دراسات أدبية داروينية

الدراسات الأدبية الداروينية، (تُعرف أيضًا باسم الداروينية الأدبية)، هي أحد أفرع النقد الأدبي الذي يدرس الأدب في إطار التطوّر بموجب الانتقاء الطبيعي، بما في ذلك التطور الجيني الثقافي المشترك. تجسّد الدراسات الأدبية الداروينية اتجاهًا ناشئًا للفكر الدارويني الجديد المتمثّل في التخصصات الفكرية، بعيدًا عن التخصّصات المتعلّقة تقليديًا بعلم الأحياء التطوّري: علم النفس التطوري، الأنثروبولوجيا التطوّرية، علم البيئة السلوكي، علم النفس التنموي التطوري، علم النفس المعرفي، علم الأعصاب الوجداني، علم الوراثة السلوكي، الأبستمولوجيا التطورية، وغيرها من التخصصات المشابهة.[1]

التاريخ والسياق

بدأ الاهتمام بالعلاقة القائمة ما بين الداروينية ودراسة الأدب خلال القرن التاسع عشر، كالاهتمام الذي كان جلّيًا في أوساط النقاد الأدبيين الإيطاليين. على سبيل المثال، اعتقد أوغو أنجيلو كانيلو أن الأدب تمثيلٌ لتاريخ النفس البشرية، ولهذا السبب يلعب الأدب دورًا في الكفاح في سبيل الانتقاء الطبيعي. أمّا فرانشيسكو دي سانكتيس فقال إن إميل زولا «أدخل إلى رواياته مفاهيم الانتقاء الطبيعي، والكفاح من أجل الوجود، والتكيّف، والبيئة».[2]

ظهرت الدراسات الأدبية الداروينية الحديثة بصورة جزئية جرّاء استياء أنصارها إزاء فلسفات ما بعد البنيوية وما بعد الحداثة، التي هيمنت على الدراسة الأدبية خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. اعترض الداروينيون بالتحديد على الحجة القائلة بأنّ الخطاب هو ما يبني الواقع. اعتبر الداروينيون الأحكام ذات الأسس البيولوجية مقيّدة الخطاب ومشكّلة له. تتعارض هذه الحجة مع فكرة علماء النفس التطوري المركزية في «نموذج العلوم الاجتماعية القياسي»، التي تتجسّد بأنّ الثقافة أساس القيم والسلوكيات الإنسانية بأكملها.[3]

يستعير الداروينيون الأدبيون مفاهيمًا من علم الأحياء التطوّري والعلوم الإنسانية التطوّرية، وذلك بهدف صياغة مبادئ النظرية الأدبية وتفسير النصوص الأدبية. يبحث الداروينيون الأدبيون في التفاعلات التي تحدث بين الطبيعة البشرية وأشكال الخيال الثقافي، بما في ذلك الأدب وأسلافه الشفوية. يستخدم الداروينيون الأدبيون كلمة «الطبيعة البشرية» لتعني مجموعةً من الأحكام الإنسانية العالمية المتوارثة جينيًا: الدوافع والعواطف وملامح الشخصية وأشكال المعرفة. غالبًا ما يصف الداروينيون الأدبيون أعمالهم على أنها «نقد ثقافي حيوي»، إذ يعود السبب إلى تركيزهم على العلاقات القائمة بين الأحكام المتوارثة جينيًا والتكوينات الثقافية المحددة.[4]

لا يسعَ غالبية الداروينيين الأدبيين إلى خلق «نهج» أو «حركة» إضافية في النظرية الأدبية وحسب، بل يرغبون في إحداث تغيير جذري في النموذج الذي تُجرى فيه الدراسة الأدبية في الوقت الحاضر. يريد الداروينيون الأدبيون خلق تواؤم جديد بين التخصّصات، ليشمل جميع النهج الأخرى القابلة للتطبيق في إطار الدراسة الأدبية في نهاية المطاف.

شارك الداروينيون الأدبيون إدوارد أو. ويلسون في مسعاه من أجل تحقيق «توافق في الأدلة» بين جميع الأفرع التعليمية. يتصوّر الداروينيون الأدبيون الطبيعة كما يتصوّرها ويلسون، أي بصفتها مجموعةً متكاملةً من العناصر والقوى الممتدّة على طول سلسلة متّصلة من العلّية المادّية، التي تتدرّج من أدنى مستويات الجسيمات دون الذّرية إلى أعلى مستويات الخيال الثقافي. ينظر الداروينيون الأدبيون إلى علم الأحياء التطوّري كما ينظر إليه ويسلون، أي بوصفه مجالًا محوريًا قادرًا على توحيد العلوم الثابتة مع العلوم الاجتماعية والإنسانية. يعتقد الداروينيون الأدبيون أن تطوّر البشر مقيّد في إطار علاقتهم التكيّفية مع بيئتهم. يرى الداروينيون الأدبيون أنّ تطوّر البشر مشابه لتطوّر جميع الأنواع الأخرى، إذ يصوغ التطور الخصائص التشريحية والفسيولوجية والعصبية لجميع الأنواع؛ الخصائص التي تلعب دورًا أساسيًا في تشكيل السلوك والشعور والفكر الإنساني من وجهة نظرهم. يأخذ الداروينيون الأدبيون على عاتقهم اللجوء إلى علم الأحياء التطوري والعلوم الاجتماعية التطورية، وذلك بهدف تحديد ماهية تلك الخصائص واستخدام هذه المعلومات في دعم معرفتهم لمخرجات الخيال البشري.[5]

يتمثّل النوع الأدنى من النقد الأدبي التطوّري في تحديد الاحتياجات الإنسانية العامة والمشتركة (على سبيل المثال، البقاء والجنس والمكانة) واستخدام هذه التصنيفات في وصف سلوك الشخصيات المصوّرة في النصوص الأدبية. يتصوّر البعض الآخرين لأنفسهم شكلًا من أشكال النقد المنطوي على تحدّ تفسيري شامل: بناء تسلسل توضيحي مستمر وقادر على ربط أعلى مستويات التفسير التطوّري العلّي مع المؤثرات الاستثنائية في الأعمال الأدبية الفردية. تتضمّن أعلى مستويات التفسير العلّي في سياق علم الأحياء التطوّري التكيّف مع الانتقاء الطبيعي. يتعهّد الداروينيون الأدبيون -انطلاقًا من الفرضية القائلة بأن العقل البشري متطوّر في إطار علاقته تكيّفية مع بيئته- بتوصيف الخصائص الاستثنائية للعمل الأدبي (اللهجة والأسلوب والتنظيم الشكلي)، وتحديد موقع العمل الأدبي في السياق الثقافي، وشرح هذا السياق الثقافي بوصفه تنظيمًا معيّنًا لعناصر الطبيعة البشرية ضمن مجموعة محدّدة من الظروف البيئية (بما في ذلك التقاليد الثقافية)، وتحديد المؤلّف الضمني إضافةً إلى القارئ الضمني، ودراسة استجابات القرّاء الفعليين (على سبيل المثال، النقّاد الأدبيون الآخرون)، ووصف الوظائف الاجتماعية والثقافية والسياسية والنفسية التي يستوفيها العمل، وتحديد موقع هذه الوظائف في إطار الاحتياجات المتطوّرة للطبيعة البشرية، وربط العمل الأدبي بصورة نسبية بالأعمال الفنّية الأخرى باستخدام تصنيفات المواضيع والعناصر الشكلية والعوامل العاطفية والوظائف المستمدّة من نموذج شامل للطبيعة البشرية.[6]

شملت قائمة المساهمين في الدراسات التطوّرية في الأدب كلّ من الإنسانيين وعلماء الأحياء وعلماء الاجتماع. تبنّى بعضٌ من علماء الأحياء وعلماء الاجتماع طرقًا استطرادية بشكل رئيسي بهدف مناقشة الموضوعات الأدبية، أمّا الإنسانيون فتبنّى بعضهم الأساليب الكمّية العلمية التجريبية المعهودة للبحث في العلوم. تعاون كلّ من الباحثين في الشؤون الأدبية والعلماء في البحث الجامع ما بين الأساليب النموذجية للعمل في مجال العلوم الإنسانية، والأساليب النموذجية للعمل في مجال العلوم.[7]

انظر أيضًا

مراجع

  1. ^ For an overview of evolutionary research in the human sciences, see Human Behavior and Evolution Society نسخة محفوظة 9 ديسمبر 2019 على موقع واي باك مشين.
  2. ^ Elena Canadelli؛ Paolo Coccia؛ Telmo Pievani (2014). "Darwin and Literature in Italy: A Profitable Relationship". في Glick، Thomas F.؛ Shaffer، Elinor (المحررون). The Literary and Cultural Reception of Charles Darwin in Europe. A&C Black. ص. 483–509. ISBN:9781780937120.
  3. ^ On the conceptual character of poststructuralism, see تيري إيجلتون, "Post-structuralism" in Literary Theory: An Introduction, (Minneapolis: University of Minnesota Press, 1983); M. H. Abrams, "The Transformation of English Studies: 1930-1995", Daedalus; and Jonathan Culler, Literary Theory: A Very Short Introduction (Oxford: Oxford UP, 1997). For Darwinist critiques of "cultural constructivism," see Brian Boyd, "Getting It All Wrong"; and Joseph Carroll, "Pluralism, Poststructuralism, and Evolutionary Theory,". نسخة محفوظة 2020-06-13 على موقع واي باك مشين.
  4. ^ For introductory commentaries on evolutionary studies in the humanities, see Harold Fromm, "The New Darwinism in the Humanities" نسخة محفوظة 1 أغسطس 2020 على موقع واي باك مشين., Hudson Review; D. T. Max, "The Literary Darwinists", The New York Times; John Whitfield, "Literary Darwinism: Textual Selection", Nature; Mark Czarnecki, "The Other Darwin" نسخة محفوظة 2010-01-14 على موقع واي باك مشين., Walrus Magazine.
  5. ^ For general statements about the aims of scholars in this field, see Brian Boyd, "Literature and Evolution: A Bio-Cultural Approach"; Interview with Joseph Carroll, "What Is Literary Darwinism?"; Jonathan Gottschall, "The Tree of Knowledge and Darwinian Literary Study"[وصلة مكسورة]; Maya Lessov, A Filmed Interview with Joseph Carroll, Brian Boyd, and Jonathan Gottschall; and Marcus Nordlund, "Consilient Literary Interpretation". نسخة محفوظة 2020-06-13 على موقع واي باك مشين.
  6. ^ For an analysis of the topics and approaches in this field, see Joseph Carroll, "Evolutionary Approaches to Literature and Drama". For examples of interpretive essays by evolutionary critics, see Brian Boyd, "Art and Evolution: Spiegelman's The Narrative Corpse; Brian Boyd, "The Art of Literature and the Science of Literature" (on Lolita); Brian Boyd, "On the Origin of Comics: New York Double-Take"; Joseph Carroll, "Aestheticism, Homoeroticism, and Christian Guilt in The Picture of Dorian Gray"; Joseph Carroll, "The Cuckoo's History: Human Nature in Wuthering Heights; Joseph Carroll, "Human Nature and Literary Meaning: a Theoretical Model Illustrated with a Critique of Pride and Prejudice"; Nancy Easterlin, "Hans Christian Andersen's Fish out of Water"; Nancy Easterlin, "Psychoanalysis and the 'Discipline' of Love'" (on Wordsworth); Jonathan Gottschall, "Homer's Human Animal: Ritual Combat in the Iliad"[وصلة مكسورة]; Judith Saunders, "Evolutionary Biological Issues in Edith Wharton's The Children; and Judith Saunders, "Male Reproductive Strategies in Sherwood Anderson's 'The Untold Lie'". نسخة محفوظة 28 يناير 2020 على موقع واي باك مشين.
  7. ^ For examples of evolutionary criticism making use of empirical, quantitative methodology, see Carroll, Gottschall, Johnson, and Kruger, "Agonistic Structure in Nineteenth-Century British Novels: Doing the Math"; Jonathan Gottschall, "Greater Emphasis on Female Attractiveness in Homo sapiens: A Revised Solution to an Old Evolutionary Riddle" نسخة محفوظة 4 يناير 2011 على موقع واي باك مشين.; Jonathan Gottschall, "A Modest Manifesto and Testing the Hypotheses of Feminist Fairy Tale Studies" نسخة محفوظة 29 مايو 2010 على موقع واي باك مشين.; Jonathan Gottschall, "Response to Kathleen Ragan's 'What Happened to the Heroines in Folktales?'"[وصلة مكسورة]; Jonathan Gottschall and Marcus Nordlund, "Romantic Love: A Literary Universal?"; Johnson, Carroll, Gottschall, and Kruger, "Hierarchy in the Library: Egalitarian Dynamics in Victorian Novels نسخة محفوظة 1 أكتوبر 2011 على موقع واي باك مشين.; and Stiller, Nettle, and Dunbar, "The Small World of Shakespeare's Plays". Essays by scientists using the discursive methods typical of work in the humanities are included in the collections of essays edited by Boyd, Carroll, and Gottschall; Gottschall and Wilson; Headlam Wells and McFadden; and Martindale, Locher, and Petrov. نسخة محفوظة 2020-06-13 على موقع واي باك مشين.

Strategi Solo vs Squad di Free Fire: Cara Menang Mudah!