تنسيق الإيقاع هو تنظيم إيقاع الأصوات، وهو خاصة أسلوبية ذات تأثير ممتع في الشعر والنثر، غير أنَّ الغلو هذا التنسيق يؤدِّي إلى التصنِّع والتهاون في المعنى.[1]
وهو التدقيق الإيقاعي للأصوات أو تعاقبها في الكتابة والكلام. وهناك توسع في استخدام المصطلح ليشير إلى زمن أي نشاط ذي إيقاع، ووزنه ونبضه، المشي والرقص والتجذيف. والمعنى النوعي للمصطلح يوحي بوتيرة أو بإيقاع النثر والشعر الحر، وهو مصطلح شامل ملائم للإشارة إلى التكرار المحسوب التوكيد النبر في الكتابات غير الموزونة في اللغة الإنجليزية، خاصة في موسيقى ( قفلة). وهو خاصة أسلوبية ممتعة التأثير إذا استخدم كتناوب طبيعي باطن في الكلام للمقاطع المنبورة وغير المنبورة، أما الغلو في استعماله فيؤدي إلى الافتعال والعبث بالأصوات. [4]
تنسيق الصفات
تنسيق الصِّفات هو أن يذكر المتكلِّم جملة أسماء أو صفات متوالية، مثل الآية 23 من سورة الحشر﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ٢٣﴾ [الحشر:23]. وكقول حسان بن ثابت، من بحر الكامل:[1]
«.. وتكون هذه الصِّفة بأن يذكر الكاتب أو الشاعر شيئًا بجملة أسماء أو جملة صفات متوالية كقوله التعالى : ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ٢٣﴾ [الحشر:23] ومنه قول العبّاس بن عبد المطّلب في مدح المصطفى عليه السّلام:
وأَبيض يُسْتَسْقَى الغمامُ بِوَجهِهِ
ثمالُ اليَتَامَى عِصمَةٌ للأرامِلِ
»
وذكر فخر الدين الرازي في كتابه «نهاية الإيجاز» أيضًا، ومثِّلَ له بالآية السابقة.[3] وتحدَّث شهاب الدين الحلبي في كتابه «حسن التَّوسُّل» وعرّف التسنيق، فقال «هو أَن يذكَر الشيء بصفات متوالية.» وذكر مثله النُّويري في كتابه «نهاية الأرب». وقد سمّاه ابن أبي الإصبع المصري «حسن النَّسق» وعرَّفه، فقال «هو أن تأتي الكلمات من النّثر والأبيات من الشعر متتاليات متلاحمات تلاحمًا سليمًا مستحسنًا لا مستهجنًا.» [3]
وابن أبي الإصبع في كتابه «تحرير التَّحبير» قد عرَّف التّنسيق:
«والمستحسن من ذلك أن يكونَ كل بيت إذا أُفرد قام بنفسه واستقلَّ معناه بلفظه، وإن رَدَفَهُ مجاوره صار بمنزلة البيت الواحد، بحيث يعتقد السّامع أنَّهما إذا انفصلا تجزَّأَ حسنهما ونقص كمالهما وتقسَّم معناهما، وهما ليس كذلك، بل حالهما في كمال الحسن وتمام المعنى مع الانفراد والافتراق كحالهما مع الالتئام والاجتماع. ومنه قولابن شرف القيرواني: [3]
جاوِر علّيًا ولا تحفل بحادثة
إذا ادَّرعْتَ فلا تَسأل عن الأَسَلِ
سَلْ عنهُ وانطُق بِهِ وانظُر إليه تَجِد
مِلءَ المسامِعِ والأفواهِ والمُقَلِ
هذا من شواهد عطف بيت على بيت بالواو عطف تلاحم على ما قبله.»
وأما ابن الأثير الحلبي سمّاهُ «التَّمزيح وحسن الارتباط، وحسن التَّرتيب، وحسن النَّسق.» وعرَّفه بما يقرب من تعريف المصري. وذكر مثله ابن قيَّم الجوزيّة في كتابه «الفوائد». في قرن السابع عشر، عرِّف عبد الغني النابلسي حسن النَّسق، فقال : «هو أن يأتي المتكلِّم بسجعات من النَّثر أو أبيات من الشعر متلاحمات تلاحمًا مستحسنًا لا مستهجنًا، بحيث يكون البيت إذا أُفرد تامًّا بنفسه معناه مستقلًا بلطفه، والنّثر تكون سجعاته متِّفقة إذا تجاوزت تامة المعاني إذا انفردت، والبيت الواحد يكون فيه جمل لو أُفردت كل واحدة في حدّها حسن السكوت عليها، مرتبة مرتبطة إذا اجتعتمت، متناسقة التَّرتيب.»[3] ومثَّل بقوله، من بحر البسيط:
كالطّودِ في عظمٍ كالبدرِ في شرفٍ
كاللَّيثِ في هيبةٍ كالغيث في كرمِ
فهذا البيت مستقلِ بنفسه غير متعلِّق بما قبله ولا بما بعده، متلاحم مع بقية الأبيات، غير مستغرف المغنى بما قبله وبعده، تنفرد كل جملة منه بالمعنى اللَّطيف وتجتمع بما يليها على بهجة المدح النبي محمد. [3]
كما عرَّفه ابن حجة الحموي، فقال: «هذا النَّوع، أعني حسن النّسق ويُسمَّى التَّنسيق، من محاسن الكلام، وهو أن يأتي المتكلِّم بالكلمات من النَّثر والأبيات من الشعر متتاليات متلاحمات تلاحمًا سليمًا مستحسنًا مستبهجًا، وتكون جملها ومفرداتها متَّسقة متوالية، إذا أُفرد منها البيت قام بنفسه واستقلَّ معناه بلفظه.» غير أنَّ جلال الدين السيوطي في كتابه «الإتقان في علوم القرآن» وابن معصوم المدني في كتابه «أنوار الربيع في أنواع البديع» ذكرا رأي أصحاب البديعيات من جهة، ورأي الرازي والحلبي من جهة أخرى. [3]