الإصلاح الاقتصادي السوفييتي لعام 1965، ويسمى في بعض الأحيان إصلاح كوسيغين أو إصلاح ليبرمان، هو مجموعة من التغييرات المخطط لها في اقتصاد الاتحاد السوفييتي. كان محور هذه التغييرات هو إدخال الربحية والمبيعات ليكونا المؤشرين الرئيسيين لنجاح المؤسسة. تذهب بعض أرباح مؤسسة ما إلى ثلاثة صناديق تستخدم في مكافأة العمال وتوسيع العمليات؛ ويذهب معظمها إلى الميزانية المركزية.
أدخل أليكسي كوسيغين- الذي كان قد أصبح للتو رئيسًا للاتحاد السوفييتي بعد إزالة نيكيتا خروتشوف- الإصلاحات سياسيًا وصادقت عليها اللجنة المركزية في سبتمبر عام 1965. عكست هذه الإصلاحات بعضًا من الرغبات الدفينة للمخططين الاقتصاديين ذوي التوجهات الرياضية، وكانت بداية التحول لزيادة اللامركزية في عملية التخطيط الاقتصادي.
خلفية
أدخلت السياسة الاقتصادية الجديدة، تحت قيادة لينين، مفاهيم الربحية والحوافز واستخدمتها لتنظيم الاقتصاد السوفييتي. نقل ستالين هذه السياسة بسرعة من خلال التنظيم الجماعي للمزارع وتأميم الصناعة، وكان ذلك نتيجة لتسريع التخطيط المركزي مثلما يتضح في «الخطط الخمسية». استخدم الاتحاد السوفييتي نظامًا مركزيًا لإدارة اقتصاده منذ نحو عام 1930. خلقت البيروقراطية الفردية خططًا اقتصادية في هذا النظام، حيث خصصت وظائف للعمال، وحددت الأجور وفرضت توزيع الموارد، وأسست مستويات التجارة مع البلدان الأخرى وخططت لمسار التقدم التكنولوجي. ثُبتت أسعار البيع بالتجزئة للسلع الاستهلاكية عند مستويات تهدف إلى تنظيف (إخلاء) السوق. ثُبتت أيضًا أسعار السلع بالجملة، لكن ذلك كان يخدم المهمة المحاسبية أكثر من خدمته لآلية السوق. دفعت المزارع الجماعية أيضًا أسعار محددة مركزيًا مقابل الإمدادات التي تحتاجها، وعلى عكس القطاعات الأخرى تلقى عمالهم أجورًا تعتمد مباشرة على ربحية الاستثمار.[1][2]
على الرغم من أن المؤسسات السوفييتية كانت محكومة نظريًا بمبدأ «المحاسبة»- والذي يتطلب منهم تلبية توقعات المخططين فيما يتعلق بنظام الأسعار المحددة للمدخلات والنتائج- فإنه لم يكن لديهم سيطرة تذكر على القرارات الكبرى التي تؤثر على عملهم. كان يقع على عاتق المديرين مسؤولية التخطيط للإنتاج الإجمالي المستقبلي، وهو ما قللوا من شأنه كي يتجاوزا التوقعات لاحقًا. تلقى المدراء مكافآت على وجود فائض في المنتج بغض النظر إن كان هذا الإنتاج بطريقة فعالة من حيث التكلفة أم كانت مؤسستهم ربحية بشكل عام. كانت المكافآت على النتائج تساوي تقريبًا «رواتب المدراء الأساسية». حفز النظام أيضًا الزيادات غير المجدية في حجم ووزن وتكلفة مخرجات الإنتاج، ذلك لمجرد أن يُنتج المزيد.[3][4][5]
ظهور المخططين الأمثلين
ظهرت الإصلاحات الاقتصادية خلال فترة مناقشات أيديولوجية كبيرة حول التخطيط الاقتصادي. كانت تعتبر وجهات النظر الرياضية و«السيبرانية» في البداية انحرافًا عن الاقتصاديات الماركسية التقليدية، التي اعتبرت أن قيمة السلعة تُستمد من العمل المطلوب لإنتاجها فقط. وصف هذا المبدأ، الذي شرحت عنه عدة كتب مثل كتاب ستالين لعام 1952 الذي حمل عنوان «مشاكل الاشتراكية الاقتصادية في الاتحاد السوفييتي»، نظام الأسعار بأنه من بقايا الرأسمالية والتي ستختفي في النهاية من المجتمع الشيوعي.[6]
مع ذلك، منحت الاقتصادات المحوسبة كبار المخططين دورًا هامًا، حتى عندما كان يتم تعليم الاقتصاد السياسي اللينيني الماركسي التقليدي في معظم المدارس ويروج للاستهلاك العام. انعكس التأثير المتزايد للتخطيط الإحصائي في الاقتصاد السوفييتي من خلال إنشاء المعهد المركزي للاقتصاد الرياضي (تي إس إي إم آي) بإدارة فاسيلي سيرغيفيتش نيمتشينوف. حصل نيمتشينوف إلى جانب مخترع البرمجة الخطيةليونيد كانتروفيتش والمحلل الاستثماري فيكتور فالنتينوفيتش نوفوزيلوف على جائزة لينين في عام 1965. احتدمت المعركة بين التخطيط «المثالي» والتخطيط التقليدي طوال ستينيات القرن العشرين.[7][8][9][10][11]
ركز اتجاه آخر في التخطيط الاقتصادي على «القيمة المعيارية للمعالجة»، أو على أهمية الاحتياجات والرغبات في تقييم قيمة الإنتاج.[12]
كوسيغين وبريزنيف بدلًا من خروتشوف
أصبحت التغييرات الرئيسية ممكنة في أنحاء العالم السوفييتي في عام 1964 مع الإطاحة بنيكيتا خروتشوف وصعود اليكسي كوسيغين وليونيد بريزنيف. كانت السياسة الاقتصادية مجالًا مهمًا للنقد الرجعي المناهض لخروتشوف في الصحافة السوفييتية. كان لهذا الميل الاقتصادي الإصلاحي في الاتحاد السوفييتي نتائج منطقية ولقي بعض الدعم المتبادل من أوروبا الشرقية.[13][14][15][16]
انتقد كوسيغين عدم فعالية الاقتصاد السياسي وجموده تحت إدارة القيادة السابقة. قدم خطةً، تتضمن أفكارًا طرحها ليبرمان نيمتشينوف، في جلسة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في سبتمبر عام 1965. يمثل قبول اللجنة المركزية لخطة الإصلاح حدثًا مهمًا في تحول هذه الأفكار من النظرية إلى التطبيق.[17][18][19]
الأساس المنطقي
وفقًا للمنطق الرسمي للإصلاح، فإن التعقيد المتزايد للعلاقات الاقتصادية حدّ من فعالية التخطيط الاقتصادي وبالتالي خفض من النمو الاقتصادي. كان من الأمور المسلم بها أن نظام للتخطيط الموجود لم يحفز المؤسسات على بلوغ أهداف عالية أو إدخال ابتكارات تقنية وتنظيمية.[20]
طرحت الصحف، مع زيادة حرية الانحراف عن عقيدة الحزب علنًا، مقترحات جديدة للاقتصاد السوفييتي. نشر مهندس الطائرات أو.أنتونوف مقالًا في صحيفة إزفيستيا بتاريخ 22 نوفمبر، 1961، بعنوان «لنفسك وللجميع» - ينادي بمزيد من السلطة لمديري المؤسسات.[21]
جاء الأساس المنطقي الاقتصادي للإصلاح، والذي انتشر على نطاق واسع، من خلال إيفسي ليبرمان من معهد خاركوف للهندسة والاقتصاد. نُشر مقال كتبه ليبرمان عن هذا الموضوع بعنوان «الخطط، والأرباح والمكافآت» في صحيفة برافادا في سبتمبر عام 1962. ناقش ليبرمان، متأثرًا «بالمحسنين» الاقتصاديين، إعادة إدخال الربحية كمؤشر اقتصادي أساسي. طرح ليبرمان فكرة أن المصلحة الاجتماعية يمكن أن تتقدم من خلال الإعداد الدقيق لعناصر الاقتصاد الجزئي: «ما هو مربح للمجتمع يجب أن يكون مربحًا لكل المؤسسات».[13][22][23][24]
انتُقدت هذه المقترحات وكانت مثيرة للجدل خاصة باعتبارها تراجعًا نحو نظام اقتصادي رأسمالي. زعم المنتقدون أيضًا أن الاعتماد على الربحية من شأنه أن يضعف النسب التي يتم إنتاجها من سلع مختلفة.[25][26]
دافع في. ترابزينوف عن موقف مشابه لموقف ليبرمان في صحيفة برافادا في أغسطس من عام 1964، وكتب عن ذلك:
«حان الوقت لتجاهل الأشكال البالية من الإدارة الاقتصادية المرتكزة على القواعد التعليمية، والانتقال إلى نوع أبسط وأقل تكلفة وأكثر فعالية للتحكم بنشاطات المؤسسات. يجب أن يُصمم هذا التحكم بحيث يجد موظفو المؤسسة أنه من المربح اقتصاديًا تنظيم ذلك العمل وفق خطوط مربحة للاقتصاد الوطني أيضًا».[27]
قال ترابزينيكوف، على عكس ليبرمان في عام 1962، أن صانعي القرار في الحزب تبنوا الحاجة للإصلاح وكان على وشك أن يتحول إلى حقيقة. في الشهر التالي، نشرت صحيفة برافدا ست مقالات أخرى كتبها أكاديميون ومخططون ومدراء يدعون إلى الإصلاح. كان آخرها من ليبرمان وكان النقد هذه المرة خافتًا.[27]
بدأت العديد من التجارب الاقتصادية لاختبار مقترحات ليبرمان. بدأت هذه الاختبارات في عام 1964 بسياسات جديدة كما في مصنعي الملابس: بلشيفيشكا في موسكو والماياك في غوركي. عندما أثبتت التجارب في مصانع الملابس نجاحها بشكل كبير، توسعت التجربة لتشمل نحو 400 مؤسسة أخرى، معظمها في المدن الكبرى. تضمنت إحدى التجارب في لفيف منجم فحم ومصانع تنتج الملابس والأحذية ومعدات رفع الأثقال. قيل إن منجم الفحم بالتحديد أصبح مربحًا أكثر بعد الانتقال إلى نظام المكافآت ونظام اتخاذ قرارات أكثر استقلالية. من ناحية ثانية، واجهت بعض المصانع التجريبية مشاكل بسبب عدم موثوقية الموردين الذي استمروا بالعمل وفق النظام القديم. واجه مصنع الماياك مشكلة في محاولته تنفيذ الإصلاحات التجريبية المعتمدة مركزيًا، في الحين الذي كان يتلقى فيه أوامر متناقضة من المجلس المحلي للمنطقة.[28][29][30][31][32]
^Katz, Economic Reform (1972), p. 155. "The old-style director who was good at obtaining materials in short supply and fighting successfully with the authorities to get a low 'val' plan that he could comfortably overfill was lost in the new circumstances, and there was a serious problem of psychological reorientation."
^Tubis, Decision-Making in the Soviet Economic Bureaucracy (1973), pp. 22–27. "The amount of premia was determined on the basis of the fulfillment of the norms for each plan index, and a certain rate was established for fulfillment and higher rates for overfulfillment of each norm. Since gross output was considered the most important index by the leadership, it carried with it the highest rates. The manipulation of these bonuses was very important because management personnel oriented production to get the most favorable sums, especially since the premia often amounted to a sum equal to the manager's regular salary. Moreover, whereas bonuses for workers and lower management personnel, e.g., a shop chief, were paid out of the enterprise fund made up of a part of the enterprise profit, the bonuses of the managerial personnel were, for the most part, paid out of the State budget. Thus, the premia of the manager and his staff came from fulfilling the production plan regardless of how the enterprise did financially."
^Ellman, Soviet Planning Today (1971), p. 30. "In Economic Problems of Socialism in the USSR (1952) Stalin repeated the familiar Maxist–Leninist argument that price-market relationships in a socialist economy are a relic of capitalism, the persistence of which in a socialist economy is due to the existence side by side with the socialist sector of a cooperative sector (the collective farms), and that these price-market relationships are destined to wither away under communism."
^Ellman, Soviet Planning Today (1971), p. 11. "Political economy is discussed in the press, lectures are given on it in the factories, and it is taught to students throughout the higher educational system. Economic cybernetics is a specialized academic discipline which is taught to future planners."
^Feiwel, Quest for Economic Efficiency (1972), p. 199. "The mathematical school represents a major breakthrough in the approach to price formation and resource allocation, even though its exponents--to a larger or smaller degree--are cautious in advocating an immediate radical overhaul of the present system."
^Feiwel, Quest for Economic Efficiency (1972), pp. 197–198. "The impact of the mathematical economists is evident from the growing recognition and honors bestowed on them. In 1964 Kantorovich was promoted to the rank of Academician, and in 1965 the Lenin Prize was awarded to Kantorovich, Nemchinov, and Novozhilov for their pioneering work in planometrics. Even though, as can be expected, there were discordant voices among the economic fraternity, the mathematical school is gaining respectability by claiming the Soviet priority in input-output and linear programming."
^Katz, Economic Reform (1972), p. 105. "It was clear from the context of the articles that economic policy was a major, if not the major, area for condemnation of the deposed leader, and the three major subdivisions of the criticism were the issue of resource allocations, the successive reorganizations, and the mess in agriculture."
^Feiwel, Quest for Economic Efficiency (1972), p. 256. "Undoubtedly one of the major reasons for Khrushchev's ouster on October 15, 1964, was the state of the economy and his erratic handling of the situation."
^Katz, Economic Reform (1972), p. 123. "Throughout this period, there were numerous published reports concerning other Eastern European reforms in the Soviet press and journals, which undoubtedly served the purpose of propagandizing and stimulating the reform movement. [...] In addition to publicizing their efforts at reform, the Soviet leaders were actively engaged in discussion with the Eastern European regimes and actually had something to learn from their junior partners in the matter of reform."
^Feiwel, Quest for Economic Efficiency (1972), p. 257. "In his report of December 9, 1969, to the Supreme Soviet, Kosygin assaulted the inefficiency of the planning system. He welt on the misuse of investment resources, the protracted construction periods and underestimated costs [...]. He condemned the enterprise's unwillingness and inertia in introducing technical progress and accentuated the inferior output quality. He pointed to the endless links in the chain of command, the superimposition of strata in administration, the muddle created by duplication of work in many agencies, and the ever-growing mutual coordination, often responsible for delaying solutions to arising problems."
^Tubis, Decision-Making in the Soviet Economic Bureaucracy (1973), p. 110. "The September, 1965 plenum thus acts as a bridge between the reform debate of 1962–1965 and the actual instillation of the reform in the Soviet economy. In the case of the former, the Plenum represents the culmination of the debate with the Soviet leadership announcing which of the ideas and proposals of the reformers it found to be the most valid and compelling; in the case of the latter, the Plenum laid out the path which the infusion of reform proposals was to take."
^Protocol of the 22nd Congress of the CPSU, Moscow 1961
^Katz, Economic Reform (1972), p. 71. "In March, for example, Kommunist, No. 5, carried a major article by Nemchinov, the venerable mathematical economist, who, it is believed, from his powerful academic position, personally picked Liberman to spark the second phase of the discussion."
^Tubis, Decision-Making in the Soviet Economic Bureaucracy (1973), pp. 1, 81–85.
^Katz, Economic Reform (1972), p. 67. "Thus, despite Liberman's assurances that price formation would be in the hands of the state and although he appeared to suggest a manipulative approach to price policy, the conservative critics were quick to point out that Liberman's proposals 'lead to the conclusion that the methodological basis of price formation in a planned socialist economy should be the prices of production, which is characteristic of the capitalist system of economy.'"
^Tubis, Decision-Making in the Soviet Economic Bureaucracy (1973), pp. 87–88.
^ ابTubis, Decision-Making in the Soviet Economic Bureaucracy (1973), pp. 91–92.
^Feiwel, Quest for Economic Efficiency (1972), p. 237.
^Feiwel, Quest for Economic Efficiency (1972), p. 242.
^Tubis, Decision-Making in the Soviet Economic Bureaucracy (1973), pp. 93–94.
^Tubis, Decision-Making in the Soviet Economic Bureaucracy (1973), p. 95. "More ominous was 'the widespread opposition of the regional sovnarkhoz officials who refused to recognize the special status of the experimenting plants and continued to issue orders, instructions, and plans as usual.' Despite the right of enterprises working under the special provisions of the reform, sovnarkhoz officials would arbitrarily change plan assignments or redirect the delivery of output. The Maiak plant particularly suffered this; at one point, Maiak's manager was threatened with punishment if he did not cancel his contracts with retailers and produce what the sovnarkhoz ordered, as if the reform never existed. At other times, the sovnarkhoz would put through an 'emergency' request to fill local orders."