه المناسب. وبهذا تكون عملية تنظيم تركيز الأكسجين في أنسجة الجسم هي عملية منوطة بصورة رئيسية بالخواص الكيميائية للهيموجلوبين نفسه. وتسمى هذه العملية وظيفة الدرء الأكسجيني للهيموجلوبين oxygen buffering function of hemoglobin.
يساهم العديد من الأنظمة المختلفة في تنظيم ضغط الدم؛ وأحدها هو جهاز مستقبلات الضغط baroceptor system، وهو جهاز[ ؟ ] بسيط ومثل هام لآلية التحكم[ ؟ ]. ففي جدران معظم الشرايين الكبيرة في القسم العلوي من الجسم - وخاصة في منطقة انشعاب الشريانين السباتيين وقوس الأبهر - توجد عدة مستقبلات عصبية تسمى مستقبلاتالضغط baroceptors التي تتنبه عند تمديد جدار الشريان. فعندما يرتفع ضغط الدمالشرياني تتنبه مستقبلات الضغط هذه بشدة وتنقل الدفعات العصبية إلى البصلة (في النخاع المستطيل) في جذع الدماغ حيث تثبط المركز المحرك للأوعية الدموية vasomotor centre الذي يقلل بدوره من عدد النبضات التي تنقل خلال الجهاز العصبي اللاإرداي إلى القلب وإلى الأوعية الدموية. ويؤدي نقص هذه الدفعات إلى التقليل من فعاليات ضخ[ ؟ ] القلب وإلى تسهيل جريان الدم خلال الأوعية الدموية الطرفية.[15]
ويؤدي هذان العاملان إلى خفض ضغط الدم وإعادته إلى حده السوي. وبالعكس من ذلك يرخي انخفاض الضغط الشرياني مستقبلات التمدد فيزيد ذلك نشاط المركز المحرك للأوعية لأكثر من مستواه العادي ويؤدي ذلك إلى ارتفاع ضغط الدم الشرياني إلى مستواه الطبيعي.
المد السوي للمكونات المهمة للسائل خارج الخلايا
يدرج الجدول الآتي أهم مكونات السائل خارج الخلايا وخواصه الفيزيائية مع قيمها ومداها السوي للتحكم وحدودها القصوى التقريبية من دون أن تسبب الموت لفترة زمنية قصيرة.
المادة
القيمة السوية
المد السوي
الحدود التقريبية غير المميتة
الوحدات
الأكسجين
40
35 - 45
10 - 1000
ملم ز
ثاني أكسيد الكربون
40
35 - 45
5 - 80
ملم ز
أيونات الصوديوم
142
138 - 146
115 - 175
مليمول / ل
أيونات البوتاسيوم
4.2
3.8 - 5.0
1.5 - 9.0
مليمول / ل
أيونات الكالسيوم
1.2
1.0 - 1.4
0.5 - 2.0
مليمول / ل
أيونات الكلوريد
108
103 - 112
70 - 130
مليمول / ل
أيونات البيكربونات
28
24 - 32
8 - 45
مليمول / ل
الجلوكوز
85
75 - 95
20 - 1500
ملجم / دل
درجة حرارة الجسم
37.0
37.0
18.3 - 43.3
درجة مئوية
الحمض - القاعدة
7.4
7.3 - 7.5
6.9 - 8.0
pH
ويلاحظ بصورة خاصة المدى السوي الضيق لكل من هذه المكونات. وقد تولد القيم خارج هذه الحدود بعض الأمراض أو تنشأ عنها .
والأهم من ذلك هي الحدود التي يسبب تجاوزها توليد حالات مرضية خطيرة تؤدي إلى الموت؛ فمثلاً غالباً ما تؤدي زيادة درجة حرارة الجسم بما يبلغ 10 إلى 12 درجة فهرنهيت (وهو ما يعادل 6 إلى 7 درجة مئوية ) فقط فوق المعدل الطبيعي إلى حلقة مفرغة من زيادة في الاستقلاب الخلوي الذي يؤدي إلى تخريب خلايا الجسم .
كما يلاحظ أيضاً المدى الضيق جداً للتوازن الحمضي القاعدي حيث أن المعدل السوي للأس الهيدروجيني هو 7.4، والقيمة المميتة لهذا المعدل هي زيادته أو نقصانه بمقدار لا يتجاوز 0.5 فقط تقريباً . والعامل الآخر المهم بصورة خاصة هو أيوناتالبوتاسيوم، فعندما يهبط تركيزها إلى أقل من ثلث التركيز الطبيعي يحتمل أن يصاب الشخصبالشلل بسبب عدم مقدرة الأعصاب على نقل الإشارات العصبية، وإذا ما زاد إلى ضعف مستوى التركيز السوي أو أكثر من ذلك يمكن أن تثبط عند ذاك عضلةالقلب لدرجة وخيمة جداً . وكذلك إذا ما هبط تركيز أيوناتالكالسيوم إلى أقل من حوالي نصف التركيز الطبيعي فمن الممكن أن يصاب الشخص بتقلصات تكززية - انقباضات متتالية مؤلمة - في كل عضلاتجسم[ ؟ ]ه بسبب التولد التلقائي للدفعات العصبية في الأعصاب الطرفية، وعندما يهبط تركيزالجلوكوز إلى ما دون نصف مستواه الطبيعي فغالباً ما يصاب الشخص بالهياج العقلي الشديد وأحياناً بالاختلاج .
ولهذا فإن بحث هذه الأمثلة يؤكد أهمية هذه القيم وبالتالي أهمية الأعداد الكبيرة من أنظمة التحكم التي تحافظ على عمل الجسم بصحة تامة. وقد تتولد عند غياب أي من أنظمة التحكم هذه أمراض وخيمة أو قد يسبب الموت .
خواص أجهزة التحكم
تمثل الأمثلة السابقة لآليات التحكم الاستتبابي القليل من مئات الآليات الأخرى الموجودة في الجسم والتي تشترك كلها في خواص مشتركة خاصة.
وبالعكس من ذلك يولد الانخفاض الكبير في تركيزغازثاني أكسيد الكربون تلقيماً راجعاً يرفع التركيز. وهذه استجابة سلبية أيضاً بالنسبة للمنبه الأولي.
وفي آليات تنظيم[ ؟ ]ضغط الدم الشرياني يولد ارتفاع الضفط الشرياني سلسلة من الاستجابات التي تحفز تخفيض ضغط الدم. وبالعكس من ذلك يؤدي هبوط الضغط إلى توليد سلسلة من الاستجابات التي تحرض ارتفاع ضغط الدم، وتكون التأثيرات في كلتا الحالتين سلبية بالنسبة للمنبه الأولي .
ولذلك وبصورة عامة إذا ما أصبح أحد العوامل مفرطاً أو واطئاً، يحفز جهاز تحكم عند ذاك تلقيماً راجعاً سلبياً يتكون من سلسلة من التغييرات التي تعيد العامل إلى قيمة وسطية معينة، فيحافظ بذلك على الاستتباب .
الكسب في جهاز التحكم
تتعين درجة الفاعلية التي يحافظ بها جهاز التحكم[ ؟ ] على حالات مستقرة بمدى كسب (gain) التلقيم الراجع السلبي فيه. وبفرض مثلاً أن كمية كبيرة من الدم نقلت إلى شخص تعطلت لديه مستقبلاتالضغط baroceptors الخاصة بجهاز التجكم بالضغط، فارتفع ضغط دمه الشرياني من مستواه الطبيعي 100 ملم زئبق إلى 175 ملم زئبق. وبفرض أنه تم نقل نفس الكمية من الدم إلى شخص آخر لم يتعطل لديه هذا الجهاز فارتفع ضغط دمه الشرياني في هذه الحالة 25 ملم زئبق فقط . وهذا يعني أن جهاز تحكم التلقيم الراجع لدى هذا الشخص يقوم بتصحيح correction يساوي (-50 ملم زئبق) أي من 175 ملم زئبق إلى 125 ملم زئبق فقط . ومع ذلك تبقى لديه زيادة في الضغط تبلغ +25 ملم زئبق وهذا هو ما يسمى بالخطأ error الذي يعني أن جهاز التحكم لم يكن فعالاً 100 % في ذلك التغيير، ولذلك يحسب كسب الجهاز بالصيغة التالية:
الكسب = التصحيح ÷ الخطأ
ولهذا يكون التصحيح في المثل السابق ( -50 ملم زئبق ) والخطأ ( +25 ملم زئبق )، فيصبح كسب جهاز مستقبلاتالضغط للتحكم بضغط الدمالشرياني لدى هذا الشخص ( -50 ملم زئبق ) مقسوماً على ( +25 ملم زئبق )، أي -2. ويعني هذا أن العامل الخارجي الذي حاول أن يزيد أو يقلل ضغط الدم الشرياني أدى إلى تغييره إلى ثلث المقدار الذي كان يمكن أن يحدث لو لم يكن هناك جهاز التحكم هذا .
كما أن في الجسم كسباً لبعض أجهزة التحكم الفيزيولوجية الأخرى أكبر بكثير من كسب جهاز مستقبلاتضغط الدم؛ فمثلاً يبلغ كسب الجهاز الذي يتحكم في درجة حرارة الجسم (-33 درجة تقريباً)، ولذلك من الممكن أن تكون درجة التحكم في حرارة الجسم هي أكثر فاعلية من درجة تحكم جهاز مستقبلات الضغط بضغط الدم الشرياني.
التلقيم الراجع الموجب
يؤدي التحكم بطريقة التلقيم الراجع الموجب أحياناً إلى الحلقات المفرغة ومن ثم إلى الموت الحتمي. فكل أجهزةالتحكم[ ؟ ] في الجسم تعمل بالتلقيم الراجع السالب بدلاً من التلقيم الراجع الموجب ارتجاع إيجابي؛ فالتلقيم الراجع الموجب لا يؤدي إلى استقرار وظائف الجسم بل بالعكس فإنه يولد عدم الاستقرار وغالباً ما يؤدي إلى الموت .[17]
فعلى سبيل المثال لتوضيح اللحظة التي يمكن أن يحدث فيها الموت نتيجة التلقيم الراجع الموجب؛ وبدراسة فاعلية ضخ القلبللدم فإن القلب السوي يضخ حوالي خمسة لترات من الدم في الدقيقة الواحدة، ولكن إذا نزف الشخص بصورة مفاجئة لترين من الدم ينقص عندئذ حجم الدم في جسمه إلى مستوى منخفض لدرجة لن تتوفر عندها كمية كافية من الدم ليضخها القلب بكفاءة إلى أنسجة[ ؟ ]الجسم. ونتيجة لذلك يهبط ضغط الدم ويقل جريان الدم إلى عضلةالقلب خلال الشرايين التاجية، ويؤدي ذلك إلى إضعاف القلب ويقلل من ضخه لحد كبير ويؤدي هذا بدوره إلى إضعاف أكبر للقلب، وتعيد الدورة نفسها مرات ومرات متتالية حتى الموت.
ويلاحظ من ذلك أن كل دورة من دورات التلقيم الراجع تؤدي إلى إضعاف إضافي للقلب؛ وبمعنى آخر إن المنبه الأولي يسبب منبهات إضافية من نفس النوع وهذا هو التلقيم الراجع الموجب .[18]
ويعرف التلقيم الراجع الموجب بأنه حلقة مفرغة ولكن في الواقع من الممكن التغلب على درجة صغيرة من التلقيم الراجع الموجب بآلية التلقيم الراجع السالب للجسم[ ؟ ] فيوقف بذلك تطور تلك الحلقة المفرغة. فمثلاً لو نزف الشخص المذكور في المثال السابق لتراً واجداً من الدم فقط بدلاً من لترين لتمكنت آليات التلقيم الراجع للجسم من التحكم في النتاج القلبي وفي ضغط الدمالشرياني فيوازن بذلك التلقيم الراجع الموجب ويتغلب عليه ويشفي الشخص فيعود لحاله الطبيعي.
ولكن من الممكن أن يكون التلقيم الراجع الموجب مفيداً أحيانا؛ فقد يقوم الجسم في حالات نادرة باستعمال التلقيم الراجع الموجب لفائدته بالطريقة التالية:
يقدم تخثر الدم مثلاً جيداً للاستعمال القيم للتلقيم الراجع الموجب. فعند تمزق أحد الأوعية الدموية تبدأ الجلطة بالتكون وتنشط عدة إنزيمات تسمى عوامل التجلط clotting factors ضمن الجلطة نفسها. ويعمل البعض من هذه العوامل في تنشيط الإنزيمات الأخرى في الدم المجاور لها مباشرة ويحفزها على توليد جلطة إضافية حولها . وتستمر هذه العملية إلى أن تغلق الثقبة في جدار الوعاء الدموي المصاب ويتوقف النزيف. ولكن مع الأسف تنفلت أحياناً هذه العملية وتسبب توليد جلطات إضافية غير مرغوب فيها داخل الجسم. وفي الواقع هذا هو السبب في بدء معظم نوبات أمراض القلب الحادة التي تسببها الجلطات التي تبدأ من على لويحات التصلب العصيدي في الشريان التاجي والتي تنمو إلى أن يغلق الشريان تماماً.
وولادةالجنين[19] حالة أخرى من الحالات التي يقوم بها التلقيم الموجب بدور مهم . فعندما تشتد تقلصات الرحم لدرجة كافية يندفع أثنائها رأس[ ؟ ]الجنين خلال عنق الرحم، ويرسل عنق الرحم المتوسع إشارات خلال عضلاتالرحم عائدة إلى جسمه مولدة بذلك تقلصات أشد في الرحم . وعندما تصبح هذه التقلصات شديدة لدرجة كافية يولد الوليد . أما إذا لم تكن هذه التقلصات كافية فإنها عادة ما تتلاشى وتنتظر بضعة أيام لكي تعود ثانية.[20]
وأخيراً فإحدى حالات التلقيم الموجب المهمة الأخرى هي توليد الإشارات العصبية حيث يولد تنبيه غشاءالليف العصبي تسرباً ضعيفاً لأيونات الصوديوم خلال قنواته في غشاء الليف العصبي إلى داخله . فتقوم الأيونات التي دخلت إلى الليف بتغيير جهد الغشاء الذي يسبب بدوره فتح قنوات إضافية أخرى . ويستمر ذلك من هذه البداية البسيطة إلى التسرب المفرط لأيونات الصوديوم فيولد جهد الفعلجهد الفعل. ويستثير هذا بدوره الليف العصبي لدرجة أشد وعلى طوله كله وتستمر العملية إلى أن تسري الإشارة العصبية على طول الليف حتى تبلغ نهايته.[21]
ومع ذلك فإنه في كل من هذه الحالات التي يكون فيها التلقيم الموجب مفيداً فإنه هو نفسه يكون جزءاً من عملية تلقيم سلبي شامل. فمثلاً في حالة تجلط الدم تكون عملية التلقيم الموجب للتجلط نفسها جزءاً من عملية تلقيم سلبي للمحافظة على حجم الدم داخل الجسم. كما أن عملية التلقيم الموجب التي تولد الإشارات العصبية تسمح للأعصاب بالمساهمة عملياً في الآلاف من أنظمة التحكم العصبية ذات التلقيم السلبي.
بعض الأنماط المعقدة الأخرى من أنظمة التحكم
نظام التحكم التلاؤمي :
بدراسة الجهاز العصبي وجد أن هذا الجهاز يحوي أنظمة عديدة من آليات التحكم مترابطة ومعقدة، يتكون بعضه من أنظمة تلقيم راجع بسيط شبيهة بتلك المذكورة سابقاً، ولكن العديد منها غير ذلك. فمثلاً تحدث بعض حركات[ ؟ ]الجسم بسرعة عالية لدرجة لا يتوفر فيها وقت كافٍ لانتقال الإشارات العصبية من أقسام الجسم المحيطية على طول المسافة إلى الدماغ والعودة منه بعد ذلك إلى الأقسام المحيطية ثانية في وقت مناسب للتحكم بالحركات . ولهذا يستخدم الدماغ مبدأ يسمى التحكم بالتلقيم للأمام feed -forward control لكي يولد التقلصات العضلية المطلوبة منه . وعند التنفيذ ترد من الأقسام المتحركة إلى الدماغ إشارات حسية عصبية تعلمه فيما إذا كانت الحركات المناسبة قد تولدت بطريقة صحيحة ومتفقة مع رغبة الدماغ .
فإذا لم تكن كذلك يقوم الدماغ بتصحيح إشارات التلقيم للأمام التي يرسلها إلى العضلات في المرة اللاحقة التي يرغب في توليد أمثالها من الحركات . كما يجري التصحيح الضروري الإضافي للحركات اللاحقة ويسمى ذلك التحكم التلاؤمي adaptive control. ومن الواضح أن التحكم التلاؤمي هذا هو بمفهوم آخر تلقيم راجع سلبي متأخر .
وهذا يوضح مدى تعقد بعض أنظمة التحكم بالتلقيم الراجع؛ حيث تعتمد حياة الشخص على كل ذلك.
الخلاصة: أوتوماتيكية الجسم
الهدف العام هو الإشارة أولاً إلى التنظيم العام للجسم، وثانياً إلى الطرق التي تعمل بها مختلف أقسام الجسم بكل تناسق وانتظام .
فإن الجسم ما هو إلا نظام اجتماعي مكون من حوالي مئة تريليون خلية في مختلف البنيات الوظيفية التي يسمى بعضها أعضاء[ ؟ ] . وتساهم كل بنية وظيفية من هذه بنصيبها في إدامة حالات الاستتباب في السائل خارج الخلايا الذي يسمى المحيط الداخلي. وما دامت الحالات السوية للمحيط الداخلي محتفظة بمستواها السوي، فإن خلاياالجسم تستمر بالبقاء حية وتقوم بوظائفها بطريقة مناسبة. وبهذا تنتفع كل خلية من الاستتباب وتقوم كل منها بدورها في المحافظة عليه. ويوفر التفاعل المتبادل هذا أوتوماتيكية مستمرة للجسم إلى أن يفقد أحد الأجهزة الوظيفية أو أكثر قدراته في المساهمة بأدواره الوظيفية . فإن ما حدث ذلك تعاني عند ذاك كل خلايا الجسم فيؤدي تردي وظائفها الشديد إلى الموت. أما ترديها البسيط فيمكن أن يولد بعض الحالات المرضية.
^Cannon, W. B. (1926). "Physiological regulation of normal states: some tentative postulates concerning biological homeostatics". In A. Pettit(ed.). A Charles Richet : ses amis, ses collègues, ses élèves (in French). Paris: Les Éditions Médicales. p. 91