ذكرت الروايات التي وصفت المعالم المكانية لطريق الهجرة النبوية 29 معلمًا متفق عليها وتختلف في تعدادها من راوي إلى آخر، ووردت في كتب ابن اسحاق وابن سعد وابن خرداذبةوالطبريوابن حبان والأزهري والإدريسي والحاكم وابن حزم وابن عبد البر والبكري وابن الأثير، والحمويوابن منظوروالنويريوابن كثير والذهبي والعصامي والأنصاري والبلادي.[6] بعد أن رسم النبي وصحابته مسير الهجرة للأيام الثلاثة الأولى وبعد أن جهّز أبو بكر الصديق راحلتين منذ أكثر من 4 أشهر من اليوم الأول للهجرة بدأ طريق الهجرة النبوية من:
منزل السيدة خديجة والحزورة
انطلق النبي محمد من منزله دار السيدة خديجة بنت خويلد بعدما أمر علي بن أبي طالب بأن ينام في فراشه وبعد أن طمأنه بأنه لن يصيبه أذى، توجه إلى دار رفيقه أبي بكر الصديق، مرورا بالحزورة وهو سوق بمكة يقع في فناء دار أم هانئ ابنة أبيطالب، وهو في الوقت الحالي موقع لمنارة الحزورةبالمسجد الحرام[7]، والحزورة هو الموضع الذي وقف به النبي وقال «واَلله إنكِ لخيرُ أرضِ اللهِ، وأحبُّ أرضِ اللهِ إلى اللهِ، ولولا أنَّ أهلكِ أخرجونيْ منكِ ما خرجْت».[8]
منزل أبي بكر الصديق وغار ثور
سار النبي محمد إلى دار رفيقه أبي بكر الصديق الذي اختاره للسير معه في هجرته الكبرى، وتوجه إلى منزله الذي يبعد عن الكعبة الشريفة 309 مترًا، ثم توجها معا إلى غار ثور في جبل ثور على مسافة 5500 شرق جنوب الكعبة ويصل ارتفاعه إلى 748 مترا عن سطح البحر، ويبعد عن نقطة الانطلاق دار أبي بكر مسافة 3 ساعات، مكث النبي وصاحبه ثلاثة أيام داخل الغار.[7][9]
اليوم الأول للهجرة
وهو فجر الأثنين الموافق للأول من ربيع الأول في السنة الأولى للهجرة، بدأ من غار ثور وانتهى بالمبيت في كراع الغميم.[10]
جبال بُشيمات
في اليوم الأول من مغادرة غار ثور انطلق الركب النبوي من الغار عن يسار جبال بُشيمات متجهين إلى الغرب، وهي سلسلة جبال متوسطة الارتفاع في جنوب غرب مكة مرورا بوادي مكة ووادي عرنة ثم الاتجاه شمالا بمحاذاة جبال بُشيمات.
روضة أم الهشيم
توجه الركب شمالا حيث أصبحت جبال بُشيمات على يمينه وجبال أبو عظام عن يساره، مرورا على روضة أم الهشيم الواقعة جنوب وادي فاطمة ديار قبيلة خزاعة.
اليوم الثاني للهجرة
وهو يوم الثلاثاء الموافق للثاني من ربيع الأول في السنة الأولى من الهجرة، بدأ من غرب عسفان وانتهى بالمبيت في الجحفة.[11]
أسفل عسفان
في اليوم الثاني من الرحلة تجاوز الركب كراع الغميم إلى غرب عسفان وهي المنطقة التي تنزلت فيها الآية التي شُرعت فيها صلاة الخوف، وهي المنطقة التي يبدأ بها الجواز لأهالي مكة في القصر والجمع باعتبارهم مسافرون.
حرة نقرى ووادي عويجاء
بعد عسفان تأتي ريع وحرة نقرى على يمين الركب، ثم وادي عويجاء بمحاذاة جبل الأخل يسارا وحرة عويجاء عن اليمين.
جبل جمدان وأسفل أمج
وبعد وادي عويجاء يأتي جبل جمدان على بعد بضعة كيلومترات عن يمين الركب النبوي، ثم المرور بأسفل أمج وهي قرية يمر بها وادي أمج.
بعد المرور على حرة البكاوية أو حرة الخليصة من طرفها الغربي وصل الركب إلى خيمة أم معبد الخزاعية لطلب الماء في طرف وادي قديد من جهة الغرب، وهي الخيمة التي ذكر الرواة ما حدث عندها من معجزة مسح النبي ﷺ على الشاة وإدرارها اللبن، وذكر ابن الأثير في أسد الغابة وصف أم معبد الخزاعية وقولها عن رسول الله ﷺ لزوجها:[12]
ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه ثُجْلة، ولم تزر به صلعة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره وَطَف، وفي صوته صحل، وفي عنقه سطع، أحور، أكحل، أزج، أقرن، شديد سواد الشعر، إذا صمت علاه الوقار، وإن تكلم علاه البهاء، أجل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق، فضل، لا نزر، ولا هذر، كأن منطقه خرزات نُظمن يتحدرن، رِبعة، لا تقحمه عين من قصر، ولا تشنؤه من طول، غُصن بين غصنين، فهو أنظر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا، وله رفقاء يحفون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا مفَنَّد
وادي قديد وحرة المشلل
مر الركب بعد مغادرة خيمة أم معبد بوادي قديد، وهو وادي يبلغ طوله 150 كيلومترا ينحدر من جهة الشرق ويصب في البحر الأحمر، ثم حرة المشلل وتعرف اليوم بحرة القديدية وتقع شرق المتجه من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة.
وادي كُلية
عند وادي كُلية عرض سراقة بن مالك للركب النبوي قاصدًا قتل النبي، وكانت قريش قد رصدت جائزة 100 ناقة لمن يردّ محمدًا عليهم، فدعا عليه النبي فساخت قوائم فرسه فتراجع سراقة وطلب وقال «يا محمد أدع الله أن يطلق فرسي وأرجع عنك وأرد من ورائي»، ففعل فأطلق فرسه ورجع فوجد الناس يلتمسون محمدا فقال لهم: «ارجعوا فقد استبرأت لكم ما ههنا» فرجعوا عنه.
الجحفة
وهو المكان الذي تنزلت فيه آية «إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد» وذلك تسلية للنبي محمد إذ بدى عليه اشتياقه إلى مكة، والجحفة أحد المواقيت المكانية التي حددها رسول الله للحجاج والمعتمرين القادمين إلى مكة من أهل الشامومصر، وفيها قابل النبي عمه العباس بن عبد المطلب في عام الفتح مهاجرا إلى المدينة المنورة.
اليوم الثالث للهجرة
وهو يوم الأربعاء الموافق للثالث من ربيع الأول في السنة الأولى للهجرة، بدأ من غدير وادي الخرار وانتهى بالمبيت في وادي لقف.[13]
وفي اليوم الثالث سار الركب باتجاه غدير خم أحد المعالم المشهورة لوقوف النبي عنده أثناء عودته من حجة الوداع وإلقاء خطبة اثنى فيها على علي بن أبي طالب، وهو غدير يقع في وادي الخرار، ثم توجه الركب إلى ثنية المرة مرورا بماء أحياء التي ارتبطت فيما بعد بحادثة إرسال النبي سرية عبيدة ابن الحارث بن عبد المطلب إلى موقع ماء أحياء مع ثمانين من مهاجري الصحابة لاعتراض أبي سفيان.
ريع أبو دويمة وريع الحُميَّا
وصل الركب النبوي إلى وادي لقف ثم إلى ريع أبو دويمة ثم ريع الحميَّا، ويبلغ طوله 600 مترا وقد واصل الركب النبوي سيره شمالا مرورا بوادي الساد وتلعة المصيدرة وخشوم المشتظلات إلى ريع الحميَّا، ويعتبر هذا الريع منذ القدم معبرا على مر العصور ودل على ذلك وجود آثار طريق للجمال وآثار بعض الأحواض القديمة المبنية بالحجارة.
مقرح الرِّجلين ووادي الحامضة
مقرح الرجلين هو ممر يصل بين مسيل حيا ووادي الحامضة، ويبلغ طوله نحو 1800 مترا، ويعتبر ممرًا آمنًا من السيول وقد عبره الركب إلى وادي الحامضة، الذي يجري من الشرق إلى الغرب ثم إلى وادي الرِتقة.
تلعة أم الحَب وحرّة القصيبة
استمر مسار الركب من تلعة أم الحَب التي تتواجد بها قبور دلت على مرور القوافل بها قديمًا، ثم إلى حرّة القصيبة وهي حرّة طويلة يعرف جانبها الجنوبي بحرّة الصُعيب وجابنها الشمالي بحرّة القُصيبة.
وادي الفرع وجبل المليساء
بعد أن هبط الركب النبوي من حرّة القُصيبة واصل السير في وادي الفرع مرورا بمحاذاة جبل المليساء من الجانب الغربي للجبل إلى وادي لقف، ويعتبر وادي الفرع من الأودي الكبيرة في منطقة الحجاز ويبلغ عرض الوادي في المسافة التي سار فيها الركب نحو 350 مترًا.
اليوم الرابع للهجرة
وهو يوم الخميس الموافق للرابع من ربيع الأول في السنة الأولى للهجرة، بدأ من مدلجة لقف وانتهى بالمبيت في بئر الطلوب.[14]
مدلجة لقف ووادي مجاح
انطلق الركب النبوي في اليوم الرابع باتجاه مدلجة لقف وهي المدلجة الأولى التي سلكها الركب، ثم إلى مدلجة مجاح والتي تصل بين وادي مجاح ومدلجة لقف، قاطعا وادي مجاح الذي يسير من الشرق إلى الغرب.
مرجح مجاح ومرجح ذوي العصوين
وفي اليوم الرابع قطع الركب النبوي وادي مجاح ليلتقي بوادي الفرع ووادي القاحة، وسار باتجاه الشمال قاطعا مرجح ذوي العصووين إلى ريع أم كشد ثم وادي أُجيرد الذي يتجه للشمال الغربي ثم ينعطف باتجاه الشمال الشرقي.
بطن ريع ومدلجة تعهن
مر الركب على بطن ريع بعد أن قطع وادي أجيرد وراءه ثم وادي ذي سلم مرورا بمدلجة تعهن متجها إلى وادي القاحة وهي المدلجة الثالثة التي سلكها الركب النبوي.
الغثريانة ووادي القاحة
الغثريانة هو فج يأتي من وادي القاحة إلى وادي تعهن، ويُعرف باسم العباببيد والعبابيب، وقد مر به الركب النبوي قاطعا بئر الطلوب متجهًا إلى وادي القاحة وهو واحد من أودية منطقة الحجاز الكبيرة وينطلق من الشمال وينتهي بالالتقاء بوادي الفرع، وفي هذا الطريق يلتقي طريق الهجرة النبوية بطريق الجادة العظمى «طريق القوافل والأنبياء» الذي مرّ عن طريقه الأنبياء والحكماء والعلماء متجهون إلى مكة المكرمة.
اليوم الخامس للهجرة
وهو يوم الجمعة الموافق للخامس من ربيع الأول في السنة الأولى للهجرة، بدأ من بلدة العرج وانتهى بالمبيت في وادي العرج.[15]
العرج
مر الركب النبوي في اليوم الخامس من العرج وهي مستوطنة قديمة في وادي العرج وسمّي بذلك لتعرج خطوطه، ومن الأحداث التي حدثت في هذا الموقع بين وادي العرج والطلوب أن النبي محمد حينما كان في طريقه إلى مكة عام الفتح وفيما كان بين العرج والطلوب نظر إلى كلبة تهر عن أولادها وهم حولها يرضعونها، فأمر جميل بن سراقة أن يقوم بجانبها لا يعرض لها أحد من الجيش ولا لأولادها.
اليوم السادس للهجرة
هو يوم السبت الموافق للسادس من ربيع الأول في السنة الأولى للهجرة، بدأ من جبل ركوبة وانتهى بالمبيت في وادي ريم.[16]
جبل ركوبة وجبل مشروان
بدأت مسيرة الركب النبوي في هذا اليوم من ركوبة وهو جبل يفصل بين جبال عوف وجبل ورقان، وقد مر به الركب عن يمينه متابعا السير إلى جبل مشروان ثم وادي الريم.
جبل ورقان ووادي الخاطر
عُرف جبل ورقان قديما بجبل حمت ومر به الركب أثناء مسيره بركوبة وجبل مشروان، وورد أن النبي محمد في طريقه إلى حجة الوادع نزل مسجد عرق الظبية وهو المسجد الذي قبل الروحاء وقال «أتدرون ما اسم الجبل؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال هذا حمت جبل من جبال الجنة اللهم بارك لنا فيه وبارك لأهله». مر الركب مجتازا جبل ورقان عبر وادي الخاطر المتصل بوادي الرس.
وادي حفر ووادي ريم
قطع الركب النبوي وادي الرس ليواصل سيره في وادي حفر إلى وادي ريم متجهًا إلى الخلائق ثم الجثجاثة، وفي وادي ريم أدرك أبو معبد الخزاعي زوج أم معبدالنبي محمد ودخل في الإسلام.
اليوم السابع للهجرة
هو يوم الأحد الموافق للسابع من ربيع الأول في السنة الأولى للهجرة، بدأ بآبار الماشي وانتهى بالمبيت في قرية الجثجاثة.[17]
الخلائق ووادي العقيق
عبر الركب النبوي وادي ريم ليسلك الجثجاثة مرورا بالخلائق والتي تعرف اليوم بآبار الماشي نسبة إلى المسافرين الذين يسافرون على أرجلهم، ثم إلى وادي العقيق أشهر الأودية التي تمر بالمدينة المنورة وقد سار الركب النبوي في وادي العقيق إلى طريق الظبي باتجاه قباء.
الجثجاثة
تقع الجثجاثة قبل جبل حمراء الأسد وهي قرية قديمة على بعد 16 ميلا من المدينة المنورة، وقد مر بها الركب النبوي وتغدّى بها وكانت هي آخر محطة بات فيها الركب قبل الوصول إلى قباء.
توجه الركب النبوي باتجاه قباء من خلال طريق الظبي وكان جبل حمراء الأسد في مواجهة الركب النبوي، وهو جبل يقع خارج حدود الحرم للمدينة المنورة، وله شهرة في التاريخ بسبب الحادثة التي وقعت بعد غزوة أحد حيث اجتمع كفار قريش عنده لإعادة الهجوم على المسلمين فذهب النبي لمطارتهم.
روضة خاخ وطريق الظبي
مر الركب النبوي بمحاذاة روضة خاخ بعد أن اجتاز جبل حمراء الأسد، ثم أخذ الركب النبوي طريق الظبي الموصل إلى حي العصبة ثم ديار بني أنيف ثم إلى قباء المحطة النهائية.
قباء
وهي المحطة النهائية في مسار الهجرة النبوية، حيث نزل الركب فيها على ديار عمرو بن عوف، وقد اشتهرت هذه المنطقة ببناء أول مسجد والذي أطلق عليه مسجد قباء أول مسجد بُني في الإسلام. وأقام النبي في قباء أربع ليال ابتداء من يوم الأثنين آخر أيام الرحلة النبوية حتى ليلة الجمعة، وغادرها متجهًا إلى المدينة المنورة ليقيم في ديار بني النجار حيث موقع مسجده اليوم والذي عُرف على مر التاريخ بالمسجد النبوي، ونزل في منزل أبي أيوب الأنصاري لمدة ستة أشهر إلى أن بنى منزله شرقي المسجد النبوي.
^كتاب التتبع المكاني والزماني لمعالم طريق الهجرة النبوية في روايات العلماء، القاضي عبد الله، 1432هـ 2011م، مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة، صفحة 20
^ ابكتاب انتاج أول خريطة رقمية شاملة للمعالم المكانية لطريق الهجرة النبوية، القاضي عبد الله، 1432هـ 2011م، مجلة جامعة الملك سعود فرع العمارة والتخطيط، صفحة 39