وقد وصف المتصوفة علومهم، كالأنوار والأسرار والعبارات والإشارات، بلغة تعجز عنها إحاطة اللسان العادي، وراحوا يستنبطون في ذلك إشارات لطيفة ومعان جليلة واختلفوا، بما استنبطوه، عن الفقهاء والمحدِّثين والمتكلمين وامتازوا عنهم؛ لأنهم تميزوا بالتجربة الروحيّة وتذوق علوم الحال.[9]
ومن ثمّ يلزم للذي يريد أن يفهم مسائل إشارات المتصوفة أن يرجع إلى عارف ممارس لهذه الأحوال وعلومها ودقائقها؛ لأن الإشارة الصوفية قائمة في الأساس على الحال، ومؤسسة عليه.[10][11]
فالإشارة متأتية من بطن التجربة ومن ذوق المعاناة فيها، حيث أن الحال يُذَاق ذوقاً ولا يُكيف بلفظ ولا بحرف ولا بلغة، كما عرفها سراج الدين الطوسي بقوله:[12][13]
«روى أبو هريرة -رضى الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إِنَّ مِنَ الْعِلْمِ كَهَيْئَةِ الْمَكْنُونِ، لا يَعْرِفُهُ إِلا الْعُلَمَاءُ بِاللَّهِ، فَإِذَا نَطَقُوا بِهِ لَمْ يُنْكِرْهُ إِلا أَهْلُ الْغِرَّةِ بِاللَّهِ»
أي من أذن الله -تعالى- له من العارفين في التلميح بالإشارة عن الحقائق، وهي العلوم الوهبية، فُهِمت في مسامع الخلق إشارته، فلم يفتقروا إلى معاودة ولا تكرار، وجُلِّيت وظهرت إشارته إليهم كذلك فلم يحتاجوا إلى إطناب ولا إكثار.[24]
محاذيرها
بما أن الإشارة صنف من التلميح والتعريض والإيماء يتأسس على الذوق الصوفي وعطايا الشهود؛ فهو أيضاً ليس يناله مطلقاً لمن هو من غير أهله من المريدين والسالكين، أو ممَّن هو دونهم.[25]