إشارة (صوفية)

الإشارة عند الصوفية هي تلميح وإيماء وتعريض عن معارف وأحاسيس ومشاهدات وتجارب، على خلاف تصريح العبارة، مردها إلى كثرة ذكر وتدبر المريد وشعوراته وأذواقه ضمن مقام الإحسان.[1][2][3][4]

تعريف

الإشارة هي تعبير لطيف عن سير المريدين والسالكين ضمن معالم الخطاب الصوفي القائم كذلك على رمزية العبارة، والذي هو خطاب تؤطره روحانية المشاهدة وبُعد غور المعتقد الإسلامي.[5]

ويختص موضوع الإشارات بالتطرق إلى مواضيع الخواطر والمشاهدات والمكاشفات، وهي المفاهيم الروحانية التي تفردت بها المدرسة الصوفية، بعد جمعها كذلك سائر العلوم الشرعية الأخرى.[6]

فاللجوء إلى الإشارات لدى الصوفي مرده أن مشاهدات القلوب ومكاشفات الأسرار لا يمكن الإفصاح عنها بالعبارة على التحقيق، بل تُعلم بالمنازلات والمَواجيد، ولا تتم معرفتها إلا ممن نازل تلك الأحوال، وحل تلك المقامات.[7][8]

وقد وصف المتصوفة علومهم، كالأنوار والأسرار والعبارات والإشارات، بلغة تعجز عنها إحاطة اللسان العادي، وراحوا يستنبطون في ذلك إشارات لطيفة ومعان جليلة واختلفوا، بما استنبطوه، عن الفقهاء والمحدِّثين والمتكلمين وامتازوا عنهم؛ لأنهم تميزوا بالتجربة الروحيّة وتذوق علوم الحال.[9]

ومن ثمّ يلزم للذي يريد أن يفهم مسائل إشارات المتصوفة أن يرجع إلى عارف ممارس لهذه الأحوال وعلومها ودقائقها؛ لأن الإشارة الصوفية قائمة في الأساس على الحال، ومؤسسة عليه.[10][11]

فالإشارة متأتية من بطن التجربة ومن ذوق المعاناة فيها، حيث أن الحال يُذَاق ذوقاً ولا يُكيف بلفظ ولا بحرف ولا بلغة، كما عرفها سراج الدين الطوسي بقوله:[12][13]

«الإشارات هي مواجيد قلوب ومواريث أسرار» – سراج الدين الطوسي

الإشارة في القرآن

وردت مشتقات الفعل أَشَارَ في بعض الآيات من القرآن الكريم، منها:

سورة مريم:[14][15][16] ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا [مريم:29]

الإشارة في السنة النبوية

ورد معنى الإشارة الصوفية في بعض الأحاديث الشريفة، منها:[17][18][19]

«روى أبو هريرة -رضى الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إِنَّ مِنَ الْعِلْمِ كَهَيْئَةِ الْمَكْنُونِ، لا يَعْرِفُهُ إِلا الْعُلَمَاءُ بِاللَّهِ، فَإِذَا نَطَقُوا بِهِ لَمْ يُنْكِرْهُ إِلا أَهْلُ الْغِرَّةِ بِاللَّهِ»

الإشارة والأحوال

إذا كانت المقامات الصوفية مرتبطة بالعلوم مع المعارف، فإن الأحوال الصوفية مرتبطة بالعبارات مع الإشارات.[6][20]

أسبابها

تنقسم مسببات بروز وظهور وتلفظ الإشارة من أفواه وكتابات المريدين إلى قسمين: «التلميح المأذون» و«التلميح المُتكلَّف».[21][22]

أما فيما يخص التلميح المأذون، فيقول عنه ابن عطاء الله السكندري:[23]

«مَنْ أُذِنَ لَهُ فِي التَّعْبِيرِ: فُهِمَتْ فِي مَسَامِعِ الْخَلْقِ عِبَارَتُهُ، وَجُلِّيَتْ إِلَيْهِمْ إِشَارَتُهُ» – الحكم العطائية

أي من أذن الله -تعالى- له من العارفين في التلميح بالإشارة عن الحقائق، وهي العلوم الوهبية، فُهِمت في مسامع الخلق إشارته، فلم يفتقروا إلى معاودة ولا تكرار، وجُلِّيت وظهرت إشارته إليهم كذلك فلم يحتاجوا إلى إطناب ولا إكثار.[24]

محاذيرها

بما أن الإشارة صنف من التلميح والتعريض والإيماء يتأسس على الذوق الصوفي وعطايا الشهود؛ فهو أيضاً ليس يناله مطلقاً لمن هو من غير أهله من المريدين والسالكين، أو ممَّن هو دونهم.[25]

وقد أبان الإمام محمد بن إدريس الشافعي -رحمه الله- هذا المعنى ذاته على طريقته حين قال:[26][27]

ومَن مَنَحَ الجٌهَّالَ عِلماً أضاعَهُ
وَمَن مَنَعَ المُسْتوْجبينَ فقد ظَلَم

وجاء في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لمؤلفه أبي نعيم الأصبهاني أن:[28]

«مخالطة ضُعفاء العقول تُضعف العقل» – أبو نعيم الأصبهاني

وَوَرَدَ في كتاب «تاج التراجم» لمؤلفه محيي الدين بن عربي أن:[29]

«مَنْ يَزْرع الحَبَّ في السِّباخ، يندم زَمَانَ الحِصَاد» – محيي الدين بن عربي

فليس كل ما يُعْرَف يُقال من أسرار وأنوار وأذواق وحقائق ومشاهدات، ولا كل ما يُقال يُوهَب لمن لا يستحقه.[30]

فيديوهات

المراجع

  1. ^ الإشارات والأحوال نسخة محفوظة 7 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  2. ^ الأسرار والأوقات نسخة محفوظة 7 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  3. ^ الخطاب الصوفي بين لطف الإشارة ورمزية العبارة – Aqlam Alhind نسخة محفوظة 7 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  4. ^ مجلمة كلمة | منهج الهجرة إلى اللَّـه في القول الصوفي نسخة محفوظة 7 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  5. ^ مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث - في بهاء اللغة الصوفية نسخة محفوظة 7 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  6. ^ ا ب التعرف لمذهب أهل التصوف / الباب الحادي والثلاثون نسخة محفوظة 7 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  7. ^ نظرات في اللغة الصوفية .. إشارات وإحالات | MEO نسخة محفوظة 7 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  8. ^ المقامات والأحوال | التَّصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق | مؤسسة هنداوي نسخة محفوظة 7 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  9. ^ الإشارات والأحوال نسخة محفوظة 7 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  10. ^ الأسرار والأوقات نسخة محفوظة 7 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  11. ^ البحث عن اليقين الروحي (الصوفي) في الثقافة الإسلامية (1-3) / ميثم الجنابي نسخة محفوظة 7 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  12. ^ السر في أنفاس الصوفية - أبي القاسم/الجنيد - Google Livres نسخة محفوظة 7 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  13. ^ اللمع في تاريخ التصوف الإسلامي - كرتونيه - أبي نصر عبد الله بن علي/السراج الطوسي - Google Livres نسخة محفوظة 7 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  14. ^ القرآن الكريم - تفسير ابن كثير - تفسير سورة مريم - الآية 29 نسخة محفوظة 7 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  15. ^ إسلام ويب - تفسير البيضاوي - تفسير سورة مريم - تفسير قوله تعالى فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا- الجزء رقم4 نسخة محفوظة 7 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  16. ^ إسلام ويب - تفسير القرطبي - سورة مريم - قوله تعالى فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا - الجزء رقم8 نسخة محفوظة 7 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  17. ^ درجة حديث إن من العلم كهيئة المكنون.. - إسلام ويب - مركز الفتوى نسخة محفوظة 7 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  18. ^ ص102 - كتاب تخريج أحاديث إحياء علوم الدين - صلى الله عليه وسلم بقوله إن من العلم كهيئة المكنون لا يعرفه إلا أهل المعرفة بالله فإذا نطقوا به لم يجهله إلا أهل الاغترار به فلا تح... نسخة محفوظة 7 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  19. ^ إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين 1-14 ج1 - أبي الفيض محمد بن محمد الحسيني/مرتضى الزبيدي - Google Livres نسخة محفوظة 7 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  20. ^ النَّصُّ الصُّوْفِيُّ .. خِطَابُ إشَارَاتٍ أمْ إحْدَثِيَّاتٌ مَعْرِفِيَّة ؟ – ثقافات نسخة محفوظة 7 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  21. ^ الموسوعة الشاملة - شرح الحكم العطائية نسخة محفوظة 2 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  22. ^ الأحوال والمقامات عند الإمام ابن القيم – الموقع الرسمي للدكتور صبري محمد خليل خيري نسخة محفوظة 7 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  23. ^ حِكمُ ابن عطاءِ السّكندري | طواسين للتصوف والاسلاميات نسخة محفوظة 2 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  24. ^ شرح الحكم العطائية - الشرنوبي - عبد المجيد بن إبراهيم/الشرنوبي - كتب Google نسخة محفوظة 2 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  25. ^ "دعوة الحق - الأسرار الصوفية ومواقف ابن عربي من علماء أهل الظاهر". مؤرشف من الأصل في 2020-11-07. اطلع عليه بتاريخ 2020-11-07.
  26. ^ "أأنثر درا بين سارحة البهم - الإمام الشافعي - الديوان - موسوعة الشعر العربي". مؤرشف من الأصل في 2020-11-07. اطلع عليه بتاريخ 2020-11-07.
  27. ^ 📃 الشافعي: أَأَنثُرُ دُرّاً بَينَ سارِحَةِ البَهمِ نسخة محفوظة 7 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  28. ^ السر في أنفاس الصوفية - أبي القاسم/الجنيد - Google Livres نسخة محفوظة 8 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  29. ^ رسائل ابن عربي (لونان) - محيي الدين محمد علي محمد/ابن عربي الحاتمي - Google Livres نسخة محفوظة 7 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.
  30. ^ ص341 - الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة - كتمان لشيء من الأسرار عن الشيخ - المكتبة الشاملة الحديثة نسخة محفوظة 7 نوفمبر 2020 على موقع واي باك مشين.