فقام «علي ولد سي سعدي» بتنظيم المقاومة في فصل ربيع سنة 1831م حيت تمردت قبائل سهل متيجة لتهاجم الثكنة العسكرية الفرنسية في الحراش بالإضافة إلى استهداف «المزرعة النموذجية» في منطقة بابا علي لوقوعهما على ضفة وادي الحراش.
ثم قام «زعيم قبيلة فليسة أومليل» في منطقة القبائل، المدعو «الحاج محمد بن زعموم»، بالاجتماع بالزعيم العاصمي «علي ولد سي سعدي» غير بعيد عن مدينة الجزائر في المكان المسمى «سيدي رزين» غير بعيد عن «مقبرة سيدي رزين» في المخرج الجنوبي لمدينة الحراش باتجاه براقي على الضفة الشرقية من وادي الحراش، وكان هذا الاجتماع يهدف إلى تنسيق عملية مقاومة جديدة ضد الجيش الفرنسي.
وكان «محمد بن زعموم» على رأس 4.000 جندي جزائري قد خيموا قرب وادي الحراش منذ أيام قليلة في انتظار التحاق أفواج عسكرية مقاومة من قبائل شرق متيجة، كما أن المقاومين في منطقة البليدة كانوا يتكفلون بتوفير الذخيرة والمؤونة للجنود الزواوة.
وكانت مجموعات زواوية تنطلق كل يوم من هذا المخيمالحراشي لنهب الممتلكات الاستيطانية الفرنسية المحيطة بوادي الحراش، ليتم تنظيم هجوم كبير بعد ذلك على «المزرعة النموذجية» في منطقة بابا علي بتاريخ 17 جويلية1831م.
وكرد فعل فرنسي على هذا الهجوم الجزائري، قام الجنرال «بيار بيرتيزين» الذي كان القائد العام للقوات المسلحة الفرنسية في الجزائر آنذاك بالتحرك الحثيث انطلاقا من مدينة الجزائر على رأس فيلق مكون من 3.000 جندي فرنسي واستطاع تفريق «مخيم سيدي رزين» بتاريخ 18 جويلية1831م.
وقد تنبهت سلطة الاحتلال الفرنسي بعد أحداث جويلية1831م إلى أهمية منطقة الحراش المطلة على سهل متيجة، فتم تحصين هذا المدخل الشرقي للعاصمة من طرف القيادة العسكرية الفرنسية عبر تواجد كثيف وقوي للجنود والثكنات بشكل دائم في هذا الموقع لضمان الأمن على مشارف مدينة الجزائر.
فأرسلت قبائل الزواوة إلى الأمير عبد القادر بمبعوثهم الحاج «علي ولد سي سعدي» المنحدر من قبيلة «آيت خلفون» طالبين منه دعمهم ومظهرين رغبتهم في محاربة الفرنسيين تحت قيادته.[4]
وبعد سنة من عودته، رجع «علي ولد سي سعدي» إلى الأمير عبد القادر في سنة 1838م من أجل إبلاغه بنتائج مهمة خلافته في بلاد الزواوة وإخباره بالصعوبات التي لاقاها مع بعض قبائل الكراغلة المستقرة في شرق سهل متيجة، والذين رفضوا الإقرار بسلطة خلافته عليهم.[7]
فجعل هذا السلوك الرافض الأمير عبد القادر يعتبر هذه القبائل الكرغلية مناوئة له، وبأنها عميلة بوقاحة مع الاحتلال الفرنسي، وأنها تجاوزت تعليماته بعدم المتاجرة بتاتا مع الفرنسيين.[8]
ولما سمعت «قبائل الزواوة» بأن «الأمير عبد القادر» كان يقود قواته المسلحة بنفسه، جاءت كلها إلى مخيمه من أجل استقبال هذا الرجل الذي انتشرت سمعته عبر كامل تراب الجزائر.[11]
فقام الأمير بالصفح عن «قبائل الكراغلة» المنشقة من أجل تقوية صفوف المقاومة الشعبية، كما كلف مساعديه بإحضار الهاربين مع ضمان العفو عنهم.[12]
وكانت القبائل قد ذهبت لملاقاة الأمير بكثير من الهدايا، فكانت «قبيلة عمراوة» سباقة إلى إهدائه 150 بغلا محملا بالتينوالزبيبوزيت الزيتونوالشمع لتغطية احتياجات جيشه.
فاقترح الأمير عبد القادر قيادة منطقة واد سيباو على بلقاسم أوقاسي الذي كان «زعيم قبيلة عمراوة»، إلا أن هذا الأخير رفض ذلك مبينا بأن ظروف الحرب الراهنة تقتضي تمكين أحد الأشراف، كما جرت العادة، من الدور الأول.
فأشار بلقاسم أوقاسي إلى كون أحمد بن سالم أولى بحمل صفة الخليفة بحكم انتمائه إلى الأشراف، وبأنه سيكتفي بدور ثانوي لدعم المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي.
وقصد أمير بعد زيارته بوغني أهل معاتقة حيث قام بزيارة «سوق الخميس» و«زاوية سيدي علي موسى» أين وجد في هذا اليوم جماهير غفيرة بشكل غير معهود كانت على عجل لرؤية الأمير.
فطلب الأمير بعد أن حيى الحاضرين التحدث مع زعيمهم فردوا بأن لا زعيم لهم بل لهم أمناء يمثلون قراهم.
ولما تقدم هؤلاء ذكر الأمير بالخطر الذي يمثله الاحتلال الفرنسي والذي لن يتأخر بالوصول إليهم إذا لم يساعدوه في الحرب التي يخوضها منذ سنوات.
غير أن الأمناء، الذين كانوا غيورين على حريتهم وواثقين من حصن جبالهم، رفضوا أي مساهمة في المجهود الحربي الذي طلب منهم.
وأمام عدم التفهم هذا لم يلح الأمير على مخاطبيه وواصل طريقه في اتجاه أهل عمراوة.
و حل الأمير بتيزي وزو حيث اتقبل بحفاوة في البرج التركي القديم الذي أصبح مقر إقامة «بلقاسم أوقاسي» آغا عمراوة.
وكان العمراويون من المؤيدين لقضية الأمير وقد عبروا فيها منذ الزيارة الأولى التي جاء فيها إلى البويرة.
وتمت إثر نصب هذا الكمين المُحكَم مهاجمة ومفاجأة 27 جنديا من الفيلق الأجنبي الفرنسي و25 فارسا من صيادي أفريقيا من طرف الفرسان الزواوة لتتم إبادة 26 جنديا منهم بعد الاشتباك معهم، ونجاة جندي واحد تم أسره[19] · .[20]
إلا أن جهود الجنرال «صافاري دي روفيغو» ذهبت سدى ولم يستطع تنظيم الهجوم المرتقب على المقاومين، في حين أن بلوغ منتصف شهر جوان عَجَّلَ في إخلاء موقع «برج الحراش» كالمعتاد من طرف الفرنسيين بسبب رطوبة المستنقعات وانتشار الأمراض المعدية خلال فصل الصيف ذي الحرارة المرتفعة[25] · .[26]