في الوقت الذي شرعت فيه الممالك المسيحية الغربية في عصر الاستكشاف، كان للعالم الإسلامي بالفعل تقليد طويل من التبادلات العابرة للقارات من المغرب العربي إلى أرخبيل الملايو. لم يكن العثمانيون بحاجة للبحث عن طرق جديدة عبر المحيط الأطلسي للوصول إلى تجارة التوابل في جنوب آسيا. حتى بداية القرن السادس عشر، لم يكن لدى العثمانيين معرفة مباشرة بالمحيط الهندي، الذي يقع خارج أفقهم السياسي[3]؛ تغير هذا المنظور مع غزو سليم الأول، في عام 1517، لسلطنة المماليك في مصر.[4][3] ومع ذلك، وجد العثمانيون أنفسهم في المحيط الهندي أمام قوة بحرية جديدة: الإمبراطورية الاستعمارية البرتغالية. اكتشف البرتغاليون جزيرة سقطرى والساحل الجنوبي للجزيرة العربية في عام 1503 وسواحل الهند في عام 1505والخليج العربي في عام 1507. أراد البرتغاليون إنشاء مراكز تجارية دائمة ولكن أيضًا لتدمير شبكة التجارة الإسلامية في جنوب آسيا؛ حيث كانوا يرون أنفسهم «صليبيين في صراع دائم ضد الإسلام». في عام 1509، انتصروا في معركة ديو البحرية في ولاية غوجارات ضد الدولة العثمانية.[5] في عام 1513، حاولوا لأول مرة، ولكن دون جدوى، الاستيلاء على عدن.
هذا في حين لم تستطع الدولة المملوكية من السيطرة على اليمن. على العكس من ذلك، كان من الصعب دائمًا إخضاع اليمن والحفاظ عليه، وذلك بفضل بُعدها عن مصر وثروة منتجاتها وازدهار تجارتها، كما كانت تتحدى سابقًا السلطنة المملوكية تحدت فيما بعد الدولة العثمانية.[6]
في عام 1514، قبل الفتح العثماني بفترة وجيزة، أرسل السلطان المملوكي قانصوه الغوري سفارة للمطالبة باستسلام اليمن ثم أمر بحملة استكشافية للغزو. وصل الأسطول المملوكي بقيادة سلمان ريس إلى كمران وأستولى على أسطول عدن.[7] في عام 1517، استولت قوة استكشافية بقيادة حسين الكردي على زبيدوالحديدة. وقتل المماليك الأمير الطاهري.[8][7]
لم يدم الانتصار المملوكي طويلاً، بعد شهر واحد من إسقاطهم الطاهريين، احتلت الإمبراطورية العثمانيةمصر وشنقت طومان باي آخر سلاطين المماليك في القاهرة. تحالف السلطان الطاهري عامر بن داوود مع البرتغاليين فعزم العثمانيون السيطرة على اليمن لكسر الاحتكار البرتغالي لتجارة التوابل.[9] بالإضافة لقلقهم من سقوط اليمن بيد البرتغاليين.[10] وبقيت للطاهريين السيطرة على عدن حتى عام 1539 عندما سقطت بيد العثمانيين لتبدأ معها الفترة العثمانية الأولى.
غطت الإيالة العثمانية، في أكبر امتداد لها، اليمن الحالي تقريبًا باستثناء المناطق الشرقية (حضرموت).[13]
كان من الصعب إخضاع المناطق الداخلية للبلاد فبالإضافة إلى بُعد الإيالة عن حاضرة العثمانيين والتضاريس الجبلية، ينتمي سكان المرتفعات بشكل أساسي إلى الزيدية، الذين لا يعترفون بسلطة السلطان العثماني.[13] نتيجة لذلك قامت سلسلة من الثورات ضد العثمانيين. اندلعت أولى الثورات في عام 1566، بقيادة الإمام المطهر بن يحيى شرف الدين، وتم قمعها عام 1572 من قبل سنان باشا على رأس قوة قوامها 10,000 رجل.[14]
وجّه سنان باشا، الذي أصبح الصدر الأعظم في تسعينيات القرن التاسع عشر، المؤرخ رمزي مصطفى بكتابة وصف لهذه الحملة، «تاريخ فتح اليمن»، في 669 صحيفة و89 منمنمة، مما يجعلها واحدة من أغنى المخطوطات المزخرفة في هذه الفترة.[15]
التوسع
تم تعيين حسن باشا حاكماً عام 1580، واستكمل غزو شمال البلاد. بسط سلطته على صعدةونجران ونفى الإمام الحسن بن علي بن داود إلى القسطنطينية. حيث عزز الضرائب وعمم الإلتزام (الزراعة الضريبية)، مما أدى إلى ثورة شعبية في 1596-1597. بنى حسن باشا مسجد البكيرية بصنعاء، واكتمل بناؤه عام 1597.[7]
في عام 1597، بُويع القاسم بن محمد إماما في جبل قره بالقرب من صعدة، وأطلق ثورة جديدة ضد العثمانيين. حشد مؤيديه إلى جبل الأهنوم وفي عام 1598 طارد الحامية العثمانية من عمران. في نهاية العام، طُرد العثمانيون من المرتفعات ولم يبقى بيدهم إلا صنعاء وصعدة؛ في يناير 1599، هبط علي الجزائري باشا، حاكم إيالة الحبشة، مع جيشه لإخماد الثورة. تراجع الإمام مرة أخرى إلى جبل الأهنوم، لكن علي الجزائري باشا قُتل في أغسطس 1600. ومع ذلك، احتفظ العثمانيون بالسيطرة على الساحل وموانئ المخا وعدن والحديدةواللحية التي جلبت لهم عائدات ضريبية كبيرة في 1599-1600.[7]
في عام 1608، وقع الحاكم جعفر باشا هدنة لمدة 10 سنوات مع الإمام المنصور القاسم وحاول التقارب العقائدي مع الزيديين. بين عامي 1610و1614 حاول الإنجليز ثم الهولنديون تثبيت أنفسهم على الساحل اليمني؛ أسس الهولنديون مركزًا تجاريًا صغيرًا في الشحر في حضرموت. في عام 1618، حصل الإنجليز والهولنديون على حق التجارة في موانئ اليمن.[7]
توفي المنصور القاسم عام 1620. وخلفه ابنه المؤيد محمد الذي واصل الحرب في أكتوبر 1626. حوصرت الحامية العثمانية في صنعاء وكل المناطق الداخلية للبلاد، من أبو عريشوتعز إلى أبينولحجوعدن. تخلي العثمانيون صنعاء عام 1629 وتراجعوا نحو زبيد.[7] لم يحتفظوا إلا بميناء المخا فقط، وانتهى بهم الأمر بالتخلي عنه عام 1636.[14] وبسط القاسميون سيادتهم على كل البلاد؛ وأقاموا بنية دولة مستوحاة من الضرائب والجيش العثماني.[16]
زراعة القهوة
خلال الفترة العثمانية والقاسمية، شهدت اليمن تطورًا كبيرًا في زراعة البن. تأتي الشهادات الأولى عن شرب القهوة من الصوفيين في اليمن الذين استخدموها منذ منتصف القرن الخامس عشر للبقاء مستيقظين أثناء صلاة الليل. انتشرت القهوة في جميع أنحاء الإمبراطورية العثمانية، ثم في الدول الأوروبية. تم افتتاح «مقهيين» في القسطنطينية عام 1544. وأصبحت تجارة كبيرة بين اليمنومصر، ومنذ عشرينيات القرن السادس عشر، جاء الهولنديون لشرائها مباشرة من المخا. لم يفقد اليمن احتكار زراعة البن حتى القرن الثامن عشر حيث شهد منافسة لأول مرة من المستعمرات الأوروبية.[17]
الفترة الثانية (1849-1872)
في عام 1849، هبط العثمانيون مرة أخرى في اليمن. واحتلوا الحديدة في أبريل، وصنعاء في يوليو، لكن قيام ثورة في صنعاء اجبرت القوات العثمانية على الانسحاب من المدينة.[18]
منذ التنظيمات العثمانية في أربعينيات القرن التاسع عشر، سعت الدولة العثمانية إلى تحديث وترشيد إدارتها، وتنظيم جباية الضرائب، ورسم الخرائط والأرقام المساحية، وبناء الطرق وغيرها من الأشغال العامة. تظهر هذه الأهداف في المراسيم الصادرة في عامي 1864و1871 بشأن إدارة المقاطعات.[19] في عام 1872، طلب أعيان صنعاء، غير الراضين عما يعتبرونه عدم كفاءة الأمير الزيدي، من العثمانيين التدخل، وهو ما انطوى على احتلال كامل للبلاد وإقامة ولاية اليمن.[20] شاهد يمني معاصر، ومؤلف كتاب «حوليات يمانية» المجهول، يشير بأسف أن الإمام المحسن بن أحمد لم يكن قادرًا إلا على حشد بضع مئات من الرجال للدفاع عن استقلال البلاد.[21] حولت الإدارة العثمانية الجديدة في صنعاء القلعة إلى معسكر بالكامل، وصودرت العديد من المباني التي لصالح الجيش وتم إعادة ترميم مسجد البكيرية.[22] ومع ذلك، لم يتم إدخال مبادئ التنظيمات في اليمن إلا بحذر.[23]
قدم افتتاح قناة السويس في عام 1869 رابطًا بحريًا مباشرًا بين اسطنبول واليمن وزاد من أهمية عدن كمخزن للفحم للملاحة البخارية. في عام 1873، عارض العثمانيون والبريطانيون الاشتباكات في منطقة الحجرية الحدودية بين تعز وعدن، مما دفع البريطانيين إلى الشروع في ترسيم الحدود والسعي لتحالف الإمارات القبلية الصغيرة التي ستصبح محمية عدن.[24]
^ ابGiancarlo Casale, The Ottoman Age of Exploration, Oxford University Press, 2010, ص. 4-8
.
^Selon Giancarlo Casale. Plusieurs auteurs font remarquer que le titre de « خليفة » n'est revendiqué par le sultan ottoman qu'à partir du en le faisant fictivement remonter à la succession des الدولة العباسية d'Égypte. Voir Hayri Gökşin Özkoray, Casale Giancarlo, The Ottoman Age of Exploration, IFAO, BCAI 29 (2017) [1]نسخة محفوظة 1 يناير 2022 على موقع واي باك مشين.
^A.H. de Oliveira Marques, Histoire du Portugal et de son empire colonial, Karthala, 1998, ص. 166-171
.
^Joseph von Hammer-Purgstall, Histoire de l'Empire ottoman, depuis son origine jusqu'à nos jours, Volume 6, ص. 353-354
.
^Joseph von Hammer-Purgstall, Histoire de l'Empire ottoman, depuis son origine jusqu'à nos jours, Volume 6, ص. 356-357
.
^Halil İnalcık, Donald Quataertn An Economic and Social History of the Ottoman Empire, 1300-1914 p.326 Cambridge University Press, 1994 ISBN 0521343151
^Muḥammad ibn Aḥmad Nahrawālī (2002). Lightning Over Yemen: A History of the Ottoman Campaign in Yemen, 1569-71. OI.B.Tauris. p. 2. ISBN 1-86064-836-3.
^Joseph von Hammer-Purgstall, Histoire de l'Empire ottoman, depuis son origine jusqu'à nos jours, Volume 6, ص. 360-361
.
^Eric Macro, Yemen and the Western World, Since 1571, Praeger, 1968, ص. 2
.
^ ابGabor Agoston, Bruce Alan Masters, Encyclopedia of the Ottoman Empire, Facts on File, 2009, ص. 602-603
.
^ ابNancy Um, in Eric Tagliacozzo (dir.), Asia Inside Out, Harvard University, 2015, ص. 114-115
.
^Emine Fetvaci, Picturing History at the Ottoman Court , Indiana University, 2013, ch. « Koca Sinan Pasha ».
^Nancy Um, in Eric Tagliacozzo (dir.), Asia Inside Out, Harvard University, 2015, ص. 115-116
.
^André Raymond, « Le café du Yémen et l'Égypte (XVIIe - XVIIIe siècles) », Chroniques yéménites, 3 | 1995.
^Abdul Yaccob, "Yemeni opposition to Ottoman rule: an overview". Proceedings of the Seminar for Arabian Studies, vol. 42, ص. 411–419
, 2012.
^Thomas Kühn, Empire, Islam, and Politics of Difference: Ottoman Rule in Yemen, 1849-1919, Brill, 2011, ص. 58
.
^Faruk Bilici, Le Canal de Suez et l'Empire ottoman, CNRS, 2019.
^Thomas Kühn, Empire, Islam, and Politics of Difference: Ottoman Rule in Yemen, 1849-1919, Brill, 2011, ص. 79
.
^Thomas Kühn, Empire, Islam, and Politics of Difference: Ottoman Rule in Yemen, 1849-1919, Brill, 2011, ص. 80
-83.