تمثّل هذه السورة طرقات على الحس. طرقات عنيفة قوية عالية، وصيحات عنيفة قوية عالية، وصيحات بنوم غارقين في النوم... تتوالى تلك الطرقات والصيحات بإيقاع واحد، ونذير واحد. (اصحوا. تيقظوا. انظروا. تلفتوا. تفكروا. تدبروا) إن هنالك إلهاً. وإن هنالك تدبيراً. وإن هنالك تقديراً. وإن هنالك ابتلاء. وإن هنالك حساباً وجزاء. وإن هنالك عذاباً شديداً ونعيماً كبيراً وفي هذه السورة إيقاعات فيها حدة يشارك فيها نوع المشاهد، ونوع الإيقاع الموسيقي، وجرس الألفاظ، وإيحاء المعاني.
ومن مشاهدها: الطارق. والثاقب. والدافق. والرجع. والصدع.
ومن معانيها: الرقابة على كل نفس: ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ٤﴾. ونفي القوة والناصر ﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ٩ فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ ١٠﴾
والوعيد فيها يحمل الطابع ذاته ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ١٥ وَأَكِيدُ كَيْدًا ١٦ فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ١٧﴾ [الطارق:15–17]) !
وتكاد تتضمن تلك الموضوعات التي أشير إليها: (إن هنالك إلهاً. وإن هنالك تدبيراً. وإن هنالك تقديراً. وإن هنالك ابتلاء. وإن هنالك تبعة. وإن هنالك حساباً وجزاء...إلخ)
وبين المشاهد الكونية والحقائق الموضوعية في السورة تناسق مطلق دقيق ملحوظ يتضح من استعراض السورة في سياقها القرآني الجميل.[4]
سبب التسمية
سُمّيت سورة (الطارق) بهذا الاسم، لورود لفظ (الطارق) في مستهلها.[5]
﴿وَأَكِيدُ كَيْدًا﴾ لإظهارِ الحقِّ ولو كَرِهَ الكَافِرُون، وَلِدَفْعِ ما جَاءُوا به من الباطلِ وَيُعْلَمُ بهذا مَنِ الغَالِبُ؛ فَإِنَّ الآدَمِيَّ أضعفُ وَأَحْقَرُ من أن يُغَالِبَ القَوِيَّ الْعِلْمِ في كَيْدِهِ.
﴿أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾ أي: قَلِيلًا، فَسَيَعْلَمُونَ عَاقِبَةَ أَمْرِهِمْ، حين ينزلُ بهم العقابُ.[7]
من فقه السورة
قال ابن فرس: قوله تعالى: {فمهل الكافرين أمهلهم رويدًا}:في هذه الآية موادعة، وهي منسوخة بآية السيف.[8]
أخرج الترمذي والنسائي بإسناد صحيح عن جابر بن سمرة: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقرأ في الظهر والعصر، بـ {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} و{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} ونحوهما.[9]
اختلاف القراءات
قَوْله ﴿إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ﴾ قَرَأَ ابْن كثير وَنَافِع وَأَبُو عَمْرو والكسائى {لما} خَفِيفَة ،وَقَرَأَ عَاصِم وَابْن عَامر وَحَمْزَة {لما} مُشَدّدَة.[10] قال أبو منصور: من قرأ (لَمَّا) مشددا فمعناه: (إلاَّ) بلغة هُذَيل.و (إنْ) بمعنى: (مَا) الجَحْد.المعنى: ما مِنْ نَفْس إلا علَيْها حافط.ومن قرأ (لَمَا) خفيفة جعل (مَا) مؤكدة، والمعنى: إن كُل نَفْس لَعَلَيْهَا حافظ.[11]
^تفسير الطبري = جامع البيان عن تأويل آي القرآن ،المؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري ،تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: دار هجر ،الطبعة: الأولى، 1422 هـ - 2001 م، 24 / 288.
^الكشف والبيان عن تفسير القرآن، المؤلف: أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان ،الطبعة: الأولى 1422، هـ - 2002 م، 10 / 177.
^تفسير غريب القرآن، المؤلف: كاملة الكواري ،الناشر: دار بن حزم ،الطبعة: الأولى،، 2008 م، ص 86.
^أحكام القرآن ،المؤلف: أبو محمد عبد المنعم بن عبد الرحيم المعروف «بابن الفرس الأندلسي،الناشر: دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان ،الطبعة: الأولى، 1427 هـ - 2006 م، 3 /615.
^حسن صحيح. انظر صحيح سنن الترمذي (252)، وصحيح سنن النسائي (936).
^السبعة في القراءات، المؤلف: أحمد بن موسى بن العباس التميمي ،المحقق: شوقي ضيف،الناشر: دار المعارف - مصر ،الطبعة: الثانية، 1400هـ، ص 678.
^معاني القراءات، المؤلف: محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، الناشر: مركز البحوث في كلية الآداب - جامعة الملك سعود - المملكة العربية السعودية ،الطبعة: الأولى، 1412 هـ - 1991 م، 3 /138.