بذل المجهود في إفحام اليهود كتاب من تأليف السموأل بن يحيى المغربي (الحبر شموئيل بن يهوذا بن أبوان)[1] وهو رجل دين يهودي من عائلة معروفة بالعلم والمكانة الدينية والتبحر بالعلوم الدنيوية كالطب والرياضيات، ذكره ابن أبي أصيبعة صاحب عيون الأنباء في طبقات الأطباء مع مشاهير أطباء عصره.[2] من أهم الكتب التي كتبت في الرد على اليهود، وقد ذكر أن دافعه للتأليف هو الاعتبار بالخطوات التي مر بها ليترك اليهودية ويدخل في الإسلام، فكتب: أذكر سبب ما وفقنى الله له من الهداية وكيف انساقت بي الحال منذ نشأت إلى انتقالى عن مذهب اليهود ليكون عبرة وموعظة لمن يقع إليه. ونقل ابن القيم عنه في كتابه هداية الحيارى بقوله: قال بعض أكابرهم بعد إسلامهم.[3]
الرسالة الأولى قصة إسلامه وذكر فيها أمورًا من تحصيله العلمي وتفكره، وإيثاره العقل على التقليد، وأنه وصل إلى ما وصفه: فصح عندي بالدليل القاطع نبوة المسيح والمصطفى وآمنت بهما.
أرسل له معترض على إسلامه فأجابه: ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ١٤٢﴾ [البقرة:142] تأملت ما ذكره هذا المعترض السائل عما لا يعنه فليعلم أن الله هداني بالدليل الواضح والحجة الثابتة من غير تقليد لمعلم أو والد.
وأما سؤاله عن وقت الإذعان بالكلمة الإسلامية؛ هل كان تاليًا لاعتقادها، أو تخلل بينهما زمان كانت هذه الكلمة فيه مضمرة غير مظهرة، فهو ضرب من الفضول لأن الإسلام مقبول عند الله وعند أهل الدين في أي الوقتين كان.
وأما نسبته لتأخير إظهاره إلى العبث فمن أين له أن تأخير الإذعان والإشهار لم يكن لتوخي وقت أو لمحاذرة عدو.
على أنا نبرأ إلى الله من التضجيع في إجابة الداعي إلى الحق بعد معرفته.
ولكن عقيب ما كشف الله عن البصيرة وجاد بنور الهداية بادرت إلى الانضمام إلى زمرة الحق.
وأما قوله إنه كما حدث له هذا عقلًا فربما حدث له عقل آخر يريه أن ما هو عليه باطل. فجوابه أن هذا تمثيل فاسد وكلام مختل لأن هذا الاعتراض إنما يرد على من انتقل إلى دين ببحث ونظر ثم انتقل عن الدين الثاني إلى دين ثالث ببحث آخر ونظر آخر لا على من نبذ المحالات التي حصلت في وهمه بالتلفق من الآباء في الطفولة وأنس بها واعتادها من غير أن تصح عنده ببحث ونظر ثم أنه لما اتفق له إعمال الفكر والبحث أداه العقل والأدلة الصحيحة إلى الحق لأن ذلك المهجور المتروك لم يؤده إليه نظر. فكيف يلزمه ما ذكر من الشبهة.
وأما قوله: هل بحث عن جميع المذاهب فانه لا حاجة لي إلى ذلك لأن الحق في جهة واحدة وليس بمتعدد. فلما قادني الدليل إلى المذهب الحق لزم من صحته بطلان سائر المذاهب المخالفة له من غير حاجة إلى الإطلاع على جميع ما حرره أربابها.
وأما قوله لو بحث لعلم أن الحق في غير ما هو عليه فهو محال لأن الحق لا يتعدد.
وأما سؤاله عن ما الطريق الذي صحت به عندي دعوة المصطفى فإن شهادة هذه الأمم العظيمة بنبوته مع المعجز الأعظم الذي لم يبار فيه وهو فصاحة القرآن، دلني على ذلك وأكد ذلك إشارات فهمتها من التوراة دلت عليه، إلا أن الأول هو الأصل في الدلالة.
وأما سؤاله عن المذهب الإسلامي الذي انتسبت إليه وما زعم أنه يلزمني من مطالعة جميع مذاهب الأئمة فهو شبهة لا تلزمني وسئال عما لا يعنيه إلا أن جوابي عنه هو الجواب الأول بعينه وهو أن الدليل قادني إلى مذهب اعتقد بصحته فلا حاجة لي إلى تصفح غيره لأن الحق غير متعدد في المذاهب كما أنه غير متعدد في الملة.
على أن الاختلاف بين الأئمة المسلمين إنما هو في توابع وصغائر لا في أصل العقيدة بحيث يكفر بعضهم بعضًا أعني أصحاب الشافعي وأبي حنيفة ومالك وأحمد رضي الله عنهم دون أصحاب البدع.
على أن 'هذا السائل عما لا يعنيه إذا قام هذا المقام فسبيله أن يقوي ما هدمت من حجج اليهود ويتشاغل بنصرتهم عن السؤال عما لا يعنيه لأني قد أظهرت فساد اعتقادهم وتناقض ما عندهم في الإفحام فذلك أولى من الإخلاد إلى شبهة الزنادقة وهذيانات المتفلسفة الكفار الذين يجب قتلهم في الملة التي فارقتها والملة التي هداني الله إليها.
أما ما ختم به كلامه فذاك أمر مرفوع على الحقيقة إلا أن الملوك والسلاطين جرت عادتهم أن يخصوا كل واحد بما يرونه له أهلا حراسة للمراتب من تطاول غير الأكفاء. والحسد لا يزيد أهله إلا خمولًا
والسلام