تعتبر مركبات الأكسجين التفاعلية (بالإنجليزية: Reactive oxygen species or ROS) منتجات ثانوية لعملية الاستقلاب الغذائي الطبيعي للأكسجين، وتلعب أدوارًا مهمة في إرسال الإشارات الخلوية وتوازن الخلايا.[3][4] تعتبر مركبات الأكسجين التفاعلية عنصرًا أساسيًا في الأداء الخلوي، وهي موجودة بمستويات منخفضة وثابتة في الخلايا الطبيعية الحية.[5] تشارك مركبات الأكسجين التفاعلية في عمليات الاستقلاب الغذائي عند النباتات، لكنها يمكن أن تسبب ضررًا غير عكوس في الحمض النووي للنباتات، لأنه يؤكسد بعض المكونات الخلوية ويمنعها من أداء وظائفها الطبيعية، وهذا ما يشير إلى أن مركبات الأكسجين التفاعلية قد يكون لها دور مزدوج في الكائنات الحية (عوامل ضارة أو عوامل وقائية) أو إشارات على التوازن بين إنتاج مركبات الأكسجين التفاعلية والتخلص منها في الوقت والمكان المناسبين،[6] إذ يمكن أن تنشأ سمية مركبات الأكسجين عن الإنتاج غير المنضبط أو من الإزالة غير الفعالة لها بواسطة نظام مضادات الأكسدة. يمكن أن تزيد مستويات مركبات الأكسجين التفاعلية بشكل كبير خلال أوقات الإجهاد التي تتعرض لها الخلية مثل: التعرض للأشعة فوق البنفسجية أو التعرض للحرارة، ما يؤدي إلى تلف كبير في الهياكل الخلوية. يُعرف هذا الضرر عند تراكمه باسم الإجهاد التأكسدي.[3] يتأثر إنتاج مركبات الأكسجين التفاعلية بشدة بالاستجابة لعوامل الإجهاد في النباتات، وتشمل العوامل التي تزيد من إنتاج مركبات الأكسجين التفاعلية: الجفاف، ارتفاع تركيز الشوارد، نقص حرارة الخلايا، انخفاض قدرة الخلايا على الدفاع عن مسببات الأمراض، نقص المغذيات، التسمم بالمعادن والأشعة فوق البنفسجية. تتولد مركبات الأكسجين التفاعلية أيضًا من مصادر خارجية مثل الإشعاعات المؤينة،[7] ما ينتج عنه تأثيرات غير عكوسة في نمو الأنسجة عند كل من الحيوانات والنباتات.[8]
مصادر إنتاج مركبات الأكسجين التفاعلية
مصادر داخلية
تنتج مركبات الأكسجين التفاعلية من خلال التفاعلات الكيميائية الحيوية التي تحدث أثناء عمليات التنفس والتمثيل الضوئي في العضيات الخلوية مثل الميتوكوندريا والبيروكسيسومات.[6][9][10][11] تعمل الميتوكوندريا أثناء عملية التنفس على تحويل طاقة الخلية إلى شكل قابل للاستخدام، هو أدينوزين ثلاثي الفوسفات. تتضمن عملية إنتاج إيه تي بي في الميتوكوندريا، والتي تسمى الفسفرة التأكسدية، نقل البروتونات عبر غشاء الميتوكوندريا الداخلي عن طريق سلسلة نقل الإلكترونات.[12] ومن المصادر الأخرى لإنتاج مركبات الأكسجين التفاعلية في الخلايا الحيوانية هو تفاعلات نقل الإلكترون المحفزة بواسطة أنظمة الميتوكوندريا بي 450 في الأنسجة الدهنية.[13] تتسرب بعض الإلكترونات خلال هذه العملية وتتفاعل مع جزيئات الأكسجين، وللتعامل مع هذا المصدر الطبيعي لمركبات الأكسجين التفاعلية تمتلك الأنسجة تراكيز كبيرة من مضادات الأكسدة مثل فيتامين سي وبيتا كاروتين والأنزيمات المضادة للأكسدة. أما إذا حدث الكثير من الضرر في الميتوكوندريا بحيث لا يمكن إصلاحه، فإن الخلية تخضع لموت خلوي مبرمج.[14][15][16][17][18][19][20]
مصادر خارجية
يمكن تحفيز تكوين مركبات الأكسجين التفاعلية بواسطة مجموعة متنوعة من العوامل الخارجية مثل الملوثات البيئية والمعادن الثقيلة والتبغ والمخدرات والمواد الحيوية الضارة والإشعاع، وفي النباتات يمكن أن تأثر العوامل غير الحية مثل درجة الحرارة المرتفعة والتفاعل مع الكائنات الحية الأخرى على إنتاج مركبات الأكسجين التفاعلية.
يمكن للإشعاعات المؤينة أن تولد موادًا ضارة من خلال تفاعلها مع الماء، وهي عملية تسمى التحلل الإشعاعي. يشكل الماء 55 – 60% من جسم الإنسان، ولذلك فإن احتمال التحلل الإشعاعي مرتفع للغاية في ظل وجود الإشعاعات المؤينة، وفي هذه العملية يفقد الماء إلكترونًا ويصبح شديد القدرة على التفاعل، ثم يتحول إلى جذور الهيدروكسيل وغيره من مركبات الأكسجين التفاعلية. يحدث إنتاج أنواع الأكسجين التفاعلية في النباتات أثناء عمليات الإجهاد التي تتعرض لها الخلايا والتي تؤدي إلى تقليل أو توقف عملية الاستقلاب الغذائي.[21][22][23]
التأثيرات الضارة
اكتُشفت تأثيرات مركبات الأكسجين التفاعلية على استقلاب الخلايا في مجموعة متنوعة من الكائنات الحية. لا تشمل هذه التأثيرات موت الخلايا المبرمج فقط، ولكن بعض التأثيرات الإيجابية مثل زيادة دفاع الخلايا وحماية الجينات وتفعيل الجهاز المناعي. تساهم مركبات الأكسجين التفاعلية في النشاط الخلوي من خلال مجموعة متنوعة من الاستجابات الالتهابية مثل تلك التي تحدث في أمراض القلب والأوعية الدموية، وقد تكون متورطة أيضًا في ضعف السمع الناتج تلف قوقعة الأذن الناجم عن ارتفاع مستويات الصوت، وفي السمية الأذنية لبعض الأدوية مثل سيسبلاتين، وفي الصمم الخلقي عند كل من الحيوانات والبشر.[24][25]
تشمل القائمة التالية أهم التأثيرات الضارة لمركبات الأكسجين التفاعلية على الخلية:[26]
يساهم الضرر التأكسدي الذي تسببه مركبات الأكسجين التفاعلية في التدهور الوظيفي الذي يميز شيخوخة الخلايا. تشير الدراسات التي أجريت في اللافقاريات إلى أن الحيوانات المعدلة وراثيًا التي تفتقر إلى أنزيمات معينة مضادة للأكسدة تكون أعمارها أقصر، لكن التلاعب العكسي لزيادة مستويات الأنزيمات المضادة للأكسدة يؤدي إلى تأثيرات غير متوازنة على معدلات العمر (على الرغم من أن بعض الدراسات التي أجريت على ذبابة الفاكهة تظهر أنه يمكن زيادة العمر من خلال زيادة مضادات الأكسدة)، لكن فرضيات أخرى اقترحت أن حذف الميتوكوندريا يمكن أن يطيل العمر الافتراضي لبعض الكائنات الحية. يؤدي حذف الأنزيمات المضادة للأكسدة في الفئران إلى إطالة العمر بنسب متفاوتة. وجدت دراسة أجريت على الفئران التي تعاني من الشيخوخة المبكرة زيادة في الإجهاد التأكسدي، وانخفاضًا في نشاط الأنزيمات المضادة للأكسدة، وتلفًا أكبر للحمض النووي في القشرة المخية عند الفئران.[27][28][29][30]
العقم عند الذكور
يعتبر تعرض الحيوانات المنوية للإجهاد التأكسدي مسببًا رئيسيًا للعقم عند الذكور،[31] إذ يبدو أن تلف الحمض النووي في الحيوانات المنوية الناجم عن الإجهاد التأكسدي عامل مهم من عوامل العقم عند الذكور.[32][33]
السرطان
تتولد مركبات الأكسجين التفاعلية بشكل مستمر، ويتخلص منها النظام البيولوجي الطبيعي باستمرار أيضًا.[34] تتحكم الخلايا الطبيعية في مستويات مركبات الأكسجين التفاعلية عن طريق الموازنة بين توليد مركبات الأكسجين التفاعلية والتخلص منها عن طريق أنظمة خاصة في الخلية. يمكن أن يؤدي الإفراط في استخدام مركبات الأكسجين التفاعلية في ظل ظروف الإجهاد التأكسدي إلى تلف البروتينات الخلوية والدهون والحمض النووي، ما يؤدي إلى ضرر كبير في الخلية يساهم في عملية التسرطن.
تُظهر الخلايا السرطانية مستويات أكبر من مركبات الأكسجين التفاعلية مقارنة بالخلايا الطبيعية، ويعود ذلك جزئيًا إلى التحفيز الورمي وزيادة النشاط الاستقلابي الغذائي وخلل الميتوكوندريا. تساهم مركبات الأكسجين التفاعلية في نمو الخلايا السرطانية واستمرارها نظرًا لأن هذه المركبات تنشط عملية الالتهاب المزمن التي تعتبر وسيطًا رئيسيًا للتسرطان، ولكن من ناحية أخرى يمكن للمستويات المرتفعة من مركبات الأكسجين التفاعلية أن تثبط نمو الورم من خلال التنشيط المستمر لمثبطات الدورة الخلوية، وتحريض عملية الموت الخلوي المبرمج وشيخوخة الخلايا. تعتمد معظم عوامل العلاج الكيميائي والعلاج الشعاعي للخلايا السرطانية على مركبات الأكسجين التفاعلية من خلال زيادة الإجهاد التأكسدي.[35][36][37][38][39]
^ ابDevasagayam TP، Tilak JC، Boloor KK، Sane KS، Ghaskadbi SS، Lele RD (أكتوبر 2004). "Free radicals and antioxidants in human health: current status and future prospects". The Journal of the Association of Physicians of India. ج. 52: 794–804. PMID:15909857.
^Sosa Torres ME، Saucedo-Vázquez JP، Kroneck PM (2015). "Chapter 1, Section 3 The dark side of dioxygen". في Kroneck PM، Torres ME (المحررون). Sustaining Life on Planet Earth: Metalloenzymes Mastering Dioxygen and Other Chewy Gases. Metal Ions in Life Sciences. Springer. ج. 15. ص. 1–12. DOI:10.1007/978-3-319-12415-5_1. PMID:25707464.
^Rada B، Leto TL (2008). "Oxidative innate immune defenses by Nox/Duox family NADPH oxidases". Trends in Innate Immunity. Contributions to Microbiology. Basel: Karger. ج. 15. ص. 164–87. DOI:10.1159/000136357. ISBN:978-3-8055-8548-4. PMC:2776633. PMID:18511861. — Review
^Conner GE، Salathe M، Forteza R (ديسمبر 2002). "Lactoperoxidase and hydrogen peroxide metabolism in the airway". American Journal of Respiratory and Critical Care Medicine. ج. 166 ع. 12 Pt 2: S57-61. DOI:10.1164/rccm.2206018. PMID:12471090.
^Muller FL، Lustgarten MS، Jang Y، Richardson A، Van Remmen H (أغسطس 2007). "Trends in oxidative aging theories". Free Radical Biology & Medicine. ج. 43 ع. 4: 477–503. DOI:10.1016/j.freeradbiomed.2007.03.034. PMID:17640558.
^Sinha JK، Ghosh S، Swain U، Giridharan NV، Raghunath M (يونيو 2014). "Increased macromolecular damage due to oxidative stress in the neocortex and hippocampus of WNIN/Ob, a novel rat model of premature aging". Neuroscience. ج. 269: 256–64. DOI:10.1016/j.neuroscience.2014.03.040. PMID:24709042. S2CID:9934178.
^Aitken RJ، De Iuliis GN، Gibb Z، Baker MA (أغسطس 2012). "The Simmet lecture: new horizons on an old landscape--oxidative stress, DNA damage and apoptosis in the male germ line". Reproduction in Domestic Animals = Zuchthygiene. 47 Suppl 4: 7–14. DOI:10.1111/j.1439-0531.2012.02049.x. PMID:22827344.
^Renschler MF (سبتمبر 2004). "The emerging role of reactive oxygen species in cancer therapy". European Journal of Cancer. ج. 40 ع. 13: 1934–40. DOI:10.1016/j.ejca.2004.02.031. PMID:15315800.