وقد أمضى معظم وقته كمستكشف بالبحث عن الممر الشمالي الغربي، وقد استنتج منطقيًا أن من المؤكد أنه عبارة عن ممر مفتوح به مياه صافية ويقع شمال سيبيريا (Siberia) حيث إن الشمس تُشرق 24 ساعة في اليوم، معتقدًا أنها قد أذابت أي جليد يُحتمل وجوده.[5]
الرحلة الأولى
في الخامس من شهر يونيو عام 1594 غادر بارنتسز جزيرة تيكسل (Texel)[3] على متن [6] السفينة الصغيرة ميركوري (Mercury),[7] وكان جزءًا من مجموعة ثلاث سفن أبحرت في اتجاهات مختلفة بهدف محاولة دخول بحر كارا (Kara Sea)، آملين أن يجدوا الممر الشمالي الغربي في شمال سيبيريا. وبين 23 و29 يونيو، مكث بارنتسز في جزيرة كيلدين (Kildin Island).
وفي التاسع من يوليو،[8] واجه طاقم السفينة دبا قطبيا للمرة الأولى. وبعد إطلاق النار عليه بالمسكيت (musket) بعدما حاول أن يصعد على متن السفينة، قرَّر الملاحون أسر هذا الدب لإعادته إلى هولندا. وعلى الرغم من توثيقه وإحضاره على متن السفينة، كان الدب في حالة اهتياج وكان يجب قتله على الفور. حدث ذلك في خليج بير (Bear Creek)، في جزيرة ويليامز (Williams Island).
وعند اكتشافهم لجزر أورانج (Orange Islands)، صادف الطاقم قطيعًا مكونًا من حوالي 200 من حيوان الفظ وحاولوا قتلهم بواسطة الفؤوس والرماح. ولكن المهمة لم تكن سهلة كما توقعوا، فغادروا حاملين معهم بعض أنياب العاج.[9]
وصل بارنتسز إلى الساحل الغربي من نوفايا زيمليا (Novaya Zemlya)، متوجهًا شمالاً وذلك قبل أن يُرغَم على العودة بسبب بعض الجبال الجليدية الضخمة. على الرغم من أنهم لم يحققوا الهدف الأساسي، فقد كانت الرحلة ناجحة.[3]
الرحلة الثانية
وفي العام التالي، موريس أمير جزيرة أورانج (Maurice of Nassau, Prince of Orange) كان منشغلاً «بآمال مبالغ فيها»[10] بعد سماعه عن رحلة بارنتسز السابقة، وأطلق عليه اسم الملاح الرئيس والقائد للبعثة الجديدة، والتي أبحرت بصحبة ست سفن محمَّلة بالبضائع التجارية من قبل الهولنديين من أجل التجارة بها مع الصين.[11]
انطلق بارنتز في الثاني من شهر يونيو عام 1595،[10] مبحرًا بين ساحل سيبيريا جزيرة فايغاش (Vaygach). وفي 30 أغسطس، قابل الطاقم حوالي 20 من السامويد (Samoyed) «رجال وحشيين» واستطاعوا التحدث معهم، حيث كان أحد أفراد الطاقم يتحدث لغتهم.[9] وفي الرابع من سبتمبر ذهبت مجموعة صغيرة من أفراد الطاقم إلى الدول الجزرية (States Island) للبحث عن نوع معيَّن من البلور الصافي الذي قد شاهدوه في وقت سابق. لكن دبًا قطبيًا هاجم الطاقم مما تسَّبب في مقتل اثنين من البحَّارة [12]
أخيرًا، عادت البعثة أدراجها بعد أن اكتشفوا أن الطقس الفجائي أدَّى إلى تجمد بحر كارا.[13] واعتبر عددًا كبيرًا من الناس أن تلك البعثة لم يُكتب لها النجاح.[14]
الرحلة الثالثة
في عام 1596, بعدما أحبطته فشل البعثات السابقة، أعلن جنرال الدول الجزرية أنهم لن يُقدموا معونة مالية (subsidy) لمثل تلك الرحلات - ولكنه عرض جائزة كبيرة لمن يستطيع بنجاح الإبحار إلى طريق الممر الشمالي الغربي.[10]
قام مجلس المدينة بأمستردام بشراء وتجهيز سفينتين صغيرتين، يقودها جان ريجب (Jan Rijp) وجاكوب فان هيمسكيرك (Jacob van Heemskerk)، للبحث عن تلك القناة الغامضة تحت قيادة بارنتسز. بدأوا الرحلة في العاشر أو الخامس عشر من شهر مايو، وفي التاسع من يونيو اكتشفوا جزيرة الدب (Bear Island).[9]
وقد اكتشفوا جزيرة سبيتسبيرجين (Spitsbergen) في السابع عشر من شهر يونيو، عقب رؤيتهم لساحله الشمالي الغربي. وفي العشرين من يونيو شاهدوا مدخلاً لخليج كبير، سُمى لاحقًا المضيق البحري الأحمر (Raudfjorden). وفي 21 يونيو رست السفينة بين المنحدرات المشقوقة (Cloven Cliff) و (Vogelsang)، حيث «أقاموا سارية مرسوم عليها أسلحة الهولنديين.» في 25 يونيو دخلوا خليج ماغدالينيفجوردين (Magdalenefjorden)، والذي أطلقوا عليه اسم خليج الناب (Tusk Bay), على ضوء أنياب حيوانات الفَظَّ التي وجدوها هناك. وفي اليوم التالي، 26 يونيو، أبحروا إلى المدخل الشمالي لفورلاندسونديت (Forlandsundet), مطلقين عليه اسم كيرويك (Keerwyck)، لكنهم كانوا مضطرين للعودة بسبب وجود المياه الضحلة. وفي 28 يونيو قاموا بالانعطاف حول الموقع الشمالي لجزيرة برينز كارلس فورلاند (Prins Karls Forland)، الذي سمُّوه فوغيلهويك Vogelhoek، وذلك بسبب أعداد الطيور الهائلة التي شاهدوها هناك. وبعد ذلك أبحروا متجهين جنوبًا، وعبروا إسفجوردين (Isfjorden) وبيلسوند (Bellsund), اللذين صُنفا على خريطة بارنتسز جرووتين إنويك (Grooten Inwyck) وإنويك (Inwyck).
وصلت السفن مرة أخرى إلى جزيرة الدُب في الأول من شهر يوليو، مما أدى إلى نشوب خلاف بين بارنتسز وفان هيمسكيرك من ناحية وجان ريجب من ناحية أخرى. فاتفقوا على الانفصال، فاستمر بارنتسز ناحية الشمال الشرقي، في حين اتجه ريجب شمالاً.[15] وصل بارنتسز إلى نوفايا زيمليا في 17 يوليو. ولكونه متلهفًا لتجنب الوقوع في شرك الجليد المحاط به، قرر أن يتجه إلى جزيرة فايغاتش سترايت (Vaigatch Strait)، لكنه علق وسط جبال الجليد الكثيرة والجبال التي تطفو على المياه.[10]
بعد دفع السفينة إلى الشاطئ، اضطر طاقم السفينة المكوَّن من 16 بحارًا أن يقضي الشتاء على الجليد، برفقة غلام السفينة الصغير.[8] بعد محاولتهم التي باءت بالفشل لإذابة الأرض دائمة التجلد (permafrost)، استخدم الطاقم ألواحًا خشبيةً من السفينة وذلك لبناء كوخ يبلغ طوله 7.8 × 5.5 أمتار (م)[5] أطلقوا عليه اسم هيت بيهودين هوس (Het Behouden Huys) منزل الخلاص.
وخلال شعورهم بالبرد القارص، أدرك أفراد الطاقم أن جواربهم قد تحترق قبل حتى أن تشعر أقدامهم بدفء وحرارة النار - وخلدوا إلى النوم بمساعدة الأحجار والقنابل الدافئة. وعلاوة على ذلك، فقد استخدموا الأقمشة التجارية الموجودة على متن السفينة وصنعوا منها بطانيات وملابس إضافية.[9]
وكانوا يحملون على متن السفينة لحم البقر المُملح وزبدة وجُبنًا وخُبزًا وشعيرًا وحبوب البازلاء والفاصوليا وبرغلا (جريش خشن) (groats) ودقيقًا وزيتًا وخلًا وخردلًا وملحًا وجعة ونَبيذًا وبراندي وبسكويت البحر (hardtack)، واللحم المُقدد المدخن ولحم الخنزير المُملح والسمك. لكن معظم الجَعَة تجمَّدت، مُسببة انفجار البراميل الخشبية. وبحلول الثامن من نوفمبر جيريت دي فيير (Gerrit de Veer)، نجَّار هذه السفن والذي كان يحتفظ بدفتر ملاحظات، قدّم تقريرًا عن وجود نقص في الجعة والخبز، ومن الممكن الاقتصاد في شُرب النبيذ لمدة أربعة أيام أخرى.[9]
ثُمَّ في يناير 1597، أصبح دي فيير أول شخص يشهد ويسجل الشذوذ الجوي المعروف باسم تأثير نوفايا زيمليا (Novaya Zemlya effect).[16]
أثبت الطاقم مهارته في الصيد، فأسروا 26 من حيوان ثعلب القطب الشمالي عن طريق نصب أشراك بدائية، بالإضافة إلى أنهم قتلوا عددًا من الدببة القطبية.[5]
بحلول شهر يونيو، وكان الجليد لا يزال يغطي السفينة بأكملها، داء الإسقربوط (scurvy) قام الناجون من هذا المرض بأخذ قاربين صغيرين وانطلقوا بهما إلى البحر وكان ذلك في 13 يونيو. توفى بارنتسز في البحر في العشرين من شهر يونيو عام 1597، وهو يراجع بعض الخرائط[17] وذلك بعد مرور سبعة أيام فقط على الانطلاق في رحلته. وما زال غير معروف إذا كان بارنتسز قد دُفن في الجزيرة الشمالية من نوفايا زيمليا (Severny Island) أم أُلقي بجثته في البحر.[18] وقد استغرقت القوارب سبعة أسابيع أخرى للوصول إلى شبه جزيرة كولا (Kola Peninsula) حيث أنقذتهم سفينة تجارية روسية، وفي ذلك الوقت كان اثنا عشر ملاحًا فقط هم من ظلُّوا أحياءً. وفي النهاية، وصلوا إلى أمستردام في الأول من نوفمبر.[19] وتختلف المصادر في إذا كان قد مات رجلان جرَّاء الجبال الجليدية الطافية وثلاث في القوارب [5] أم ثلاثة بسبب الجبال الجليدية الطافية واثنان في القوارب.[10] في حين تُوفي غلام السفينة خلال أشهر الشتاء في المأوى.[8]
الكشف عن الآثار واكتشافاته
تم العثور على الكوخ الخشبي حيث احتمى فيه طاقم بارنتسز على حالته الطبيعية من قِبل صياد لحيوانات الفقمة (seal hunt) نرويجي الجنسية يُدعى إيلنج كارلسن (Elling Carlsen) وذلك عام 1871. وبعد أن رسم رسمًا تخطيطيًا لبنية الكوخ، سجَّل كارلسن عثوره على قدرين نحاسيين للطبخ وبرميل وصندوق للأدوات وساعة وعَتَلَة وآلة الفلوت وبعض الملابس وخزانتين فارغتين ومِرجَل للطبخ ثلاثي القوائم بالإضافة إلى بعض الصور.[20] كما وصل الكابتن جاندرسن (Captain Gunderson) بالطائرة إلى الموقع في 17 أغسطس عام 1875 وعثر على مِرساة حديدية وخريطتين وترجمة مكتوبة بخط اليد لرحلات بيت وجاكمان (Pet and Jackman's voyages). وفي العام التالي، قام أيضًا تشارلز إل. دبليو. جاردينر (Charles L.W. Gardiner) بزيارة الموقع في 29 يوليو حيث جمع 112 غرضًا، من ضمنها الرسالة التي كتبها كل من بارنتسز وهيمسكيرك والتي وصفا فيها مُستوطنهم للزوَار القادمين. كل هذه الأشياء وُضعت أخيرًا في متحف ريجكس أمستردام،[15][21] بعدما تم الاحتفاظ ببعضها في بداية الأمر في مدينة لاهاي.[22]
وكان مصير اكتشافات عالم الأثار الهاوي ميلورادوفيش (Miloradovich) في عام 1933 أنه تم الاحتفاظ بها في متحفي القطبين الشمالي والجنوبي (Arctic and Antarctic Museum) بمدينة سان بطرسبرج كما كان أحد زوار الموقع ديمتري كرافشينكو الذي زاره في 1977, 1979و1980 - فقام بإرسال غطاسين إلى البحر من أجل العثور على حطام السفينة الكبيرة. وعاد ومعه بعض الأشياء، التي اُحتفظ بها في متحف أرخانجيلسك الأقليمي الروسي (Russian Arkangel's Regional Museum). كما توجد مجموعة أخرى صغيرة في المتحف القطبي (Polar Museum) بمدينة ترومسو (Tromsø).[15]
وفي عام 1992، قامت بعثة مكونة من ثلاثة علماء وصحفي واثنين من المصورين الفوتوغرافيين تحت إشراف مركز القطب الشمالي التابع لجامعة جرونينجن، برفقة عالِمين آخرين وطبَّأخ وطبيب تم إرسالهما من معهد بحوث القطب الشمالي والقطب الجنوبيالمتواجد في مدينة سان بطرسبرج، بالعودة إلى الموقع، [15] وأنشأوا علامة تذكارية في قمرة السفينة.[23]
وقد أصبح المكان حيث أمضى بارنتسز الشتاء وجهة سياحية للسفن كاسحات الجليد والتي تعمل من مدينة مورمانسك (Murmansk).[5][24]
الإرث
(Vardø)
وقد قام اثنان من أفراد طاقم بارنتسز لاحقًا بنشر يومياتهما وهما، جان هويغن فان لينشوتين (Jan Huyghen van Linschoten) الذي قد رافق بارنتز في أول رحلتين له، بينما الآخر هو جريت دي فيير (Gerrit de Veer) والذي عَمل نجارًا للسفينة في آخر رحلتين.
وفي عام 1853، البحر الذي كان يُسمى سابقًا بحر مورميان (Murmean Sea) تمت تسميته بحر بارنتز (Barents Sea) احترامًا له.[25]
وفي عام 1931، قام نيجغه وفان ديتمار بنشر مسرحية للكاتب البرت هيلمان (Albert Helman) تدور أحداثها حول رحلة بارنتسز الثالثة، على الرغم من أنها لم تُمثل أبدًا على المسرح.
وفي عام 1946، كانت سفينة صيد الحيتان (Whaling ship) بان غوثيا (Pan Gothia) قد تمت إعادة تسميتها لتصبح سفينة ويليام بارنتسز. ثُم في عام 1953، كانت ثاني سفينة ويليام بارنتسز لصيد الحيتان تمَّ صنعها.[28]
كما توجد مادة بروتينية (protein) في البنية الجُزيئية الخاصة بحشرة ذبابة الفاكهة (Drosophila melanogaster) أُطلق عليها اسم بارنتسز، احترامًا وتقديرًا لهذا المستكشف.[29]
كما قام مخرج سينمائي هولندي يُدعى رينوت أورليمانز (Reinout Oerlemans) بإطلاق فيلم باسم نوفا زيمبلا في نوفمبر عام 2011. ويُعتبر أول فيلم هولندي بتقنية ال 3D.
^De Jonge, J.K.J. "Nova Zembla: De voorwerpen door de Nederlandsche Zeevaarders na hunne overwintering aldaar in 1597 achtergelaten en in 1871 door Kapitein Carlsen teruggevonden, beschreven en toegelicht.", 1872.
^Bruijne، Antonius de (1985). De eerste tocht van de Willem Barentsz naar de Noordelijke IJszee 1878. {{استشهاد بكتاب}}: الوسيط author-name-list parameters تكرر أكثر من مرة (مساعدة)
^Boot، W.J.J. (1987). De Nederlandsche Maatschappij voor de Walvischvaart. Amsterdam: Bataafsche Leeuw. ISBN:90-6707-129-3.
^van Eeden,، F.J.M. (2001). Barentsz is essential for the posterior localization of oskar mRNA and colocalizes with it to the posterior pole. {{استشهاد بكتاب}}: الوسيط author-name-list parameters تكرر أكثر من مرة (مساعدة)صيانة الاستشهاد: علامات ترقيم زائدة (link)