أحد سمات مسيرة ألبرت أينشتاين العملية هو استخدام التجارب الفكرية البصرية (باللغة الألمانية: Gedankenexperiment[1]) كأداة رئيسية لفهم القضايا الفيزيائية لتوضيح مفاهمه للآخرين. أخذت تجارب أينشتاين الفكرية أشكالا متعددة. في شبابه، طارد أينشتاين عقليا أشعة الضوء. في النسبية الخاصة، استخدم قطارات متحركة وومضات من البرق لوصف أحد أهم تبصراته على الإطلاق. في النسبية العامة، افترض أينشتاين وجود شخص يسقط من على سطح مبنى، ومصاعد متسارعة، وخنافس عمياء تزحف على أسطح ملتوية. في جداله مع نيلز بور حول طبيعة الواقع، افترض وجود أجهزة خيالية تهدف إلى إظهار –نظريا على الأقل- كيف يمكن تجنب مبدأ الريبة أو عدم التأكد لهايزنبيرج. في مساهمة ثرية لأدب ميكانيكا الكم، افترض أينشتاين وجود جزيئين يتفاعلان معا لفترة قصيرة ثم يطيران بعيدا بحيث تظل العلاقة بينهما مرتبطة، متوقعا الظاهرة المعروفة باسم التشابك الكمي.
التجربة الفكرية هي جدال منطقي أو نموذج عقلي داخل سياق سيناريو تخيلي (افتراضي أو حتى غير واقعي). التجربة الفكرية العقلية على وجه الخصوص قد تختبر تضمينات نظرية أو قانون أو مجموعة من المبادئ بمساعدة محددات تخيلية و/أو طبيعية (شياطين تنظم الجزيئات، أو قطط تتعلق حيواتها بالتحلل الإشعاعي، أو رجال في مصاعد مغلقة) في بيئة مثالية (أبواب بدون كتلة، أو في غياب الاحتكاك). تصف التجارب الفكرية العلمية تجارب قد يمكن تأديتها في العالم الحقيقي (ما عدا بعض التجارب المحددة).[2]
على النقيض من التجارب الفيزيائية، لا تقدم التجارب الفكرية بيانات تجريبية جديدة، ولكنها تقدم استنتاجات مبنية على الاستدلال الاستنتاجي أو الاستقرائي من الافتراضات المبدئية. تعتمد التجارب الفكرية على محددات لا علاقة لها بعموم الاستنتاجات. يمكن دائما تشكيل التجربة الفكرية في صورة حجة مباشرة بدون المحددات الغير مرتبطة. لاحظ جون نورتون –أحد فلاسفة العلم المشاهير- أن «التجربة الفكرية الجيدة هي حجة جيدة، والتجربة الفكرية السيئة هي حجة سيئة».[3]
عندما تُستخدم التجربة الفكرية بصورة فعالة، فإن المحددات غير المرتبطة تحوّل الحجج المباشرة إلى تجربة فكرية يمكن أن تتصرف كمضخات نوايا يمكنها تحفيز قدرة القارئ على تطبيق نواياه على فهمه الخاص للسيناريو. للتجارب الفكرية تاريخ طويل. ربما الأشهر في تاريخ العلم الحديث هو توضيح غاليليو غاليلي بأن الأجسام الساقطة بشكل حر تسقط بمعدل متساو بغض النظر عن كتلتها.[4] تم اعتبار هذه التجربة أحيانا كتجربة فيزيائية فعلية، بما في ذلك تسلقه لبرج بيزا المائل وإسقاط وزنين مختلفين. في الواقع، فقد كانت تجربة فكرية وصفها غاليليو في كتابه Discorsi e dimostrazioni matematiche.[5]
كان لأينشتاين فهم بصري عميق للفيزياء، إذ حفزته أعماله في المكتب بأن يرى ملابسات الفيزياء للمفاهيم النظرية. ألهمته هذه الجوانب المختلفة من أسلوب التفكير إلى أن يملأ أوراقه بتفاصيل عملية حية مما جعلها مختلفة تماما عن –مثلا- أوراق هندريك أنتون لورنتس أو جيمس كليرك ماكسويل. تضمن هذا أيضا استخدام تجاربه الفكرية.
النسبية الخاصة
تعقب شعاع الضوء
في آخر حياته، استذكر أينشتاين قائلا:
«...وهي مفارقة كنت قد بدأت التعامل معها في عمر الستة عشر: إذا تتبعت شعاعا من الضوء بسرعة س (سرعة الضوء في الفراغ)، من المفترض أن أرى مثل هذا الشعاع في صورة مجال كهرومغناطيسي ثابت على الرغم من تذبذبه مكانيا. إلا أنه يبدو أنه لا يحدث شيء كهذا، لا بناء على التجارب ولا طبقا لمعادلات ماكسويل. من البداية بدا واضحا لي داخليا أن –حكما من نقطة هذا الراصد- كل شيء لا بد أن يحدث طبقا لنفس القوانين بالنسبة لراصد ثابت بالنسبة لكوكب الأرض. إذ كيف للراصد الأول أن يعرف أن يتمكن من تحديد كونه في حالة حركة منتظمة؟ يرى المرء في هذه المفارقة أساس نظرية النسبية الخاصة.[p 1]»
المغناطيس والموصل
أول فقرة على الإطلاق تذكر عمل أينشتاين الإبداعي في 1905 عن النسبية الخاصة كتب فيها:
«من المعروف تماما أن الديناميكية الكهربية –كما نفهمها في الحاضر- عند تطبيقها على الأجسام المتحركة، تؤدي إلى عدم تناسق يبدو وكأنه لا يرتبط بالظاهرة. دعنا نتذكر على سبيل المثال تفاعلات الديناميكية الكهربية بين المغناطيس والموصل. تعتمد الظاهرة المرصودة هنا فقط على السرعة النسبية للموصل والمغناطيس، بينما طبقا للتصور الاعتيادي للحالتين في حالة حركة الجسيمين أو حركة أحدهما يمكن تمييزهما بدقة من بعضهما البعض. لأنه إن كان المغناطيس متحركا والموصل ثابت، ينشأ حول المغناطيس مجال كهربي يحمل قيمة ما من الطاقة وينتج تيارا في الأماكن التي يتواجد فيها أجزاء من الموصل. ولكن إذا كات المغناطيس ثابتا والموصل متحرك، لن ينتج أي مجال كهربي حول المغناطيس، بينما تظهر قوة دافعة كهربية في الموصل والتي لا تستجيب لأي طاقة أخرى، ولكنها تضمن أن الحركة النسبية في الحالتين تعتبر نفسها، منتجة تيارا كهربيا له نفس القيمة ونفس الاتجاه للتيار الكهربي الناتج في الحالة الأولى.[p 2]»
في مقالاته غير المنشورة من عام 1920، تحدث أينشتاين عن منشأ أفكاره بخصوص مبدأ التكافؤ قائلا:
«عندما كنت مشغولا (في 1907) في كتابة ملخص لأعمالي عن نظرية النسبية الخاصة لصالح Jahrbuch für Radioaktivität und Elektronik (الكتاب السنوي للنشاط الإشعاعي والإلكترونيات)، حاولت أيضا تعديل نظرية نيوتن عن الجاذبية حتى تتناسب قوانينها مع النظرية. في حين أظهرت المحاولات في هذا الاتجاه عملية هذا المشروع، إلا أنها لم ترضني لأنه كان لا بد أن تعتمد على فرضيات فيزيائية غير ثابتة. في هذه اللحظة أتتني أسعد الأفكار في حياتي في الصورة التالية: في مثال يستحق الاعتبار، نجد أنه للمجال الجذبوي وجود نسبي فقط بطريقة مشابهة للمجال الكهربي المتولد بالحث المغناطيسي الكهربي. لأنه بالنسبة إلى راصد يسقط سقوطا حرا من على سطح منزل –على الأقل في المحاذاة اللحظية- لا يوجد أي مجال جذبوي. أي أنه إن ترك الراصد أي جسيمات، فإنها تظل نسبية له في حالة ثبات أو حركة نسبية، بصورة مستقلة عن طبيعتها الفيزيائية أو الكيميائية. بالتالي فإنه مبرر للراصد أن يصف حالته بكونها "في ثبات".[6]»
ملاحظات
^Einstein، Albert (1951). "Autobiographical Notes". في Schilpp، P. A. (المحرر). Albert Einstein-Philosopher Scientist (ط. 2nd). New York: Tudor Publishing. ص. 2–95.