هو الشيخ مبارك بن محمد إبراهيمي الميلي من مواليد مشتة الرمامن وهي جمع الرمان، الموجودة ببلدية غبالة، دائرة السطارة ولاية جيجل في الشرق الجزائري، ولد بتاريخ 26 ماي1895 م وهناك من يقول سنة 1898 م الموافق لسنة 1316 هـ. توفي أبوه وعمره أربع سنين فكفله جده ثم عمّاه.[1]
بدأ تعليمه بأولاد مباركبالميلية تحت رعاية الشيخأحمد بن الطاهر مزهود حتى أتم حفظ القرآن ثم انتقل إلى مدينة ميلة وكانت آنذاك حاضرة علمية كبيرة فواصل تعليمه بها بجامع سيدي عزوز على يد الشيخ المعلم الميلي بن معنصر ولم يتجاوز عندها السن الثانية عشرة. يقول عن نفسه أنه ينحدر من أولاد مبارك بن حباس من الاثبج، العرب الهلاليين وهم من القبائل العربية القليلة في نواحي جيجل.
افكاره مميزة وهي ضد الشعوذة والخرافات. عانى من مرض السكري عام 1933 وتوفي عام 1945م.
عصره وبيئته
عاصر مبارك الميلي جو الاحتلال الفرنسي الذي مر على تواجده قرابة المائة سنة، كان يظن الفرنسيون أنهم تمكنوا من الجزائريين بقضائهم على الانتفاضات والثورات التي كانت تشتعل الواحدة تلو الأخرى، كان ذلك واضحا في احتفالات سنة 1930 بمناسبة مرور قرن على احتلاله الجزائر. اعتقد الاحتلال أن مستعمرة الجزائر دخلت فلك الحضارة الفرنسية من غير رجعة.
شرعت نخبة من الجزائريين آنذاك بفتح جبهة جديد في المقاومة السلمية السياسية وتبلورت أفكار هذا الجيل بتأسيسه أحزابا كنجم شمال إفريقيا أو حركة الأمير خالد حفيد الأمير عبد القادر أو جمعيات مختلفة كجمعية العلماء المسلمين، هدف كل هذه التنظيمات واحد وان اختلفت طرقها أولها الحفاظ على الهوية الجزائريةالإسلامية وثقافتها العربية، المتنوعة ضد المشروع الفرنسي الرامي لمحو كل ما هو إسلاميعربي في الجزائر وبشتى الطرق.
عودته إلى الجزائر وأعماله الإصلاحية
واصل الميلي دراسته أربع سنوات بمدرسة الشيخ محمد ابن معنصر الميلي بمدينة ميلة،
اتجه بعدها إلى مدينة قسنطينة عاصمة الشرق الجزائري إذ التحق بالجامع الأخضر ليتابع تعليمه على يد الإمام عبد الحميد بن باديس فكان من أنجب تلامذته، توجه بعد ذلك إلى جامعة الزيتونةبتونس وظل حتى تحصل على شهادة «العالمية» سنة 1924 م. ثم رجع إلى الجزائر سنة 1925
استقر في قسنطينة يدرِّسُ طلاب العِلم بمدرسة قرآنية عصرية التي كانت تقع بمحاذاة من جريدة الشهاب التي أسسها الشيخ ابن باديس، بحلول سنة 1927 وبدعوة من سكان مدينة الأغواط فكان له أن فتح مدرسة جديدة هدفها تعليم أبناء الجزائريين بمناهج عصرية.
متحررة من الطرقية المتخلفة التي دخلت عليها الشعوذة والخرافات السائدة في ذلك الوقت، أعجب سكان المدينة بمناهجه التجديدية الإصلاحية في التعليم، بدأ تأثيره يتنامى بين السكان حيث لاقى ترحيبا وتلهفا في الأخذ بأفكاره التي تدعو إلى إصلاح المجتمع والتحرر من قيود الشعوذة والخرافات السائدة بين أوساط أهل العلم في ذلك العصر وترك الطرق الصوفية التي أعتبرها عبئ لا تأتى بفوائد.
قام بتأسيس أول نادي لكرة القدم بالمدينة بالإضافة إلى جمعيات خيرية تهتم بالشباب، لم تغفل السلطات الفرنسية وبعض شيوخ الصوفية لنشاطاته التي شكلت إزعاجا لهم لدرجة أنها أمرته من مغادرة المدينة بعد سبع سنوات من إقامته بها،
توجه بعدها إلى مدينة بوسعادة بالجزائر لكنه لم يكد يبدأ نشاطه التوعوي حتى لاقى نفس المصير بالطرد من المدينة.
عاد بعدها إلى مدينة ميلة وأسس مسجدا للصلاة وكان يخطب فيه ويلقي دروسا فيه، ثم أسس جمعية إسلامية توسع نشاطها لحد إزعاج الاحتلال وحتى العلماء المرسمين من قبل فرنسا وتخوف الصوفيين.[1]
نشاطه في الصحافة
أبرز الشيخ مبارك الميلي نشاطا كبيرا بكتاباته خصوصا في مقالاته الصحفية التي نشرت في الصحف الجزائرية الناطقة بالغة العربية من بين بينها جريدة المنتقد،الشهاب، السنةوالبصائر التي كان قد استلم إدارتها من الشيخ الطيب العقبي عام 1935. تميز الميلي بأسلوبه القوى الواضح ذو النزعة المجددة المناهضة للأحوال المزرية للجزائريين، خصوصا في الجانب الديني، الاجتماعي
كتب كتابا في 1937 بعنوان رسالة الشرك ومظاهره
واصل ادارته بجريدة البصائر حتى منعها الاستعمار مع بداية الحرب العالمية الثانية في 1939
ساهم الشيخ مبارك الميلي في عام 1931 في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وانتخب من أول يوم عضوا في المكتب الإداري وأمينا للمالية. وعيّن في أكتوبر 1937 مديرا لمجلة البصائر خلفا للشيخ الطيب العقبي الذي استقال من إدارة جمعية العلماء وجريدتها.
انتدبته جمعية العلماء إلى الأغواط فبقي فيها سبع سنوات مدرسا في المسجد العتيق، ومشرفا على مدرسة الشبيبة، والتي تخرج منها طلبة سيلعبون فيما بعد دورا بارزا في الحركة الإصلاحية ومن أشهرهم: أبو بكر الأغواطي، أحمد بوزيد قصيبة وأحمد شطة.
وفي عام 1933، عاد الشيخ الميلي إلى (مسقط رأسه) بميلة ليواصل جهوده الإصلاحية في مجال التعليم والإرشاد.[2] وعندما توفي الشيخ عبد الحميد بن باديس في أبريل 1940، خلفه الشيخ مبارك الميلي في دروسه بجامع الأخضر بقسنطينة.
قام الشيخ مبارك الميلي بعدة رحلات عبر التراب الجزائري لتفقد شعب جمعية العلماء الجزائريين. وقد كتب عن بعض رحلاته في الشرق الجزائري في عام 1936. وسافر أيضا إلى فرنسا في سنة 1938 في مهمة علمية واستشفائية، والتقى خلالها برجال الإصلاح ومندوبي جمعية العلماء في فرنسا وعلى رأسهم سعيد صالحيوسعيد البيبانيومحمد الزاهي. (مسقط رأسه بسطارة ولاية جيجل وليس بميلة)
عانى الميلي من مرض السكري منذ عامِ 1933 واشتدَّ عليه المرض خصوصًا بعد وفاة شيخه ورفيق نضاله الإمام عبد الحميد ابن باديس إلى ان تُوُفِّيَ يومَ 9 فبراير (شباط) سنةَ 1945م في مدينةِ الميلة بعدما تم نقله في حالةٍ يُرْثَى لها بعد طلب منه شخصيًا.