التقديرات القديمة: 150.000[2] 100 مدفع[2] التقديرات الحديثة: ~35,000 إلى 40,000 (26,000 دخلوا ساحة المعركة) [3][4]سلاح فرسان الدرك الثقيل، 85 مدفع (نوع مثقوب) (لم يستخدم سوى 53 فقط في المعركة[7]) بكرات مدفع حديدة متفجرة مع قربينات. يوحنا زاپولياي[8][9] ومعه 10,000. لم يصل 5000 من الكروات الفرانكوپانيين والقوات البوهيمية إلى ساحة المعركة في الوقت المناسب.
معركة موهاج أو موهاكس أو موهاتش أو معركة سهل موهاكس (بالمجرية: Mohácsi csata) (بالتركية: Mohaç Meydan Muharebesi) إحدى أكثر المعارك أهمية في تاريخ أوروپا الوسطى. جرت المعركة في يوم الأربعاء 29 أغسطس/آب 1526م، في 20 شهر ذي القعدة من عام 932 هجرية في وقت العصر،[10] بالقرب من موهاكس الواقعة بمملكة المجر، في جنوب المجر الحالية، بين القوات المجرية بقيادة الملك لويس الثاني وقوات الدولة العثمانية بقيادة السلطان سليمان القانوني، وانتهت بانتصار العثمانيين وسيطرتهم على جزء كبير من المجر. بدأت المعركة بين الساعة الواحدة والثانية ظهراً وانتهت بهزيمة ساحقة للمجريين. أدى الانتصار العثماني إلى تقسيم المجر لعدة قرون بين العثمانيين وملكية هابسبورغوإمارة الأردل. علاوة على ذلك فإن وفاة لويس الثاني أثناء فراره من المعركة كانت بمثابة نهاية لسلالة ياغيلون في المجر وبوهيميا، والتي انتقلت مطالباتها إلى أسرة هابسبورغ. شهدت معركة موهاكس نهاية العصور الوسطى في المجر.
دخل الجيش العثماني الأراضي المجرية فعبروا نهر الطونة (الدانوب) ووصلوا بلغراد التي جُعلت قاعدة لأعمالهم الحربية،[11] وبينما كان لويس ينتظر في بودا، حاصر العثمانيون عدة مدن وقلاع، فحاصروا پيتيرڤارادين (بالتركية: Petervaradin) ودخلوها لاحقاً في 15 يوليو/تمُّوز 1526م،[12] وحاصروا أويلاك (بالتركية: Ujlak)، وأوسييك (بالتركية: Eszek) دون مواجهة أي مقاومة تُذكر، وعبروا نهري سافا ودراڤا. تم إبلاغ الجيش في قلعة أوسييك بأن هدف الحملة هو العاصمة المجرية بودا. وبعد أن افتتح الجيش عدة قلاع ذات أهمية حربية على نهر الطونة،[11] عبر العثمانيون نهر دراڤا وتقدموا نحو «وادي موهاكس» دون مقاومة تُذكر بعد 128 يومًا من خروج الحملة، قاطعًا 1000 كيلومتراً ويقع هذا الوادي الآن جنوبي بلاد المجر على مسافة 185 كم شمال غربي بلغراد و170 كم جنوبي بودابست.[11]
في عصر يوم 29 أغسطس/آب، انقسم الجيش المجري إلى صفين وفقًا لخطة المعركة الخاصة به. كان الصف الأول يتشكل من الوسط والميمنة والميسرة، ويتألف الخط الثاني من أربعة طوابير، وكان الملك لويس الثاني في هذا الخط. هجم المجريون على الجيش العثماني الذي اصطف على ثلاثة صفوف، وكان السلطان سليمان يرتدي درع الحرب، ويركب حصاناً أبيضاً، وأخذ موقعه في في الصف الثالث ومعه الصدر الأعظمإبراهيم پاشا الفرنجي ومدافعهم الجبارة، وجنودهم من الانكشاريين. بدأ الهجوم المجري بقواتهم جميعاً على جيش الروملي الذي كان تحت قيادة الصدر الأعظم إبراهيم پاشا. لم يكن المجريون على علم بالخطة العثمانية الأخيرة، لذا كانوا يأملون في حل المشكلة بالهجوم على المركز الرئيسي بقواتهم المدرعة المكونة من ستين ألفاً، بناءً على الخطة العثمانية القديمة التي كانوا يظنونها صحيحة. ولكن وفقاً للخطة، كان العثمانيون ينوون جذب المجريين إلى المركز لتدميرهم. فلما هجم فرسانالمجر وكانوا مشهورين بالبسالة والإقدام أمر إبراهيم پاشا صفوفه الأولى بالتقهقر حتى يندفع المجريون إلى الداخل، وبعد ذلك، ضغطت قوات الأناضول من الجوانب، فصارت قوات المجريين تُدفع أكثر إلى الداخل. وبعد أن شعر المجريون بالنجاح، دخلوا إلى العمق حتى أن مجموعة فدائية بقيادة شخص يُدعى ماركزالي (بالتركية: Markzali)، الذي أقسم على أسر السلطان سليمان أو قتله، بدأت بإطلاق الأسهم على السلطان، رغم أن بعضها أصاب درعه، إلا أن السلطان سليمان لم يتحرك من مكانه. فلما وصلوا قريبًا من المدافع، أمر إبراهيم پاشا بإطلاق نيرانها عليهم فحصدتهم حصدًا. ساعدت القوات العثمانية المتفوقة عدداً وعُدَّة واستخدامها الفعال للمدفعية المحمولة، 300 مدفع، والبنادق، وهو أمر لم يواجهه الأوروپيون من قبل، على تدمير القوة الرئيسية للجيش المجري المؤلفة من الفرسان الثقيلة في وقت قصير، مما أدى إلى هزيمة كبيرة للمجر.[10]
استمرت الحرب ساعة ونصف الساعة في نهايتها أصبح الجيش المجري في حالة تقهقر، بعد أن غرق معظم جنوده في مستنقعات وادي موهاكس، ومعهم الملك لويس الثاني وسبعة من الأساقفة، وجميع القادة الكبار، ووقع في الأسر خمسة وعشرون ألفًا، في حين كانت خسائر العثمانيين ألف وخمسمائة قتيلا، وبضعة آلاف من الجرحى. تقول عدة مصادر موثوقة أن الملك المجري لويس الثاني غادر الميدان عند الغسق وهرب تحت جنح الظلام. وبما أن الشمس لم تغرب في 29 أغسطس/آب 1526 حتى الساعة 18:27م، فإن هذا يشير إلى أن المعركة استمرت لأكثر من ساعتين إلى ثلاث ساعات، أو ربما أربع أو خمس ساعات.
كانت هزيمة موهاكس حدثًا كارثيًا للشعب المجري، حيث استمرت آثارها المؤلمة لعدة قرون. وعلى الرغم من ضعف الجيش المجري ومحدودية الجيش وانهيار الاقتصاد المتهالك للمملكة المجرية، إلا أنه يُعتقد أن بولس توموري (بالمجرية: Pál Tomori)، القائد العام للجيش المجري، لجأ إلى كل الوسائل وأعد خطة معركة رائعة، لم ينفذها في المعركة.[13]
الخلفية التاريخية
بعد وفاة الملك المُطلق، ملك المجر وكرواتيا، ماتياس كورڤين (بالمجرية: Hunyadi Mátyás أو Corvin Mátyás) سنة 1490م لم يشأ أقطاب المجر والنبلاء أن يأتيهم ملك مطلق آخر، لذلك نصبوا فلاديسلاف الثاني (بالمجرية: II. Ulászló) ملك بوهيميا ضعيف الإرادة، ملكا على المجر من 1490م إلى 1516م. اشتهر باسم "الملك دوبجا" (بالمجرية: Dobzse) ومعناها «تمام، موافق» لعادته في قبول أي عريضة أو وثيقة توضع أمامه دون نقاش.[14] فبعد انتخابه قام الملك فلاديسلاف الثاني بإعطاء معظم ممتلكات العرش وحقوقه والإتاوات إلى النبلاء في محاولة لتثبيت حكمه الجديد والحفاظ على شعبيته بين الأمراء. ولكن تلك السياسة المالية وتوزيع الأراضي الساذجة للديوان الملكي جعلت السلطة المركزية تعاني من صعوبات مالية شديدة. فتمكن النبلاء في البرلمان من تخفيض العبء الضريبي عليهم بنسبة 70-80 ٪ على حساب قدرة البلاد على الدفاع عن نفسها.[15] أصبح فلاديسلاف «الأسير» لدى النبلاء عاجزًا؛ ولم يستطع اتخاذ قرار دون موافقتهم.[16] فتمكنت الطبقة الأرستقراطية من حل جيش المرتزقة الدائم المُسمى بالجيش الأسود المجريلماتياس كورڤين. وفكك النبلاء أنظمة الإدارة الوطنية والبيروقراطية في جميع أنحاء البلاد. تراجعت دفاعات البلاد في الوقت الذي لم يتقاض فيه حراس الحدود وحاميات القلعة أجورهم، وأصبحت القلاع في حالة سيئة، وتم خنق المبادرات الرامية إلى زيادة الضرائب لتعزيز الدفاعات.[17] تراجع دور المجر دوليا وتزعزع استقرارها السياسي، وتوقف التقدم الاجتماعي. أدى ظهور البروتستانتية المبكر إلى زيادة تدهور العلاقات الداخلية في البلاد.
كان النبلاء الأقوياء مشغولين بقمع الفلاحين وبالشجار مع نظرائهم في البرلمان لدرجة أنهم فشلوا في الاستجابة لدعوات الملك لويس الثاني للحشد ضد العثمانيين.
واجه الملك فلاديسلاف الثاني الضعيف والطاعن بالسن تمردًا قويا من الفلاحين بقيادة جيورجي دوزا في سنة 1514م، فسحقه النبلاء بلا رحمة تحت قيادة يوحنا زاپولياي (بالمجرية: János Szapolyai)(1490م-1540م). ولكن بعد تمرد دوزا أضعف القمع الوحشي وحدة المجر السياسية، فلم يعد المجريون شعبًا متحدًا، حيث أدى التدهور الناتج في النظام إلى تمهيد الطريق أمام التدخل العثماني سنة 1526م.
بعد فشل المحاولات الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق يتضمن مطالب تُزيل مخاوف الدولة العثمانية، قرر العثمانيون استخدام القوة العسكرية ضد المجر، فداهموا الأراضي المجرية وضَمُّوا الأراضي الصغيرة والقلاع الحدودية كمقدمة للمعركة النهائية، ولتحقيق تلك الغاية، تقدمت حملة عسكرية عثمانية إلى نهر الدانوب في يونيو/حزيران 1526م.
كان السبب في قرار السلطان سليمان القانوني القيام بحملة مجرية هو المنافسة بين إمبراطور الروم المقدس شارلكان وملك فرنسا فرانسوا الأول.[19] ففي عام 1519م برز شارلكان من آل هابسبورغ و فرانسوا الأول ملك فرنسا كمرشحين لتاد الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وقد وعد كل منهما بهذه المناسبة أن يستنفر القوى الأوروپية ضد العثمانيين.[19][20] ولكن رأت الهيئة المنتخِبة أن شارلكان هو الأفضل لهذا التاج،[19] وذلك أن شارلكان ملك النمسا كان في آن واحد ملكًا لإسبانيا والبلاد المنخفضة (هولندا) وإمبراطورًا لألمانيا وحاكمًا لجزء عظيم من إيطاليا الجنوبية، وكانت جمهوريتا جنوة وفلورنسا تابعتين له وجمهورية البندقية طوع أمره ومدينة وهران بإقليم جزائر الغرب تابعة له، وكذلك جزيرة مينورقة وجزيرة صقلية، فكانت أملاكه محيطة بمملكة فرنسا من جميع الجهات إلا من جهة البحر.[12] اشتعلت الحرب سريعاً بين شارلكان وفرانسوا الأول في مارس/آذار 1521م بعد الانتخاب بفترة قصيرة، وحصل الانقسام الأوروپي.[19]
ولذلك سعى فرانسوا الأول ملك فرنسا في التحالف مع الدولة العثمانية والاتِّحاد معها على محاربة شارلكان لتحاربه الدولة العثمانية من جهة المجر والنمسا وتشغله عن جيوش فرنسا من جهة الغرب.[11][21]
وفي أواخر سنة 1525م أُرسل سفير آخر هو يوحنا فرنجپاني (بالفرنسية: Jean Frangipani) ووصل القسطنطينية برسائل سرية إلى السلطان يطلب منه بكل تواضع المساعدة على إطلاق سراح الملك والهجوم على آل هابسبورغ.[22][11][12] وقابل السلطان سليمان السفير الفرنسي في 6 ديسمبر سنة 1525م باحتفال زائد وأجزل له العطايا، وبعد أن عرض عليه السفير مطالب ملكه وعده السلطان بمحاربة المجر، ولكن لم تُمْضَ بينهما معاهدة بل اكتفى السلطان بأن كتب له خطابا يُظهر له فيه استعداده لمساعدته،[12] جاء فيه «أنا السلطان سليمان خان بن السلطان سليم خان بن السلطان بايزيد خان، إلى فرنسيس ملك ولاية فرنسا: وصل إلى أعتاب ملجأ السلاطين المكتوب الذي أرسلتموه مع تابعكم فرانقبان النشيط مع بعض الأخبار التي أوصيتموه بها شفاهيٍّا، وأعلمنا أن عدوَّكم استولى على بلادكم، وأنكم الآن محبوسون وتستدعون من هذا الجانب مدد العناية بخصوص خلاصكم، وكل ما قلتموه عرض على أعتاب سرير سدَّتنا الملوكانية، وأحاط به علمي الشريف على وجه التفصيل، فصار بتمامه معلومًا، فلا عجب من حبس الملوك وضيقهم؛ فكن منشرح الصدر ولا تكن مشغول الخاطر؛ فإن آبائي الكرام وأجدادي العظام — نور لله مراقدهم — لم يكونوا خالين من الحرب لأجل فتح البلاد وردِّ العدو، ونحن أيضًا سالكون على طريقتهم وفي كل وقت نفتح البلاد الصعبة والقلاع الحصينة وخيولنا ليلًا ونهارًا مسروجة وسيوفنا مسلولة، فالحق — سبحانه وتعالى — ييسر الخير بإرادته ومشيئته. بمقام دار السلطنة العلية، القسطنطينية المحروسة المحمية». [21][23]
بعد إطلاق سراح فرانسوا الأول، قال لسفير البندقية إنه أصبح يعتبِر الدولة العثمانية القوة الوحيدة القادرة على ضمان وجود الدول الأوروپية في وجه شارلكان.[19]
ورأى العثمانيون أيضاً أن التحالف مع الفرنسيين أفضل وسيلة لكي لا تسيطر قوة واحدة على أوروپا.[19]
ولمواجهة التقدم العثماني هذا، أرسل لويس الثاني دبلوماسييه إلى العواصم الأوروپية طلباً للنجدة،[25] ولكن نشاطه وقف عند هذا الحد. تحركت الدول الأورپية ضمن دائرة مصالحها، فحث البابا كليمنت السابع ملوك أوروپا لمساعدة المجر، إلا أن الراهب مارتن لوثر نصح الأمراء البروتستانت أن يلزموا أوطانهم، وبقي شارلكان عاجزا عن تقديم المساعدة بفعل المشاكل في أوروپا، كما لم يُحرك ملك إنجلترا ساكنا.[12]
الاستعداد للمعركة
واجه المجريون لسبعة عقود التوسع العثماني في جنوب شرق أوروپا، ولكن بدءاً من سنة 1521م تقدم العثمانيون على نهر الدانوب واستولوا على ناندورفيهيرفار (بالمجرية: Nandorfehervár) (هي بلغراد الحالية في صربيا)، أقوى حصن مجري في نهر الدانوب، وشاباتس (في صربيا الحالية)، مما ترك معظم جنوب المجر في وضع لا يمكن الدفاع عنه.[21]
أحدث فقدان بلغراد حالة من الذعر الكبير في المجر، لكن الجيش الملكي الضخم الذي قوامه 60,000 جندي بقيادة الملك، والذي جُنِّدَ متأخراً وببطء شديد، أهمل إحضار تموين الطعام الكافي. وبالتالي، تفكك الجيش بشكل عفوي تحت ضغط الجوع والمرض دون أدنى محاولة لاستعادة بلغراد من الحاميات العثمانية المثبتة حديثاً. في عام 1523م، عُيّن رئيس الأساقفة بولس توموري، وهو كاهن محارب شجاع، قائدًا لجنوب المجر. فأجبرته حالة اللامبالاة العامة التي ميزت البلاد على الاعتماد على عائدات أسقفيته لإصلاح وتعزيز الخط الثاني من نظام الدفاع الحدودي للمجر، ولذلك سقطت بلغراد أمام العثمانيين بسبب النقص المزمن في حاميات القلاع. فلم تكن هناك أي بلدة أو قرية أو منطقة مجرية واحدة من أي نوع لمسافة 400 كم على طول نهر الدانوب بين پيتيرڤارادين وبودا.
كتبت المؤرخة پاولا سوتر فيشتنر (بالإنجليزية: Paula Sutter Fichtner) المتخصصة في تاريخ إمبراطورية هابسبورغ، أنه قبل معركة موهاكس، كان هناك انقطاع في التواصل بين لويس الثاني وصهره الأرشيدوق فرديناند (1503م-1564م) العاهل النمساوي من آل هابسبورغ. لم يكن فرديناند على علم بمدى خطورة الوضع، كما أن لويس الثاني والمحكمة المجرية فشلوا في إبلاغه بأنهم قرروا خوض معركة حاسمة في سهل موهاكس، وقد اتخذوا هذا القرار في 26 أغسطس/آب، قبل يوم واحد من مغادرة فرديناند في مؤتمر في معسكر لويس في مدينة باتا (Bata)، حيث نصح الأسقف المستشار أسطفان بروداريتش(بالمجرية: István Brodarics) الملك بانتظار التعزيزات من النمسا وبوهيميا، ولكن مجموعة من النبلاء المندفعين تمكنت من إقناع الملك بالاشتباك في معركة مفتوحة وفورية على سهول موهاكس ضد العثمانيين الذين يفوقونهم عددًا. فرديناند، الذي كان يواجه توترات دينية وانتفاضات في أراضيه الخاصة بالإضافة إلى طلبات إخوانه للمزيد من القوات لجبهات أخرى، قرر الانشغال بما اعتقد أنه الأمر الأكثر إلحاحًا أولاً.[26] وفقًا لستيفن فيشر-جالتي (بالرومانية: Stephen Fischer-Galați) (1924م-2014م)، أستاذ التاريخ بجامعة كولورادو والحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد الأمريكية، فإن الأدبيات تظهر أن لويس نفسه لم يكن قادرًا على فهم جدية أو إلحاحية التهديد العثماني بشكل كامل. من الممكن أن لويس استند في ثقته إلى تطمينات يوحنا زاپوليايڤويڤود ترانسيلڤانيا وأنصاره، الذين وعدوا بالحضور للمساعدة. كان النبلاء الذين كانوا يخشون تدخل آل هابسبورغ قد رغبوا في بذل جهد مجري شامل إما لاحتواء عسكري أو دبلوماسي أو الوصول إلى هدنة مع الباب العالي.[27]
أصدر السلطان سليمان القانوني في 10 مارس 1526م أوامره لقادة الروملي، وبهرام باشا بكلربك الأناضول، وبكلربك البوسنة، وخان القرم، للتحضير للحملة. شارك في الحملة جنود حرس بوابة القصر القابيقولو، وجنود ولايات سوريا ومصر.
انطلق السلطان سليمان القانوني من إسطنبول في 23 أبريل 1526م على رأس جيشه، وعبر الجيش الأناضولي مضيق البوسفور في غاليبولي وانضمت إليه قوات قادة الروملي، ووصلوا إلى مدينة فيلبه (Philippopolis) (اسمها الحالي: پلوڤديڤ) في بلغاريا بعد يومين. وفي صوفيا، أجرى السلطان سليمان استعراضاً لجيشه وأرسل الصدر الأعظم إبراهيم پاشا على رأس جيش الروملي، مدعماً بقوات الإنكشارية إلى ناندورفيهيرفار (حاليا: بلغراد عاصمة صربيا)، لتأمين عبور نهر ساڤا الذي يمر بها.
في بلغراد عبر الجيش العثماني نهر ساڤا خلال أسبوع كامل.
ثم بدأ الصدر الأعظم إبراهيم پاشا، بدعم من الأسطول النهري، حصار قلعة پيتيرڤارادين واستسلم المدافعون.
ثم بدأ حصار أويلاك (في كرواتيا حاليا)، وسقطت في غضون أسبوع.
ثم استولى الجيش العثماني على القلاع الصغيرة في سيرميا، مُكملين تحييد الجزء الجنوبي الشرقي من خط القلاع الحدودية المجرية.
في 14 أغسطس، وصل الأتراك إلى نهر دراڤا.
الوضع العسكري في المجر قبيل معركة موهاكس
رغم وصول أخبار مقلقة إلى المجر باستمرار منذ فبراير 1526م، إلا أن البلاط الملكي كان مشلولاً بسبب نقص الأموال. حاول القائد العام لحصون الحدود، بولس توموري رئيس أساقفة كالوتشا (Kalocsa)، الحصول على أموال في بودا في مارس، ولكن دون جدوى. في نهاية الشهر، قدم هو وقادة الحصون الحدودية استقالتهم ولكنه بقي في منصبه ولم يتلقَ أي دعم. في نهاية أبريل، انعقد المجلس في راكوش (Rákos)، ولم يُذكر الهجوم العثماني ولكن دعا المجلس إلى فرض ضريبة للدفاع عن المملكة، بدون أمل في جمعها. في يونيو/حزيران، أصدرت حكومة الملك أوامر بالتعبئة. طلب الملك مدافع ومشاة من المدن، ودعت المقاطعات النبلاء إلى التجمع، وصدرت الأوامر بالفعل للفلاحين في المقاطعات الجنوبية بالحضور للخدمة العسكرية بعد الحصاد. وبسبب صعوبات التعبئة، بحلول الوقت الذي كانت فيه الجيش العثماني يعبر نهر ساڤا في نهاية يونيو/حزيران، لم يكن هناك سوى قوات حصون الحدود التابعة لتوموري، وميليشيات بعض البارونات والكرادلة الجنوبيين، ووحدة رئيس أساقفة ازترغوم التي تخدم في الجنوب، ولم يتجاوز عددهم بضع آلاف من الرجال، في حالة جاهزية قتالية.[13]
أما النبلاء المجريون الذين لم يدركوا حجم الخطر الذي يقترب منهم فلم يستجيبوا مباشرة لدعوات الملك للتعبئة العامة. ولكن بالنهاية تجمعوا في ثلاث وحدات رئيسية:
ثم الجيش الرئيسي بقيادة لويس الثاني نفسه إلى جانب العديد من المرتزقة الإسبان والألمان والتشيك والصرب.
وقوة أصغر أخرى قادها الكونت الكرواتي كريستوف فرانكوپان (بالمجرية: Frangepán Kristóf) عددها حوالي 5000 رجل، بالإضافة إلى أن المساعدة الخارجية الوحيدة كانت كتيبة صغيرة من الجنود الپولنديين في نحو 1500 جندي وفارس بقيادة القائد الملكي لينارت غنويسكي (Lenart Gnoiński)، وكانت منظمة ومجهزة من الدولة البابوية.[28]
وفقاً لشاهد العيان، المؤرخ المجري المعاصر للمعركة والمتخصص في تأريخ معركة موهاكس، الأسقف والمستشار الملكي أسطفان بروداريتش، فإنه قد تجمع نحو 25,000 رجل مجري في موهاكس. ورغم أن بعض المؤرخين يقدرون قوة الجيش المجري بنحو 50,000 إلى 60,000 رجل، إلا أنه في ضوء الصعوبات التي واجهتها عملية التعبئة، فلا يوجد سبب للشك في تقييم بروداريتش. وحتى لو أخذنا الرقم على أنه 50,000 رجل وأضفنا إليه جيوش يوحنا زاپولياي الترانسيلڤانية وجيش الكونت الكرواتي كريستوف فرانكوپان والقوات المساعدة الألمانية والبوهيمية، فإن الحجم المحتمل للجيش المجري قد يصل إلى 80,000 رجل. ومع ذلك، فإن هذه القوة، مع الظروف المعاكسة للأرض إلى جانب التضاريس الصعبة والظروف الأخرى، لم تكن لتبرر خوض المعركة في موهاكس. فضلاً عن ذلك، نظراً لأن الوحدات النظامية للجيش العثماني لم يتجاوز عددها 60,000 رجل، فإن الجيش المجري المماثل في الحجم، حتى مع وجود الفرق الواضح في الجودة، لم يكن ليعاني من هزيمة كارثية كهذه. تألف الجيش المجري من حوالي 15,000 فارس معظمهم مدرعون، ونحو 10,000 من المشاة، أغلبهم من البوهيميينوالموراڤيين والألمان. كانت التشكيلات ذات القيمة القتالية الأعلى والأكثر أهمية في القتال هي فرق الحصون الحدودية، والميليشيات (البانديريا وهم القوات الخاصة للنبلاء والحكام المحليين والإقطاعيين) التي خدمت لفترات طويلة في الجنوب، والمرتزقة الأجانب.[13]
أما عدد الجيش العثماني فيعتقد أنه 60,000،[5][6] على الرغم من أن بعض المؤرخين المعاصرين والحديثين قدرت عدد القوات العثمانية بنحو 100,000.[29][30][31][32][33][34][35] وقيل أن معظم قوات البلقان العثمانية في هذه المعركة كانوا من البوسنويين والكروات.[36] نصب العثمانيون أكبر مدفعية ميدان في تلك الحقبة بحوالي 300 مدفع، في حين كان لدى المجريين 85 مدفعًا فقط[37]، وكان هذا العدد كان أكبر من جيوش أوروپا الغربية المُعاصرة الأخرى المنتشرة في ساحات القتال.
غياب الخبرة العسكرية في الجيش المجري
كانت هناك صعوبة كبيرة في اختيار القائد الأعلى للجيوش المجرية في معركة موهاكس. فلم يكن هناك جندي مجري واحد لديه خبرة في قيادة جيش ضخم منذ معركة كوسوڤو الثانية عام 1448م، حيث لم يخُض الجيش المجري معركة نظامية ضد الجيش العثماني أو أي جيش كبير آخر. نتيجة لذلك، لم تكن هناك خبرة عسكرية كافية داخل المملكة لقيادة جيش يتألف من عشرات الآلاف من الرجال. كان هناك قادة مثل "البالاطين" أسطفان الثامن باتوري (بالمجرية: Báthory István)(بالإنجليزية: Stephen VIII Báthory) أحد نبلاء ترانسيلڤانيا(الأردل)، الذي كان يعاني من النقرس، وجرجس زابولياي، وبولس توموري، الذين قادوا ودافعوا ضد العديد من الغارات على الحدود، وحاصروا حصونًا صغيرة. لكنهم أدركوا أن هذه القدرات لم تكن كافية لمواجهة جيوش عثمانية متمرسة في المعارك. رفض باتوري القيادة بسبب مرضه، ولم يُنظر في أمر رئيس القضاة يوحنا دراجفي (János Drágffy) لأسباب غير معروفة، رغم أنه كان يتمتع بخبرة عسكرية كحاكم تيميس (Temes) بمملكة المجر (تقع حاليا أراضيها في جنوب غرب رومانيا وشمال شرق صربيا)، ولكنه شارك في معركة موهاكس حيث حمل علم البلاد لكنه فقد حياته وقُتل في المعركة وفقد العلم أيضًا.
في نهاية المطاف، تم إجراء تصويت وأُختير جرجس زابولياي (بالمجرية: György Szapolyai)، الأخ الأصغر للحاكم، وبولس توموري المتردد كقادة. لم يكن لدى جرجس زابولياي أي خبرة في القيادة على الإطلاق، وكانت مآثر بولس توموري العسكرية قد تحققت على رأس تشكيلات صغيرة من سلاح الفرسان لا يزيد عدد أفرادها عن بضع مئات. ومن الشخصيات المثيرة للاهتمام كان الضابط الپولندي لينارت جنوينسكي (بالبولندية: Lenart Gnoiński)، الذي عُين رئيسًا لهيئة الأركان العامة، فقد استشهد بالدروس المستفادة من الحروب العثمانية المجرية في أربعينيات القرن 15 ولكن لم يلتفت أحد إلى اقتراحه الرئيسي الذي يقضي بإنشاء حصن متاريس العربات المتحركة "الهوسية" كما فعل يوحنا هونياد في معركة كوسوڤو الثانية 1448م لتحميهم من سيل القوات العثمانية. ومع ذلك، ناقش جنوينسكي أهمية الدفاع الشخصي عن الملك، وهنا وجد اتفاقاً، إذ اتفق الجميع على أهمية الدفاع الشخصي عن الملك، وتم تكليف ثلاثة من قادة سلاح الفرسان ذوي الكفاءة العالية بحماية الملك لويس الثاني وهم:
الشاعر المجري وموظف البلاط والقائد العسكري جاسپار راسكاي (بالمجرية: Gáspár Ráskai)،
ويوحنا فيتيز (بالمجرية: János Vitéz) من كالا (Kálla)،
والنبيل المجري بان بلغراد: بالينت توروك (بالمجرية: Bálint Török).
ولم يتمكنوا من إنقاذ حياة الملك لاحقاً في المعركة مما أثار تساؤلات حول مسؤوليتهم الشخصية.[13]
أبلغ الملك المجري لويس الثاني، ڤويڤود ترانسلڤانيايوحنا زاپولياي، بضرورة الانضمام إليه في أسرع وقت. لكن يُقال إن يوحنا زاپولياي، الذي كان يقود جيشاً من 30,000 جندي، لم يشارك في المعركة بسبب غيرته من الملك.
خط الحملة العثمانية من إسطنبول إلى بلغراد
انطلق السلطان سليمان القانوني من إسطنبول في 23 أبريل 1526م على رأس جيشه، الذي كان مؤلفًا من نحو 60,000 جندي و300 مدفع و800 سفينة في نهر الدانوب (الطونة).[21] عبر الجيش الأناضولي مضيق البوسفور في غاليبولي وانضم إلى قوات الروملي، ووصل الجيش العثماني إلى مدينة فيلبه (Philippopolis) (اسمها الحالي: پلوڤديڤ) في بلغاريا بعد يومين.[13] نُظمَت عملية تزويد الجيش بالطعام بأقصى عناية ممكنة لتجنب التأثير على سكان المدن الواقعة على طريق الزحف إلى صوفيا.[13]
في صوفيا، أجرى السلطان سليمان القانوني استعراضاً لجيشه وأرسل الصدر الأعظم إبراهيم پاشا على رأس جيش الروملي مُدعماً بقوات الإنكشارية إلى ناندورفيهيرفار (حاليا: بلغراد عاصمة صربيا) لتأمين عبور نهر ساڤا الذي يمر بالمدينة ويلتقي فيها مع نهر الدانوب. تقع بلغراد على ضفاف كلا النهرين وتستفيد من موقعها الاستراتيجي عند تقاطع هذين النهرين. وعندما وصل السلطان إلى بلغراد في الثلاثين من يونيو/حزيران، كان جسر نهر ساڤا جاهزاً؛ ولم تحاول القوات المجرية تعطيل أعمال البناء.[13]
في بلغراد انضم إلى الجيش العثماني قوات من سنجق البوسنة وفرسان الآقنجية الخفيفة من البلاد الحدودية وأساطيل البحر الأسود. قام السلطان سليمان بمراجعة جيشه أثناء عبورهم جسر نهر ساڤا؛ حيث استغرق العبور أسبوعًا كاملاً.[13]
في 13 يوليو/تمُّوز، بدأ الصدر الأعظم إبراهيم پاشا، بدعم من الأسطول النهري، حصار قلعة پيتيرڤارادين (بالتركية: Petervaradin) آخر حصن حدودي مجري رئيسي على نهر الدانوب (انظر الخارطة).[12] استسلم المدافعون ودخلها العثمانيون في 15 يوليو/تمُّوز 1526م، أو بعد أسبوعين بحسب بعض المراجع. لم يتمكن بولس توموري، الذي كان يقود جيشًا لا يتجاوز عدده بضعة آلاف ويعاني من صعوبات في الإمداد، من محاولة إنقاذ أو إغاثة هذه القلعة الرئيسية.[13][39]
في 1 أغسطس/آب، بدأ جيش إبراهيم پاشا حصار أويلاك (بالتركية: Ujlak) (إيلوك Ilok في كرواتيا حاليا)، التي كانت أضعف من پيتيرڤارادين، وسقطت في غضون أسبوع.[39]
ثم استولى الجيش العثماني على القلاع الأصغر في سيرميا وأوسييك (كرواتيا)، مُكملين بذلك تحييد الجزء الجنوبي الشرقي من خط الحصون الحدودية المجرية.[39][19]
في 14 أغسطس/آب، وصل الأتراك إلى نهر دراڤا حيث يتحد النهر مع الدانوب عند مدينة أوسييك، بكرواتيا.[39]
في 15 أغسطس/آب، بدأ العثمانيون في بناء جسر في أوسييك على نهر دراڤا، وأتموه يوم 19 أغسطس/آب. ورغم أن بولس توموري أدرك بحق أن الدفاع عن معبر أوسييك كان فرصتهم الوحيدة لصد الجيش العثماني، إلا أنه لم يتحرك في الوقت المناسب، ولا حتى أسطفان باتوري "بالاطين المجر"، الذي أُمر على وجه التحديد بالقيام بذلك.[13]
بعد سقوط پيتيرڤارادين، تراجع توموري إلى مقره الأسقفي في باكس (Bács)، وعبر نهر الدانوب، واتخذ موقعًا شمال نهر دراڤا. وأرسل الملك لويس من معسكره في تولنا كلا من بالاطين المجرأسطفان باتوري، ورئيس القضاة السابق أمبروس ساركاني (Ambrus Sárkány)، على رأس مشاة البابا وحرس المقاطعة، للدفاع عن قلعة أوسييك ومنع عبور النهر، لكنهم إما أنهم لم يذهبوا على الإطلاق، أو أنهم عادوا أدراجهم في الطريق، بحيث عبر الجيش العثماني نهر دراڤا دون عائق بين 21 و 23 أغسطس/آب، وأحرقوا الجسر خلفهم.[13]
كانت الطرق المؤدية إلى المستنقعات الواقعة إلى الشمال من نهر دراڤا بمثابة الفرصة الأخيرة لوقف تقدم العثمانيين في ظل ظروف غير مواتية لهم. ولكن لم تبذل القيادة العسكرية المجرية أي محاولة لتحقيق هذا الهدف، بل إن القائد العام للجيش المجري بولس توموري أمر قواته بالعودة إلى المعسكر الملكي.[13]
مسار الحملة: انطلق السلطان سليمان القانوني من إسطنبول في 23 أبريل 1526م على رأس جيشه، وعبر الجيش الأناضولي مضيق البوسفور في غاليبولي وانضمت إليه قوات قادة الروملي، ووصلوا إلى مدينة فيلبه في بلغاريا ثم إلى صوفيا حيث أجرى السلطان سليمان استعراضاً لجيشه وأرسل الصدر الأعظم إبراهيم پاشا إلى بلغراد عاصمة صربيا لتأمين عبور نهر ساڤا وعندما وصل السلطان إلى بلغراد كان جسر نهر ساڤا جاهزاً، ثم فتح العثمانيون قلاع پيتيرڤارادين وأويلاكو وأوسييك وسيرميا دون مواجهة أي مقاومة تُذكر، ثم عبر العثمانيون نهر دراڤا وتقدموا نحو «وادي موهاكس» دون مقاومة تُذكر بعد 128 يومًا من خروج الحملة.
تجمع الجيش المجري: في 6 أغسطس/آب 1526م، عسكر لويس الثاني ملك المجر في "تولنا" شمال موهاكس لمدة أسبوعين بهدف تجميع القوات من المناطق المختلفة، ولكن الجيش لم يتزايد إلا ببطء.
في العشرين من يوليو/تموز 1526م، انطلق الملك لويس من بودا عازماً على جمع القوات من أماكن مختلفة خلال مسيره، وفقاً للإجراء المعتاد، فعسكر في تولنا لمدة أسبوعين ابتداءً من 6 أغسطس/آب، ولكن الجيش لم يزدد عدده إلا ببطء شديد.[13]
وبحلول ذلك الوقت، كان قد تم إعلان التعبئة للحرب في جميع المقاطعات، وابتدأت عملية تعبئة الفلاحين مستأجري الأراضي. هدد توموري بأمر الملك المتقاعسين بالعقوبات، ولكن التعبئة تأخرت بسبب موسم الحصاد، والمسافات الطويلة، والأهم من ذلك كله، الجمود الطويل والانقسامات الداخلية للحكومة.[13]
هذا يفسر لماذا لم تصل القوات الكرواتية وبعض المشاة البوهيميينوالموراڤيين إلى معسكر موهاكس على الإطلاق، ولم يصل فيرينك باتياني (بالمجرية: Ferenc Batthyány)، بان كرواتيا-سلاڤونيا إلا في صباح يوم المعركة، ومعه ثلث قواته الموعودة، أي نحو أربعة آلاف رجل. أما القبائل السلافية التي تلقت أمر التعبئة في الثالث والعشرين من يونيو/حزيران، فلم تتجمع إلا في بداية أغسطس/آب وانطلقت في منتصف الشهر.[13]
تلقى ڤويڤود ترانسيلڤانيا، يوحنا زاپولياي، تعليمات متناقضة: فقد تلقى في البداية أمرا بغزو الأراضي العثمانية مع حاكم الأفلاق مستغلين غياب جيش السلطان سليمان، ولكن عندما اتضح حجم الخطر، أُمر بالانضمام إلى جيش الملك لويس الثاني ملك المجر، فانطلق بجيشه، لكنه لم يصل إلا إلى سكدين (Szeged). من المحتمل أن زاپولياي لم يكن ليتسنى له الوصول إلى موهاكس قبل نهاية أغسطس/آب حتى لو تلقى أوامر واضحة.[13]
اختيار ساحة المعركة في موهاكس
تأخرت التعبئة القوات المجرية بسبب موسم الحصاد
يوحنا زاپولياي ڤويڤود ترانسيلڤانيا، تلقَّى تعليمات متناقضة، ولم يصل بجيشه إلا إلى سكدين.
لم تسمح جغرافية المنطقة للمجريين بتحديد هدف العثمانيين النهائي إلى أن عبروا جبال البلقان، فلما عبروها، كانت بودا أقرب إلى العثمانيين من القوات الأردلية والكرواتية. على الرغم من قلة السجلات التاريخية، تشير الوثائق المتوفرة إلى أن لويس الثاني كان يفضل خطة للتراجع والتنازل عن البلاد أمام تقدم العثمانيين بدلاً من الاشتباك المباشر في معركة مفتوحة مع الجيش العثماني. ارتكب مجلس الحرب المجري خطأً تكتيكيًا خطيرًا بعدم انتظار التعزيزات من كرواتيا والأردل لبضعة أيام فقط، واختاروا ساحة المعركة بالقرب من موهاكس، وهو سهل مفتوح غير مستوٍ يتخلله بعض البرك المائيةوالمستنقعات. لم يواجه الجيش العثماني أي صعوبة في تقدمه نحو موهاكس، حيث كان لويس الثاني بانتظارهم ليقطع الطريق عليهم إلى بودا.
كان سهل موهاكس محاطًا بأراضٍ مستنقعية من جهة، وتلالٍ من الجهة الأخرى.
اصطف الجيش المجري في تشكيل معركة إلى الجنوب من بلدة موهاكس في 29 أغسطس/آب 1526م. كانت الساحة محصورة من الشرق بسهل الفيضان الموحل لنهر الدانوب، ومن الجنوب والغرب بمُصَطَبة أرضية مرتفعة ما بين 25 و30 متراً، حيث كان شدة انحدارها موضع جدل بين المؤرخين. ولكن من المؤكد أن هذه المصطبة (الشُّرفة) كانت حاسمة في مجرى المعركة. وكان تيار مياه بورزا (Borza) يمر عبر الساحة، وقد تمركز الملك لويس وجيشه إلى الجنوب من هذا التيار النهري. على الأرجح أن المجريين كانوا يقفون على مسافة تتراوح بين 2 و2.5 كيلومتر من تلك المصطبة الأرضية المرتفعة. وقد وصف أسطفان بروداريتش، الشاهد العيان، هذه المنطقة بين الشُّرفة والمجريين على أنها سهل، ولكنها في الواقع كانت مليئة بتلال صغيرة ووديان تعوق رؤية واضحة لساحة المعركة.[13]
كانت هناك قرية عند سفح المصطبة المرتفعة، يُرجح المؤرخون أنها قرية فلدڤار (بالمجرية: Földvár). يشير اختيار ساحة المعركة إلى أن القائد توموري كان يهدف إلى الاشتباك مع الجيش العثماني عند سفح المصطبة، ووضع خطة معركة هجومية نظراً للقوة العددية الأقل للجيش المجري. ومع ذلك، لا يوجد دليل قاطع على فرضية المؤرخين بأن الملك المجري لويس الثاني عقد مجلس حرب بالقرب من موهاكس. كان القادة المجريون يخططون لشن هجوم على العثمانيين أثناء نزولهم من منحدر المصطبة. ومن المثير للاهتمام، إن لم يكن من المدهش، أن توموري لم يخطط لخيار الانسحاب المنظم، وهو نفس الخطأ الذي ارتكبه قبله القائد المجري يوحنا هونياد في معركة كوسوڤو الثانية في عام 1448م. ومرة أخرى، استندت التكتيكات المجرية إلى هجمة مدمرة واحدة.[13]
كانت للجيش المجري ميزة استغلال التضاريس واختيار مناطق الاشتباك مع الجيش العثماني. وبدلاً من مهاجمة العدو المتعب على الفور، ترك المجريون العثمانيين يكافحون للمرور عبر التضاريس المستنقعية، إذ كان المجريون يأملون في الاشتباك مع الجيش العثماني بشكل تدريجي. كما كانوا في وضع أفضل، حيث كانت قواتهم مستعدة وجنودهم مستريحين، على عكس الجيش العثماني الذي أنهى للتو مسيرة شاقة في حرارة الصيف الحارقة.[40]
تشكيلات الجيشين
في معركة موهاكس، اعتمد الجيش المجري تشكيلات عسكرية تقليدية قائمة بشكل كبير على الفرسان المدرعين والتكتيكات القديمة التي فشلت في معارك قريبة ممائلة، وفي المقابل، كان الجيش العثماني حديثًا ومتقدمًا تقنيًا، يعتمد على المدفعية والنخبة من الإنكشارية، إلى جانب فرسان السباهية والقوات المجنّدة. هذا التفوق التقني والتنظيم الحديث جعل من وضع الجيش المجري ضعيفًا وغير مؤهل لمواجهة هذا الخصم القوي.
السلطان العثماني سليمان القانوني يُسلم تاج المجر المقدس إلى ملك المجر الجديد يوحنا زابولياي عام 1529م، بعد أن احتفظ به لفترة وجيزة عقب معركة موهاكس (منمنمة تركية من القرن السادس عشر)
بَنَت المجر جيشًا باهظ التكاليف على طراز قديم عفا عليه الزمن، حيث كانت تشكيلاته مشابهة لتشكيلات جيش الملك فرانسوا الأول ملك فرنسا في معركة بافيا التي جرت في العام الماضي 24 فبراير 1525م، والتي انتهت بخسارته وأسره، حيث اعتمد الجيش المجري على فرسان مزودين بدروع قديمة الطراز وعلى خيول مدرعة.
عند فجر يوم 29 أغسطس/آب، تألفت جبهة القتال المجرية في معركة موهاكس من خطين متوازيين مع المصطبة الأرضية المرتفعة. تمركزت المشاة ومدفعية المرتزقة في الخط الأول، بينما كانت الفرسان على الجناحين الأيمن والأيسر، أما الخط الثاني فكان يتكون من مزيج من مشاة الضباط والفرسان:[41][13]
الخط الأول الأمامي:
تمركز معظم المشاة البالغ عددهم عشرة آلاف تقريبًا في وسط الخط الأمامي، مُشكلين جبهة طولها حوالي كيلومتر واحد.
قام توموري بتوزيع المدفعية المجرية على طول خط الصف الأول.
كان القائدان، بولس توموري وجرجس زاپولياي أيضًا في الخط الأمامي، على استعداد للتدخل في أي مكان حسب الضرورة.
قدَّرَ المؤرخ الخبير الموثوق في معركة موهاكس وأهم مؤرخ عسكري مجري في القرن العشرين،[42]غيزا پيرجيس (بالمجرية: Géza Perjés) (1917م-2003م)، أن الخط الأول امتد على طول جبهة تصل إلى 4 كيلومترات.[13]
الخط الثاني الخلفي:
وقف الملك لويس الثاني في وسط الخط الثاني مع حوالي ثلاثة آلاف من سلاح الفرسان الثقيل. كانت وحدات سلاح الفرسان الخفيفة التي تحمي لويس الثاني أيضًا في الخط الثاني، وكذلك عدد صغير من المشاة.
لم يكن الجيش المجري ككل منظمًا بعمق، ولم يكن الصف الثاني قويًا بما يكفي لمتابعة هجوم ناجح. وهذا يعني أن أي شيء أقل من النجاح الكامل للهجوم، سوف يحسم مصير الجيش المجري بالهزيمة الساحقة.[13]
تشكيل الجيش العثماني
كانت تشكيلات الجيش العثماني أكثر حداثة حيث اعتمدت على المدفعية والنخبة المسلحة من الإنكشارية، أما الباقي فكان مزيجاً من سلاح الفرسان السباهية الأشداء والقوات المجنّدة من الروملي والبلقان. اصطفت الجنود العثمانية على ثلاثة صفوف، وكان السلطان ومعه كافة المدافع وفرقة الانكشارية في الصف الثالث بالخلف.[21]
بناءً على اقتراح بالي بك بن يحيى پاشا، اصطف الجيش العثماني في ثلاثة صفوف متعاقبة:
وبحسب الخطة الحربية، كان على الجميع انتظار الهجوم المجري المتوقع، حتى إذا تركز الهجوم على قلب الجيش العثماني، تتجه القوات العثمانية بحسب الخطة إلى الجوانب تاركة الفرسان المجريين يدخلون في العمق لكي يواجهوا المدفعية العثمانية لتحصدهم.[21][43]
المعركة
على الرغم من العديد من محاولات المؤرخين إعادة بناء مجريات المعركة، إلا أنهم لم ينجحوا في تحديد مسارها بشكل مرضٍ حتى الآن. أثبت المؤرخ المجري غيزا پيرجيس بشكل قاطع أن ترتيب الجيش المجري في المعركة كان «لا يصلح لشيء سوى لهجوم يائس». وقد رأى العثمانيون أيضًا الأمر نفسه؛ حيث نصح حاكم ناندورفيهيرفار (بلغراد) الصدر الأعظم بعدم مواجهة الهجوم المجري مباشرة، بل بتفاديه.[13]
التحركات التكتيكية العثمانية
غادر الصدر الأعظم إبراهيم پاشا الفرنجي معسكره مع فيلق الروملي والإنكشارية والمدفعية وقطع مسافة لا تزيد عن 12 كيلومتراً استغرقت سبع ساعات تقريباً. ووفقاً للمصادر العثمانية في "روزنامة سليمان" فإن العثمانيين وصلوا إلى حقل موهاكس حوالي الساعة الثانية ظهراً، على أرض غارقة في الأمطار الغزيرة. ويمكننا أن نستنتج بشكل قاطع من المصادر أنه عندما وصل القادة العثمانيون، حصلوا على رؤية واضحة للجيش المجري وتوزيعه ونظامه القتالي، وبالتالي كان لديهم أساس جيد لاختيار تكتيكاتهم.[13]
قطع التعزيزات عن الجيش المجري
أرسل السلطان سليمان القانوني فرق الاستطلاع الآقنجية الخفيفة ليمنعوا الجيش المجري من تلقي أي تعزيزات، ثم وصل بالجيش العثماني إلى سهل موهاكس في 29 أغسطس/آب 1526م.
عقد السلطان مجلس حرب على حافة المصطبة الأرضية المرتفعة أعلى سهل موهاكس، ضم جميع قادة الجيش بما فيهم الصدر الأعظمإبراهيم پاشا بالإضافة إلى الجنود المخضرمين وكانوا على دراية كاملة بترتيبات الجيش المجري وكان الجيش العثماني مستعدًا بالتأكيد للمعركة.[13] في هذا المجلس، أشار "بالي بك بن يحيى پاشا زاده مالكوچ أوغلو" إلى أن فرسان المجر المدرعين المربوطين بالسلاسل يشكلون خطرًا كبيرًا على الجيش، وأن الهجوم الجماعي يمكن أن يكون كارثيًا، واقترح مهاجمة أجنحة الجيش المجري ومؤخرته لتحقيق أكبر فائدة. وافق السلطان والمجلس على اقتراح بالي بك.
نزول العثمانيين إلى سهل موهاكس
ثم بدأت قوات الروملي في النزول إلى أسفل المصطبة. وفي الوقت نفسه، أرسل إبراهيم پاشا سلاح الفرسان الخفيف بقيادة بالي بك وغازي خسرو بك إلى جانبي الجيش المجري. ومن الواضح أن الغرض كان تشتيت انتباه المجريين بينما يقوم الجيش العثماني الرئيسي بالنزول من المصطبة المرتفعة إلى السهل. [13]
كان القائد العام توموري في الصف الأمامي فركب جواده عائداً إلى الملك لإقناعه بأن إجراء الهجوم في هذا التوقيت هو الخيار الصحيح، ثم عاد إلى مكانه بعدما أقنع الملك وأمر قائد الجناح الأيمن فيرينك باتيانيبان كرواتيا والمشاة المركزية بالهجوم. ولابد أن خطته كانت تتلخص في إلحاق الهزيمة بفيلق الروملي قبل أن يكتمل تشكيل قلب الجيش العثماني وينتظم.[13]
نصب المدافع والتحضير العثماني
نزلت قوات الروملي إلى أسفل المصطبة إلى سهل موهاكس يستعد للتخييم دون أي مقاومة، وكان لديهم الوقت الكافي لنصب مدافعهم في مواقعها المعتادة، وحمايتها بالأسياج والأوتاد. وكانت الوحدات تحت قيادة السلطان تنزل من المصطبة وجيش الأناضول وراءها.[41]
لا يُعرف مكان وجود السلطان وحرس الباب العالي أو قوات الأناضول في ذلك الوقت ولكن يُفترض عمومًا أنهم وصلوا إلى المصطبة المرتفعة. قدَّرَ المؤرخ غيزا پيرجيس، الذي أجرى حسابات شاملة، أن هناك تأخرًا قدره 5-6 كيلومترات بين قوات الروملي المتقدمة وقوات الأناضول المصاحبين للسلطان. لكنه أكد أيضًا أن قوات الأناضول كان عليها أن تسير 6-8 كيلومترات فقط في يوم المعركة، مما يعني أنهم لم يبدأوا التحرك من المعسكر إلا بعد الظهر، وهذا أمر لا يمكن تصوره، والأرجح هو أنه عندما بدأت قوات الروملي بالنزول، كان الجيش العثماني بأكمله واقفًا على حافة المصطبة، ولم يكونوا متعبين للغاية لأن مسيرة 6-8 كيلومترات لا تستهلك الكثير من طاقة الجنود، حتى في وضع المعركة.[13]
عندما أتمت قوات الروملي النزول إلى أسفل المصطبة، أمرهم السلطان بشكل غير متوقع بإقامة معسكر، وكانت هناك استعدادات مماثلة تُجرى على الجانب المجري. يعتقد البعض أن المجريين أدركوا أن العثمانيين لا يريدون الانخراط في المعركة في ذلك اليوم، ووفقًا للمؤرخ أسطفان بروداريتش شاهد العيان الذي حضر المعركة، قال إن "الشمس كانت تتجه نحو الغرب بالفعل"، أي أن وقت الظهيرة كان قد تقدم كثيرًا. ولكن المشكلة، وفقًا للمؤرخ، تكمن في أن العودة إلى المعسكر كانت باقتراح من البارونات المقربين من الملك الذين لم يتمكنوا من رؤية ما كانت تقوم به قوات الروملي في الجهة المقابلة أسفل المصطبة، بسبب خط المعركة أمامهم والأرض المتعرجة، كما يقول بروداريتش نفسه. من المحتمل أن ما حدث هو أن كلا من مجلس السلطان وحاشية الملك لويس اعتبرا أن الوقت قد فات لبدء المعركة وقررا أنه من المتأخر جدًا بدء المناوشات، ورغبا في تأجيلها إلى اليوم التالي. وكان الجيش المجري واقفًا في وضع الاستعداد وحالة التأهب للمعركة منذ الفجر، ولا بد أنهم كانوا متعبين مثل العثمانيين الذين كانوا مازالوا يتوافدون إلى سهل موهاكس بعد مسيرتهم ويتجمعون.[13]
بدء الهجوم المجري
بدأت القوات المجرية بالهجوم في نفس اليوم، الأحد 29 أغسطس/آب 1526م في وقت ما بين الثالثة والرابعة بعد الظهر.
أرسل القائد العام للجيش المجري بولس توموري الفرسان المكلفين بحراسة الملك للهجوم على العثمانيين، وهي خطوة أثارت الكثير من الجدل منذ ذلك الحين ويبدو أن الرأي القائل بأن هذه الخطوة كانت خطأً فادحًا مأساوياً وغير قابل للإصلاح، لا يزال قائماً.[41][13]
يعد تلقي الأمر بالهجوم، بدأت المدفعية المجرية بإطلاق النار وشن الجناح الأيمن بقيادة توموري هجومًا بأقصى سرعة، كذلك شن المشاة هجومًا، لكنهم بطبيعة الحال تأخروا كثيرًا خلف الفرسان.[16]
تحركات المشاة والفرسان المجر
ثم أسرعنا للأمام على هذا التضاريس التي كانت أحيانًا مستوية وأحيانًا غير متساوية... وقف أبطالنا في موقفهم وقاتلوا بشجاعة ضد العدو. وبينما تقدم تشكيل الملك بسرعة كبيرة قدر الإمكان في الدروع الكاملة، بدأ الجناح الأيمن في التراجع، وفرّ الكثيرون؛ أعتقد أن مدافع العدو قد أفزعتهم، حيث بدأوا في الفرار في هذا الوقت فقط. أثارت النيران السريعة وطلقات المدافع التي كانت تحلق فوق رؤوسنا نحن القريبين من الملك خوفًا كبيرًا في قلوب الجميع".
كان الجناح الأيمن يستهدف مركز جيش الروملي، بينما كان المشاة يتجهون نحو الإنكشارية والمدفعية في الجناح الأيمن لجيش الروملي.[41]
كان بإمكان سلاح الفرسان الثقيل المجري قطع المسافة البالغة كيلومتر ونصف إلى كيلومترين في بضع دقائق دون أن ينهار ترتيبهم القتالي. ولكن كان عليهم أن يأخذوا في الاعتبار المشاة الذين كان عليهم الوصول معهم في نفس التوقيت. كان المشاة بحاجة إلى ما لا يقل عن نصف ساعة لقطع المسافة والوصول إلى العثمانيين، وكان هذا الوقت كافياً تماماً للفرسان العثمانيين لإعادة ترتيب صفوفهم وتنفيذ التقسيم الذي اقترحه بالي بك بمهاجمة أجنحة الجيش المجري ومؤخرته لتحقيق أكبر فائدة.[13]
ليس لدينا أي معلومات على الإطلاق بشأن هجوم المشاة؛ ومع ذلك، يمكننا أن نفترض أنهم انطلقوا في نفس الوقت الذي انطلق فيه الجناح الأيمن، وبما أنهم كانوا بحاجة إلى السير لمدة نصف ساعة على الأقل، فقد يكونوا قد وصلوا إلى الإنكشارية والمدفعية تقريبًا في نفس وقت وصول الفيلق الثاني. أما الاحتياطي والجناح الأيسر تحت قيادة بطرس پيريني فبقيا في مكانهما، وكان ذلك متوقعًا، حيث أن جيش الأناضول أمامهم لم يكن حتى مرئيًا بعد.[41]
انخداع توموري وتحركات العثمانيين
بدأت المعركة بهجوم مفاجئ من قوات الميمنة المجرية على قوات الروملي بالجناح الأيسر للجيش العثماني بقيادة إبراهيم پاشا الذي اشتبك معهم لبعض الوقت قبل أن يُصدر أمراً لقواته بالتراجع للوراء حتى تندفع فرسان المجر المدرعة نحو المدى الفعال للمدفعية العثمانية، وتقهقر مشاة العثمانيين خلف مدافعهم.[13]
صَدَّقَ توموري هذه الخدعة، ولم تكن هذه هي المرة الأولى في الحروب العثمانية-المجرية التي يُفسِّرُ فيها القادة المجريون تقهقر فرسان السباهية المدرعة المتقن على أنه انتصار، ووقع توموري في نشوة الخدعة وأعطى الأمر للصف الثاني بالهجوم فوراً ظنا منه أن الصف الأول قد كسر العثمانيين، وحان دور اكتساحهم.[13]
أرسل أندراس باتوري، بان بلغراد، إلى الملك برسالة مفادها "بما أن النصر قد أصبح لنا"، فإنه يجب عليه أن يبدأ بالهجوم مع الفيلق الثاني وملاحقة العدو.
وفي هذه الأثناء، دخلت مدفعية فيلق الروملي في المعركة، وتقدم الفرسان المجريون تحت طلقات المدافع العثمانية التي طاشت في البداية ومرت فوق رؤوس المجريين المهاجمين. وعلى عكس ذلك، كانت طلقات الإنكشارية الذين كانوا يحرسون المدافع تصيب أهدافها بدقة بالغة كي تبعد المجريين عن الاقتراب من المدافع وطواقمها؛ فلم يستطع سلاح الفرسان المجري الصمود أمام المشاة العثمانيين، واستمروا في التقدم متجنبين المدافع بعيدا رغم استمرار القصف، واضطُّروا إلى التحرك إلى الجانب، فتكبدوا خسائر فادحة أثناء ذلك.[13]
أطلق الإنكشارية النار بشكل منسق ودقيق لدرجة أن أشجع الكفار سقطوا في الهجوم الأول
وعندما وصلت المشاة وفرسان الصف الثاني المجريين بعد ذلك بفترة، كانت القوات المركزية العثمانية وفيلق الأناضول قد تمركزوا في تشكيل المعركة عند سفح المصطبة المرتفعة، مما منح العثمانيين تفوقًا هائلًا. تقدم الصف الثاني المجري وبدأ الجنود المجريون في نهب المعسكر العثماني، وبعد حوالي 15-20 دقيقة، بدأت قوات الإنكشارية بفتح نيران مكثفة على المجريين بسرعة غريبة أوقعت الرعب في قلوب المجر الذين أخذوا في التقهقر تتبعهم العساكر المظفرة العثمانية، مما أدى إلى خسائر فادحة في صفوفهم وقُتل أغلب الفرسان المجرية وقُتل ملكهم لويس الثاني ولم يُعثر على جثته.[11]
«ثم أسرعنا للأمام على هذا التضاريس التي كانت أحيانًا مستوية وأحيانًا غير متساوية... وقف أبطالنا في موقفهم وقاتلوا بشجاعة ضد العدو. وبينما تقدم تشكيل الملك بسرعة كبيرة قدر الإمكان في الدروع الكاملة، بدأ الجناح الأيمن في التراجع، وفرّ الكثيرون؛ أعتقد أن مدافع العدو قد أفزعتهم، حيث بدأوا في الفرار في هذا الوقت فقط. أثارت النيران السريعة وطلقات المدافع التي كانت تحلق فوق رؤوسنا نحن القريبين من الملك خوفًا كبيرًا في قلوب الجميع".»
وهكذا، فشل هجوم الجناح الأيمن في النهاية. اعتقد المؤرخ بروداريتش فقط أن الجناح الأيمن قد أصابه الرعب من نيران المدفعية، ولكنه أشار أيضًا إلى أن كرات المدفعية كانت تمر فوقهم، بمعنى آخر، لم تصبهم. في حين أن إطلاق 150 مدفع عثماني في نفس الوقت قد يكون له تأثير مرعب، إلا أنه من الصعب تصديق أن الجنود المجريين قد أصيبوا بالرعب لدرجة الفرار، خاصة إذا لم تصب المقذوفات صفوفهم.[13]
لم تكن المدفعية العثمانية تُطلق النار على الجناح الأيمن المجري لأن هذا الجناح كان يهاجم من يسارها، بل أطلقت على الخط الثاني الذي كان يصل أمامها، ويتضح هذا من رواية بروداريتش؛ حيث يذكر أن المدافع بدأت في إطلاق النار فقط بعد أن بدأ الخط الثاني هجومه، وهو ما يجب أن يكون قد حدث بعد 15-20 دقيقة من هجوم الجناح الأيمن.[41]
السبب الحقيقي للفشل المجري كان أن الجزء الأكبر من الجيش العثماني المركزي، بما في ذلك الإنكشارية، كان قد وصل إلى أسفل المصطبة وأطلق وابلًا من النيران على الجنود المجريين الذين كانوا منشغلين بجمع الغنائم وعلى أولئك الذين كانوا لا يزالون يقاتلون. فبعد أن ناوشهم إبراهيم پاشا لبعض الوقت ثم أمر قواته بالتراجع حتى تندفع فرسان المجر نحو المدفعية العثمانية، ظنت الفرسان المجرية في الجناح الأيمن أنها انتصرت وبدأت بجمع الغنائم.[41]
هذا الوابل النيراني الذي أطلقه جنود الإنكشارية العثمانيون، على عكس نيران مدفعيتهم، لم يكن فقط مجرد صوت وضوضاء، بل كان له تأثير فعلي، فقد تسبب في فوضى في صفوف المجريين. وفقًا ليوميات سليمان نامه: «هاجم قسم الإنكشارية الكفار الأذلاء ثلاث أو أربع مرات بإطلاق النار من البنادق وحاولوا إجبارهم على التراجع».
ووفقًا لكمال باشازاده: «وزع الإنكشارية الرصاص مثل العاصفة البَرَدية».
ووفقًا للمؤرخ الثماني بجوي إبراهيم أفندي: «أطلق الإنكشارية النار بشكل منسق ودقيق لدرجة أن أشجع الكفار سقطوا في الهجوم الأول».[41]
في هذه المرحلة، ظهر أثر فقدان التزامن بين القوات المجرية، وكان فشل هجوم الجناح الأيمن يعني أن المعركة قد خسرت بلا أمل. ويبدو أيضًا أن توموري قد قُتل في هذه اللحظة.[41]
مقتل الملك لويس الثاني
حاول توموري إيقاف سلاح الفرسان المنسحب عندما قُتِل الملك.
ليس من المؤكد لدينا بحسب المراجع متى قُتل الملك؛ ولكن كل ما نعرفه هو أنه على عكس البارونات والأساقفة في الصف الثاني، لم يسقط في ساحة المعركة بل مات أثناء فراره، وغرق في المستنقع.[13]
«أنا متأكد من أنه اختفى من صفوفنا عندما بدأت مدافع العدو في إطلاق النار وبدأ الجناح الأيمن في الفرار»
تدمير المشاة وخسائر ثقيلة
بعد فرار الفرسان المجريين المتبقين، تُرِكت المشاة وحدها لتقاتل من أجل حياتها. عندها ساد التفوق العددي العثماني بشكل كامل إلى أقصى حد، ولم يكن أمام المشاة خيار سوى القتال حتى آخر رمق، بينما وقفت فرسان الآقنجية الخفيفة العثمانية على أهبة الاستعداد لقطع أي محاولة للهروب. تمكن المرتزقة المتمرسون ذوو الخبرة ومعظمهم من غير المجريين من تنظيم أنفسهم وفرض نوع من النظام في الجيش المجري وصمدوا لفترة أطول، وفي القتال المتلاحم اليدوي، لم يكن للأسلحة النارية دور يذكر، وانتهت المعركة الدامية عن قرب بتدمير كامل للمشاة المسيحيين.[13]
ووفقًا لبعض التقديرات، فقد سقط عشرة آلاف من المشاة المجريين قتلى في الميدان.[13]
تأثير الهجوم على الجناح الأيسر
لقد ترك هجوم توموري غير المتوقع الجناحَ الأيسرَ بقيادة بطرس پيريني، حارس تاج المجر المقدس، عاجزًا عن ممارسة أي تأثير فعال على المعركة. كما أنه ليس من الواضح ما إذا كان پيريني قد تلقى الأمر بالهجوم من توموري أو أنه قرر بنفسه مهاجمة فيلق الأناضول العثماني. والأمر المؤكد هو أنه عندما بدأ سلاح الفرسان الثقيل في الجناح الأيسر المجري هجومه، كان الإنكشارية من فيلق الأناضول قد اتخذوا مواقعهم بالفعل في تشكيل المعركة عند سفح المصطبة واستقبلوا المجريين بنيران كثيفة من بنادقهم. أدت سلسلة من الطلقات إلى تقليص حجم فرقة بطرس پيريني وإضعافه بشكل كبير، والتي كان افتقارها إلى المشاة المساندة سبباً في فشل هجومه على أي حال. ووفقًا للمصادر العثمانية، فإن سلاح الفرسان المجري الذي تراجع بفعل الطلقات والنيران الكثيفة، إعادة تنظيم صفوفه عدة مرات، لكنه لم يتمكن من اختراق الجدار الصلب للإنكشارية. في النهاية، كما هو الحال مع بقايا الجناح الأيمن بقيادة فيرينك باتياني، اضطرت الفرسان للتخلي عن النضال اليائس.[13]
فقد المؤرخ أسطفان بروداريتش صوابه تمامًا عندما بدأت المدافع تدوي واضطر لمصارعة حصانه الذي جُنّ عند سماع صوت إطلاق النار، فأسقط الرعب الذي استولى عليه على الجيش المجري بأكمله، ومن هذه النقطة فصاعدًا، يمكن أخذ روايته بتحفظ كبير. على سبيل المثال، لم يذكر شيئًا عن مشاركة المشاة والجناح الأيسر، كما لا توجد معلومات محددة كافية من المؤرخين العثمانيين أيضًا.[41]
تشير المصادر المصادر العثمانية إلى أنه بمجرد إحباط هجوم قوات الاحتياط المجري، استمر المجريون المهاجمون بالتوجه إما نحو اليمين أو اليسار مبتعدين عن قلب الجيش العثماني. وفقًا لكتاب «تواريخ آل عثمان» للمؤرخ العثماني الصدر الأعظملطفي باشا زوج شاه سلطان أخت السلطان سليمان القانوني، والمجلد الخامس من كتاب تاريخ "شاهنامة آل عثمان"، المُخصص باسم "سليمان نامه"، وهو كتاب مصوَّر كتبه فتح الله عارف جلبي بالشعر الفارسي، توجهت قوات الملك لويس الثاني نحو جيش الروملي، لكن وفقًا للمؤرخ العثماني ورجل الدولة جلال زاده (ت. 1567م) الذي كان من أهم مؤرخي الدولة في عهد السلطان سليمان القانوني، والمؤرخ كمال باشا زاده (ت. 1535م)، فإن المجريون توجهوا نحو جيش الأناضول. كلتا الروايتين صحيحة على الأرجح، وهو أن قوات الاحتياط بعدما انقسمت، واصلت هجومها في كلا الاتجاهين.[41]
توفر المصادر العثمانية سردًا مفصلًا إلى حد ما للهجوم الذي شنه الجناح الأيسر تحت قيادة بطرس پيريني. هذا الجناح ولم يتمكن من شن هجومه إلا بعد ظهور جيش الأناضول. تحمل جنود الإنكشارية وطأة القتال هنا، وأفنوا صفوف المجريين بوابل من الرصاص القاتل. قاتل الجناح الأيسر بشكل جيد: يكتب المؤرخ العثماني لطفي باشا أنه "استمر في القتال لفترة طويلة"، ويضيف المؤرخ العثماني فردي (وُلد: 1515م) (بالتركية: Ferdi) الذي كتب "سليمان نامه" أن المعركة حُسمت فقط بعد «بضع هجمات وتراجعات». ومع ذلك، لم تكن هناك فرصة للنجاح ضد القوات العثمانية المتفوقة، والمعركة كانت محكوم عليها بخسارة المجر.[41]
قاتل مشاة المجر المرتزقة الأقوياء ذوو الخبرة في مركز الجيش لأطول فترة في المعركة، فقد كانوا يعرفون جيدًا أنهم لن يجدوا مكانًا للاختباء من فرسان العثمانيين بالهرب، ويبدو أنهم قاتلوا في تشكيل ما يشبه المربع أو المستطيل، ربما لأنهم كانوا محاصرين بالفعل من قبل العثمانيين من جميع الجهات، وهلكت مشاة المرتزقة تقريبًا حتى آخر رجل.[41]
نهاية المعركة
تقييم مدة زمن المعركة
بحسب المؤرخ المجري أسطفان بروداريتش، استمرت المعركة كلها لمدة ساعة ونصف فقط، وفي مصادر أخرى حوالي ساعتين.[12] ولعله توصل إلى هذا الاستنتاج لأنه اعتبر أن المعركة انتهت بمجرد أن فر هو ومن حوله من ساحة المعركة.[41]
في الواقع، يجب أن تكون المعركة قد استمرت لفترة أطول بكثير. فقد وصل الجيش المركزي بقيادة السلطان سليمان إلى المصطبة حوالي الساعة 1300-1400 ظهراً؛ وكان هذا هو الوقت الذي بدأت فيه المعركة. ثم وصل الجيش الأناضولي بعده بساعة فقط؛ لذا يمكن أن يكون الجناح الأيسر تحت قيادة بطرس پيريني قد بدأ هجومه في ذلك الوقت. وبما أن المؤرخين العثمانيين أشاروا إلى أن المجريين قاتلوا بشجاعة، وأن المعركة تمايلت لبعض الوقت، فمن غير المحتمل أن تكون قد انتهت في أقل من ساعة. وهذا يجعل الأمر بالفعل ساعتين؛ وإذا أضفنا الوقت الذي استغرقته المقاومة الشديدة للمشاة، فيجب أن نقدر مدة المعركة بثلاث ساعات على الأقل. وتشير المصادر العثمانية بوضوح إلى أن القتال استمر حتى المساء. وجاء في "فتح نامه" إعلان السلطان النصر: «باختصار، استمر القتال والمواجهات الحية كما لم يشهدها العالم من قبل حتى المساء».[41]
تشير نفس الوثيقة إلى هروب الملك لويس الثاني من ساحة المعركة قائلاً إنه "فر تحت جنح الظلام المتقدم". في 29 أغسطس، غابت الشمس حوالي الساعة 1830، وكان الظلام قد حل بحلول الساعة 2000 تقريبًا. هذه الملاحظة تشير أيضًا إلى أن القتال استمر حتى حلول الظلام. وكذلك، فإن حقيقة أن الجيش العثماني لم يتمكن من نصب خيامه بعد المعركة تشير أيضًا إلى أن القتال استمر حتى الظلام. كتب المؤرخ العثماني "فردي": "في هذه الليلة أصبحت ساحة المعركة موقعاً التخييم، ولكن نظرًا لأن معظم الجنود المنتصرين لم يتمكنوا من العثور على أمتعتهم، فإنهم لم يترجلوا عن خيولهم حتى الصباح." ووفقًا لكتاب "سليمان نامه":
«ظل السلطان المنتصر على ظهر جواده تقريبًا حتى منتصف الليل مع جميع خدمه، ثم ذهب إلى الخيمة للراحة؛ تفرق الجنود المنتصرون وترجلوا، لكنهم ظلوا متمسكين بالعنان حتى الصباح. لم يُسمح للشخصيات الهامة ولا الجنود العاديين بالاقتراب من الأمتعة».
وعلى الرغم من تركيز المؤرخ كمال باشا زاده على التخييم، فمن الممكن تحديد الوقت الذي انتهت فيه المعركة تقريبًا من خلال ما كتبه:
«بينما اعتُبر أن البعض قد استشهدوا، وشبع أبطال الإيمان من القتال، عاد الجيش إلى المعسكر بعد غروب الشمس، قبل وقت صلاة العشاء الأخير». أذَّن العثمانيون لصلاة العشاء الأخير التي تسبق النوم عندما بدأ الأفق يُظلم. تتفق هذه الشهادة تمامًا مع الوقت المحسوب من النص المجري المُقتبس أعلاه.[41]
وقضى الجيش الليلة في ساحة المعركة، دون مأوى أو طعام أو ماء؛ علاوة على ذلك، كانت بدأت الأمطار في الهطول بعد المعركة. وفي الصباح، تفقد السلطان سليمان ساحة المعركة وأمر بإحضار الأسرى "أمام الديوان" في اليوم التالي.
إعلان المسير لفتح بودا
إن ترتيب الجيش المجري في المعركة كان لا يصلُحُ لشيء سوى لهجوم يائس!
في اليوم التالي، 31 أغسطس، عُقد الديوان ووفقًا لكاتب السلطان سليمان، كتب: «تقرر المسير نحو بودا». كان الأمر يتعلق بتنظيم التقدم وإصدار التعليمات ذات الصلة، حيث كان فتح بودا أحد أهداف الحملة منذ البداية.[12] في هذا الوقت قُطعت رؤوس الأسرى الذين بلغ عددهم حوالي 2000 رجل، ورُفعت رؤوس توموري وقادة آخرين على الرماح وحُملت في موكب في معسكر العدو ليراها الجميع ويتأكدوا من مقتل قادة المجر وانتهاء المعركة؛ ويقال أنه في وقت لاحق تم غرسها في الأرض أمام خيمة السلطان. أشاد العثمانيون ببراعة توموري العسكرية، وتُظهر سطور المؤرخ العثماني كمال باشا زاده عن الاحترام:
«كان الأذكى والأشجع بين الأشرار هو القائد الأعلى للملك المنهار والتعيس، بولس توموري، وهو قائد مشهور في تلك البلاد والقائد الثاني في ساحة المعركة. كان مثل الحديد المطروق، كلما تلقى المزيد من الضربات أصبح أقوى. لو ما تم قتله مثل كلب مسعور، لكان من الممكن أن يُبعث من جديد. عندما أطلق هجومًا، مثل فيضان النيل، كان يصيح مثل فيل غاضب، حتى أن النمور والأسود كانت ستتجنبه».[41]
دفن جثث قتلى المعركة
في 1 سبتمبر/أيلول، دفن العثمانيون 30,000-50,000 جثة تحت سهل موهاكس، بما في ذلك الخسائر العثمانية. تم العثور حتى الآن على حوالي 600-800 جثة منهم فقط، معظمهم في محيط قرية ساتورهيلي (بالمجرية: Sátorhely)، على بعد حوالي 4-5 كيلومترات من ساحة المعركة الفعلية.
يُتوقع بطبيعة الأمر أن تكون جثث القتلى مدفونة تحت سفح مصطبة موهاكس حيث دارت المعركة، وأن تكون في حوالي أربعة مقابر جماعية بطول 700 متر تغطي منطقة كبيرة، ولكن لم يتم البحث عن تلك المقابر حتى الآن. كانت الاكتشافات المذكورة لبعض القبور نتيجة العثور على هياكل عظمية أثناء حرث الأرض للزراعة في محيط قرية ساتورهيلي. لكن الحال مختلف بالنسبة للمدفونين في ساحة المعركة نفسها لأنه، على الرغم من أن الحقول تُزرع هناك أيضًا، إلا أن التضاريس مغطاة بطبقة أرضية نتيجة تآكل المصطبة عبر السنين وتساقطها على السفح؛ وحتى الحرث العميق للأرض الزراعية لن يصل إلى القبور.[41]
لا يوجد سبب للشك في صحة ما ورد في المصادر العثمانية، "سليمان نامه"، عن دفن العثمانيين لكل قتلى المعركة قبل النزوح من أرض موهاكس؛ لذلك يُفترض أن دوروثيا كانيزساي دفنت جثث الذين ماتوا لاحقاً بعيدًا عن ساحة المعركة، وخاصة لأن دوروثيا كان يمكنها الوصول إلى موهاكس بعد عدة أسابيع فقط من نهاية المعركة. وعلى الأغلب أن من دفنتهم دوروثيا كانوا من الجرحى المجر الذين جرّوا أنفسهم بعيدًا ثم توفوا لاحقا بعد أيام من انتهاء المعركة، وخاصة الغرقى الذين عُثر على جثثهم بعد فترة طويلة من مغادرة الجيش العثماني عندما انحسرت المياه. من المؤكد أن الجثث في القبور الجماعية دفنها العثمانيون بالفعل، حيث إن الجثث المكدسة فوق بعضها تشير إلى عدم اتباع مراسم الدفن المجرية.[41]
وفقًا لرأي عالم الأنثروبولوجيا أسطفان كيزلي (بالمجرية: István Kiszely) (1932م-2012م)، وُضع جزء كبير من الجثث في القبور قبل أن تلين صلابة أجسامهم المتيبسة، وإن جثة المتوفى تظل متيبسة لمدة 24 إلى 48 ساعة من الوفاة قبل أن تبدأ في التلين، وهذا يدل على أن العثمانيين احترموا الأموات ودفنوا كل القتلى في أرض المعركة فور انتهاءها ولم يتركوهم في العراء ويذهبوا.[41]
مسار الذهاب إلى بودا بعد المعركة: بعد انتهاء المعركة، دفن العثمانيون كل القتلى ثم غادروا ساحة المعركة في وادي موهاكس يوم 2 سبتمبر/أيلول 1526م.
في 6 سبتمبر/أيلول تجاوزوا مقاطعة تولنا وراءهم.
وصل السلطان سليمان القانوني إلى بودا في 11 سبتمبر/أيلول وتفقد المدينة في اليوم التالي، ثم بدأت أعمال بناء جسر فوق نهر الدانوب في 13 سبتمبر/أيلول.
في 14 سبتمبر/أيلول تدمير حصن بيلسماروت.
تم الانتهاء من بناء الجسر فوق نهر الدانوب في 19 سبتمبر/أيلول وبدأ عبور الجيش العثماني نهر الدانوب على الفور.
تحرك الجيش من بست جنوبًا في طابورين، قاد السلطان سليمان القانوني الطابور الرئيسي وقاد الصدر الأعظمإبراهيم پاشا الفرنجي. وسار كل طابور في مسار مختلف.
بعد فترة وجيزة من الدفن الجماعي، غادر العثمانيون ساحة المعركة. يُرجَّحُ أن التواريخ المذكورة في يوميات "سليمان نامه" تشير فقط إلى مغادرة السلطان وحراسه في 2 سبتمبر/أيلول بعد قضاء الليلة في موهاكس، ثم في اليوم التالي تحركوا شمالًا في أرض المجر. وفي 6 سبتمبر/أيلول ، تركوا مقاطعة تولنا وراءهم، وفي غضون ذلك، أمر السلطان بإعدام الأسرى الذكور الذين تم أسرهم منذ المعركة، وإطلاق سراح النساء.[41]
وصل السلطان سليمان إلى بودا في 11 سبتمبر/أيلول وتفقد المدينة في اليوم التالي، ثم بدأت أعمال بناء جسر فوق نهر الدانوب في 13 سبتمبر/أيلول.[41]
في 14 سبتمبر/أيلول، كتب أمين سر السلطان سليمان في تدوينة هذا اليوم: «كان هناك حصن عظيم قريب، لذا تم إرسال 500 إلى 600 من الإنكشارية إلى هناك في وقت مبكر من الصباح مع بعض المدافع و5 إلى 10 آلاف من الفرسان».
ثم كَتَبَ في تدوينة اليوم التالي: «بعد تدمير الحصن العظيم، جمعوا غنائم المعدات والبضائع الموجودة فيه، وأخذوا الرجال أسرى». لابد أن يكون الحصن المشار إليه هو المعسكر الذي بناه سكان العاصمة الهاربون في بيلسماروت (بالمجرية: Pilismarót)، وهي قرية تقع شمال بوداپست على الضفة اليمنى لنهر الدانوب.[41]
يصف بروداريتش هذا الحصار المعنيّ: «لم يلتق العدو، الذي كان في حالة هياج في المجر، بمقاومة جادة في أي مكان، باستثناء ماروت (بالمجرية: Marot) (يقصد بيلسماروت)، التي ليست بعيدة عن ازترغوم (بالمجرية: Esztergom)... تراجع العديد من الآلاف منا إلى هذا المكان مع الزوجات والأطفال، معتمدين على الحماية التي وفرتها الطبيعة... أخيرًا، نظرًا لأن العدو (يقصد العثمانيين) كان غير قادر تمامًا على الاستيلاء على معسكرنا المحمي بالعربات، اضطر إلى إحضار المدافع، وبالتالي تمكن من تفجيرها وتقطيع الموجودين بداخلها تقريبًا حتى الرجل الأخير... مع إضافة جميع الذين قُتلوا وأُسروا، أجرؤ على القول إن حوالي 12,000 شخصًا ممن أعرفهم لقوا حتفهم في هذه الكارثة».[41]
نُقلت الأشياء الثمينة من القصر الملكي وحُملت على السفن لنقلها إلى القسطنطينية.[12] وصف كمال باشا زاده جمع الغنائم من القصر:
«جَمَعَ (أي السلطان سليمان) الغنائم الثمينة جدًا ونتاج انتصاره من القصر الجميل للملك الفاسد، الذي كان أشبه بحديقة مزينة بالأزهار والفاكهة. وفي الخزانة والترسانة المملوءة عن آخرها بالأسلحة والعتاد والمخازن، جمع كل ما وجده من الغنائم الثمينة وغير الثمينة، وحملها على السفن بأكبر قدر من العناية وأرسلها إلى مدينة بلغراد، ومن هناك حملها إلى عاصمة دولة المؤمنين الصادقين على ظهر النهر الضخم».[41]
بدأ الجيش طريق العودة من بست جنوباً في طابورين اتخذا مسارين مختلفين. قاد السلطان سليمان القانوني الطابور الرئيسي، وقاد الطابور الثاني الصدر الأعظمإبراهيم پاشا الفرنجي الذي تحرك نحو سكدين عبر كتشكمت. وصل يوحنا زاپولياي، ڤويڤود ترانسيلڤانيا إلى سكدين وتحرك بالتوازي مع الجيش العثماني على طول الضفة اليسرى لنهر تيسا ووصل إلى فيجفرنيك حوالي 25 سبتمبر/أيلول، ليقطع الطريق إذا ما هدد الجيش العثماني ترانسيلڤانيا. من المحتمل أن تكون مهمة إبراهيم پاشا هي العمل كجناح للجيش الرئيسي ضد يوحنا زاپولياي على الجانب الآخر من نهر تيسا. في 29 سبتمبر/أيلول وصل إبراهيم پاشا إلى سكدين، وحصل الجيش على الطعام بوفرة.
ثم واصل جيش إبراهيم پاشا تقدمه نحو مقاطعة تيتل عبر مقاطعة زينتا، وهناك واجه مقاومة الفرسان الصرب بقيادة راديش بوجيتش. ثم وصل إبراهيم پاشا إلى پيتيرڤارادين في 3 أكتوبر، حيث بدأ المهندسون على الفور في بناء جسر عبر نهر الدانوب.
واجه الجيش الرئيسي بقيادة السلطان سليمان القانوني مقاومة جادة في منطقة باتش واضطر إلى السيطرة على المدينة بالقوة. وصل السلطان سليمان إلى پيتيرڤارادين في 7 أكتوبر/تشرين الأول. واكتمل الجسر في 8 أكتوبر/تشرين الأول، وبدأ الجيش العبور في نفس اليوم. وصل السلطان إلى سالانكامين في 9 أكتوبر/تشرين الأول، ثم إلى بلغراد في 10 أكتوبر/تشرين الأول.
بمجرد الانتهاء من بناء الجسر فوق نهر الدانوب في 19 سبتمبر/أيلول، بدأ الجيش العثماني في العبور على الفور؛ واستمر العبور ليلًا ونهارًا، وكان من الممكن أن ينتهي بحلول 23 سبتمبر/أيلول لولا انهيار الجسر. لحسن حظ العثمانيين، بقي الجزء الأصغر من الجيش فقط على جانب بودا، ولم يكن من الصعب نقلهم عبر النهر.
تحرك الجيش من بست جنوبًا في طابورين. لا نعرف المسار الدقيق للطابور الرئيسي الذي قاده السلطان سليمان، ولكن من المحتمل أنه سار بالتوازي مع نهر الدانوب، أو بالأحرى مع ضفافه الموحلة.[41]
لابد أن زاپولياي كان قد وصل إلى سكدين حوالي 3 أو 4 سبتمبر/أيلول وليس في يوم المعركة كما يزعم البعض، فقد تحرك بقواته بالتوازي مع الجيش العثماني، وتقدم شمالًا على طول الضفة اليسرى من نهر تيسا ووصل إلى فيجفرنيك (بالمجرية: Fegyvernek) بوسط المجر حوالي 25 سبتمبر/أيلول، ولا بد أن هدفه كان قطع الطريق إذا ما قرر الجيش العثماني تهديد ترانسيلڤانيا (الأردل).[41]
وصل إبراهيم پاشا إلى سكدين في 29 سبتمبر/أيلول، وكان المسير صعبًا للغاية حيث اضطر الجيش لمواجهة نقص في المياه والطعام، وسقطت الحيوانات الحاملة للأثقال على جوانب الطرق. تغير الوضع في منطقة سكدين المزدهرة، حيث كُتب في مذكرات سليمان نامه أن «الجيش حصل على الدقيق والقمح والشوفان والعلف وغيره من الطعام بوفرة».[41]
من سكدين، واصل جيش إبراهيم پاشا تقدمه نحو مقاطعة تيتل (بالمجرية: Titel) عبر مقاطعة زينتا (بالمجرية: Zenta)، وفي هذه المنطقة، واجه مقاومة الفرسان الصرب بقيادة راديش بوجيتش (بالمجرية: Radič Božić). كان راديش بوجيتش نبيلاً صربياً وقائداً عسكرياً لعب دوراً هاماً في المقاومة ضد الفتوحات العثمانية في منطقة البلقان، وخاصة خلال المعارك التي حاولت فيها القوات الصربية الدفاع عن أراضيها ضد التوغلات العثمانية. يُرتبط اسمه غالباً بالنضالات التي خاضها الشعب الصربي خلال هذه الفترة المضطربة من تاريخهم. أصبح راديش بوجيتش ديسپوت الصرب في العام التالي 1527م.[41]
تُشير تدوينات سليمان نامه بتاريخ 2 أكتوبر/تشرين الأول إلى: «لقد تم الإبلاغ أن شخصًا ملعونًا يُدعى "راديش -المجنون" أسر ما بين 300 إلى 400 شخص من سكان المنطقة، وذبح حوالي 500 آخرين؛ وبشكل عام يقطع الطرق ويقتل أو يأسر القادمين من أي اتجاه كان».
من تيتل، وصل إبراهيم پاشا إلى پيتيرڤارادين في 3 أكتوبر/تشرين الأول، حيث بدأ المهندسون على الفور في بناء جسر عبر نهر الدانوب.
يبدو أن الجسم الرئيسي للجيش قد واجه مقاومة جادة في منطقة باتش (Bacs) واضطر إلى السيطرة على المدينة بالقوة. هنا، وفقًا لمذكرات السلطان "سليمان نامه"، استولى العثمانيون على 70,000 خروف كغنيمة.
وصل السلطان سليمان إلى پيتيرڤارادين في 7 أكتوبر/تشرين الأول، ثم اكتمل الجسر وصار جاهزًا في اليوم التالي 8 أكتوبر/تشرين الأول، وبدأ الجيش العبور في نفس اليوم.
وصل السلطان إلى سالانكامين (بالمجرية: Slankamen) في 9 أكتوبر/تشرين الأول وإلى بلغراد في 10 أكتوبر/تشرين الأول.
وبذلك اختتمت الحملة.
نتائج المعركة
نهاية استقلال المجر
كانت معركة موهاكس من المعارك النادرة في التاريخ، حيث هُزم أحد طرفيها على هذا النحو من مصادمَة واحدة وفي وقت قليل لا يتجاوز ساعتين، وترتب عليها ضياع استقلال المجر بعد ضياع جيشها على هذه الصورة في هزيمة مروعة، وبعد المعركة بيومين، في 23 من ذي القعدة 932 هـ الموافق 31 من أغسطس/آب 1526م قام الجيش العثماني بعمل استعراض أمام السلطان سليمان، وقام بأداء التحية له وتهنئته، وقام القادة بدءًا من الصدر الأعظمبتقبيل يد السلطان.
استراحت القوات العثمانية في ساحة المعركة لمدة ستة أيام، ثم تحرك الجيش نحو الشمال بمحاذاة ساحل نهر الطونة الغربي حتى بلغ بودا عاصمة المملكة المجرية فدخلها في 3 من ذي الحجة 932 هـ الموافق 10 سبتمبر/أيلول 1526م، ودخل المدينة بعيد الأضحى في سراي الملك، وكان قد احتفل بعيد الفطر في بلغراد في أثناء حملته.
أثر معركة موهاكس على حُكم المجر
وفقًا لتقرير أسطفان بروداريتش الذي أعده في عام 1527م، فإن مقتل الملك لويس الثاني كان بسبب خطأ تكتيكي من القائد الأعلى بولس توموري، عندما ظهرت وحدة عثمانية بشكل مفاجئ فأمر توموري بنقل الحرس الملكي بعيداً عن الملك لمواجهة هذه الوحدة، ولم يُنفَّذ الأمر إلا بعد تكرار الطلب والإلحاح من توموري.
بسبب أسطفان باتوري إلى حد كبير، خاض الجيش المجري معركة موهاكس بطريقة خرقاء لدرجة أنها انتهت بكارثة.[44] تمكن أسطفان باتوري من الفرار وأصبح بعد المعركة في المجر أحد قادة "الحزب النمساوي" الذي دعا إلى التحالف بين آل ياغيلون وآل هابسبورغ.
بعد المعركة، لم يكن للمجر حاكم، كما لم يكن لملك المجر "لويس الثاني" من العائلة المالكة "ياغيلون" أي أطفال أو ورثة.[10]
التنازع على عرش المجر
يوحنا زاپولياي أُنتُخب ملكًا في برلمان سيكشفهيرفار في 10 نوفمبر 1526م.
فرديناند الأول تُوّج ملكًا للمجر في كنيسة سيكشفهيرفار في 3 نوفمبر عام 1527م
في عام 1532م، عقد فرديناند الأول السلام مع العثمانيين، وقسم المجر إلى قطاع هابسبورغ في الغرب، وقطاع يوحنا زاپولياي في الشرق، وهذه الأخيرة كانت فعليًا مملكة تابعة للدولة العثمانية.
ولأن المجريين كانوا بحاجة إلى ملك ليقودهم، فقد رأى بعض النبلاء المجريين أن اختيار يوحنا زاپولياي وهو أرستقراطي بارز من عائلة نبيلة وحاكم ترانسيلڤانيا (ڤويڤود) وقائد الجيش، سيكون مناسبًا. كان يوحنا زاپولياي على خلاف مع الملك المجري الشاب لويس الثاني الذي كان يميل إلى الفسق؛ بل وحتى عارضه علنًا. لم يقبل جميع النبلاء المجريين بيوحنا زاپولياي ملكاً، بل دعمه فقط نبلاء ترانسيلڤانيا أو النبلاء المجريون الأصغر في الشرق غير ذوي الألقاب. فاختاروا يوحنا زاپولياي ملكًا عليهم في برلمان سيكشفهيرفار في 10 نوفمبر 1526م.[10]
بعد أن جلس الملك الجديد يوحنا زاپولياي على عرش المجر، عادت الجيوش العثمانية إلى ديارها.[10]
انتُخب فرديناند أيضًا ملكًا على المجر ودالماسية وكرواتيا وسلافونيا وما إلى ذلك من قِبَل الطبقة الأرستقراطية العليا (الأباطرة والبارونات) ورجال الدين الكاثوليك المجريين في برلمان پوجوني (Pozsony)(حاليا: براتيسلافا في سلوفاكيا) في 17 ديسمبر عام 1526م.[45][12] وبناءً على ذلك، تُوّج فرديناند ملكًا للمجر في كنيسة سيكشفهيرفار في 3 نوفمبر عام 1527م.[46] وافق النبلاء الكرواتيون بالإجماع انتخاب پوجوني لفرديناند الأول، وأكدوا خلافته وخلافة ورثته.[47]
هزم فرديناند الأوليوحنا زاپولياي في معركة تاركال (بالمجرية: Tarcali csata) في سبتمبر 1527م ومرة أخرى في معركة زينا (بالمجرية: Szinai csata) في مارس 1528م. فرَّ يوحنا زاپولياي من البلاد، وبحلول نهاية عام 1528م تم طرده بالكامل من البلاد ودخل الجيش الألماني مدينة بودا مما أثار حفيظة السلطان سليمان[12] تقدم يوحنا زاپولياي بطلب إلى السلطان سليمان القانوني للحصول على الدعم، مما جعل المجر دولة تابعة للعثمانيين.[12] دعم السلطان سليمان يوحنا زاپولياي، فوصل بالجيش العثماني إلى العاصمة المجرية بودا وعسكر في 3 سبتمبر/أيلول 1529م، ثم أعاد يوحنا زاپولياي رسمياً إلى العرش المجري وسلمه التاج المجري المقدس في بودا في 9 سبتمبر/أيلول 1529م كحاكم تابع للعثمانيين،[12] ووافق زاپولياي آنذاك على دفع جزية سنوية وقبول وجود فرقة من الإنكشارية في قلعة المدينة.[19] ثم شنَّ السلطان سليمان هجوم ضخم وحاصر فيينا عاصمة فرديناند مما دفع فرديناند إلى اللجوء إلى بوهيميا. ثم تقدم السلطان سليمان وحاصر غونس عام 1532م، وفي ذلك العام، عقد فرديناند السلام مع العثمانيين وصرح السلطان بأنه سيعامل فرديناند كإبن له،[12] وتم بموجب هذه المعاهدة التي وُقعت في اسطنبول في 29 ذي القعدة 939هـ/ 22 يونيو/حزيران 1533م تثبيت الحدود العثمانية-الألمانية، وعُدَّت أسپانيا خارج معاهدة الصلح، وأطلق فرديناند على نفسه "ابن السلطان".[12] وقُسِّمَتِ المجر إلى قِطاع هابسبورغ في الغرب (المجر الملكية)، وقِطاع يوحنا زاپولياي في الشرق واسمه المملكة المجرية الشرقية، وهذه الأخيرة كانت فعليًا دولة تابعة للدولة العثمانية.[49][50][51]
على الرغم من وجود محاولات لإحلال السلام بين الملِكين، إلا أنها لم تسفر في البداية إلا عن اتفاقيات هدنة. وحاول معظم النبلاء المجريين إيجاد حل للوضع الفوضوي في ما يسمى بالبرلمانات غير الملكية، ولكن دون جدوى.
اليهود يسلمون مفاتيح بودا إلى السلطان سليمان
عندما وصلت أخبار كارثة موهاكس إلى بودا في 30 أغسطس/آب، غادرت الملكة ماري هابسبورغ ملكة المجر، زوجة الملك المقتول في المعركة لويس الثاني، وحاشيتها المدينة على الفور، وتبعهم البورغيون الألمان والمجريون (البورغيون: مواطنون متميزون برتبة أو لقب في المدن الأوروپية في العصور الوسطى وحتى أوائل العصر الحديث).[13] ومع فرار الملكة ماري والنبلاء ورجال الدولة والشعب المجري، بقي اليهود فقط في المدينة. وتوجه وفد برئاسة رئيس اليهود، سالامون، إلى بلدة فولدڤار (بالمجرية: Földvár) وسلموا مفاتيح قلعة بودا إلى السلطان سليمان القانوني. [13][52][53]
مصدرنا الرئيسي للأيام التالية هو المؤرخ جرجس سيريمي (بالمجرية: Szerémi György)،[54] الذي كان كاهنًا في بودا في بلاط الملك لويس الثاني حتى مقتله في موهاكس، ثم أصبح كاهن بلاط الملك يوحنا زاپولياي الذي تولى حكم المجر بعده:
«وقعت المعركة على سهل موهاكس يوم الأربعاء. في اليوم التالي، الخميس، وصل أحد الخدم الألمان للملكة على عجل من الحرب؛ كان مرعوبًا للغاية لدرجة أنه لم يتمكن من اجتياز البوابة... ركبت الملكة ماري بعيدًا عن قلعة بودا مع خمسين فارسًا، عبر بوابة لوغود (Logod)، مع سيدات البلاط. كل واحدة منهن كانت تحمل مشعلاً مضاءً في يدها. توقفت الملكة عند لوغود لانتظار خازنها القادم من المدينة... ذهب جميع الألمان في بودا معهم، كما لاحظنا من نافذتنا. لم يتحرك المجريون، لأنهم أمة تحب البقاء في المنزل ولا يفهمون سوى اللغة المجرية، علاوة على ذلك، وثق سكان بودا وبست في الڤويڤود يوحنا. ولكنه كان مترددًا، متقاعسًا، عند نهر تيسا... كانت جماهير بودا وبست تنتظر الڤويڤود يوحنا كمخلِّصِهَا، لأنه كان سيؤمن لهم الحماية؛ لكن الڤويڤود لم يُمنح لهم، سواء أكان ذلك من الله أو الشيطان، لا أدري. عندما علم سكان بودا وبست بذلك، بدأ الجميع في الاستعداد للسفر لإنقاذ حياتهم. الذين كانت لديهم أقدام فروا أينما استطاعوا... نصب إمبراطور الأتراك (يقصد السلطان العثماني سليمان القانوني) معسكرًا في كيلينفولد (بالمجرية: Kelenföld) (حيّ يقع في الجزء الجنوبي من بودا). لم يبق في بودا سوى الفقراء، العرجان، المكفوفين، والمرضى. الذين لم يتمكنوا من وضع أيديهم على حصان أو عربة اضطروا للبقاء في بودا. كان هناك تاجر من بودا يعمل كوسيط بين المجريين والأتراك (العثمانيين) ونجح في الحصول على رحمة للمسيحيين من الإمبراطور (يقصد السلطان سليمان القانوني)؛ علاوة على ذلك، أعطاه الإمبراطور عشر قطع ذهبية كهدية. دخل الإمبراطور (السلطان سليمان) إلى بودا وحكم منها، وانتظر بها لمدة ستة عشر يومًا. ثم عقد اجتماعًا مع مستشاريه، لمناقشة ما إذا كان ينبغي حرق القلعة أم لا. أخبره مستشاروه بعدم إشعال النار في القلعة، ولكن يجب حرق مدينة بودا حتى تتذكر جميع الأمم أن إمبراطور الأتراك كان هنا. ترك (السلطان سليمان) القلعة لتبقى كعاصمة له».
أرسل أهالي مدينة بودا عاصمة المجر مفاتيح المدينة إلى السلطان، فاستلمها وسار يحفُّ به النصر ويحدوه الجلال حتى وصل إلى مدينة بودا، ودخلها في 3 ذي الحجة سنة 931 هجرية الموافق 10 سبتمبر/أيلول سنة 1526م، مشدِّدًا الأوامر على الجنود بعدم التعرُّض للأهالي والمحافظة على النظام، لكن لم تُجدِ تنبيهاته شيئًا، بل انتشرت الجنود في جميع أنحاء المدينة وفي جميع أرجاء بلاد المجر ناهبين قاتلين مرتكبين كلَّ الفظائع التي ترتكبها الجيوش الغير المنتظمة عقب الانتصار.[11]
السلطان سليمان يعين زاپولياي ملكًا على المجر
وبعد دخول السلطان إلى مدينة بودا جمع أعيان القوم وأمراءهم ووعدهم بأن يُعين يوحنا زاپولياي أمير ترانسيلڤانيا ملكًا عليهم، ثم غادر إلى مقرِّ خلافته مستصحبًا معه كثيرًا من نفائس البلاد، وأهمها الكتب التي كانت موجودة في خزائن ماتياس كورڤين.[11]
وبالمقارنة مع هزيمة المجر في معركة ڤارنا عام 1444م، كان الجيش المجري يومها يُقاتل بعيدًا عن حدود المملكة ولم يكن السلطان العثماني مراد الثاني قويًا بما يكفي لغزو البلاد.
أما في موهاكس 1526م فقد كانت الكارثة كبيرة جدا، إذ أن المعركة كانت في داخل حدود مملكة المجر كما كان لدى السلطان سليمان القانوني طريقا مفتوحا إلى العاصمة المجرية بعد انتصاره الحاسم.[13]
من الناحية العملية، انتهت المعركة بالإبادة الافتراضية للجيش المجري. وعلى حد تعبير المؤرخ غيزا پيرجيس، انتهت معركة موهاكس "بالتدمير الكامل للجيش المجري"، وكما اتفق معه المؤرخ أسطفان بروداريتش، فقد بلغ عدد الضحايا:[13][41]
10,000 من المشاة،
و4,000 من الفرسان (ثلث العدد الإجمالي)،
و7 من رجال الدين الأساقفة رفيعي المستوى (بالإنجليزية: Prelate)،
وكانت الكارثة الحقيقية، كما حدث في معركة ڤارنا، هو وفاة الملك وما تلاها من عواقب على مملكة المجر.[41][13]
دخول بلغراد بعد النصر
بنى العثمانيون جسرًا فوق نهر الدانوب، وعبر جيشهم بالكامل لمغادرة المجر في صفين عبر الأرض الواقعة بين نهر الدانوب وتيسا. ودخل السلطان ناندورفيهيرفار (بلغراد حالياً)، البوابة السابقة للمجر، في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول. وكان هذا رمزياً أيضاً: فقد انتهت كل من "الحملة الطويلة" التي قادها يوحنا هونياد، والتي أعطت زخماً جديداً للقتال ضد العثمانيين، وحملة عام 1526م التي مثلت انهيار مملكة المجر، في ناندورفيهيرفار أو بلغراد حاليا.[13]
تراث المعركة
"لقد فُقد أكثر في موهاكس" (بالمجرية: Több is veszett Mohácsnál)
—يقول المجريون على سبيل العزاء المرير وللدلالة على حجم سوء الحظ الذي واجهوه: لا تقلق، لقد تعرضت لخسارة، وهناك خسارة أكبر من هذا في موهاكس
يُنظر إلى معركة موهاكس من قبل العديد من المجريين كنقطة تحول حاسمة في تاريخ البلاد، وكصدمة وطنية لا تزال قائمة في ذاكرة الشعب.
وللدلالة على حجم سوء الحظ الذي واجهوه، يقول المجريون حتى الآن: «لقد فُقد أكثر في موهاكس» (بالمجرية: Több is veszett Mohácsnál). ويرى المجريون أن موهاكس كانت نهاية المجر كدولة أوروپية مستقلة وقوية.
بينما كانت معركة موهاكس هزيمة حاسمة، فإن العواقب التي تلتها هي التي أنهت فعلياً استقلال المجر الكامل. فقد حولت الحروب المستمرة على مدى مائتي عام بين إمبراطورية هابسبورغوالدولة العثمانية، المجر إلى ساحة معركة دائمة وانقسمت أراضيها إلى ثلاثة أجزاء. كانت الأرياف تتعرض بانتظام للدمار بسبب الجيوش المتحركة، مما أدى إلى تدمير السكان.
أصبحت ساحة معركة موهاكس، بجانب قرية ساتورهيلي، موقعًا تذكاريًا تاريخيًا وطنيًا رسميًا في عام 1976م بمناسبة الذكرى الـ450 للمعركة. صمم المهندس المعماري جيورجي فاداس (بالمجرية: György Vadász) نصباً تذكارياً، وتم بناء قاعة استقبال جديدة ومبنى للمعارض، أيضًا من تصميم فاداس وبتمويل جزئي من الاتحاد الأوروپي، في عام 2011م.
^ ابجدHistoria de la Humanidad. La edad de los descubrimientos. Editorial Larousse, 2005, Santiago de Chile, pp. 69, ISBN 956-8402-36-5
^ ابجدTurner & Corvisier & Childs, A Dictionary of Military History and the Art of War, pp. 365–366 "In 1526, at the battle of Mohács, the Hungarian army was destroyed by the Turks. King Louis II died, along with 7 bishops, 28 barons and most of his army (4,000 cavalry and 10,000 infantry)."
^ ابجدMinahan, One Europe, many nations: a historical dictionary of European national groups, p. 311 "A peasant uprising, crushed in 1514, was followed by defeat by the Ottoman Turks at the battle of Mohacs in 1526. King Louis II and more than 20,000 of his men perished in battle, which marked the end of Hungarian power in Central Europe."
^ ابجدStavrianos, L.S. Balkans Since 1453, C. Hurst & Co. Publishers, 2000, pp. 26
«"The latter group prevailed, and on August 29, 1526, the fateful battle of Mohacs was fought: 25,000 to 30,000 Hungarians and assorted allies on the one side, and on the other 45,000 Turkish regulars supported by 10,000 lightly armed irregulars."»
^ ابجNicolle, David, Hungary and the fall of Eastern Europe, 1000–1568, p. 13 "Hungary mustered some 25,000 men and 85 bore cannons (only 53 being used in actual battle), while for various reasons the troops from Transylvania and Croatia failed to arrive.
^Zoltán Bodolai (1978). "9. Darkness After Noon". The Timeless Nation – The History, Literature, Music, Art and Folklore of the Hungarian Nation. Hungaria Publishing Company. اطلع عليه بتاريخ 2015-11-19.
György Dalos, Ungarn. Mythen – Lehren – Lehrbücher, in: Monika Flacke (Hrsg.): Mythen der Nationen. Ein europäisches Panorama. Eine Ausstellung des Deutschen Historischen Museums unter der Schirmherrschaft von Bundeskanzler Dr. Helmut Kohl. Begleitband zur Ausstellung vom 20. März 1998 bis 9. Juni 1998, Köhler & Amelang, München und Berlin 1998, S. 544–548
Nicolae Jorga: Geschichte des Osmanischen Reiches, Salzwasser, Paderborn 2011, ISBN 978-3-86382-408-2.
Josef Matuz: Das Osmanische Reich. Grundlinien seiner Geschichte, 7. Auflage, Wissenschaftliche Buchgesellschaft, Darmstadt 2012, ISBN 978-3-86312-326-0.
Klaus-Peter Matschke: Das Kreuz und der Halbmond. Die Geschichte der Türkenkriege, Artemis & Winkler, Düsseldorf und Zürich 2004, ISBN 978-3-538-07178-0.
Stavrianos, L.S. Balkans Since 1453, C. Hurst & Co. Publishers, 2000.
Nicolle, David, Hungary and the fall of Eastern Europe, 1000–1568, Osprey Publishing, 1988.
Stephen Turnbull, The Ottoman Empire 1326–1699, Osprey Publishing, 2003.
Molnár, Miklós, A Concise History of Hungary, Cambridge University Press, 2001.
Minahan, James B. One Europe, many nations: a historical dictionary of European national groups, Greenwood Press, 2000.
The Kingdom of Hungary and the Habsburg Monarchy in the Sixteenth Century (East European Monographs, distributed by Columbia University Press, 2010) 406 pages; Covers the period after the battle of Mohacs in 1526 when the Kingdom of Hungary was partitioned in three, with one segment going to the Habsburgs.
History Foundation, Improvement of Balkan History Textbooks Project Reports (2001) (ردمك 975-7306-91-6)
حميد درخشان معلومات شخصية الاسم الكامل حميد رضا درخشان الميلاد 23 يناير 1959 (العمر 64 سنة)طهران، إيران الطول 1.75 م (5 قدم 9 بوصة) مركز اللعب لاعب وسط الجنسية إيران معلومات النادي النادي الحالي سايبا مسيرة الشباب سنوات فريق 1975–1977 مازدا [1] المسيرة الاحترافية1 سنوات ف
Operación Anorí Conflicto armado interno en ColombiaParte de conflicto armado interno de ColombiaFecha 7 de agosto - 18 de octubre de 1973Lugar Anorí, Antioquia ColombiaCasus belli Incursión del ELN al Bajo Cauca antioqueñoResultado Victoria del Ejército Nacional.Cambios territoriales AntioquiaBeligerantes Gobierno de Colombia Ejército Nacional de Colombia IV Brigada Comando Operativo N.º 10 Ejército de Liberación Nacional (Colombia) Comandantes General Álvaro Herrera Calderón Cor...
Carex canariensis Klasifikasi ilmiah Kerajaan: Plantae Divisi: Tracheophyta Kelas: Liliopsida Ordo: Poales Famili: Cyperaceae Genus: Carex Spesies: Carex canariensis Nama binomial Carex canariensisKük. Carex canariensis adalah spesies tumbuhan seperti rumput yang tergolong ke dalam famili Cyperaceae. Spesies ini juga merupakan bagian dari ordo Poales. Spesies Carex canariensis sendiri merupakan bagian dari genus Carex.[1] Nama ilmiah dari spesies ini pertama kali diterbitkan oleh Kü...
Marian Bartłomiej Radwański podpułkownik dyplomowany piechoty Data i miejsce urodzenia 23 sierpnia 1893 Rzeszów Przebieg służby Siły zbrojne Armia Austro-Węgier Wojsko Polskie Polskie Siły Zbrojne Główne wojny i bitwy I wojna światowawojna polsko-bolszewicka II wojna światowa kampania wrześniowa Odznaczenia Marian Bartłomiej Radwański vel Kluska[a] (ur. 23 sierpnia 1893 w Rzeszowie) – podpułkownik dyplomowany piechoty Wojska Polskiego i Polskich Sił Zbrojnych, kawaler...
Cet article est une ébauche concernant la littérature de langue française et le Bénin. Vous pouvez partager vos connaissances en l’améliorant (comment ?) selon les recommandations des projets correspondants. Florent Couao-Zotti en 2011 La littérature béninoise est une littérature africaine produite au Bénin ou par sa diaspora. Le pays compte en 2022 12 000 000 d'habitants, alors que le Royaume du Dahomey en comptait moins de 1 000 000 vers 1900. C'est ...
Dickinson, as Gretchen in Mother Goose, 1915 Margaret Esme Dickinson (1894 – 16 June 1949)[1] was an Australian ballet dancer, a popular performer in J. C. Williamson's pantomimes. She married a dancing partner, who was already engaged to his previous dancing partner, creating a scandal. History Dickinson was born in Flemington, Victoria to Fenton Kerr Dickinson and Ida Elizabeth Dickinson, (née Fagbery,[2] died 1933)[3] and began her stage career at an early age. I...
Family of birds Cisticolidae Golden-headed cisticola (Cisticola exilis) Scientific classification Domain: Eukaryota Kingdom: Animalia Phylum: Chordata Class: Aves Order: Passeriformes Superfamily: Sylvioidea Family: CisticolidaeSundevall, 1872 Genera Many: see text The family Cisticolidae is a group of about 160 warblers, small passerine birds found mainly in warmer southern regions of the Old World. They were formerly included within the Old World warbler family Sylviidae. This family probab...
Untuk kecamatan yang bernama-sama di Kabupaten Bandung, lihat Soreang, Bandung.Untuk kegunaan lain, lihat Soreang. SoreangKecamatanNegara IndonesiaProvinsiSulawesi SelatanKotaPareparePemerintahan • CamatDEDE HARIRUSTAMAN, S.STP.Populasi • Total44,405 jiwa jiwaKode Kemendagri73.72.03 Kode BPS7372030 Luas8,33 km²Desa/kelurahan7 Peta Administrasi Kecamatan Soreang Soreang adalah sebuah kecamatan di Kota Parepare, Sulawesi Selatan, Indonesia. Wilayah Kecamatan Sorean...
This article does not cite any sources. Please help improve this article by adding citations to reliable sources. Unsourced material may be challenged and removed.Find sources: 1981 Algerian Super Cup – news · newspapers · books · scholar · JSTOR (June 2015) (Learn how and when to remove this template message) Football match1981 Algerian Super Cup20 August 1955 Stadium hosted the match RC Kouba USM Alger Ligue 1 Algerian Cup 3 1 Date20 August 1981Venue...
1990 American television film For the 1955 German film, see The Plot to Assassinate Hitler. This article does not cite any sources. Please help improve this article by adding citations to reliable sources. Unsourced material may be challenged and removed.Find sources: The Plot to Kill Hitler – news · newspapers · books · scholar · JSTOR (March 2017) (Learn how and when to remove this template message) The Plot to Kill HitlerTitle cardWritten bySteven E...
Japanese baseball player Baseball player Shingo OnoChiba Lotte Marines – No. 82Pitcher/CoachBorn: (1975-04-07) April 7, 1975 (age 48)Shizuoka, JapanBats: RightThrows: RightdebutOctober 10, 1997, for the Chiba Lotte Marines TeamsAs player Chiba Lotte Marines (1994 – 2013) As coach Chiba Lotte Marines (2016 – present) Shingo Ono (小野 晋吾, Ono Shingo, born April 7, 1975 in Nagaizumi, Shizuoka, Japan) is a Nippon Professional Baseball pitcher for the Chiba Lotte Ma...
Heraion of SamosΗραίο ΣάμουHeraion in Samos, Greece.Shown within GreeceLocationSamos, GreeceCoordinates37°40′19″N 26°53′08″E / 37.67194°N 26.88556°E / 37.67194; 26.88556TypeSanctuaryHistoryCulturesAncient Greece UNESCO World Heritage SiteOfficial namePythagoreion and Heraion of SamosTypeCulturalCriteriaii, iiiDesignated1992 (16th session)Reference no.595RegionEurope and North America Site plan of the sanctuary. The numbers match the bold nume...
У этого термина существуют и другие значения, см. Sweet. Sweet Основная информация Жанр бабблгам-поп (ранний)глэм-рокхард-рокпауэр-поп Годы 1968—19821985—наст. время Страна Великобритания Место создания Лондон Другие названия The SweetshopAndy Scott's SweetBrian Connolly's SweetSteve Priest's SweetNew Sweet Лейбл...
Football stadium in the Tel Aviv District, Israel Ramat Gan StadiumFormer namesThe National Stadium (1954-2014)Location Ramat Gan, Tel Aviv District, IsraelPublic transit at Ben-Gurion Yarkon Railway Line at Bnei BrakOwnerIsrael Football AssociationCapacity13,370 (permitted seats)Field size105 × 68 m (115 × 74 yd)SurfaceGrassConstructionBuilt1950Opened1950Renovated1984, 1993Expanded1982Construction costIL400,000ArchitectIvor Shaw FribaTenantsIsrael national football team (1956–2013) ...
Nickel chloride structure of hexahydrate Anhydrous Names IUPAC name Nickel(II) chloride Other names Nickelous chloride, nickel(II) salt of hydrochloric acid Identifiers CAS Number 7718-54-9 Y7791-20-0 (hexahydrate) Y 3D model (JSmol) Interactive image ChEBI CHEBI:34887 Y ChemSpider 22796 Y ECHA InfoCard 100.028.858 EC Number 231-743-0 KEGG C14711 Y PubChem CID 24385 RTECS number QR6480000 UNII 696BNE976J YT8365BUD85 (hexahydrate) Y UN number 3288 3...
Hereford Nomenclatura biológica Bos taurusRegión de origen Herefordshire, InglaterraCaracterísticasTipo BovinoPelaje rojo cereza al rojo abayadoCabeza blancaOtros datosUtilización Producción de carne[editar datos en Wikidata] Hereford es una raza bovina originaria de Inglaterra[1][2] , productora de carne Los animales de esta raza se identifican por ser colorados desde bayo a cereza con manchas blanco puro en la cabeza, parte posterior de las orejas, pecho, vientr...
2020 sports comedy-drama film For the album by the same name, see Zhu Jing. Dream HorseTheatrical release posterDirected byEuros LynScreenplay byNeil McKayProduced by Katherine Butler Tracy O’Riordan Starring Toni Collette Damian Lewis Owen Teale Joanna Page Karl Johnson Steffan Rhodri Anthony O'Donnell Nicholas Farrell Siân Phillips CinematographyErik WilsonEdited byJamie PearsonMusic byBenjamin WoodgatesProductioncompanies Cornerstone Films Film4 Raw Ingenious Topic Studios FFilm Cymru W...
This article needs additional citations for verification. Please help improve this article by adding citations to reliable sources. Unsourced material may be challenged and removed.Find sources: Hindmarsh River – news · newspapers · books · scholar · JSTOR (July 2019) (Learn how and when to remove this template message) River in South Australia, AustraliaHindmarshHindmarsh River bridge at Victor Harbor Rowboat on Hindmarsh River, ca. 1915Location of th...
Tool used to apply a specific torque A click torque wrench A torque wrench is a tool used to apply a specific torque to a fastener such as a nut, bolt, or lag screw. It is usually in the form of a socket wrench with an indicating scale, or an internal mechanism which will indicate (as by 'clicking', a specific movement of the tool handle in relation to the tool head) when a specified (adjustable) torque value has been reached during application. A torque wrench is used where the tightness of ...
Le rattachisme ou réunionisme est un courant politique irrédentiste[1] au sein du mouvement wallon prônant la sécession de la Belgique par la Wallonie (voire également par la Région de Bruxelles-Capitale) et sa réunion à la France. Drapeau français marqué en son centre du coq wallon qui est utilisé par les partisans de la réunion de la Wallonie à la France. Nom Le mot rattachisme est un belgicisme datant de 1830[2]. Les rattachistes préfèrent cependant parler de réunionisme, s...
Strategi Solo vs Squad di Free Fire: Cara Menang Mudah!