إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي هو فقيه ولد في حوالي 1460 في مدينة حلب، وتوفي في 1549 في إسطنبول حيث عاش مُعظم حياته، عُرف كأحد أذكى رجال القانون في عصره، وأهم أعماله كتاب "ملتقى الأبحر" الذي أصبح الدليل القياسي لمدرسة الحنفية في الإمبراطورية العثمانية.[3][4] و"غنية المتملي في شرح منية المصلي" و"مختصر طبقات الحنابلة" و"تلخيص القاموس المحيط" و"تلخيص الفتاوي التاتارخانية" و"تلخيص الجواهر المضية في طبقات الحنفية.
لا يُعرف الكثير من التفاصيل عن حياة إبراهيم الحلبي، حيث لا تقدم المصادر المعاصرة المتوفرة سوى الخطوط العريضة لمسيرته المهنية، جميع الحقائق المعروفة قدمت في أطروحة دكتوراه هاس (1981)، [6] وقد وجدت جميعها تقريبًا في مصدر واحد، وهو قاموس السيرة الذاتية «الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية» الذي جمعه أحمد بن مصطفى بن خليل، أبو الخير، عصام الدين طاشْكُبْري زَادَهْ المتوفي سنة 1561.[4]
يُشير اسم الحلبي إلى مدينة حلب التي كانت جزءا من سلطنة المماليك، حيث ولد وتلقى تعليمه الأولي، كما حضر محاضرات في دمشق وأهله ذلك لأن يكون إماموخطيب في حلب.
انتقل الحلبي إلى إسطنبول عاصمة الإمبراطورية العثمانية في حوالي عام 1500، وسرعان ما أصبح إمامًا وخطيبًا في العديد من المساجد حتى تم تعيينه إمام وخطيب مسجد الفاتح، كما عُين مدرسًا في «دار القرع الجديد» الذي أنشأه شيخ الإسلامسعيد شلبي، وفي إسطنبول كتب الحلبي وأشهر أعماله ونشرها وهو «ملتقى الأبحر».[7]
يُدرج الدبلوماسي والمؤرخ النمساوي جوزيف فون هامر (1774-1856) الحلبي في قائمة العشرة الأوائل في كتابه «الشّرعيون العميقون» في القرن السادس عشر، العصر الذهبي العثماني.[8]
أعماله
صنف كتباً منها «ملتقى الأبحر» و«غنية المتملي شرح منية المصلي» و«تلخيص شرح الهداية» لابن الهُمَام، و«تلخيص التاتارخانية»، و«تلخيص القاموس»، و«شرح ألفية العراقي»، و«رسالة في المسح على الخفين» و«نعمة الذريعة في نصرة الشريعة» رداً على«الفصوص»، و«تنبيه الغبي في تكفير ابن عربي» رداً على السيوطي، و«مختصر الجواهر المضية».[9]
قدم «هاس» قائمة بكتابات الحلبي،[10] حيث تحتوي قائمته على إضافات وتصحيحات مهمة للقوائم السابقة، لا سيما القائمة التي قدمها كارل بروكلمان.[11]
من أهم مؤلفاته:
«غنية المتملي في شرح منية المصلي لمحمد الكاشغري» المعروف باسم «الحلبي الكبير»، يشرح كتاب الحنفي الكبير الذي أشتمل كثيراً من الأصول والأحكام الفقهية في مختلف فروع الدين ومسائله حيث عرفها وفصلها وشرحها شرحاً وافياً مزيلاً الإلباس عن الغامض منها.[12]
«مختصر غنية المعملي في شرح منية المصلي»، المعروف باسم «الحلبي الصغير».[13]
«الفوائد المنتخبه من الفتاوى التاتارخانيه»، مختارات من الفتاوى المختارة،[14] جُمعت بأمر من خان عزام تتارخان أحد النبلاء في بلاط محمد شاه الثاني (حكم من 1325 إلى 1351) من سلالة أغلاق في شمال الهند.
«الرهص والوقص لمستحل الرقص: حكم الحضرة في الإسلام»، ينتقد فيه الممارسات الصوفية المتطرفة مثل الرقص والمولوية.[18]
الأعمال الأخرى الأقل شهرة هي:
«نعيم سورة النبي وشرحه»، سيرة مؤنَّفة لنبي الإسلام محمد مكونة من 63 آية، مع شرح المؤلف نفسه.
«العيلة الشريفة»، يتحدث فيه عن نبي الإسلام محمد وفضائله ويستند بشكل أساسي على كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى لكاتبه القاضي عياض (المتوفي سنة 1149).
«كتاب فصول الأربعين،» مجموعة مختارة من الأحاديث النبوية مرتبة في أربعين فصل.
شرح قصيدة لشرف الدين إسماعيل بن مقري اليماني المتوفي سنة 1433، عالم شافعي.
مؤلفات منسوبة
من المؤلفات التي نُسبت خطأً إلى إبراهيم الحلبي:[19]
«سلك النظام في شرح جواهر الكلام»، وهو كتاب ألفه إبراهيم بن مصطفى الحلبي،[20] يشرح فيه كتاب «جواهر الكلام».
«درة الموحدين وديرة الملحدين»، كتاب ألفه إبراهيم بن شيخ الإسلام موسى الحلبي،[21] لحث السلطان بايازيد الثاني (حكم من 1481 إلى 1512) على اتخاذ إجراءات ضد اضطهاد المسلمين السنة في ظل حكم السلالة الصفوية.
«تحفة الأخيار»، وهو كتاب ألفه «إبراهيم بن مصطف الحلبي» المتوفي سنة 1776.[22]
الملتقى
يُعتبر كتاب «ملتقى الأبحر» من أشهر أعمال إبراهيم الحلبي حيث أكمله في 23 رجب923 هـ (11 سبتمبر 1517)، [23][24] وهو عبارة عن تلخيص لعدد من التجميعات المعيارية السابقة للفقه الحنفي، حيث يشير المؤلف بدقة إلى مواضع الاتفاق والاختلاف في هذه المصادر الفقهية الحنفية، ويقدم إرشادات وإشارات إلى الآراء القانونية التي يُقدر ويصنفها بالأصح، أو الأقوى، أو الأرجح، مع الإشارة إلى الرأي المفضل، في الرأي القانوني الرسمي (المختار للفتوى).[25]
يشار إلى الكتاب عادةً باسم «الملتقى» (بالتركية: Mülteka) ويتميز بأنه عمل شامل وموجز ومكتوب بأسلوب بسيط، [26] واكتسب بهذه الصفحات سمعته ككتاب مرجعي مناسب للقضاة، وجعلته كتابًا قياسيًا في المدارس العثمانية في عهد السلطان سليمان الثاني «العظيم» (حكم 1520-1566)، ليحل محل كتاب كنز الدقائق «لمؤلفه أبي البركات حافظ الدين النسفي»، [27] واحتفظ الكتاب بأهميته لثلاثة قرون.
كُتبت العديد من التعليقات على الملتقى خلال القرون اللاحقة له، مما يدل على شعبيته، وقد تُرجم الكتاب إلى اللغة التركية، كما لاحظ العديد من المراقبين الأوروبيين الوضع القانوني «للملتقى» حيث لاحظ جيمس لويس فارلي أن «السلطان يحكم الأتراك، لكن القرآن والملتقى يحكمان السلطان».[28]
احتفظ الملتقى بأهميته حتى السنوات الأخيرة من الإمبراطورية العثمانية، وتضمنت مجلة الأحكام العديلة وهي القانون المدني العثماني الصادر عام 1877، عددًا كبيرًا من المقاطع المترجمة مباشرةً من «الملتقى»، [29] كما تم إنتاج اثنتي عشرة نسخة مطبوعة من النص في إسطنبول بين عامي 1836 و1898 [11]
استخدم الباحث الألماني البريطاني جوزيف شاخت «الملتقى» كمصدر أساسي للقسم المنهجي في مقدمة كتابه (بالإنجليزية: Introduction to Islamic law) «مقدمة في الشريعة الإسلامية» (1964)، ووصف «الملتقى» بأنه «أحد أحدث البيانات وأكثرها احترامًا لعقيدة مدرسة الحنفية، التي تقدم الشريعة الإسلامية في شكلها النهائي الكامل التطور».[30]
مصادر الملتقى
يذكر المؤلف في مقدمته الموجزة عن «الملتقى» الكتب الأربعة التي أعتمد عليها عمله، وهي:
«المختار للفتوى» لأبي الفضل مجد الدين عبد الله بن محمود الموصلي (ت 1284).[32]
«كنز الدقايق في فروع الحنفية» لحافظ الدين أبو البركات عبد الله بن أحمد النسفي (ت 1310).[33]
«وقاية الرواية في مسائل الهداية» لبرهان الدين محمود بن عبيد الله المحبوبي (ت 1312).[34]
التعليقات
أصبح الملتقى الكتيب الأكثر شعبية وأهمية في فقه الحنفية، وتم تحديد أكثر من خمسين عمل يتحدث عنه أو يشرحه، [35] كان أولها لسليمان بن على القرماني (المتوفى في 1518) بعد فقط عام من اكتمال الملتقى، وتم تأليف أول شرح لا يزال موجودًا في عام 1587، بينما يرجع تاريخ أحدث شرح إلى عام 1862، ومن أهمها:
«مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر» لعبد الرحمن بن محمد بن شيخ سليمان، المعروف بشيخي زاده المتوفي سنة 1667.[36][37]
«الدر المنتقى في شرح الملتقى» لعلاء الدين الحصكفي؛ محمد بن علي بن محمد الحصني المعروف بعلاء الدين الحصكفي، المتوفي سنة 1677.[38]
الترجمات
في عهد السلطان إبراهيم الأول الذي حكم من 1640 إلى 1648، تُرجم الملتقى إلى اللغة التركية مع شرح الشيخ زادة، بعنوان «مفكفات»، [39][40] وقد أعده محمد موقوفي (مفكفاتي محمد أفندي) بأمر من الوزير الأعظم مصطفى باشا، وظهرت النسخ المطبوعة الأولى من هذا العمل في بولاق في 1838، وفي إسطنبول في 1852، [41] «وما زالت» الطبعات الحديثة المطبوعة من مفكفات بالحروف اللاتينية تُنشر في تركيا، [42] ويوجد ترجمات تركية حديثة للملتقى بتعليقات حديثة.[43][44]
لم يتم إجراء ترجمة كاملة للملتقى إلى لغات أوروبية غربية، بالرغم من مكانته المركزية في النظام القانوني العثماني، كما لاحظها مراقبون أوروبيون في ذلك الوقت، بينما قدم إيجناتيوس مرادجيا داوسون[الإنجليزية]، [45] وهنري سوفير[46] ترجمات لفصول مختارة إلى اللغة الفرنسية.[47]
وصلات خارجية
مُلتقى الأبحر (ملف بي دي إف للنص المطبوع المنشور عام 1309 هـ الموافق 1891 بواسطة دير السعادة، إسطنبول، مع جدول محتويات شامل لكن الصفحة الأخيرة من النص مفقودة.)
^Has, Şükrü Selim (1981). A study of Ibrāhīm al-Ḥalabī with special reference to the Multaqā. Edinburgh University: PhD thesis. ص. 162.
^İslâm Ansiklopedisi. Türkiye Diyanet Vakfı. ج. 7. 1993. ص. 231–232.
^Brockelmann (G II 432), erroneous ascription to Ibrāhīm al-Ḥalabī; see Has (1981:82, 162), who refers to Köprülü ms. 720 for the name of the real author (no dates known).
^von Hammer, Joseph (1815). Des osmanischen Reichs Staatsverfassung und Staatsverwaltung. Wien: Camesinasche Buchhandlung. ص. 28. مؤرشف من الأصل في 2017-04-10. reports that d'Ohsson had planned to supply a complete translation of the "Multaqā", which he deems "perfectly useful" ("so wird auch eine volkommene Uebersetzung desselben, wie sie Mouradgea d'Ohsson ganz zu liefern sich vornahm … zu einer gründlicher Kenntnis der islamitischen bürgerlichen Gesetzgebung und des osmanischen Privatrechtes vollkommen hinlänglich sein"