هو من أعلام الشعر العربي المعاصر، الخواجات بالمنصورة وقد أطلق على الشارع الذي يقع فيه البيت اسم شارعنا الكبير، ولا يزال البيت على حاله حتى اليوم!
التحق بمدرسة الفنون التطبيقية في القاهرة ودرس فيها هندسة المباني وتخرج منها عام 1924م، تم تعيينه آخر الأمر وكيلا لدار الكتب ليتفرغ للشعر والإبداع وتوفي عام 1949م.
و كان الأدب يستهويه على الرغم من ضعفه به في اللغة العربية استطاع أن يتلافاه بالحفظ والمتابعة والدراسة المتانية لقواعد اللغة العربية بمدة قياسية بسبب نباهته .
أثر جمال الطبيعة على أشعاره
أتيح له بعد صدور ديوانه الأول «الملاح التائه» عام 1934م فرصة قضاء الصيف في السياحة في أوروبا يستمتع بمباهج الرحلة في البحر ويصقل ذوقه الفني بما تقع عليه أشعاره كانت مثار إعجاب الشعراء.
علي محمود طه من أعلام مدرسة أبولو التي أرست أسس الرومانسية في الشعر العربي ويقول عنه أحمد حسن الزيات: «كان شابًّا منضور الطلعة، مسجور العاطفة، مسحور المخيلة، لا يبصر غير الجمال، ولا ينشد غير الحب، ولا يحسب الوجود إلا قصيدة من الغزل السماوي ينشدها الدهر ويرقص عليها الفلك».
كان التغني بالجمال أوضح في شعره من تصوير العواطف، وكان الذوق فيه أغلب من الثقافة. وكان انسجام الأنغام الموسيقية أظهر من اهتمامه بالتعبير. قال صلاح عبد الصبور في كتابه «على مشارف الخمسين»: قلت لأنور المعداوي: أريد أن أجلس إلى علي محمود طه. فقال لي أنور: إنه لا يأتي إلى هذا المقهى ولكنه يجلس في محل «جروبي» بميدان سليمان باشا. وذهبت إلى جروبي عدة مرات، واختلست النظر حتى رأيته.. هيئته ليست هيئة شاعر ولكنها هيئة عين من الأعيان. وخفت رهبة المكان فخرجت دون أن ألقاه، ولم يسعف الزمان.
يرى د. سمير سرحان ود. محمد عناني أن «المفتاح لشعر هذا الشاعر [علي طه] هو فكرة الفردية الرومانسية والحرية التي لا تتأتى بطبيعة الحال إلا بتوافر الموارد المادية التي تحرر الفرد من الحاجة ولا تشعره بضغوطها.. بحيث لم يستطع أن يرى سوى الجمال وأن يخصص قراءاته في الآداب الأوروبية للمشكلات الشعرية التي شغلت الرومانسية عن الإنسان والوجود والفن، وما يرتبط بذلك كله من إعمال للخيال الذي هو سلاح الرومانسية الماضي.. كان علي محمود طه أول من ثار على وحدة القافية ووحدة البحر، مؤكداً على الوحدة النفسية للقصيدة، فقد كان يسعى - كما يقول الدكتور محمد أبناء جيحسين هيكل في كتابه ثورة الأدب - أن تكون القصيدة بمثابة "فكرة أو صورة أو عاطفة يفيض بها القلب في صيغة متسقة من اللفظ تخاطب النفس وتصل إلى أعماقها من غير حاجة إلى كلفة ومشقة.. كان على محمود طه في شعره ينشد للإنسان ويسعى للسلم والحرية؛ رافعاً من قيمة الجمال كقيمة إنسانية عليا..».
وقد ترك أثرا كبيرا على الشعراء الذين جاؤوا بعده فقد كتب في جميع الأغراض التي شكلت ميداناً لغيره من الشعراء، كالغزل والرثاء والمدح والفلسفة والحكمة والتأمل. وتنوعت قوافيه وفنونه، لكن أكثر ما يشد القارئ هي تلك اللغة والصور الحسية التي يرسمها الشاعر في قصائده ناهيك عن تلك النزعة الرومانسية التي بدت غامرة في ديوانه الملاح التائه والذي كان صدى لرغبات له واهتماماتهم، فيقول:
أيّها الملاح قم واطو الشّراعا
لم نطو لجّة اللّيل سراعا
جدّف الآن بنا في هينة
وجهة الشّاطئ سيرا واتّباعا
فغدا يا صاحبي تأخذنا
موجة الأيّام قذفا واندفاعا
عبثا تقفو خطا الماضي الذي
خلت أنّ البحر واراه ابتلاعا
لم يكن غير أويقات هوى
وقفت عن دورة الدّهر انقطاعا
فتمهّل تسعد الرّوح بما
وهمت أو تطرب النّفس سماعا
ودع اللّيلة تمضي إنّها
لم تكن أوّل ما ولّى وضاعا
سوف يبدو الفجر في آثارها
ثمّ يمضي في دواليك تباعا
هذه الأرض انتشت ممّا بها
فغّفت تحلم بالخلد خداعا
قد طواها اللّيل حتى أوشكت
من عميق الصّمت فيه أن تراعا
إنه الصّمت الذي في طيّه
أسفر المجهول والمستور ذاعا
سمعت فيه هتاف المنتهى
من وراء الغيب يقريها الوداعا
أيّها الأحياء غنّوا واطربوا
وانهبوا من غفلات الدّهر ساعا
آه ما أروعها من ليلة
فاض في أرجائها السّحر وشاعا
نفخ الحبّ بها من روحه
ورمى عن سرّها الخافي القناعا
وجلا من صور الحسن لنا
عبقريّا لبق الفنّ صناعا
نفحات رقص البحر لها
وهفا النّجم خفوقا والتماعا
وسرى من جانب الأرض صدى
حرّك العشب حنانا واليراعا
بعث الأحلام من هجتها
كسرايا الطّير نفّرن ارتياعا
قمن بالشّاطئ من وادي الهوى
بنشيد الحبّ يهتفن ابتداعا
أيّها الهاجر عزّ الملتقى
وأذبت القلب صدّا وامتناعا
أدرك التائه في بحر الهوى
قبل أن يقتله الموج صراعا
وارع في الدّنيا طريدا شاردا
عنه ضاقت رقعة الأرض اتّساعا
ضلّ في اللّيل سراه، ومضى
لا يرى في أفق منه شعاعا
يجتوي اللاّفح من حرقته
وعذاب يشعل الرّوح التياعا
والأسى الخالد من ماض عفا
والهوى الثّائر في قلب تداعى
فاجعل البحر أمانا حوله
واملأ السّهل سلاما واليفاعا
وامسح الآن على آلامه
بيد الرّفق التي تمحو الدّماعا
وقد الفلك إلى برّ الرّضى
وانشر الحبّ على الفلك شراعا
معانى الكلمات:
لجّة الليل: ظلام الليل.
هينة: بطء.
في هذه القصيدة (الملاح التائه) تتبدى وحشة الشاعر وخوفه من المجهول ورغبته الشديدة في اغتنام الفرصة والفوز بملذات الحياة قبل فوات الأوان.
أما قصائده الوطنية فهي كثيرة تكشف عمق التصاقه بوطنه وحبه له. ولعل قصيدة (بعد مائة عام) التي قيلت في ذكرى مرور مائة عام على وفاة محمد علي الكبير ما يكشف عن شدة تعلقه بمصر وبرموزها.
من هذه الروح وهذا الجبين
يضيء في مصر منار السنين
أشعة من بسمات المنى
ومن رجاء كالصباح المبين
ومن قوى مشبوبة كاللظى
عارمة لا تنثني، لا تلين
خطت بناء الملل ثم ارتقت
تبني له المجد الرفيع المكين
يضم ديوان على محمود طه عدة مجموعات شعرية هي الملاح التائه، ليالي الملاح التائه، أفراح الوادي، أرواح وأشباح، زهر وخمر، الشوق العائد، هي وهو صفحات من حب شرق وغرب.
أين يا فينسيا هاتيك المجالــي ****** أين عشـــــــاقك سمّـــــــار الليـــــــــالي
أين من عينيّ يا مهد الجمــــال ****** موكــب الغــــيد وعيــــد الكرنفــــــــــال
يا عروس البحر يا حلم الخيــــــــــــــال
وفاته
كان قضاء الله أسبق على علي محمود طه فما كاد يفرغ نفسه للشعر حتى عاجله القدر، فقد مات علي محمود طه في 17 نوفمبر سنة 1949 إثر مرض قصير «شلل نصفي مفاجئ» لم يمهله كثيراً وهو في قمة عطائه وقمة شبابه، ودفن بمسقط رأسه بمدينة المنصورة مدينة العباقرة، ورغم افتتانه الشديد بالمرأَة وقصائده حولها إلا أنه لم يتزوج فرحل عن الدنيا وهو في الثامنة والأربعين!