دخل بايلك الشرق تحت الحكم العثماني إثر وقعة القطن بين ميلة وقسنطينة، حيث أن عثمانيين بونةوتونس دخلوا قسنطينة سنة 1555م والحال أنهم وجدوا بها منذ 1535م ولكن لا يعلم صفة ذلك وكيفية أو نوعية الفتح.[1]
بعد أن سيطر الأسبان على معظم المدن الساحلية الجزائرية عقب سقوط دولة الإسلام في الأندلس في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي واستجابة لدعوة الأهالي، قدم العثمانيون لمدينة قسنطينة سنة 1517م وقد وقفوا إلى جانب السكان لصد التحرشات الأوروبية، وكان لتواجدهم بقسنطينة الأثر الهام في تطويرها، إلى أن أصبحت عاصمة لبايلك الشرق.
اختلفت آراء المؤرخين حول زمن دخول قسنطينة تحت راية الأتراك وتباينة تبايناً جلياً وهو ما يؤكد أن النفوذ التركي بالمدينة استقر تدريجياً بين 1520مو1555م ونذكر من بين المؤرخين:[1]
ابن دينار: يقول أن قسنطينة لم تدخل تحت راية العثمانيين إلا بعد سقوط وانتهاء الحكم الحفصي بها أي حوالي 932 هـ.[1]
ابن العطار (مؤرخ قسنطينة): ذكر في كتابه تاريخ قسنطينة أن دخول الأتراك كان عام 925 هـ (1520 م) بعد أن هاجمها حسن قائد خير الدين باشا واحتلها ثم خرجت من يده إلى الحفصيين مرة أخرى وكان ممثلهم فيها سنة 1526/1527م ليستردها الترك في الأخير سنة 1534 م ليثبتوا حكمهم فيها.[1]
العنتري: في كتابه بايات قسنطينة ذكر أن قسنطينة دخلت تحت الحكم العثماني في عهد فرحات باي سنة 1052 هـ.[1]
عبد الرحمان بن محمد الجيلالي: يقول أنه من المحقق تاريخياً أن قسنطينة دخلت تحت الحكم العثماني إثر وقعة القطن بين ميلة وقسنطينة حيث أن أتراك بونةوتونس احتلوها سنة 1555م والحال أنهم وجدوا بها منذ 1535م ولكن لا يعلم صفة ذلك وكيفية الغزو أو نوعية الفتح والاحتلال.[1]
عاشت قسنطينة أوج ازدهارها في ظل حكم صالح باي الذي كان يشجع الحركات العلمية والمشاريع العمرانية وكان يسترشد بآراء العلماء، فأنشأ مدرسة الجامع الأخضر عام 1779م كما بنى المدرسة الكتانية بحي «سوق العصر» حاليا ويعود له الفضل في بناء بعض الجسور وشق الطرقات.
رغم أن دخول الحكم العثماني إلى قسنطينة كان بطريقة يمكن القول عنها سلمية حيث أنها كانت بطلب من السكان أنفسهم، لكن ذلك لم يمنع ظهور بعض الثورات الشعبية في وجه الأتراك مناديتاً بنزعهم من الحكم ووضعه في يد أبناء الجزائر الاصليين وأهمها:[1]
ثورة أحمد الصخري: سنة 1047 هـ في عهد مراد باي (1622 - 1647) نشبت هذه الثورة في المنطقة الممتدة بين الزاب وحدود تونس وحتى حدود السلطة المركزية بالجزائر فكادت تطيح بالنظام العثماني لأن مدتها طالت وأدت إلى سقوط عدد من الباشوات وعدد كبير من الأرواح وساد خلالها مدينة قسنطينة الفوضى.[1]
ثورة ابن الأحرش: وكان ذلك في فترة حكم عثمان باي (1803 - 1804) كان موطن هذه الثورة بين جيجلوالقلوميلة حيث استطاع ابن الأحرش ببلاغته اكتساب الأنصار والمؤيدين من مختلف القبائل (حوالي مئة ألف رجل) فتوجه بهم نحو قسنطينة مستغلاً غياب الباي عثمان عنها لكنه لم يفلح بل لاقى مقاومة شرسة تعرض على إثرها لجروح اضطرته للتراجع. عند بلوغ الخبر إلى الباي والذي كان بصدد جمع الضرائب لتسديد مستحقات البايلك تجاه الداي بالجزائر، عاد إلى قسنطينة ثم توجه لملاحقة ابن الأحرش حيث قتل بالمكان المسمى اخناق عليهم أما ابن الأحرش فتقول بعض المصادر أنه قتل على يد ابن الشريف الدرقاوي الذي رأى فيه منافساً خطيراً.[1]
منذ السنوات الأولى لحكم أحمد باي بن محمد الشريفلقسنطينة بدأت تحرشات الفرنسيين بالمدن الساحلية لبايلك الشرق والتي تمكنت خلالها من الاستيلاء على مدينة عنابة سنة 1832 م ثم بجاية بعد ذلك عام 1833 م لتبدأ فيما بعد بالتوسع ناحية المدن الداخلية تجاه قالمة التي سقطت عام 1837 م، فتمكنت بذلك فرنسا من قطع مدد السلطان العثماني إلى بايلك الشرق من الناحية البحرية والحيلولة دون وصول الذخيرة والأسلحة منه إلى قسنطينة.
للتضييق على أحمد باي في قسنطينة قامت فرنسا بالتحالف مع إبراهيم الكريتلي في عنابة وفرحات بن سعيد في الزيبان وهما من أكبر أعداء الباي، وتآمر الجنرال برتران كلوزيل مع باي تونس ضد الحاج أحمد باي.
تم تعزيز قوات كلوزيل بقوات آتية من كل من الجزائرووهرانوبجاية وجعل مدينة عنابة نقطة التقاءها ليصل قوامها إلى أكثر من 7000 عسكري. هاجم كلوزيل قسنطينة في 21 نوفمبر 1836 فيما أصبح يعرف بمعركة قسنطينة الأولى والتي لاقى فيها الفرنسيون مقاومة شرسة جعلتهم يخسرون المعركة بخسائر قدرها 453 قتيل و304 جريح.
بعد تلقّي القوات الفرنسية ضربات موجعة على يد الأمير عبد القادر اضطرت إلى عقد معاهدة تافنة مع الأمير لتتفرغ للجهة الشرقية وهو ما يؤكد عدم التنسيق بين الثورات الشعبية في الجزائر. قام الفرنسي دامريمون بحملة لاحتلال قسنطينة وفيها لقي مصرعه، فخلفه الجنرال فالي (بالفرنسية: Sylvain Charles Valée) على رأس الجيش الفرنسي، لكن عدم تكافؤ القوتين هذه المرة أضعف دفاعات المدينة وأدى إلى سقوطها.
شاوش الكرسي: هذا المنصب يقوم به اثنان يلازمان الباي ويحرسانه ويبلغان أوامره الشفهية إلى العامة وينفذان أحكامه بالإعدام.
قايد الدار: ووظيفته قريبة من وظيفة شيخ المدينة.
وظائف ثانوية أخرى منها: باش علام، باش طبال، وآغا الصبايحية وباش محلة
كان حكم قسنطينة مقسماً بين الأتراك وأهالي المدينة بعد الصلح الذي تم بينهم، فكان تصريف الوطن بينهم أثلاثاً، ثلث لابن علي شيخ العرب وثلث لشيخ نجع الحنانشة وثلث لحاكم الترك.
النظام الاجتماعي
كان النظام الطبقي من الناحية الاجتماعية سائداً ابان الحكم العثماني إذ يمكننا تمييز الطبقات الاجتماعية الخمسة التالية:
طبقة العثمانيون الأتراك: وتمثل قمة الهرم الاجتماعي، تمتلك السلطة والمناصب العليا في الدولة وقيادة الجيش.
طبقة الكراغلة أو الموالون: وهم من أمهات جزائريات وهم على عكس أبناء الأربيات والمسيحيات لا يسمح لهم الارتقاء إلى مصاف الفئة الأولى.
طبقة الحضر: وتشمل العائلات التي استوطنت المدينة منذ القدم بالإضافة إلى العائلات القادمة من تونسوبجايةوالأندلس ويشكل هذه الفئة العلماء والفقهاء والتجار وأصحاب الحرف والصنائع والكتاب والإداريين.
طبقة العمال: يأتون كل صباح للمدينة من الضواحي للعمل عند أهل المدينة في المخابز والحمامات والورشات والدكاكين ويغادرون مساءً.
طبقة الزنوج والأسرى المسيحيين يسخرون للأعمال اليدوية والفنية.
الديموغرافيا والسكان
كانت قسنطينة من أكبر الحواضر بأيالة الجزائر وعاصمة لبايلك الشرق، اختلف من وصفها في تحديد عدد سكانها فقد قال:
ديفونتين عنها في القرن الثامن عشر أنها آهلة بالسكان وأنها أكبر وأجمل من مدينة الجزائر.[5]
هيبوليت وهو ضابط بهيئة الأركان الفرنسية: قال أن عدد سكان المدينة (قسنطينة) في العهد التركي وقبيل الاحتلال الفرنسي يتراوح ما بين 25 و30 ألف من حضر ويهود وعرب.[6]
يمكن تقسيم سكان قسنطينة خصوصاً وبايلك الشرق عموماً اعتماداً على أصولهم العرقية إلى أربع مجموعات:
الأمازيغ: ويختلفون عن باقي سكان البايلك بلغتهم وعاداتهم وتقاليدهم.
الأعراب: يسكنون الخيم ويعيشون حياة البداوة وأغلب ثروتهم من الماشية وينقسمون إلى قسمين:
عرب: القبائل العربية البدوية التي تعيش في بايلك الشرق آنداك.
^Temimi Abdeljelil. Le drapeau constantinois à l'époque de Hadj Ahmed, dernier Bey de Constantine. In: Revue de l'Occident
musulman et de la Méditerranée, N°15-16, 1973. pp. 323-326. persee.frنسخة محفوظة 24 سبتمبر 2015 على موقع واي باك مشين.
^Charles -André Julien (1994). Histoire de l'Afrique du Nord. Grande Bibliothèque Payot. ISBN:2-228-88789-7. 677{{استشهاد بكتاب}}: الوسيط غير المعروف |sous-titre= تم تجاهله (مساعدة)
^الأشرف. مصطفى: الجزائر الأمة والمجتمع: ترجمة د/ حنفي بن عيسى. المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر 1983م ص 219.
^لعروق محمد الهادي: مدينة قسنطينة. ديوان المطبوعات الجامعية. 1984م. ص82.