ذكر الله تبارك وتعالى تسمية نفسه باسم البَرُّ -بفتح الباء وتشديد الراء- في كتابه القرآن العظيم على لسان أهل الجنة في حديثهم عن فضل الله وبَرّه بهم في سورة الطور قال الله تعالى: ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ٢٨﴾ [الطور:28]، ولم يرد الاسم في السنة إلا في حديث سرد الأسماء عند الترمذي وابن ماجة، وهذه الأسماء المدرجة في الأحاديث وتعيينها ليس من كلام النبي ﷺ باتفاق أهل المعرفة بحديثه.[1]
المعنى اللغوي
البَرُّ اسم فاعل للموصوف بالبر، فعله بَرَّ يَبَرُّ فهو بارُّ وجمعه بَرَرَة، والبِرُّ هو الإحسان، والبر في حق الوالدين والأقربِينَ من الأهل ضدّ العُقوق وهو الإساءة إليهم والتَّضْييع لحقهم، والبَرُّ والبارّ بمعنى واحد، لكن الذي ثبت في أسماء الله تعالى البَرُّ دُون البارّ والأسماء الحسنى توقيفية على النص.[2]
والبَرُّ سبحانه وتعالى هو العَطوف على عبادة، فهو أهل البر والعطاء يحسن إلى عباده في الأرض أو في السماء، روى البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ، وَقَالَ: يَدُ اللهِ مَلأَى لاَ تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَبِيَدِهِ الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ»،[3][4] كما أن البَرُّ الله هو الصادق في وعده الذي يتجاوز عن عبده وينصره ويحميه، ويقبل القليل منه وينميه، وهو المحسن إلى عبادِهِ الذي عَمَّ بِرُّهُ وإحسانُه جميعَ خلقِهِ فما منهم من أحد إلا وتكفل الله برزقه،[5] وقال أبو السعود في تفسيره: «البر المحسن الرحيم الكثير الرحمة الذي إذا عبد أثاب وإذا سئل أجاب»[6]
يدل تسمية الله تعالى نفسه بالبَرّ على إتساع إحسانه إلى خلقة وكثرته حتى لا يمكن أبداً معرفة حد لإحسانه تعالى على خلقة كلهم فهو ربنا المحسن العظيم والرب الكريم واسع الفضل والعلم والحكمة
قال الله تعالى على لسان نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ٣٢﴾ (سورة مريم)
لماذا يدعو أهل الجنة ربهم سبحانه وتعالى بالبر الرحيم ؟
عند دخول أهل الجنة في الجنة تختلف مراتبهم ومنازلهم ودرجاتهم ونعيمهم بحسب أعمالهم وحسناتهم ورحمة الله وفضله عليهم
هناك يشتاق بعضهم إلى ذريته الصالحة الذين دخلوا الجنة ولكن بسبب اختلاف الدرجات في الجنة لم يتمكنوا من الجلوس معهم وتبادل الحديث
فيعلم ربهم سبحانه وتعالى ذلك فيمن عليهم برحمته وفضله وبره فيلحق بهم ذريتهم رغم أن أعمالهم قد لا تصل إلى هذه الدرجات والمنازل العالية وذلك لتقر أعينهم بالجلوس مع أبائهم وذرياتهم في الجنة
فيفرح أهل الجنة بهذا الفضل جعلنا الله منهم ويثنون على الله ويدعونه باسم البر
أكثر الناس معرفة باسم الله تعالى البر هم أهل الجنة لأنهم يعيشون أسمى وأعلى درجات البر من البر سبحانه وتعالى ويعرفون حقاً ما أعد لهم من فضله وإحسانه وكرمه وامتنانه ورحمته ولطفه بعباده
قال الله تعالى: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ٦٠﴾ (سورة الرحمن)
قال الله تعالى: ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ٧٦﴾ (سورة الرحمن)
من بلاغة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أوتي جوامع الكلم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَأُحِلَّ لِي الْمَغْنَمُ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الْأَرْضِ فَتُلَّتْ فِي يَدِي».[7]
ومن أعظم ماذكر عن البر من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث النّوّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الأَنْصَارِيّ. «قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْبِرّ وَالإِثْمِ؟ فَقَالَ: "الْبِرّ حُسْنُ الْخُلْقِ. وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطّلِعَ عَلَيْهِ النّاسُ» رواه مسلم[8]
ومن البر الإحسان إلى الأبناء في أسمائهم، روى مسلم من حديث محمد بن عمرو أنه قال:«سَمَّيْتُ ابْنَتِي بَرَّةَ فَقَالَتْ لِي زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِى سَلَمَةَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ هَذَا الاِسْمِ، وَسُمِّيتُ بَرَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمُ اللهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرِّ مِنْكُمْ، فَقَالُوا بِمَ نُسَمِّيهَا قَالَ: سَمُّوهَا زَيْنَبَ»[9]
الدعاء والتعبد باسم الله البَرُّ
ورد الدعاء بالاسم المطلق في قول الله تعالى: ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ٢٨﴾الطور:28، وروى ابن أبي شيبة من حديث مسروق عن عائشة :«أنها مرت بهذه الآية: ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ٢٧﴾ [الطور:27]فقالت: اللهم مُنَّ علينا وقنا عذاب السموم إنك أنت البَرُّ الرحيم، فقيل للأعمش: في الصلاة؟ فقال: في الصلاة»،[10][11] وروى ابن ماجة وضعفه الألباني في دعاء عائشة :«اللَّهُمَّ إني أَدْعُوكَ اللهَ وَأَدْعُوكَ الرَّحْمَنَ وَأَدْعُوكَ الْبَرَّ الرَّحِيمَ، وَأَدْعُوكَ بِأَسْمَائِكَ الْحُسْنَى كُلِّهَا، مَا عَلِمْتُ مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ أَنْ تَغْفِرَ لي وَتَرْحَمَنِي»،[12] وروي عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول:«صلوات الله البر الرحيم، والملائكة المقربين، والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وما سبح لك من شيء يا رب العالمين على محمد بن عبد الله، خاتم النبيين وإمام المتقين»،[13] ومن الدعاء أيضًا ما رواه مسلم من حديث ابن عمر أن رسول الله ﷺ كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبر ثلاثا ثم قال:«سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ في سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا ..»[14]
^"كتاب لسان العرب". المكتبة الشاملة الحديثة. 21 يوليو 2021. مؤرشف من الأصل في 2021-07-21. اطلع عليه بتاريخ 2021-07-21.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
^"كتاب فتح الباري". إسلام ويب. 21 يوليو 2021. مؤرشف من الأصل في 2021-07-21. اطلع عليه بتاريخ 2021-07-21.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
^"الموسوعة الحديثية". الدرر السنية. 21 يوليو 2021. مؤرشف من الأصل في 2021-07-21. اطلع عليه بتاريخ 2021-07-21.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
^"أسماء الله الحسنى، اسم الله البر". موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية. 24 يوليو 2021. مؤرشف من الأصل في 2021-07-24. اطلع عليه بتاريخ 2021-07-24.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)
^"الموسوعة الحديثية". الدرر السنية. 24 يوليو 2021. مؤرشف من الأصل في 2021-07-24. اطلع عليه بتاريخ 2021-07-24.{{استشهاد ويب}}: صيانة الاستشهاد: BOT: original URL status unknown (link)